التحديات التي تواجه البنوك المركزية واستقلاليتها في أعقاب أزمة كورونا

تسببت القيود والإغلاق الواسع النطاق لإدارة وباء كورونا في حدوث صدمات اقتصادية سلبية هائلة وفورية لكل من العرض والطلب الكليين في جميع دول العالم تقريبا، مما دفع السلطات النقدية والمالية إلى اتخاذ إجراءات وسياسات غير مسبوقة لمواجهة تلك التداعيات، لا سيما علي مستوي تخفيف حدة الإفلاسات وتسريح العمال، علاوة علي محاولة تلافي الآثار طويلة المدي لتلك الصدمات على هيكل الاقتصاد والنمو، الأمر الذي مثل ولايزال تحدياً كبيراً للسياسة الاقتصادية بصفة عامة وللسياسة النقدية التي تنفذها البنوك المركزية علي وجه الخصوص.

وقد جاءت استجابات البنوك المركزية العالمية لأزمة كوفيد 19 غير عادية من حيث السرعة والحجم والنطاق، فقد استطاعت توفير الائتمان للشركات الإنتاجية بسرعة مناسبة، وبأسعار فائدة منخفضة، وبأحجام كافية. وبغض النظر عن النتائج المترتبة علي برامج الإنقاذ والمحاذير المستقبلية من أثارها، إلا أنه يمكن القول أن البنوك المركزية تصرفت بشكل أكثر إيجابية مقارنة بتصرفها في أحوال أزمات عالمية سابقة.

ومن أبرز الأمثلة علي مثل تلك التصرفات أن ما أعلنه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من برامج للطوارئ في ثمانية أيام فقط (من 14 إلى 23 مارس 2020) ثم الأربعة أشهر اللاحقة تساوي تقريبا إجمالي البرامج التي نفذها في عام الأزمة العالمية 2008 بأكمله[1].

وأفرزت الإجراءات الجدية للبنوك المركزية العديد من النقاشات حول أدوراها الجديدة واستدامتها، والآثار المترتبة علي ذلك في المستقبل.

مشكلة البحث:

تقوم السياسات النقدية بدور حيوي في دعم النشاط الاقتصادي والحفاظ علي الاستقرار الاقتصادي من خلال الحفاظ علي استقرار الأسعار ومواجهة التضخم، وبناء الثقة في الاقتصاد التي تدعم الاستثمار تحقيق معدلات النمو المرتفعة.

وقد ظهر جلياً الدور الكبير الذي قامت به البنوك المركزية في أعقاب تفشي فيروس كورونا، واندماج السياسات النقدية والمالية في محاولة لتكميش التداعيات السلبية إلى أقل ما يمكن، علاوة علي تخطي العديد من المحاذير الإجرائية والانضباطية التي وضعتها البنوك المركزية في أعقاب أزمات مالية سابقة.

وهي الأمور التي استدعت قلقاً كان متراكما بالفعل في أعقاب تداخلات مناظرة ولكن علي نطاق أقل لمواجهة أزمات كبري سابقة، وانعكس هذا القلق في تساؤلات حول إمكانية أن تتخلي البنوك المركزية عن القيام بمثل هذه الأدوار في المستقبل، أو علي الأقل أن تخفف من هذه التدخلات كماً ونوعاً، وحول التحديات لبنوك المركزية والتي نجمت من توالي هذه التدخلات سواء في الأزمة الحالية أو في الأزمات السابقة، علاوة علي التساؤل حول إمكانية احتفاظ البنوك المركزية باستقلاليتها، والتي تعد أهم روافع الثقة في السياسات النقدية والبنوك المركزية. وذلك ما تحاول الدراسة بحثه بالتفصيل.

أهمية البحث:

أثيرت العديد من النقاشات حول مصداقية البنوك المركزية وسياساتها النقدية بعدما أصبح الاعتماد عليها كمصدر سيولة رئيس معتاداً، فهي أضحت جاهزة للتدخل عند تعرض الأسواق لأية مخاطر. وبعد توالي التدخلات من البنوك المركزية في الأزمات الاقتصادية السابقة، ثم التدخلات المكثفة بعد أزمة كورونا أصبح المستثمرون ينتظرون ويثقون في حدوث هذه التدخلات.

لقد اضطرت البنوك المركزية الي التدخل وربما التدخل المفرط مرارا، وبشكل زائد عن الحد، وفي سياسات لم تختبر من قبل، مستخدمة سلسلة من الإجراءات غير التقليدية – وغير المجربة – لدعم النمو الاقتصادي وتجنب حدوث انكماش يكون ذو آثار تخريبية.

وقد خلقت هذه التدخلات الكثير من التحديات للبنوك المركزية، ومنها تقويض بعضاً من استقلاليتها، بالإضافة الي مخاطر فقدان القدرة علي التأثير في ظل استهلاك الأدوات المتاحة بعمق وكثافة مع بداية الأزمة الراهنة، كما عرضت التدخلات مصداقيتها للخطر، حيث تسببت في تضخم عدم المساواة في الثروة وتزايد مخاطر الاستقرار المالي في المستقبل.

وتنبع أهمية هذه الدراسة من تمتع السياسة النقدية والبنوك المركزية بطبيعة مميزة وخاصة للغاية، تجعل ديمومة شفافيتها ومصداقيتها واستقلاليتها أعمدة رئيسة في خلق مناخ الثقة في سياساتها النقدية وفاعليتها، وأن التحديات التي فرضت جراء توالي تدخلاتها العميقة لمواجهة الأزمات لا سيما أزمة كورونا تمثل تهديدا لهذه الأعمدة، ولذلك كان من المهم بحث هذه التحديات، في اطار محاولة لاستشراف مستقبل البنوك المركزية بعد جائحة كورونا.

أهداف الدراسة:

تهدف الدراسة بشكل عام الي محاولة الوقوف علي مستقبل البنوك المركزية في أعقاب جائحة كورونا، ويتفرع عن هذا الهدف العام مجموعة من الأهداف الفرعية، وهي:

  • التعرف علي أهم إجراءات البنوك المركزية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا.
  • التحديات التي تواجه البنوك المركزية جراء تدخلاتها لمواجهة أزمة كورونا.
  • استقلالية البنوك المركزية عقب أزمة كورونا.
  • توجهات البنوك المركزية عقب جائحة كورونا.

فرضية البحث:

يحاول البحث اختبار الفرضية التالية:

“أفرزت التدخلات المفرطة من البنوك المركزية لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا العديد من التحديات التي ستضطرها لتبني بعضاً من التوجهات الجديدة”

مناهج البحث:

سوف يتم إعداد هذا البحث من خلال الاعتماد علي مناهج البحث التالية:

  • المنهج التاريخي: وهذا لأن البحث سوف يناقش بالتحليل بعض تدخلات البنوك المركزية في أزمات سابقة.
  • المنهج الاستقرائي: وذلك لمعرفة الجوانب المتعلقة بأهم نتائج تدخلات البنوك المركزية علي الواقع الاقتصادي.
  • المنهج الوصفي: وذلك من خلال وصف الظاهرة محل البحث وهي التحديات التي تواجه البنوك المركزية عقب جائحة كورونا.
  • المنهج الاستنباطي: وذلك من خلال استنباط بعض التوجهات المستقبلية للبنوك المركزية عقب الجائحة.

المساهمة المتوقعة من هذا البحث:

رغم أن هناك كثير من الدراسات التي تناولت الموضوعات المتعلقة بالبنوك المركزية، إلا أن التطورات الطارئة علي سياساتها وإجراءاتها في مواجهة تداعيات الفيروس تتطلب المزيد من إلقاء الضوء، لا سيما في ظل خلقها لمجموعة من التحديات التي تضع أدورا البنوك المركزية الكلاسيكية محل مراجعة، هذا بالإضافة إلى محاولة البحث التطرق إلى التوجهات المستقبلية التي ستسلكها البنوك المركزية في مواجهة تلك التحديات.

خطة البحث:

المبحث الأول: الملامح العامة لإجراءات البنوك المركزية لمواجهة تداعيات كورونا

المبحث الثاني: التحديات التي تواجه البنوك المركزية أعقاب انتشار فيروس كورونا

المبحث الثالث: استقلالية البنوك المركزية بعد أزمة كورونا

المبحث الرابع: توجهات البنوك المركزية عقب جائحة كورونا

الخلاصة

المبحث الأول: الملامح العامة لإجراءات البنوك المركزية الكبري لمواجهة تداعيات كورونا

تعرف السياسة النقدية علي أنها” مجموعة التدابير والإجراءات التي يقوم بها البنك المركزي بهدف إدارة النقود والائتمان وتنظيم السيولة في الاقتصاد الوطني”[2] ويمكن القول إن السياسات النقدية تشمل جميع القرارات والإجراءات النقدية بصرف النظر عما اذا كانت أهدافها نقدية أو غير نقدية، وكذلك جميع الإجراءات غير النقدية التي تهدف الى التأثير في النظام النقدي[3].

وتهدف السياسات النقدية إلى[4] إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق الاستقرار في المستوي العام للأسعار، والتوظف الكامل، وتحقيق معدل نمو مرتفع، وتوازن ميزان المدفوعات.

وقبيل الانهيار الاقتصادي الناجم عن جائحة الفيروس التاجي، ساد على نطاق واسع أن البنوك المركزية ستكون عاجزة إلى حد كبير في مواجهة الركود المتجدد لا سيما في ظل اقتراب أسعار الفائدة من الصفر في العديد من الاقتصادات المتقدمة، وبدا أن هناك مجالاً ضئيلاً للاستجابة للتباطؤ الاقتصادي، ورغم ذلك ففي غضون أسابيع قليلة فقط، زادت معظم البنوك المركزية الكبرى من حجم ميزانياتها العمومية بنسبة 7 إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسب التي تزيد عن نظيرتها في العامين التاليين للأزمة المالية لعام2008[5].

وقد خلص بنك التسويات الدولية في تقريره السنوي الأخير إلى أن البنوك المركزية “نشرت ترسانتها الكاملة من الأدوات، وأحياناً بطرق غير مسبوقة” و “تمكنت من تجاوز عدد من الخطوط الحمراء السابقة لاستعادة الاستقرار خلال هذه الأزمة”[6].

ويمكن تقسيم إجراءات وبرامج وسياسات البنوك المركزية في مواجهة جائحة كورونا بصورة إجمالية إلى ثلاث أقسام وهي:

  • توفير السيولة / الملاذ الأخير لإقراض النظام المالي.
  • برامج الائتمان الموجهة لدعم اللاعبين في القطاع غير المالي: الشركات، والأسر، والبلديات.
  • إجراءات إغاثية ضخمة، تتضمن تخفيف معايير رأس المال والسيولة، وتخفيف لوائح السوق وقيود النشاط في القطاع المالي، بهدف إتاحة التمويل بتكلفة أقل.

ويمكن تتبع هذه الأقسام بصورة أكثر تفصيلا من خلال تتبع وتحليل استجابة السياسة النقدية من قبل أهم البنوك المركزية الرئيسية في العالم وهي والبنك المركزي الأوروبي، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مع ضرب أمثلة من بنوك مركزية أخري مثل بنك إنجلترا المركزي، والبنك الياباني، وغيرهم من البنوك، وذلك كما يلي:

1- إجراءات خفض الفائدة من البنوك الثلاثة:

هدفت السياسات النقدية للبنوك المركزية حول العالم إلى توفير السيولة النقدية الكافية لانتشال الشركات من مخاطر التعثر والإفلاس، وفي سبيل ذلك خفضت كل البنوك المركزية حول العالم تقريبا أسعار الفائدة إلى مستوياتها الدنيا، كما قامت كذلك- بعض البنوك المركزية للمرة الأولي ببرامج شراء الأصول (سواء الحكومية أو الخاصة)، والتي تهدف الى خفض أقساط التأمين وعوائد المخاطر وإعادة التوازن للمحافظ المالية.

وجاء التوجه بخفض أسعار الفائدة معاكساً لما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 حين عمدت البنوك المركزية إلى رفع معدلات الفائدة مقارنة بمعدلات الاقتراض من القطاع الخاص في الأوقات العادية، وذلك كنوع من العقوبة المبررة بمعاقبة المؤسسات المالية التي تقترض بشكل مفرط من البنك المركزي، ومحاولة توفير آلية خروج سلسة من برامج السيولة مع تحسن الظروف المالية.

ويرجع الخبراء اللجوء لسياسة خفض أسعار الفائدة من البنوك المركزية إلى الطبيعة الخارجية لصدمة 19COVID وبسبب القوة النسبية للنظام المالي مقارنة بأوضاع الأزمة المالية العالمية.

ويمكن تتبع أهم الإجراءات التي اتخذتها أهم البنوك المركزية في العالم لتوفير السيولة من خلال خفض سعر الفائدة، وذلك من خلال البنوك المركزية عبر النقاط التالية:  

  • بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي: جاء رد فعل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي المخاوف حول تداعيات الإغلاق، ففي بيان صحفي يوم 15 مارس أعلن عن المخاطر الاقتصادية المتوقعة، وان المجلس سيشرع في عدد كبير من الإجراءات الطارئة، وباختصار جاءت أبرز الخطوات التي اتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي لمواجهة الأزمة كما يلي:
  • خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى صفر في المائة، علي الرغم من تردده في اتخاذ هذا الإجراء لعامين سابقين[7] وتهدف هذه الخطوة إلى خفض تكلفة الاقتراض على الرهون العقارية وقروض السيارات وقروض شراء المنازل والقروض الأخرى، ولكنها في نفس الوقت تخفض من دخول المدخرين.
  • وأكد بنك الاحتياطي الفيدرالي توجهاته باستمرار هذا الانخفاض، قائلاً إن المعدلات ستظل منخفضة “حتى تصل ظروف سوق العمل إلى مستوياتها السابقة، بما يعكس الإطار العام للسياسة النقدية الجديدة للاحتياطي الفيدرالي في ظل كورونا، والتي ستبقي على أسعار الفائدة طويلة الأجل علي حالها المنخفض[8].
  • أما بنك إنجلترا فقد خفض سعر الفائدة المصرفية بمقدار 65 نقطة أساس، ليصل إلى 0.1٪ [9]، بما يوفر قروض أرخص للشركات والأسر، كما يؤدي إلى تقليل التكاليف التي تواجهها الشركات والأسر في المملكة المتحدة.
  • في الأسبوع الأول من فبراير 2021، صوتت لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا بالإجماع على الاحتفاظ بالسعر الأساسي للفائدة، والذي يعمل كمبدأ توجيهي للبنوك والمقرضين عند تحديد أسعار الفائدة لديهم عند 0.1٪، وهو نفس المستوى الذي كان عليه منذ مارس 2020 [10].
  • كما كشف البنك عن أن المعدل قد ينخفض إلى ما دون الصفر في وقت لاحق من العام الجاري، ولا يزال أعضاء لجنة السياسة النقدية يستكشفون خيار تحديد سعر سلبي منذ أكتوبر من العام الماضي، وهو ما يشير إلى عدم التأكد بشأن التخفيض.
  • بالمقابل، أبقى البنك المركزي الأوروبي معدله المرجعي (معدل تسهيلات الإيداع) دون تغيير عند -0.50٪، وبرر كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي هذا الاختيار بالطبيعة المؤقتة المتوقعة لصدمة Covid-19. وقد يعكس قرار البنك المركزي الأوروبي أيضاً القلق من أن أسعار الفائدة السلبية هي سياسة غير مختبرة نسبياً وأن دفع أسعار الفائدة أكثر إلى المنطقة السلبية قد يضر بشكل مفرط ربحية البنوك التجارية.
  • وبنهاية يناير الماضي أبقي البنك كذلك على أسعار الفائدة دون تغيير، وقالت في بيان إن عمليات إعادة التمويل الرئيسية للبنك المركزي الأوروبي وتسهيلات الإقراض الهامشي وتسهيلات الودائع ستظل عند 0.00% و0.25% و -0.50% على التوالي[11].
  • كما أقدمت معظم البنوك المركزية حول العالم علي خفض سعر الفائدة، مع تزاوجها بسياسة التيسير الكمي.

2- إجراءات التيسير الكمي من البنوك المركزية:

تعرف سياسة التيسير الكمي بأنها سياسة نقدية تشتري فيها البنوك المركزية كميات كبيرة من الأصول المالية السندات الحكومية أو سندات الشركات) باستخدام النقود المطبوعة في محاولة لتحفيز الاقتصاد عن طريق “ضخ” النقد مباشرة في الجهاز المصرفي[12].

حيث تزيد هذه المشتريات من احتياطيات البنوك، مما يمكنها من تقديم المزيد من القروض، وبهذه الطريقة، يتم تحقيق أثرين في نفس الوقت: تخفيض أسعار الفائدة وزيادة الأموال في النظام المصرفي. ونظريا تؤدي هذه السياسة إلى تزايد الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وخلق المزيد من الوظائف. ويمكن أن يتخذ التيسير الكمي عدة أشكال، اعتماداً على الأصول التي يشتريها البنك المركزي، وممن تم شراؤها، وما هي الكميات.

وقد حدثت جولة جديدة من التيسير الكمي للبنوك المركزية الكبري في العالم، وهي المعروفة كذلك باسم مشتريات الأصول، وفيها يشتري البنك المركزي السندات الحكومية أو غيرها من الأوراق المالية طويلة الأجل من أجل استعادة الثقة وإضافة السيولة مرة أخرى إلى السوق. وقد استخدمت هذه الأداة بشراهة في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008.

وعمدت البنوك المركزية حول العالم إلى شراء السندات الحكومية سعياً إلى خفض أسعار الفائدة، وتوفير الحوافز النقدية، وتوفير السيولة تلبية لاحتياجات الاقتراض الضخمة من جانب الحكومات مع ارتفاع العجز المالي وارتفاع مستويات الديون.

ويعكس ذلك الدور النادر للبنك المركزي كعامل استقرار للسوق ووسيط تمويل بين السلطات المالية والأسواق المالية.

وجاءت إجراءات السياسة النقدية الاستثنائية هذه مصممة حصرياً لحماية الاستقرار الاقتصادي والمالي، ولا ترقى إلى مستوى تمويل العجز المالي. وتماشياً مع ذلك، ساهمت الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية في تسهيل الأوضاع المالية وتهدئة الاضطرابات المالية.

  • وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي برنامج التيسير الكمي بشراء فوري بقيمة 80 مليار دولار، لكنه اشتري ما لا يقل عن 700 مليار دولار من الأصول بعد ذلك[13]. وكنتيجة لهذه السياسات فخلال الفترة ما بين منتصف مارس وأوائل ديسمبر، نمت محفظة الأوراق المالية للاحتياطي الفيدرالي من 3.9 تريليون دولار إلى 6.6 تريليون دولار[14].
  • كما أطلق بنك إنجلترا المركزي موجة من التيسير الكمي في أعقاب تفشي الفيروس، حيث ضخ 200 مليار جنيه إسترليني من التسهيل الكمي في مارس 2020. وتم الضخ تباعا لما مجموعه 645 مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد عن طريق بيع السندات الحكومية.
  • كما قرر بنك إنجلترا ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد من خلال تسهيل كمي إضافي بقيمة 100 مليار جنيه إسترليني في يونيو 2020، يليه 50 مليار جنيه إسترليني إضافية في سبتمبر 2020 و50 مليار جنيه إسترليني في ديسمبر 2020[15].
  • في مطلع يونيو 2020 اعلن البنك المركزي الأوروبي أنه سيزيد برنامج الشراء الطارئ لمواجهة الأوبئة بمقدار 600 مليار يورو (672 مليار دولار) في محاولة منه لدعم الاقتصاد في أعقاب أزمة فيروس كورونا[16]. يأتي هذا المبلغ بالإضافة إلى 750 مليار يورو من مشتريات السندات الحكومية التي أعلن عنها في مارس، ليصل الإجمالي إلى 1.35 تريليون يورو.
  • كما مدد مدة البرنامج من نهاية 2020 حتى يونيو 2021، أو حتى يعتقد البنك أن الأزمة قد انتهت. ومع ذلك، أثار بعض المحللين شكوكاً في أن زيادة 600 مليار يورو ستكون كافية لتغطية المشتريات حتى يونيو 2021.
  • البنك المركزي الياباني: قام بنك اليابان أيضاً بتوسيع مشتريات الأصول، مع التركيز علي شراء الأصول الخطرة (سندات الشركات، والصناديق المتداولة في البورصة، وما إلى ذلك)، وحافظ على سياسته الدائمة للتحكم في منحنى العائد، وشراء كميات كافية من سندات الحكومة اليابانية طويلة الأجل للحفاظ على فائدة 10 سنوات بمعدل صفر بالمائة تقريباً[17].
  • في أستراليا، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 2.5 نقطة أساس مرتين خلال شهر مارس، إلى 0.25 في المائة. وأنشأ خط مقايضة مع الاحتياطي الفيدرالي لتوفير سيولة بالدولار الأمريكي بمبالغ تصل إلى 60 مليار دولار أمريكي، كما أنشأ تسهيلات تمويل لأجل لا تقل عن 90 مليار دولار أسترالي لإقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة.
  • بالإضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على صفقة بين ستة بنوك مركزية رئيسية بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي لخفض أسعارها على مقايضات العملات لمساعدة الأسواق المالية على العمل بشكل طبيعي[18].

ومن الجدير بالذكر أن الفيدرالي الأمريكي لجأ إلى طباعة النقود(أو إنشائها رقمياً) وضخها في الاقتصاد عن طريق شراء سندات من المؤسسات المالية، وذلك في اطار تمويله لسياسة التيسير النقدي، ففي 26 فبراير 2020، بلغ حجم الميزانية العمومية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي 4.16 تريليون دولار، وبحلول 10 يونيو، قفز هذا الرقم إلى 7.17 تريليون دولار، أي أنه على مدى ثلاثة أشهر ونصف فقط طبع الاحتياطي الفيدرالي وضخ 3 تريليونات دولار في الاقتصاد[19].

3- تخفيف المتطلبات التنظيمية مؤقتاً

عمدت البنوك المركزية إلى التأخير والتنازل عن تطبيق اللوائح المصرفية المعتادة والراسخة، والتخفيف من الإجراءات الرقابية بشأن تطبيق بعض القواعد المحاسبية، ومن الجدير بالذكر التأكيد على أن هذه الإجراءات لا تهدف إلى مساعدة البنوك التجارية، التي كانت ولا شك في وضع أكثر مرونة من حيث رأس المال والسيولة مقارنة بالأوضاع التي كانت عليها في عام 2008، ولكنها هدفت إلى تحسين قدرتها على تمويل الشركات بأحجامها المختلفة الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، والأفراد لمواجهة التداعيات.

وفي منتصف إبريل 2020 قال محافظو البنوك المركزية إن تخفيف قواعد البنوك يعد من بين الخطوات “الجريئة والاستثنائية” اللازمة للتغلب على فيروس كورونا، لكن يجب أن يكون مؤقتاً ومحدوداً لتجنب تقويض الاستقرار المالي بعد تفشي الوباء[20].

وفي هذا الاطار عملت معظم البنوك المركزية على تخفيف لوائح السيولة لمساعدة البنوك في الحصول على النقد لها ولعملائها، وذلك باستخدام أداتين رئيسيتين[21]، أولهما نسبة تغطية السيولة (LCR)، وهي التي نفذت في السنوات الأخيرة كجزء من اتفاقيات بازل 3، والتي تتطلب قواعدها من البنوك الاحتفاظ بأصول سائلة عالية الجودة (HQLA) كافية لتلبية احتياجاتهم، وقد تم تجاوز هذه القواعد إلى حد كبير.

 وثانيهما نسبة متطلبات الاحتياطي التقليدية، وقد خفضت البنوك المركزية معدلات احتياطيها، وهو المبلغ النقدي الواجب علي البنك التجاري الاحتفاظ به دونما عوائد لدي البنك المركزي.

وقد اتخذت عدد قليل من البلدان تدابير أخرى، مثل تخفيف القواعد على سيولة النقد الأجنبي. وعموماً كل الأدوات التي استخدمتها البنوك المركزية في هذا الاطار معاكسة للاحترازات المتبعة سابقا من التقلبات الدورية.

ومن الأمثلة علي تجاوز البنوك المركزية للمتطلبات التنظيمية ما يلي:

  • مكّن الاحتياطي الفيدرالي البنوك من استخدام احتياطياتها الرأسمالية خلال فترة الانكماش لتحفيز الإقراض، كما ألغى أيضاً متطلبات احتياطي البنوك – النسبة المئوية للودائع التي يجب أن تحتفظ بها البنوك كاحتياطيات لتلبية الطلب النقدي.
  • حيث أعلنت الهيئات التنظيمية للبنك الفيدرالي في 15 مايو 2020عن تغييرات مؤقتة في نسبة الرافعة المالية التكميلية لزيادة قدرة المؤسسات المصرفية على دعم الائتمان للأسر والشركات في ضوء الاستجابة لفيروس كورونا. كما عدلت (5 مايو 2020) قاعدة نسبة تغطية السيولة (LCR) للوكالات لدعم مشاركة المؤسسات المصرفية في صندوق الاحتياطي الفيدرالي لسوق المال المشترك[22]
  • وفي بريطانيا خفضت لجنة السياسة المالية (FPC) معدل احتياطي رأس المال إلى 0٪ بأثر فوري بدلا من 1٪، وكان من المقرر أن يصل إلى 2٪ بحلول ديسمبر 2020[23].
  • أما البنك الأوروبي فقد أقر بإمكانية قبول قروض ذات جودة ائتمانية منخفضة، وقروض لأنواع أخرى من المدينين غير مقبولة في الإطار العام للبنك المركزي الأوروبي، وقروض بالعملات الأجنبية. كما اعتمد التدابير المؤقتة التالية[24]:
  • تخفيض مستوى الحد الأدنى للحجم غير الموحد لمطالبات الائتمان المحلية باليورو لتسهيل التعبئة كضمان للقروض من كيانات الشركات الصغيرة ؛
  • زيادة من 2.5٪ إلى 10٪ في الحد الأقصى للحصة من أدوات الدين غير المضمونة الصادرة عن أي مجموعة مصرفية أخرى في مجموعة ضمانات إحدى المؤسسات الائتمانية.
  • زيادة مستوى تحمل المخاطر مؤقتاً في عمليات الائتمان من خلال التخفيض العام لتخفيضات تقييم الضمانات بعامل ثابت بنسبة 20٪.
  • وفي هذا الاطار أعلن عن مجموعة من الإرشادات لمنع التجاوز في استخدام تلك المرونة، ومن بين تلك الإرشادات)[25](، إعداد تقييم لكل حالة على حدة من قبل فرق الإشراف المشتركة (JSTs)، والعمل علي تحقيق التوازن الصحيح بين مساعدة البنوك على استيعاب تأثير الانكماش الحالي، من ناحية، والحفاظ على ممارسات تحديد المخاطر الصحيحة وحوافز إدارة المخاطر، من ناحية أخرى، وكذلك ضمان الحلول المستدامة فقط للمدينين المتعثرين.
  • وكذلك الاستمرار في تحديد تدهور جودة الأصول والإبلاغ عنه وتراكم القروض المتعثرة وفقاً للقواعد الحالية، وذلك للحفاظ على صورة واضحة ودقيقة للمخاطر في القطاع المصرفي. في الوقت نفسه، يجب نشر المرونة لمساعدة البنوك على استيعاب تأثير تطورات مخاطر الائتمان والتخفيف من مسايرة دورات هذا التأثير.

4- بعض الإجراءات الأخرى لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مواجهة الجائحة:

اتخذ بنك الاحتياطي الأمريكي مجموعة من الإجراءات الأخرى لمواجهة الجائحة والتي تعتبر غير مسبوقة في تصرفات البنوك المركزية، وقد سايرته بعض البنوك المركزية الأخرى في بعض تلك الإجراءات، باختلاف الحجم والنطاق بالطبع. ويمكن تعداد بعض أهم تلك الإجراءات كما يلي:

  • إقراض شركات الأوراق المالية: ومن أمثلة ذلك تقديم بنك الاحتياطي الفيدرالي قروضاً بسعر فائدة منخفض (0.25٪) تصل إلى 90 يوماً إلى 24 مؤسسة مالية كبيرة، تُعرف باسم المتعاملين الأساسيين. وذلك بهدف الحفاظ على زخم العمل في أسواق الائتمان في أوقات التوتر عندما تميل المؤسسات والأفراد إلى تجنب الأصول الخطرة وتخزين الأموال النقدية)[26](.
  • عمليات إعادة الشراء: تعرف سوق إعادة الشراء بأنها المكان الذي تقترض فيه الشركات النقود والأوراق المالية وتقرضها على المدى القصير، وهي أحد الأدوات الأساسية للاحتياطي الفيدرالي لتحقيق استقرار الأسعار، وقد ضاعف بنك الاحتياطي الفيدرالي نطاق عمليات اتفاقية إعادة الشراء (الريبوز) بشكل كبير لتوجيه النقد إلى أسواق المال، كما قام بتمديد التسهيلات حتى 31 مارس 2021.
  • وهو نفس الإجراء الذي اتخذه المركزي الأوروبي بتنفيذ برنامج شراء الأصول المرن والمكثف للأوراق المالية في القطاعين الخاص والعام (أي PEPP)، وأعلن عن برنامج شراء الطوارئ الوبائي الطارئ (PEPP) بقيمة 750 مليار يورو) [27]
  • الإقراض المباشر للبنوك: خفض الاحتياطي الفيدرالي السعر الذي يفرضه على البنوك للحصول على قروض من نافذة الخصم بنسبة نقطتين مئويتين، من 2.25٪ إلى 0.25٪، وتتميز هذه الآلية بانخفاض مخاطرها كنتيجة لتعهد البنوك بمجموعة متنوعة من الضمانات (الأوراق المالية، والقروض، وما إلى ذلك) مقابل النقود، كما أنها تساعد البنوك في نفس الوقت بالاستمرار في العمل والتوسع في إعطاء القروض.
  • إنشاء مرفق يقدم قروضاً مضمونة للبنوك الكبيرة التي تشتري الأصول من الصناديق المشتركة في أسواق المال. والصندوق المشترك في سوق المال هو شكل من أشكال الصناديق المشتركة التي تستثمر فقط في الأدوات عالية السيولة، ونتيجة لذلك توفر سيولة عالية مع مستوى منخفض من المخاطر.
  • الإقراض المباشر لأصحاب العمل من الشركات الكبرى: أنشأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في 23 مارس مرفقين جديدين لدعم الشركات الأمريكية ذات التصنيف العالي. حيث سهل ائتمان الشركات في السوق الأولية، بإقراض الشركات مباشرةً عن طريق شراء إصدارات سندات جديدة وتقديم قروض. كما أجاز للمقترضين تأجيل الفائدة ومدفوعات رأس المال لمدة ستة أشهر على الأقل بحيث يكون لديهم نقود لدفع أجور الموظفين والموردين. لكن خلال هذه الفترة، لا يجوز للمقترضين دفع توزيعات الأرباح.
  • دعم القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة: يهدف هذا البرنامج إلى دعم الشركات الكبيرة جداً بالنسبة لبرنامج حماية شيكات الرواتب التابع لإدارة الأعمال الصغيرة (PPP) والصغيرة جداً بالنسبة إلى التسهيلات الائتمانية للشركات التابعة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وذلك من خلال ثلاثة برامج – تسهيل القروض الجديدة، وتسهيل القروض الموسعة، ومرفق القروض ذات الأولوية.

 وسيمول بنك الاحتياطي الفيدرالي ما يصل إلى 600 مليار دولار في شكل قروض مدتها خمس سنوات. يمكن للشركات التي يعمل بها ما يصل إلى 15000 موظف أو ما يصل إلى 5 مليارات دولار من الإيرادات السنوية المشاركة.

  • الإقراض المباشر لحكومات الولايات والبلديات: وذلك من خلال مرفق السيولة البلدية، الذي تم إنشاؤه في 9 أبريل. قدم مرفق الاحتياطي الفيدرالي قروضاً للولايات الأمريكية، بما في ذلك مقاطعة كولومبيا، والمقاطعات التي يبلغ عدد سكانها 500000 نسمة على الأقل، والمدن التي يبلغ عدد سكانها 250.000 نسمة على الأقل.
  • قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بإقراض ما يصل إلى 500 مليار دولار للكيانات الحكومية التي لديها تصنيفات ائتمانية من الدرجة الاستثمارية اعتباراً من 8 أبريل مقابل سندات مرتبطة بإيرادات ضريبية مستقبلية بآجال استحقاق أقل من ثلاث سنوات[28].

المبحث الثاني: التحديات التي تواجه البنوك في أعقاب انتشار فيروس كورونا

استدعت الظروف غير المسبوقة التي أوجدها انتشار فيروس كورونا استجابات استثنائية من السلطات النقدية، فإلى جانب الأدوات التقليدية مثل تخفيضات أسعار الفائدة وسياسات التيسير الكمي، طورت البنوك المركزية أدوات جديدة استخدمتها في مساعدة الشركات والأسر على الصمود في وجه العاصفة.

فمع انتشار الفيروس، أغرقت البنوك المركزية من واشنطن إلى وليتغتون الأسواق المالية بالسيولة، وتضمنت الحملة الخاطفة وفقاً لإحصاءات بنك أوف أمريكا 164 تخفيضاً في أسعار الفائدة في 147 يوماً، كما ضخت البنوك 8.5 تريليون دولار في الدعم النقدي، وضخت الحكومات 11.4 تريليون دولار إضافية في شكل تحفيز مالي، وبما يقارب من 20 تريليون دولار في المجموع[29].

كما أنه منذ مارس من العام الماضي وسعت البنوك المركزية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو واليابان ميزانياتها العمومية بنحو 5.7 تريليون دولار، الأمر الذي أدي إلى زيادة الميزانيات العمومية لهذه البنوك من 21.5 تريليون دولار، أو 57٪ من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، إلى ما يقرب من 27 تريليون دولار، أو 67٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول نهاية عام 2021 [30].

بالطبع كان لتلك التدخلات آثار إيجابية في وقف النزيف الاقتصادي، حيث أدت السيولة الضخمة ومشتريات الأصول بشكل استثنائي الى استقرار الأوضاع المالية بسرعة في مارس وأبريل، في حين أن الإعلانات عن برامج الائتمان المستهدفة للاقتصاد الحقيقي منحت المستثمرين والمقرضين الثقة للإقراض في حدود معقولة، بدلاً من أسعار الفائدة الفلكية.

ولكنه في المقابل خلقت تلك الإجراءات العديد من التحديات التي ربما تواجه عمل البنوك المركزية خلال الفترة القادمة، ويمكن استعراض أهم هذه التحديات من خلال النقاط التالية:

1- إضعاف قدرة القطاع المصرفي على تمويل الاقتصاد في المستقبل:

عمدت البنوك المركزية إلى تجاوز الإجراءات التنظيمية المشددة المعمول بها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهو ما دفع الكثير من الخبراء للتحذير من تداعيات هذه الإجراءات علي قدرات البنوك علي منح الائتمان في المستقبل.

وقد صرح كلاوديو بوريوم وفرناندو ريستوي من بنك التسويات الدولية (BIS) قائلاً” إن تخفيف القواعد إلى حد بعيد قد يأتي بنتائج عكسية من خلال إضعاف قدرة القطاع المصرفي على تمويل الاقتصاد في المستقبل[31]. ولذلك فإن التعديلات الحالية “يجب أن تكون مؤقتة”، بما يضع حدوداً لمدى جرأة واستثنائية تلك الإجراءات المتفق علي ضروريتها.

كما أن انعدام عدالة توزيع اللقاح علي المستوي العالمي، واستمرار موجات الإغلاق في معظم دول العالم، والمشاكل الضخمة التي تتعرض لها سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع أسعار الغذاء،  علاوة علي الأزمة الكبري لقطاعي السياحة والنقل الجوي، وكلها أزمات من المرجح استمرارها حتي نهاية العام الحالي مع تفاوت حدتها بالطبع من بلد إلى آخر، وكلها تشير بالأحرى إلى حالة من عدم اليقين بشأن استعداد السلطات المالية وقدرتها على دعم الدخل والنشاط الاقتصادي وتكرار هذا الدعم مع امتداد الأزمة.

اذاً فالخطر الأكبر على المدى القريب هو أن موجات الفيروس المستمرة قد تتسبب في مزيد من الإغلاق الواسع النطاق والمزيد من التراجع في النشاط الاقتصادي، فإذا تصاعدت حالات التخلف عن السداد وحالات الإفلاس، يمكن أن تتبخر آثار الثقة الإيجابية السابقة في الأسواق المالية، وقد ترتفع تكاليف الاقتراض بشكل حاد، ولن يصبح المقرضون من القطاع الخاص راغبين أو قادرين على الحفاظ على الائتمان. في هذه الحالة، ستكون هناك حاجة إلى التسهيلات الائتمانية للبنك المركزي والحكومة، وربما بحجم أكبر كثيرا مما طبق سابقاً.

وفي هذا السياق عبر نائب محافظ بنك إنجلترا السابق ورئيس مجلس إدارة المخاطر النظامية في البنك بول تاكر عن قلقه من أن تستمر الأزمة الصحية وعواقبها الاقتصادية لفترة طويلة، حتى تعتاد الشركات والحكومات على خفض البنوك المركزية لتكاليف الاقتراض، وهو ما ينطبق على المملكة المتحدة والاحتياطي الفيدرالي على حد سواء[32].

يؤثر الاعتماد المفرط على سياسات البنك المركزي سلبياً على الرافعة المالية ومستويات الديون، ولا تزال التحديات طويلة المدى كبيرة وبنفس القدر ومنها إعادة بدء النمو الاقتصادي، وإزالة المديونية الاقتصادية، وإدارة ما يحتمل أن يكون تغييرات هيكلية كبيرة ستنتج من الوباء.

فقد تتمكن بعض البنوك المركزية أيضاً من مد السيولة مباشرة إلى الشركات غير المالية، وقد يكون من المنطقي التفكير في وقف مدفوعات ديون معينة على الرغم من أن التأثير على ميزانيات البنوك، ولكن المشكلة الكامنة والملحة تكمن في إمكانية استمرار تلك السياسات حال استمرار الأزمة لفترة أطول، لا سيما في ظل تحمل البنوك المركزية بتبعات أسعار الجائحة علي السندات الحكومية التي قامت بشرائها بشراهة في بداية الأزمة.

2- مشكلة طبع النقد وتحديات التضخم والانكماش

إلى جانب التخوف المنطقي من التضخم بعد ضخ كل تلك التريليونات من الدولارات، فإن المشكلة التي قد تواجه البنوك المركزية أيضاً هي كيفية تجنب الانزلاق إلى الانكماش، لا سيما في ظل اندفاع البنوك المركزية إلى تمويل الشركات التجارية وشركات الأوراق المالية بنسب تفوق أضعاف ما وجه للأسر.

ويمكن مناقشة تحديات التضخم والانكماش، من حيث احتمالية الحدوث، وكيفية المواجهة، وذلك كما يلي:

أ- مشكلة التضخم الناجم عن ضخ الأموال في الاقتصاد العالمي:

 أعادت خطة الإنقاذ الأمريكية التي وضعها الرئيس جو بايدن والبالغة 1.9 تريليون دولار إشعال النقاش حول تحفيزها لتأجيج فتيل التضخم، وأثار اقتصاديون بارزون مثل وزير الخزانة  الأمريكي السابق لاري سامرز مخاوف بشأن التضخم، حيث صرح ” إنه سيكون من الجيد لو قامت الحكومة ببساطة بسد فجوة الإنتاج – الفرق بين الناتج المحلي الإجمالي الحالي والمحتمل، لا سيما في ظل كون حزمة الإغاثة المقترحة أكبر بكثير من ذلك، وجادل بأن حزمة التحفيز البالغة 840 مليار دولار لعام 2009، والتي كان مهندساً رئيسياً فيها، لم تكن كبيرة بما يكفي لمعالجة فجوة الإنتاج خلال الأزمة المالية العالمية.

وترتكز وجهة نظر منتقدي سياسات التحفيز حول المضاعف المالي، الذي يقيس فعالية برنامج سياسة مالية معين على الإنتاج، فكلما زاد المضاعف، زاد التأثير على الإنتاج.

 ويقدر أوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، أن مضاعف حزمة بايدن سيكون 1.2، مما يعني أن 1.9 تريليون دولار أمريكي لكل برنامج ARP سيكون له تأثير يقدر بـ 2.3 تريليون دولار على الإنتاج[33]. بما يعني شحذ معدل التضخم بالفارق بين قيمة الأموال وقيمة الإنتاج المحلي.

ويشير الخبراء كذلك إلى أن قدرة الدولة على تحقيق الدخل ترتبط بمبلغ المال (العملة بالإضافة إلى الاحتياطيات غير المحملة بالفائدة) في اقتصادها، وأن البرنامج الذي يكلف حوالي 1٪ من إجمالي الناتج المحلي (GDP) الذي يتم تحويله إلى نقود بالكامل يتوافق مع حوالي 10٪ زيادة في مستوى السعر.

بينما يري آخرون أن هذا لا يعني أن النتيجة هي التعرض للتضخم المفرط، حيث ترتكز وجهة نظرهم علي كون المعيار العالمي للأجور هو المقياس التاريخي الخاطئ، حيث تسبب في أكبر الأزمات السابقة التعرض لأصول شديدة الخطورة ورافعة مالية عالية بشكل غير مستدام. أما الأزمة الحالية، فالميزانيات المالية على ما يرام؛ والصدمة جاءت من خارج النظام المالي.

جادل الخبير الاقتصادي بول كروغمان، واقترحت مؤخراً كبيرة الاقتصاديين بالبنك الدولي كارمن راينهارت، أن الأزمات الكبري مثل أزمة الوباء تحتاج لضخ مبالغ ضخمة من الإنفاق الحكومي، وإعادة التنظيم الصناعي، والتنسيق النقدي والمالي. ويستشهدان بحقيقة أنه على الرغم من الإنفاق الهائل الممول بالديون من قبل الولايات المتحدة خلال الحربين العالميتين، لم يخرج التضخم عن السيطرة.

ويساند هذا التوجه كذلك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جاي باول قائلاً ” إنه لا يتوقع أن تؤدي الإجراءات المشتركة بين الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة إلى “تضخم مقلق”.

ويشير الاستعراض السابق للآراء حول احتمالية حدوث التضخم، إلى أن ارتفاع معدل التضخم أمر متوقع الحدوث، ولكن الجدل يدول حول نسبة الارتفاع، فالبعض يري أنها مقلقة، بينما يري آخرون أنها تحت السيطرة.

ب- احتمالية الوقوع في فخ الانكماش:

الانكماش هو نتيجة حلقة مفرغة، تبدأ بتباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي، رغم انخفاض الأسعار، وتأجيل شراء السلع الباهظة الثمن على أمل المزيد من انخفاض الأسعار، وهو ما يؤدي إلى تخفيضات في الأعمال وتسريح العمال، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الإنفاق، والمزيد من التخلف عن السداد.

بمجرد أن يبدأ الإنفاق الاستهلاكي في التباطؤ، يكون له تأثير مضاعف على قطاع الأعمال، فتبدأ الشركات في إرجاء أو خفض النفقات الرأسمالية – الإنفاق على الممتلكات والبناء والمعدات والمشاريع الجديدة والاستثمارات- وقد يبدأون في تقليص حجم القوى العاملة لديهم للحفاظ على الربحية. وهذا يخلق حلقة مفرغة، ومع تسريح الشركات للعمال يتهدد الإنفاق الاستهلاكي، والذي بدوره يؤدي إلى المزيد من تسريح العمال وزيادة البطالة. يمكن لمثل هذا الانكماش في إنفاق المستهلكين والشركات أن يؤدي إلى ركود، وفي أسوأ السيناريوهات، إلى كساد كامل.

تأثير سلبي آخر للانكماش هو تأثيره على الديون. ففي حين أن التضخم يبتعد عن القيمة الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) للدين، فإن الانكماش يزيد من عبء الدين الحقيقي وبالتالي ارتفاع حالات التخلف عن السداد والإفلاس من جانب الأسر والشركات المدينة.

فعلي سبيل المثال، يمثل الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة 70٪ من الاقتصاد[34]، ويعتبره الاقتصاديون محركاً موثوقاً به للاقتصاد العالمي، ولنا أن نتخيل التأثير السلبي إذا أجل المستهلكون الأمريكيون الإنفاق على السلع باهظة الثمن لأنهم يعتقدون أن السلع قد تكون أرخص خلال الفترة القادمة.

يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية وتلال الأموال التي حقنت حتي الآن في الاقتصادات المختلفة ستكسب المعركة ضد الانكماش، لكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت البنوك المركزية ستستطيع السيطرة حتي النهاية، فالبنوك المركزية تسود مخاوف حول أنها ربما أنفقت معظم إن لم يكن كل ذخيرتها في دحر الانكماش، كما أنها راهنت علي استقلاليتها بتعاونها الغير محدود مع السياسات المالية، فاذا استمرت الأزمة لفترة أطول فانه من المرجح أن يكون من الصعب التغلب على الانكماش. ولعل تصريح وزيرة الخزانة ورئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابقة جانيت يلين يلخص هذا الوضع الضبابي “تعرف البنوك المركزية كيفية كبح التضخم، بينما الانكماش هو الذي ما زال يحيرهم”[35].

3- تفاقم أزمة الديون العالمية

يشير تقرير مراقب الديون العالمية التابع لمعهد التمويل الدولي[36] إلى أن جائحة كوفيد19 أضافت 24 تريليون دولار إلى جبل الديون العالمية على مدار العام الماضي، حيث وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 281 تريليون دولار، وأن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم تجاوزت 355٪. كما أن برامج الدعم الحكومي شكلت نصف الزيادة، بينما أضافت الشركات والبنوك والأسر العالمية 5.4 تريليون دولار، و3.9 تريليون و2.6 تريليون دولار على الترتيب.

وتوقع التقرير كذلك زيادة الدين الحكومي العالمي بمقدار 10 تريليونات دولار أخرى هذا العام وأن يتجاوز 92 تريليون دولار، مضيفاً أن إنهاء الدعم قد يكون أيضاً أكثر صعوبة مما كان عليه بعد الأزمة المالية، وأن هناك القليل من الدلائل على الاستقرار على المدى القريب.

 وقد تجاوز هذا الارتفاع إلى حد بعيد الارتفاع الذي سببته الأزمة المالية العالمية عندما شهد عامي 2008 و2009 ارتفاعات قدرها 10 نقاط مئوية و15 نقطة مئوية في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.

يُظهر المعيار التاريخي مدى شذوذ وضع الدين الحالي، فقد اعتبرت معاهدة ماستريخت الأوروبية لعام 1992 أن الحسابات المالية والحسابات الجارية الحكيمة يجب ألا تتجاوز 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، والدين السيادي لا يزيد عن 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2020 وحده، بلغ متوسط ​​العجز المالي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي 13.3٪ للبلدان المتقدمة و10.3٪ للدول ذات الدخل المتوسط ​​، أي ما يقرب من ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما يعتبر حكيماً[37].

خلق اختراع التيسير الكمي الوهم بأن البنوك المركزية يمكن أن تتجنب الأزمات المالية من خلال توفير سيولة غير محدودة. لكن ما فعلته البنوك المركزية هو حل أزمة الديون عن طريق زيادة الديون، وعلى المدى القصير سيشعر الاقتصاد بالانتعاش، ولكن على المدى الطويل، ستعاني الإنتاجية والنمو ويزداد عدم المساواة.

هناك أربع طرق للتعامل مع الديون المفرطة: النمو أو التخلف عن السداد أو الضرائب أو التضخم.  بالطبع يعتبر النمو هو الطريق الأفضل، لكنه طريق صعب ومرهون بالحصول علي المزيد من الديون للحفاظ علي توازن سعر الصرف، ولدعم المالية المثقلة بأعباء الدعم للقطاعات المتضررة من الوباء. أما التخلف عن السداد ورفع الضرائب فليسا من السهولة بمكان، للعديد من الاعتبارات السياسية والاقتصادية.

ولذلك تستخدم معظم الحكومات التضخم وأسعار الفائدة الحقيقية السلبية لتقويض القيمة الحقيقية للديون. ومع ذلك، فتشير التجربة الأخيرة إلى أن البلدان الخاضعة للإدارة السيئة في أزمات الصرف الأجنبي ستتدهور بشكل أسرع، لأن ذلك سيؤدي إلى هروب رأس المال، وانخفاض قيمة العملة المحلية إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم، وكلها مشاكل تمثل تحديات كبري تواجهها البنوك المركزية.

4- تحديات أخري محتملة:

تشير بعض الدراسات إلى بعض المشكلات الأخرى المحتمل وقوعها جراء تدخلات البنوك المركزية لمواجهة الأزمة، ومن بين تلك المشكلات ما يلي:

أ- حرب العملات

أجبر انخفاض الدولار الأمريكي خلال الفترة الماضية البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على التدخل لتفادي ارتفاع قيمة عملاتهم مقابل الدولار، لدعم اقتصاداتهم المتضررة من الوباء والحفاظ على القدرة التنافسية لصادرات بلادهم، ومع استنفاد معظم الدول تقريباً جميع خياراتها لتحفيز النمو، قد يكون انخفاض قيمة العملة هو الأداة الوحيدة المتبقية لتعزيز النمو الاقتصادي، مما قد يؤدي إلى احتمالية حرب خفية للعملات.

وفي مطلع فبراير 2021 أطلق مسؤول البنك المركزي الأوروبي فيليب لين تحذيراً صريحا لفت فيه الانتباه إلى تجاوز سعر الصرف اليورو 1.20 دولار للمرة الأولى منذ عامين[38]. وفي جلسة الاستماع لتأكيد تعيين جانيت يلين تعيين وزير الخزانة الأمريكية، أشارت رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابقة إلى أنها ستتخذ نظرة قاتمة للدول الأخرى التي تحرك أسعار الصرف بعيداً عن المستويات التي يحددها السوق[39]. وأشار المحللون إلى أن الانخفاض الأخير للدولار جاء من أعلى مستوياته التاريخية، وأن العملة لا تزال أعلى من متوسط ​​مستوياتها في العقد الماضي[40].

وكتب شيلان شاه، كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس: “أصبحت البنوك المركزية في آسيا قلقة بشأن التوبيخ والانتقام من الولايات المتحدة”. ربما يكون هذا هو السبب في أن بعض البنوك المركزية، بما في ذلك تشيلي والسويد، أعلنت مسبقاً عن أنها ستبدأ في شراء العملات الأجنبية. كما أعلن البنك المركزي للكيان الصهيوني إنه سيشتري 30 مليار دولار من العملات الأخرى على مدار عام2021، وقال رئيس البنك الوطني السويسري توماس جوردان إن الانتقادات الأمريكية لن تمنع البنك المركزي من شراء المزيد من العملات الأجنبية لدرء مخاطر ارتفاع العملة [41].

وخلاصة آراء الخبراء السابق الإشارة إليها أن الدولار الأمريكي الأضعف أو الأقوى له آثار عميقة على السياسة النقدية العالمية، وأن انخفاض الدولار يثير مخاوف حول النمو والتضخم للاقتصادات خارج الولايات المتحدة، وأن العملة الضعيفة مفيدة لتحفيز النمو ولكبح التضخم،  وهذا ما يثير قلق صانعي السياسات النقدية حول العالم، ولذلك أضحت البنوك المركزية مستعدة لإعادة تمثيل دورها كمشتر كبير لديون الحكومة الأمريكية.

وذلك ما عبر عنه نائب محافظ بنك إنجلترا ديف رامسدن” إن المسؤولين في المملكة المتحدة لديهم القدرة على زيادة شراء السندات إذا لزم الأمر”، وسلط ماسازومي واكاتاب من بنك اليابان الضوء على الحاجة إلى توخي الحذر لتراجع التضخم.

وأخيرا اتفق رؤساء البنوك المركزية العالمية على أن المعاملة الانتقامية الدولية لحرب العملات ليست في مصلحة أحد، لذلك من المرجح أن يظل محافظو البنوك المركزية حذرين في كيفية تعاملهم مع الموضوع الحساس لأسعار الصرف، لكن هذا لا يعني أنهم سيكونون صامتين[42]. وعموماً فان ما يمكن التأكيد عليه في هذا الاطار أن حرب العملات هي آخر ما يحتاجه العالم في الظروف الراهنة.

ب- الأثر السلبي للفوائد السلبية للسندات الأوروبية

أدى انخفاض أسعار الفائدة منذ الثمانينيات إلى تعرض عائدات السندات العالمية لضغوط، حتى أنها انخفضت بقيادة اليابان وأوروبا إلى ما دون الصفر في بعض الأسواق، ووفقاً لوكالة بلومبرج يتداول حوالي 27٪ من سوق السندات العالمي بعائد أقل من الصفر [43].

في عام 2014، كان البنك المركزي الأوروبي (ECB) أول بنك مركزي رئيسي يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى المنطقة السلبية، هادفاً إلى تحفيز النمو الاقتصادي عن طريق خفض تكلفة الدين لتحفيز الاقتراض، بالإضافة إلى معاقبة البنوك التي تحتفظ بكميات كبيرة من النقد.

وترتبط أسعار السندات بعلاقة عكسية مع أسعار الفائدة، وبشكل عام، إذا أراد المستثمرون الأمان من الأصول الأكثر خطورة مثل الأسهم، فقد يتجهون إلى السندات بدلاً منها، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ولكنه من الجدير بالذكر أن الآثار الجانبية السلبية تزداد بمرور الوقت، حال استمرار بيئة أسعار الفائدة السلبية لفترة طويلة جداً، نظراً لأن المعدلات السلبية هي انعكاس لاتجاهات الاقتصاد الكلي السلبية الأوسع نطاقاً والبطيئة الحركة.

وتكمن مزايا الفائدة السلبية في تشجيع البنوك التجارية علي المزيد من الاقتراض من المال الرخيص، كما تشجعها علي المزيد من الإقراض، في نفس الوقت ينجذب المستهلكون والشركات إلى للاقتراض بالتكلفة المنخفضة، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق على الاستثمار والاستهلاك. كما أن سعر الفائدة السلبي يخفض أيضاً سعر الصرف، مما يزيد الطلب على السلع المحلية في الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى تشجيعه علي الاستهلاك كبديل للادخار الذي يصبح غير مجدي، أو البحث عن أوراق مالية اكثر أمانا وربحية)[44](.

اذا فكل المزايا السابقة تتلخص في شحذ الإنفاق الاستهلاكي بما يحرك الطلب المحلي، علاوة علي خفض سعر الصرف بما يزيد من تنافسية الصادرات ويشحذ الطلب الخارجي، وبزيادة الطلب الإجمالي تتسارع وتيرة النمو وبالتالي الخروج من مرحلة الركود.

وبالطبع توجد العديد من السلبيات لسياسة أسعار الفائدة السلبية، حيث تقلل من هوامش الربح لمؤسسات الإقراض والبنوك التجارية، لا سيما حال استمرارها لفترات طويلة، التي قد تشجع البنوك على وقف الإقراض أو خفضه مع انخفاض الربحية، كما أنها تخفض أرباح المستثمرين الأجانب، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على العملة المحلية، وقد يؤدي ذلك إلى تقلبات غير مرغوب فيها لسعر الصرف، علاوة علي أن انخفاض سعر الصرف قد يؤجج التنافسية بين الدول التي تنتهج نفس السياسات.

تشير الأبحاث التي تستند إلى عينة واسعة من الأوبئة والتي أجريت بواسطة جوردا وسينغ وتايلور عام2020، إلى أن الأوبئة أعقبتها عادة فترة طويلة من النمو الاقتصادي المنخفض وانخفاض مستمر في معدل الفائدة الطبيعي الحقيقي، وهذا يعني أنه في حالة عدم وجود استجابة قوية لهذه السياسة، فمن المرجح أن يشكل الوباء الحالي ضغطاً كبيراً على ربحية البنوك الأوربية بسبب ارتفاع مخصصات خسائر القروض والتخلف عن السداد، مع الأخذ في الاعتبار أنه في الوقت ذاته تعاني بنوك منطقة اليورو من الربحية المنخفضة بالفعل، ويرجع ذلك في الغالب إلى مجموعة من العوامل الهيكلية[45].

عموماً يمكن القول أنه ما كان ينظر إليه -الفائدة السلبية – في عام 2014 على أنه أثر جانبي مؤقت للسياسة النقدية غير التقليدية، يبدو الآن راسخاً بقوة، نظراً للاعتقاد المتزايد بأن تحفيز البنك المركزي سيستمر لفترة طويلة حتي بعد طرح لقاح ضد فيروس كورونا، ولذلك من الواجب التحوط من مخاطرها السلبية، لا سيما في ظل تنبؤات باستمرارها لفترة قد تطول.

ج- ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية وأزمة الأسواق الناشئة

واجهت السياسة النقدية الأمريكية تداعيات فيروس كورونا من خلال تحديد معدل الأموال الفيدرالية المستهدف إلى الصفر خلال عام 2020، ومع بداية العام الجديد أدت سرعة نشر اللقاح في الولايات المتحدة الأمريكية، وإقرار حزمة التحفيز المالي بقيمة 1,9 تريليون دولار أمريكي إلى تعزيز التعافي الاقتصادي المتوقع. واستشرافا لذلك، سجلت أسعار الفائدة الأمريكية الأطول أجلا ارتفاعا سريعا، حيث زاد العائد على سندات الخزانة لأَجَل عشر سنوات من أقل من 1% في بداية العام إلى أكثر من 1,75% في منتصف مارس.

يقول ديفيد كيلي، كبير الاستراتيجيين العالميين في جي بي مورجان لإدارة الأصول: إن سعر فائدة الولايات المتحدة لمدة 10 سنوات سيقترب من 3 في المائة، وذلك أمر منطقي بالنظر إلى التوسع المتوقع للاقتصاد والعودة المحتملة لمعدل التضخم البالغ 2 في المائة[46].

وفي بداية أزمة كورونا عانت الأسواق الصاعدة من نزوح كثيف للأموال إلى الخارج، ولكن سرعان ما استقرت الأوضاع واستعادت اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الانخفاضات الحادة في أسعار الفائدة التي نظمها الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى حول العالم، وهي المعدلات التي قللت من عبء خدمة الدين الخارجي وجعلت الأصول الناشئة ذات العوائد المرتفعة أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين.

ويشير صندوق النقد الدولي[47] إلى أن الاقتصادات الصاعدة والنامية تتابع ارتفاع أسعار الفائدة بقلق بالغ، فمعظمها يواجه تباطؤا في وتيرة التعافي الاقتصادي أكبر مما تواجهه الاقتصادات المتقدمة، نظرا لفترات انتظارها الأطول إلى حين الحصول على اللقاح ومحدودية الحيز المالي المتاح لها كي تقوم بدفعتها التحفيزية، وقد ظهرت دلائل على أن تدفقات رأس المال الداخلة إلى الأسواق الصاعدة بدأت تنضب، وما يُخشى حدوثه الآن هو أن تتكرر نوبة الاضطراب التي وقعت في 2013، حين أدت مؤشرات مبكرة للتراجع عن عمليات شراء السندات الأمريكية إلى اندفاع تدفقات رأس المال إلى خارج الأسواق الصاعدة.

بينما يشير آخرون إلى أنه طالما كانت الزيادات في أسعار الفائدة مدفوعة بنمو اقتصادي أسرع وليس تضخماً أعلى، فمن المرجح أن تكون تداعياتها على الأسواق الناشئة حميدة[48]. لكن توقعات التضخم الأعلى، بالإضافة إلى عودة إيجابية الفائدة، قد تدفع عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 3-4٪، بما يؤدي إلى تفاقم أعباء ديون الأسواق الناشئة وبالتالي اضطرابات حادة في الأسواق الناشئة تؤدي إلى حالات تخلف عن السداد على نطاق واسع[49]. وربما يعمق ذلك من تداعيات فيروس كورونا ليس فقط علي البنوك المركزية لتلك الدول وإنما أيضا علي البنوك المركزية الكبري في العالم.

المبحث الثالث: استقلالية البنوك المركزية بعد أزمة كورونا

احتدم الجدال بين النقديين حول آثار الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية في العالم لمواجهة تداعيات فيروس كورونا علي طبيعة عمل هذه البنوك في المستقبل، وارتكز هذه الجدل إلى حد كبير علي مدي خطورة تلك الإجراءات علي استقلالية البنوك المركزية التي طالما اعتبرت حجر الزاوية الضامن لبث الثقة في الاقتصادات واستقراراها المالي.

ويمكن محاولة استقراء مستقبل استقلالية البنوك المركزية بعد جائحة كورونا من خلال النقاط التالية:

1- أشكال ملكية البنوك المركزية في العالم وأثرها في سياساته

تم إنشاء جميع البنوك المركزية الأولى في شكل شركات مساهمة خاصة، وفي أوائل القرن العشرين كان هناك مزيجاً متساوياً تقريباً من البنوك المركزية مع مساهمي القطاع الخاص والقطاع العام

وبعد الحرب العالمية الثانية تم تأميم معظمهم. ومع ذلك، فإن المجموعة الصغيرة من البنوك المركزية لا تزال في ملكية خاصة. وعلى الرغم من أن أنشطتها التي لا تختلف عن البنوك المركزية الأخرى، إلا أن الملكية الخاصة لها تأثير أساسي على حوكمة الشركات.

وعلي سبيل المثال، لا تمتلك الحكومات الأمريكية والإيطالية وجنوب إفريقيا حصة ملكية رسمية في بنوكها المركزية، بينما يمتلك القطاع الخاص( البنوك أو المساهمين الأفراد / أو مؤسسات القطاع الخاص غير المصرفية) حصصاً في البنوك المركزية لليابان وسويسرا وبلجيكا واليونان وتركيا، وفي بعضهم تتملك الحكومة نصف الأسهم)[50](.

ويتم تداول أسهم البنوك المركزية في بلجيكا واليونان واليابان وسويسرا علناً في البورصات، وبالطبع فان أسعار أسهم هذه البنوك المركزية تؤثر علي متغيرات الاقتصاد الكلي الأخرى مثل الناتج المحلي الإجمالي أو مؤشرات سوق الأوراق المالية الأوسع، وان كان هذا يحتاج إلى دراسة منفصلة.

 يمثل البنك المركزي الأوروبي (ECB) نموذج ملكية متميز، حيث تم تأسيسه بموجب معاهدة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. إلى جانب البنك المركزي الأوروبي، تشمل البنوك المركزية الأخرى فوق الوطنية البنك المركزي لشرق الكاريبي، وبنك دول وسط إفريقيا، والبنك المركزي لدول غرب إفريقيا.

عموماً وبغض النظر عن شكل ملكية أسهم البنوك المركزية فان معظم الاقتصاديين يرون هذه المسألة ذات أهمية هامشية، حيث تسعي البنوك المركزية إلى تحقيق أهدافها المتنوعة، وتعزيز الاستقرار النقدي(الحفاظ علي التضخم منخفضاً) والاستقرار المالي(غياب الأزمات المالية). وهي الأهداف التي يجب دراسة ما إذا كان هناك أي ارتباط بين هيكل ملكية البنك المركزي ونتائج الاقتصاد الكلي لا سيما هدفي الاستقرار.

وعلي الرغم من ذلك فإن مسألة ملكية البنك المركزي هي موضوع شديد الأهمية، يجب دراسته بعناية فائقة، في ظل توالي الأزمات الاقتصادية الكبري، وتصميم البنوك المركزية الكبري في العالم علي نفس السياسات والإجراءات التي تفضي إلى ترحيل وتعميق المشاكل. باختصار فان التساؤل هل لملكية القطاع الخاص حصة في أسهم البنوك المركزية الكبري أثراً في تصميم السياسات الخادمة لبعض الفئات علي حساب فئات أخري؟ يبحث عن إجابة مفصلة، ولأنه ليس محل البحث، فيمكن التوصية ببحثه.

2- مفهوم استقلالية البنوك المركزية وأهميتها:

منذ أن هبت البنوك المركزية في العالم لإنقاذ الاقتصاد العالمي في عام 2008، فرض عليها المزيد من المهام، ومع صعود الشعبوية والاستبداد عالمياً، أصبح استقلال البنوك المركزية مهدداً، حتى في الاقتصادات المتقدمة.

وتعني استقلالية البنك المركزي منح الحكومة للبنك المركزي السلطة في صياغة السياسات النقدية وإدارتها وتعيين أعضائها، من دون تدخل الحكومة والبرلمان، وعلى تحقيق الاستقرار السعري، وتعزيز الشفافية والمسائلة.

وتتعدد أنواع الاستقلالية، فمنها الاستقلالية القانونية التي تمثل البنود التشريعية المُعززة لسلطة البنك المركزي، ومنها الاستقلالية الفعلية التي تعكس مدى قدرة البنك على تبني سياسة نقدية مستقلة على أرض الواقع، وكذلك الاستقلالية السياسية التي تقيد تدخل الحكومة في قرارات البنوك المركزية، فيما تحد الاستقلالية الاقتصادية من قدرة الحكومات على الحصول على التمويل من البنوك المركزية[51].

وتتمثل أهمية تعزيز استقلالية البنوك المركزية في كونها تُمكن البنوك المركزية بشكل جيد من تحقيق الاستقرار السعري، وتجنب تعارض الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، والتغلب على الهيمنة المالية للحكومة على عمليات البنوك المركزية. كما أنها توفر قدراً أكبر من الشفافية وتساعد على مسائلة البنوك المركزية عن مدى نجاحها في تحقيق أهداف السياسة النقدية وكلها عوامل مُعززة للاستقرار الاقتصادي. كما تشير الدلائل التطبيقية إلى أن استقلالية البنوك المركزية تقترن بمعدلات أقل للتضخم وبمستويات أقل لتذبذب الناتج المحلي الإجمالي بما يدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي[52].

3- الجدل الدائر حول استقلالية البنوك المركزية بعد الجائحة

يدور حالياً الكثير من الجدل حول قدرة البنوك المركزية علي الاحتفاظ باستقلاليتها بعد تلك الموجة الغير مسبوقة من التدخلات والإجراءات والتنازلات التي أقدمت عليها بالتعاون مع وزارات المالية ومع الحكومات المركزية، لا سيما أن هذه ليس المرة الأولي لمثل تلك المساندات النقدية للدول حال الأزمات.

ويدور هذا الجدل حول قدرة البنوك المركزية المتضائلة – المتصورة والحقيقية – على الوقوف في وجه الحكومات. وتشمل ساحات القتال اقتصادات الأسواق الناشئة مثل تركيا والبرازيل ونيجيريا وماليزيا، وشملت أيضاً المملكة المتحدة، حيث يُنظر إلى بنك إنجلترا على نطاق واسع على أنه يقوم بتمويل نقدي لعجز ضخم في الميزانية بسبب فيروس كوفيد19.

 وسوف تتناول الأسطر التالية تفصيلاً لبعض الآراء حول مستقبل استقلالية البنوك المركزية في أعقاب جائحة كورونا، وذلك كما يلي:

أ- بنك التسويات الدولية

حذر بنك التسويات الدولية من أن مستويات الديون المرتفعة الناجمة عن أزمة كوفيد -19 قد تؤدي إلى ممارسة الحكومات للضغط على البنوك المركزية لتحمل ارتفاع التضخم عن طريق خفض أسعار الفائدة، وفي تقريره الاقتصادي السنوي، قال البنك إنه من المهم أن تكون البنوك المركزية قادرة على العمل بمنأى عن التوجيه السياسي. وقال كذلك، إن المواقف المختلفة من التضخم يمكن أن تظهر إذا كان الوباء المطول يترك بصمة أكبر بكثير على الاقتصاد والمجال السياسي[53].

وأضاف، لا يمكن تحقيق الهدف إلا إذا كان هناك بنك مركزي محترم ومسؤول على استعداد لإغلاق الصنابير عندما يهدد التضخم بتجاوز أهدافه وحكومة مسؤولة. إذا اعتقدت الحكومة أن لدى البنك المركزي شهية غير محدودة لديونها، فيمكنها أن تنفق أكثر من النقطة التي يظل فيها البنك المركزي قادراً على السيطرة على التضخم. هذه “الهيمنة المالية” حقيقية.

ب- تشارلز جودهارت، الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد، أحد كبار المال الدولي[54]

أعلن تشارلز جودهارت، الأستاذ المخضرم في كلية لندن للاقتصاد، أحد كبار المال الدولي، أنه على مدار الثلاثين إلى الأربعين عاماً الماضية، مُنحت البنوك المركزية استقلالاً قانونياً واسع النطاق عن التأثير السياسي. ولكنها ستضطر إلى الانصياع لضغوط الحكومة للإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة ومنع الارتفاع المدمر في تكاليف خدمة الديون التي عززها الوباء بشكل كبير، وعندما يبدأ التضخم في الارتفاع مرة أخرى، لن يتمكن هؤلاء الأوصياء التقليديون من رفع أسعار الفائدة.

ويكمل، بدا واضحاً أن الحكومات والبنوك المركزية الخاضعة بشكل متزايد، تختار التضخم على التخلف عن السداد، وبعد كل شيء، ستؤدي الأسعار المرتفعة إلى تضخيم الديون، كما يظهر تاريخياً من خلال ازدهار الاقتصادات التي خرجت عن السيطرة بعد الحروب والأوبئة.

ويعتقد جودهارت أنه على الأرجح أن التضخم سيظل أعلى بكثير من المستهدف في 2022-2023. سيؤدي هذا إلى سيناريوهات مختلفة بما في ذلك الصراع مع السياسيين، وبنتائج غير سارة في نهاية المطاف،.

ويضيف تمتلك السلطات السياسية اليد العليا، سواء في البلدان الاستبدادية أو الديمقراطية، ويجب أن تدرك البنوك المركزية أين تكمن حدودها[55].

وينهي جودهارت بقوله، لقد أدت المعركة الاقتصادية ضد Covid-19 إلى طمس الحدود بين السياسة المالية والنقدية، لكن التهديدات لاستقلال البنك المركزي أعمق كثيراً في الأزمة الحالية.

ج- دراسة Carola Conces Binder المنشورة في مطلع فبراير الماضي

تشير هذه الدراسة إلى أن حوالي 10٪ من البنوك المركزية تواجه ضغوطا سياسية في المتوسط العام. حتى البنوك المركزية التي تتمتع باستقلالية قانونية عالية كثيراً ما تواجه ضغوطاً – دائماً تقريباً من أجل سياسة نقدية أكثر مرونة.

ويرتبط الضغط على البنك المركزي بارتفاع التضخم واستمرار التضخم. ومن المرجح أن يأتي الضغط من الحكومات ذات المديرين التنفيذيين اليساريين أو القوميين، أو التي تحبذ القليل من الضوابط والتوازنات، أو حين المنافسة الانتخابية الضعيفة[56].

د- جدال الخبراء في الاتحاد الأوروبي حول استقلالية البنوك المركزية

انتقل الجدل حول استقلالية البوك المركزية إلى الاتحاد الأوروبي، وكانت أهم هذه الآراء كما يلي:

  • تحدث جينس ويدمان، رئيس البنك المركزي الألماني والمستشار السابق للمستشارة أنجيلا ميركل[57]، عن “ديناميكية خطيرة” لـ “الهيمنة المالية”. ويوضح كيف تخاطر البنوك المركزية بالتخلي عن استقلاليتها لأنها “تقفز إلى الإنقاذ”، لتصبح مشتر دائم للديون الصادرة عن الحكومات ذات الإنفاق الكبير غير المقيدة بانضباط السوق.
  • يخشى فرانسوا فيليروي دي جالو سكوتش محافظ بنك فرنسا [58]، من أن البنك المركزي الأوروبي في خطر فقدان نفوذه، وعارض الآراء الألمانية التقليدية التي تقترح على البنك المركزي الأوروبي أن يوسع بشكل مباشر تفويضاته إلى ما بعد استهداف استقرار الأسعار البحت.
  • هيلموت شليزنجر، الرئيس السابق للبوندسبانك، البالغ من العمر 96 عاماً علق علي هذا الجدال قائلاً[59] “أنا قلق من عدم وجود مقاومة حقيقية لمشتريات البنك المركزي الأوروبي الكبيرة جداً من السندات الحكومية، والتي تمثل شكلاً من أشكال التمويل الحكومي لا تسمح به المعاهدة الأوروبية.
  • ويضيف: يمثل الارتباط الوثيق بين السياسات المالية والنقدية خطراً على استقلالية البنك المركزي الأوروبي، ويزداد هذا الخطر إذا كان البنك المركزي الأوروبي يتبع أهدافاً كثيرة في المجال السياسي، مما يضعف التركيز على الهدف الأساسي المتمثل في الاستقرار.

وتوجد بعض الأراء من داخل الاتحاد الأوروبي لا تري أن الإجراءات الحالية يمكن أن تقوض من استقلالية البنوك المركزية، ويمكن تناول بعض هذه الآراء كما يلي:

  • أثناسيوس أورفانيدس، المحافظ السابق للبنك المركزي القبرصي وعضو مجلس البنك المركزي الأوروبي يقول[60]، أنه يجب أن تتمتع البنوك المركزية بالاستقلالية لتحقيق أهدافها ولكن ليس لتحديدها. وأنه لا مانع للتعاون بين السياسات النقدية والمالية، ويشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي يتمتع بالكثير من الاستقلالية وعدم كفاية المساءلة”.
  • ويدعي أن البنك المركزي الأوروبي قد أساء استخدام الاستقلال من خلال اتباع سياسات صارمة للغاية، زادت من هوامش الائتمان في منطقة اليورو وألحقت الضرر بالنمو.
  • يقول مارسيل فراتزشر المسؤول السابق في البنك المركزي الأوروبي الذي يرأس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) ومقره برلين أنه[61] “من الجيد أن يكون هناك تعاون ضمني بين السياسة النقدية والمالية، وهذا لا يعني فقدان استقلالية البنك المركزي. حتى لو كانت البنوك المركزية غير راضية عن السياسات المالية، فإنها ستخالف تفويضها إذا رفعت أسعار الفائدة لإجبار الحكومات على تغيير سلوكها. فليس من مهمة البنوك المركزية ضبط الحكومات، ويضيف، إذا كان التضخم سيرتفع لفترة مستدامة أعلى بكثير من تفويض البنك المركزي الأوروبي، فسيتعين عليه التصرف بشكل حاسم، وأنا متأكد من أنه سيفعل ذلك”.
  • Barry Eichengreen، أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا يقول[62]، بأن البنوك المركزية يمكن أن تحتفظ باستقلاليتها في ظل تنسيق السياسة المالية والنقدية.
  • ويضيف: “إن مخاوفي بشأن الاستقلال لا تنبع من القلق بشأن الهيمنة المالية، بل يرجع أكثر إلى مجموعة المجالات غير التقليدية التي تسعى البنوك المركزية الآن إلى معالجتها، مثل تدابير تغير المناخ والتوازن بين الجنسين. إنهم يشتغلون في القضايا التي يصعب التحكم فيها وقياسها والتواصل معها.

وتشير خلاصة آراء خبراء الاتحاد الأوروبي إلى القول بأن البنوك المركزية معرضة لفقدان الاستقلالية التي تمتعت بها خلال العقود الماضية، وأنه في أفضل الأحوال ستحتاج إلى مقاومة قوية لتمنع ذلك.

المبحث الرابع: توجهات البنوك المركزية عقب جائحة كورونا

أفرزت التدخلات العميقة للبنوك المركزية لمواجهة الأزمات الاقتصادية المتعاقبة وآخرها أزمة  كورونا العديد من التحديات التي ستواجه آليات عمل هذه البنوك في المستقبل، وربما تعمل هذه التحديات علي دفعها لتبني توجهات جديدة في اطار حرصها علي الحفاظ علي استقلاليتها ونجاعتها في تحقيق أهدافها، وبما يحفظ الثقة في سياساتها وإجراءاتها وفي المؤسسات التابعة لسلطاتها التنظيمية، ويمكن استقراء أهم هذه التوجهات المحتملة، أما تلك التي يدور الجدل حولها حالياً داخل البنوك المركزية والخبراء النقديين للبدء بها، أو تلك التوجهات التي يري الكثير من الخبراء وجوب أن تكون علي قائمة الأولويات خلال فترة ما بعد كورونا، ويمكن تناول هذه التوجهات كما يلي:

  • تحملت البنوك المركزية أعباء متعاظمة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، ولكن واقع الأزمة الحالية كان أشد وطأة وعمقاً، وتطلب تدخلات وإجراءاتك وتجاوزات تتناسب مع فداحة الخسائر، ولاتزال الضغوط تتوالي علي البنوك المركزية لتقديم المزيد من التنازلات لاستعادة النمو وزيادة الإنفاق ومنع الإفلاس.
  • من الجدير بالذكر أن الاعتماد علي البنوك المركزية لمواجهة تداعيات كورونا لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق لدراسة العريان[63] التحذير من ذلك قبل أزمة كورونا قائلة ” إن اعتماد السياسيين بشدة على البنوك المركزية لتصبح المصدر الرئيس للتحفيز الاقتصادي، هو بسبب فشل هؤلاء السياسيين في الدفع نحو القيام بالإصلاحات التي تعد مجتمعاتهم في أشد الحاجة لها. فالفترة الممتدة من سياسة “التسهيل النقدي” دفعت أسعار الأصول لأعلى، وبالتالي دفعت نحو عدم المساواة في الثروة. وكان هذا يعني أيضا أن الاستعداد للإقدام على المخاطر المالية أصبح أعظم من استعداد دوائر الأعمال للإقدام على المخاطرة الاقتصادية بزيادة الاستثمارات”. بمعنى آخر يؤكد العريان على خطورة قضية التحول نحو “الأمولة” وتضاؤل الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، وربما يشكل هذا توجهاً مستقبلياً هاماً، للعودة الجزئية علي الأقل نحو الاقتصاد الحقيقي.
  • لقد نجحت البنوك المركزية في تحقيق العديد من أهدافها، حيث استقرت الأسواق المالية سريعاً، وتعافت أسواق الأسهم، وتقلصت الخسائر إلى أقل الحدود الممكنة، ومع ذلك، هناك العديد من التحديات تنتظر الجميع، لا سيما في الاقتصادات الناشئة والضعيفة، خاصة في ظل انعدام عدالة توزيع اللقاح، وتوالي موجات انتشار الفيروس، وهو ما يضع البنوك المركزية لهذه الدول في موضع الاختبار لا سيما في ظل محدودية مواردها المالية، وتآكل قدراتها وقدرات البنوك التجارية علي تحمل موجة جديدة ومتوقعة من الافلاسات.
  • يبدو أن هناك ما يشبه الإجماع علي تخوفات بشأن مدي قدرة البنوك المركزية في الحفاظ علي استقلاليتها عقب الجائحة، ورغم الاتفاق علي أن التنسيق بين السياستين الملية والنقدية في أوقات الأزمات يعد أمراً حيوياً في مواجهة الأزمة، إلا أن الجدل يسود حول مستقبل الاستقلالية بعد الجائحة، لا سيما في ظل التفريط في الكثير من القواعد والإجراءات التنظيمية للبنوك المركزية.
  • السيناريو المأمول هو أنه إذا تلاشى تأثير الوباء وبدأت الاقتصادات في النمو مرة أخرى، فقد تكون هناك طريقة للسلطات النقدية للتخلص من بعض الإجراءات على الأقل. ويصر معظم محافظو البنوك المركزية على أنهم يستطيعون فعل ذلك وأن التحديات لا ينبغي المبالغة فيها، إلا أنهم في نفس الوقت يقرون بأن استعادة كامل الاستقلالية قد تكون عملية طويلة ووعرة، إذا استمر السياسيون في الاعتماد المتعاظم على البنوك المركزية.
  • وفي هذا الاطار تشير تيريزا كونغ، مديرة محفظة في شركة ماثيوز آسيا في سان فرانسيسكو، إنه في هذه العملية، ربما يكون العالم قد أصبح مدمن مخدرات. وتقول إن دعم البنك المركزي “مثل المخدرات: كلما تناولت أكثر، زاد تسامحك وزاد إدمانك، وسوف يستغرق الأمر الكثير من الوقت لإخراجنا من هذا.

وهو نفس المعني الذي تقول به المدرسة النمساوية[64]، التي تؤكد أن المشكلة أشبه بمشكلة الإدمان على المخدرات، فالمحفزات المتمثلة في الائتمان الجديد ستنتج انتعاشا، لكن هذا الانتعاش لن يستمر إلا مع استمرار الائتمان في النمو، ودون جرعات أكبر وأكبر سيضيع التحفيز، وستُفضح أخطاء الاستثمار المرتكبة على خلفية الائتمان الرخيص ويتضح عدم فعاليتها. إن تأخير اليوم المشؤوم لن يتسبب إلا في جعل الارتفاع المحتوم أكبر وأكبر.

  • اذا ببساطة يمكن القول إن خطط التيسير الكمي تعالج آثار الاختلالات المالية فقط دونما أسبابها الهيكلية، وهي بذلك تؤجل مواجهة الأزمات المستمرة، بل ربما تتسبب في تفاقمها وصعوبة وفداحة تكاليف مواجهتها مستقبلاً.

بالإضافة إلى ما سبق فان سياسات التيسير الكمي التي اتبعتها البنوك تعد مكافأة لمن تسببوا بها من حاملي الأصول المالية، بدلاً من توجيهها لمن تضرروا منها، من أصحاب الأصول الحقيقية، والعمالة، والفئات الأضعف في المجتمع عموماً. وتدخل البنوك المركزية بهذه الطريقة، يعني أن الذي يدفع الثمن الفعلي لهذه المجازفات هو جمهور الأفراد والشركات، وأنه بدلاً من أن تكون المشتقات وسيلة لحماية الجمهور من المخاطر صارت وسيلة لتحميله المخاطر[65]. ومن المرجح أن سياسات التيسير الكمي ستكون محلاً لمراجعة البنوك المركزية، ليس فقط من الكم والكيف والإجراءات التنظيمية ولكن أيضا من حيث الآثار المتحققة بعد التنفيذ.

  • يشير بعض الخبراء إلى أن أحد المشاكل الكبري التي قد تواجه البنوك المركزية هي انخفاض فاعلية سياساتها، خاصة اذا تسبب تزايد طباعة النقود في زيادة معدل التضخم وفقدان أدوات السياسة النقدية للبنك المركزي فعاليتها[66]، وبذلك فان الأمر قد يتجاوز حدود التخوفات حول الاستقلالية إلى فقدان القدرة علي التأثير والقيام بإجراءات فاعلة في المستقبل.
  • انبطاح البنوك المركزية أمام رغبات الحكومات وتردد صانعي السياسة النقدية في وقف فيضان السيولة الناجم عن حزم التحفيز، يهدد بارتفاع عدم الاستقرار المالي، كما يهدد الاقتصاد الحقيقي، ويمثل تدخل متزايد في طريقة عمل الأسواق، الأمر الذي ينذر بحدوث المزيد من التشوهات التي تقوض كفاءة تخصيص الموارد المالية والاقتصادية، التي تعد من أهم أهداف السياسة النقدية، والتي تعاني تشوه فعلي حاليا جراء سياسات البنوك المركزية الداعمة للقطاعات المالية بنسب تقدر بأضعاف دعمها لقطاعات الاقتصاد الحقيقي.
  • استسهلت البنوك المركزية تطبيق سياسات التسهيل الكمي لمواجهة الأزمة، وهو الأمر الذي يعمق الفجوة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي، ويعني ذلك أن تلال الأموال التي ضختها البنوك المركزية وفرت تمويلاً تميزياً وبدون قيود للبنوك والشركات بطريقة تؤدي إلى تفاقم المستويات المرتفعة بالفعل من عدم المساواة، وربما لن تصل نسبتها الكبري إلى أيدي الناس، لا سيما أن بعض أموال التيسير الكمي تتسرب لأسواق المضاربة بدافع انخفاض أسعار الفائدة من جهة وسرعة حركة النقد في البورصات من جهة أخرى، الأمر الذي دعا الكثير من الخبراء لحث البنوك المركزية علي تغيير سياساتها بالتوجه نحو أموال طائرات الهليكوبتر)[67](، وهي سياسة يقوم بموجبها البنك المركزي بإنشاء الأموال وإرسالها مباشرة إلى أفراد الجمهور، في شكل تحويلات أحادية الجانب لا يتعين سدادها. وذلك هو الدعم القوي والمطلوب للهروب من فخ الركود الحاد أو طويل الأجل، كما أنه يدعم استقلالية البنوك المركزية، ويدعم كذلك استمرارية نجاعة إجراءاتها في المستقبل.
  • يزيد الإنفاق الحكومي بشكل مباشر من الثروة المالية والحقيقية للقطاع الخاص، وطالما يستطيع الإنفاق العام تنشيط الموارد الموجودة والغير المستخدمة بسبب انخفاض الطلب الخاص( شحذ الطلب الفعال)، فليس هناك سبب لإصرار البنوك المركزية علي سياسة التيسير الكمي، والتي يجمع الخبراء علي وجوب أن تكون مؤقتة ومحدودة، كما أن أسعار الفائدة المنخفضة لن تحفز الإنفاق الخاص الإضافي، ويتبقى من السياسات النقدية دورها في الإبقاء علي تكاليف إعادة التمويل للقطاع الخاص منخفضة لدعم عملية تخفيف الديون، وهي السياسات التي من المرجح أن تلجأ إليها البنوك المركزية في المستقبل، لتخفيف الضغوط عليها وعلي ميزانيات البنوك التجارية.
  • يشير الخبراء إلى أن التسييل المالي قد يحتاج إلى بعض القمع المالي( إبقاء سعر الفائدة منخفضاً بصورة متعمدة) للتأثير بشكل كبير على خفض أعباء الدين الحكومي، وتاريخيا أبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة منخفضة بشكل مصطنع بعد الحرب العالمية الثانية، حتى تتمكن الحكومة من سداد ديونها بسهولة أكبر، لكن الاحتياطي الفيدرالي استعاد استقلاله في النهاية، ولكن من الضروري التوصية أن تنأى البنوك المركزية بنفسها غن توريط التوجيه الحكومي وان تبقي مستقلة للحفاظ علي أداء أدوراها بكفاءة.
  • عند تخصيص التمويل في بداية الأزمة، اضطرت البنوك المركزية إلى المغامرة في مجالات ذات درجة مخاطر اقتصادية وسياسية مرتفعة، ولذلك ربما يتعين علي البنوك المركزية في المستقبل القريب إجراء تقليص مؤلم وقاسي ولكنه ضروري، وقد يمتد لقطاعات مهمة، وذلك في اطار عملية فرز وتمييز شاملة للشركات القابلة للحياة وغير القابلة للاستمرار. ويجدر الإشارة في هذا الاطار إلى حاجة البنوك المركزية عند تطبيق ذلك إلى الشفافية، ووضع ضمانات لعدم تآكل شرعيتها.
  • تحتاج البنوك المركزية في المستقبل القريب إلى الاستمرار في دعم الاستقرار المالي، بصفتها جهات تنظيمية ومشرفة، ويجب عليها أن توازن بين استخدام الهوامش والحاجة إلى دعم الاقتصاد مع الاستقرار المالي. ويتعين عليها كذلك إعادة النظر في حجم وتصميم أنظمتها المالية، ومعالجة آثار نقاط الضعف في الأجزاء غير المصرفية من النظام المالي، خاصة في ضمان دعم القطاع المالي غير المصرفي على النحو الأمثل للاقتصاد الحقيقي على المدى المتوسط[68].
  • تفاقم أزمة المديونية العالمية بتزايد حجم القروض إلى 281 تريليون دولار، بنسبة تجاوزت 355٪ إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، سيدفع البنوك المركزية إلى طريق وحيد هو المزيد من تقبل تقلبات سعر الصرف وانخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم، وانبطاح البنوك المركزية لتلك الدول أمام شروط المؤسسات الدولية ومراكز المال الكبري في العالم للحصول علي المزيد من القروض.
  • تشير دراسات الأمم المتحدة[69] من خلال برنامج تعقب الاستجابة الجنسانية العالمي لكوفيد-19 التابع لهيئة الأمم المتحدة، إلى أن عدداً قليلاً فقط من البلدان هي التى صممت سياساتها لمراعاة الاحتياجات الخاصة للمرأة. وأنها تجاهلت اقتصاديات الرعاية الذي تشكل النساء معظم القوة العاملة به، كما أنها استندت إلى افتراضات تتجاهل حقائق كيفية استهلاك الأسر للادخار والاستثمار والاقتراض والعمل، وكانت النتيجة انتعاشاً أبطأ للجميع.
  • وتؤكد هذه الدراسات كذلك انه من المهم التأكد من أن التمويل يصل إلى القطاعات التى تعمل فيها غالبية النساء، لا سيما مع خسارة المزيد من النساء أو هجرهن للوظائف – حتى فى الاقتصاد غير الرسمي – سيتعين على البنوك المركزية مراجعة البنوك التجارية لإعادة تقييم وربما إعادة تصنيف قطاعات محافظ قروضها التى تلبى احتياجات المقترضين، لا سيما أن النمو المتحقق في معظم البلدان النامية كان مدفوعاً بالالتزام بالمساواة بقدر ما كان مدفوعاً بالإمكانيات التجارية لمجموعة العملاء[70].

أخيراً: يجب علي البنوك المركزية العودة إلى الأهداف الكلاسيكية للسياسات النقدية، وعدم اختصارها في حفز النمو الاقتصادي، فتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق الاستقرار في المستوي العام للأسعار، وتحقيق التوظف الكامل، وتوازن ميزان المدفوعات كلها أهداف شديدة الأهمية لضمان بيئة اقتصادية صحية خالية من الأزمات التي باتت متلاحقة، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون في مقدمة تلك الأهداف عدالة التوزيع والمساواة وتقريب الفروق في الثروات والتي تآكلت بقوة بفعل السياسات الحالية.

الخلاصة:

يمكن القول إن أساليب تعاطي البنوك المركزية مع الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وفي مقدمتها أزمة كورونا عبر خطط التيسير الكمي لن تقدم حلولاً لجذور المشكلات التي يعانيها الاقتصاد العالمي، بل تكافئ الفئات المتسببة في الأزمات علي حساب المجتمع ككل لا سيما فئاته الضعيفة والمهمشة.

بات التوسع الكبير في خلق النقود، والتوسع المحموم في المضاربة علي العملات، وأسواق المشتقات تهديداً ليس فقط للاقتصاد الحقيقي الذي استمر في التضاؤل لحساب الاقتصاد المالي، وإنما أيضاً للبنوك المركزية ومستهدفاتها واستقلاليتها، وهو الأمر الذي سيخفض إمكاناتها في السيطرة علي أسعار الصرف ومعدلات التضخم، وربما يؤدي إلى حروب العملات.

اذا الأمر يحتاج إلى مراجعة شاملة للاطار النقدي العالمي ونظم عمل وسياسات البنوك المركزية، وتبدو آليات الاقتصاد الإسلامي- وعلي رأسها تحريم التعامل بأسعار الفائدة، وتحريم الغرر والجهالة وهما لب المشتقات المالية والعقود الآجلة وسبب تغول الاقتصاد المالي علي الاقتصاد الحقيقي-حلولا واجب الأخذ بها بدلا من تعاطي المسكنات التي لم تجد نفعاً، بدليل توالي الأزمات الكبري، واستمرار تركز الثروات، وزيادة أعداد المتعطلين والفقراء.

التوصيات:

ظهر جلياً من خلال استعراض مشكلة البحث أهمية تكثيف الدراسات حول الحلول والبدائل المتاحة للخروج من الإطار النقدي العالمي القائم- وفي مقدمتها آليات الاقتصاد الإسلامي-، وكيفية تبني سياسات وإجراءات تدريجية نحو الانتقال إلى الاقتصاد الحقيقي، وعلاج مشكلات الاقتصاد المالي.

كما أظهر البحث كذلك تباين أشكال ملكية البنوك المركزية في العالم، الأمر الذي قد يؤثر علي طبيعة السياسات والإجراءات المتبعة والأثار علي الاقتصاد الكلي للدول وللعالم ككل، وهو الأمر الذي يحتاج إلى المزيد من الدراسة.

الخاتمة

عبر أربعة مباحث رئيسية ومجموعة من النقاط الفرعية، تناول البحث قضية التحديات التي تواجه البنوك المركزية واستقلاليتها عقب أزمة كورونا، حيث تناول المبحث الأول الملامح العامة لأهم إجراءات البنوك المركزية لمواجهة تداعيات كورونا، من خلال دراسة حزم السياسات والإجراءات التي اتبعتها البنوك المركزية الرئيسية في العالم في هذه المواجهة، وكشف عن حزم متنوعة وعميقة من السياسات الداعمة في هذا الاطار.

كما تناول المبحث الثاني التحديات التي تواجه البنوك جراء تدخلاتها في أعقاب انتشار فيروس كورونا، وتطرق إلى شرح مفصل للتحديات ومنها إضعاف قدرة القطاع المصرفي على تمويل الاقتصاد في المستقبل، ومشكلة طبع النقد وتحديات التضخم والانكماش، وتفاقم أزمة الديون العالمية، بالإضافة إلى مجموعة أخري من التحديات المحتملة ومنها حرب العملات، والأثر السلبي للفوائد السلبية للسندات الأوروبية، وارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية وأزمة الأسواق الناشئة.

وتطرق المبحث الثالث إلى مناقشة استقلالية البنوك المركزية بعد أزمة كورونا، وذلك من خلال بيان مفهوم استقلالية البنوك المركزية وأهميتها وأنواعها، ثم استعراض مفصل للجدل الدائر بين الخبراء حول استقلالية البنوك المركزية بعد الجائحة.

وأخيراً تناول المبحث الرابع (والذي يعتبر نتائج وتوصيات البحث) توجهات البنوك المركزية عقب جائحة كورونا في إطار حرصها علي الحفاظ علي استقلاليتها ونجاعتها في تحقيق أهدافها.

المراجع:

أولا: المراجع العربية

  1. حاجي سمية: دور السياسة النقدية في معالجة اختلال ميزان المدفوعات حالة الجزائر 1990- 2014، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الاقتصادية، جامعة محمد خيضر- بسكرة-، 20016، ص 34.
  2. زكرياء الدوري، يسرى السامرائي: البنوك المركزية والسياسات النقدية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2006، ص 186.
  3. قدي عبد المجيد: المدخل إلى السياسات الاقتصادية الكمية دراسة تحليلية تقييمية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط1،2003، ص53.
  4. عبد القادر مطاي، فتحية راشدي: سياسة التيسير الكمي كأسلوب حديث لإدارة السياسة النقدية في ظل الأزمات –تجربة كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، مجلة رؤي الاقتصادية، جامعة الشهيد حمه لخضر، الجزائر، العدد11، ديسمبر2016.
  5. د. هبة عبد المنعم، د. الوليد طلحة: استقلالية البنوك المركزية، صندوق النقد العربي، العدد (6)، 2019.
  6. د. محمد العريان: اللعبة المتاحة: اضطراب البنوك المركزية وتفادي الانهيار القادم، دار الكتب خان للنشر، 2017.
  7. إيمون باتلر، المدرسة النمساوية في الاقتصاد، ترجمة: محمد فتحي خضر، ط 1، مصر، دار كلمات عربية للترجمة والنشر،
  8. وسام مهدي صالح: المضاربة في العملات وأثرها على النظام النقدي الدولي: تقدير اقتصادي إسلامي، رسالة ماجستير، جامعة صباح الدين زعيم، تركيا،2020.
  9. فيليب إنغلر، وروبرتو بياتسا، وغلين شير: كيف يمكن أن تؤثر أسعار الفائدة المتزايدة على الأسواق الصاعدة، صندوق النقد الدولي، 5أبريل 2021.
  10. أنيتا بهاتيا: لماذا نحتاج إلى بنوك مركزية متجاوبة مع النوع الاجتماعي؟، إيكونومي بلس،25 أبريل, 2021
  11. سي إن بي سي عربي: المركزي الأوروبي يثبت أسعار الفائدة دون تغيير، 21/1/2021
  12. موقع الجزيرة: بعد كورونا.. هل أصبحت البنوك المركزية محاصرة بالتريليونات التي استخدمتها لدعم الاقتصاد؟، 30/5/2020

ثانيا: المراجع باللغة الإنجليزية

Patricia C. Mosser: Central bank responses to COVID-19, Business Economics volume 55, pages191–201, https://link.springer.com/article/10.1057/s11369-020-00189-x#Sec2 .(2020)

Gavyn Davies: Central banks expand their role to address the crisis, Financial Times, 12 JULY 2020.

https://www.ft.com/content/641e8142-4943-4d25-a7f7-f1e08678f7e0.

  BIS: A monetary lifeline: central banks’ crisis response, Annual Economic report.2020, p38. https://www.bis.org/publ/arpdf/ar2020e2.pdf

Thomas Wade: Timeline: The Federal Reserve Responds to the Threat of Coronavirus, American Action Forum, 2November, 2020. https://www.americanactionforum.org/insight/timeline-the-federal-reserve-responds-to-the-threat-of-coronavirus/

Jeffrey Cheng, Tyler Powell, Dave Skidmore, and David Wessel: What’s the Fed doing in response to the COVID-19 crisis? What more could it do? BROOKINGS, Tuesday, March 30, 2021. https://www.brookings.edu/research/fed-response-to-covid19/

Bank of England: Our response to coronavirus (Covid), https://www.bankofengland.co.uk/coronavirus

What will the Brexit trade deal and coronavirus mean for interest rates? The Bank of England base rate remains at an historic low
Read more: https://www.which.co.uk/news/2021/03/what-will-the-brexit-trade-deal-and-coronavirus-mean-for-interest-rates/ – Which?

Federal Reserve Bank of New York: Statement Regarding Treasury Securities, Agency Mortgage-Backed Securities, and Agency Commercial Mortgage-Backed Securities Operations, 10June, 2020.

https://www.newyorkfed.org/markets/opolicy/operating_policy_200610

Federal Reserve Bank of New York: Factors Affecting Reserve Balances of Depository Institutions and Condition Statement of Federal Reserve Banks, statistical release, 13May, 2021. https://www.federalreserve.gov/releases/h41/current/h41.pdf

AL acquisition international: Quantitative Easing and How it Affects The UK Economy, https://www.acquisition-international.com/quantitative-easing-and-how-it-affects-the-uk-economy

Silvia Amaro: European Central Bank takes its pandemic bond buying to 1.35 trillion euros to try to prop up economy, CNBC, 4JUN  2020. https://www.cnbc.com/2020/06/04/european-central-bank-ramps-up-its-pandemic-bond-buying-to-1point35-trillion-euros.html

Bank of Japan: Enhancement of Monetary Easing, April 27, 2020. https://www.boj.or.jp/en/announcements/release_2020/k200427a.pdf

Wim Bartels: Central Banks respond to the pandemic” A overview of how central banks around the world are responding to the COVID-19 pandemic”, https://home.kpmg/xx/en/home/insights/2020/05/central-banks-respond-to-pandemic.html

Vivek Kaul: Lessons from the Fed’s $3 trillion money printing, https://www.livemint.com/industry/banking/lessons-from-the-fed-s-3-trillion-money-printing-11592322603528.html

Huw Jones: There are limits to boldly easing bank rules in coronavirus pandemic: https://www.reuters.com/article/us-health-coronavirus-banks-bis-idUKKCN21X1B6

Priya Sankar, Alexander Nye, and Greg Feldberg: Easing Liquidity Regulations to Counter COVID-19, YALE PROGRAM ON FINANCIAL STABILITY, p109. https://som.yale.edu/sites/default/files/files/Macroprudential_Policy_Easing%20Liquidity%20Regulations%20to%20Counter%20COVID-19.pdf

Federal Reserve Bank of UN: Supervisory and Regulatory Actions in Response to COVID-19, https://www.Supervisory and Regulatory Actions in Response to COVID-19.gov/supervisory-regulatory-action-response-covid-19.htm

 Bank of England: Bank of England measures to respond to the economic shock from Covid-19, 11 March 2020. https://www.bankofengland.co.uk/news/2020/march/boe-measures-to-respond-to-the-economic-shock-from-covid-19

European Central Bank (ECB): Government and institution measures in response to COVID-19, 20 May, 2020. https://home.kpmg/xx/en/home/insights/2020/04/european-central-bank-government-and-institution-measures-in-response-to-covid.html

European Central Bank (ECB): FAQs on ECB supervisory measures in reaction to the coronavirus, 1 February 2021. https://www.bankingsupervision.europa.eu/press/publications/html/ssm.faq_ECB_supervisory_measures_in_reaction_to_the_coronavirus~8a631697a4.en.html

Federal Reserve Bank of UN: Federal Reserve Board announces establishment of a Primary Dealer Credit Facility (PDCF) to support the credit needs of households and businesses, March 17, 2020. https://www.federalreserve.gov/newsevents/pressreleases/monetary20200317b.htm

European Parliament Think Tank: COVID-19 and the Future of Quantitative Easing in the Euro Area: Three Scenarios with a Trilemma, September 2020, p17.

https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/IDAN/2020/652740/IPOL_IDA(2020)652740_EN.pdf

Federal Reserve Bank of New York: FAQs: Municipal Liquidity Facility, 5October, 2020. https://www.newyorkfed.org/markets/municipal-liquidity-facility/municipal-liquidity-facility-faq

Enda Curan, Rich Miller: After Deploying Almost $9 Trillion, Crisis Fighters Face New Dilemmas, 28September, 2020. https://www.bloomberg.com/news/features/2020-09-28/after-saving-the-world-economy-central-bankers-face-new-dilemmas

Huw Jones: There are limits to boldly easing bank rules in coronavirus pandemic, 15 APRIL 2020. https://www.reuters.com/article/us-health-coronavirus-banks-bis-idUKKCN21X1B6

Greg Feldberg, Aidan Lawson: Should Governments Print Money to Make It through the Pandemic?

YALE INSIGHS, 22March, 2021. https://insights.som.yale.edu/insights/should-governments-print-money-to-make-it-through-the-pandemic

ELVIS PICARDO: Why Is Deflation a Central Bank’s Worst Nightmare? Investopedia, 17Apr, 2021. https://www.investopedia.com/articles/investing/051315/what-deflation-and-how-do-central-banks-fight-it.asp

Emre Tiftik, Khadija Mahmoodr: COVID Drives Debt Surge—Stabilization Ahead? Institute of International Finance, Global Debt Monitor, February 17, 2021. https://www.iif.com/Portals/0/Files/content/Global%20Debt%20Monitor_Feb2021_vf.pdf

Sunny Oh: Global central bank interventions raise specter of ‘currency war’, Market Extra, Feb. 6, 2021. https://www.marketwatch.com/story/global-central-bank-efforts-to-limit-u-s-dollars-decline-raises-specter-of-currency-war-11612555659

Susanne Barton: Specter of Currency Skirmishes Emerge with Central Bank Talk, Bloomberg,5 September, 2020. https://www.bloombergquint.com/markets/specter-of-currency-war-re-emerges-with-central-bank-skirmishes
Negative yields sweep across Europe’s bond markets: Reuters,  August 1, 2016. https://www.reuters.com/article/uk-europe-bonds-negative-yields-graphic-idUKKBN27Z2JC

 Selman YILMAZ: THE NEGATIVE INTEREST RATE POLICY: THE EVENTUALITIES AND IMPLICATIONS, Journal Of Emerging Economies And Policy, Vol.1 | December 2016, p191. https://dergipark.org.tr/tr/download/article-file/430161

Andrew Sheng: Condivergence: Is a global debt crisis coming? The global debt problem arose from the international monetary system’s structural design, based on the US dollar, The Edge Market, April 14, 2021.

https://www.theedgemarkets.com/article/condivergence-global-debt-crisis-coming

European Central Bank (ECB): Going negative: the ECB’s experience, Speech by Isabel Schnabel, Member of the Executive Board of the ECB, at the Roundtable on Monetary Policy, Low Interest Rates and Risk Taking at the 35th Congress of the European Economic Association, In June 2014.

https://www.ecb.europa.eu/press/key/date/2020/html/ecb.sp200826~77ce66626c.en.html

Michael Mackenzie: Should equity investors worry about rising interest rates? Stocks can benefit from rising earnings as economy recovers from the Covid pandemic, Financial Times 20, FEBRUARY, 2021. https://www.ft.com/content/054d7d05-ed69-445b-bfa3-c64397d5fa74

Steven B. Kamin: Scenarios for US interest rates and emerging market default: The good, the bad, and the ugly, AEI, November 13, 2020. https://www.aei.org/economics/scenarios-for-us-interest-rates-and-emerging-market-default-the-good-the-bad-and-the-ugly/

David Bholat , Karla Martinez Gutierrez: The ownership of central banks, Bank18 October 2019. https://bankunderground.co.uk/2019/10/18/the-ownership-of-central-banks/#:~:text=Although%20the%20central%20banks%20of,are%20held%20by%20the%20government.

Agustín Carstens: Central banks ‘could face political pressure to allow high inflation, Covid-19 debts could lead to government demands for low interest rates, says global bank, The guardian, 30 Jun 2020. https://www.theguardian.com/business/2020/jun/29/central-banks-could-face-political-pressure-to-allow-high-inflation

David Marsh: Threats to central bank independence, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 1 February 2021. https://www.omfif.org/2021/02/in-the-line-of-fire/

David Marsh: When central bankers’ powers run out, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 18 February 2020. https://www.omfif.org/2020/02/when-central-bankers-powers-run-out/

Carola Conces Binder: Political Pressure on Central Banks, Journal of Money, Credit and Banking (JMCB), 07 February 2021. https://onlinelibrary.wiley.com/doi/epdf/10.1111/jmcb.12772

 Jens Weidmann: Monetary and fiscal policy in the face of Covid-19, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 5 Nov 2020. https://www.omfif.org/events/uk-germany-and-europe/

MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum: Navigating the digitalisation transformation, 25 Sep 2020. https://www.omfif.org/events/navigating-the-digitalisation-transformation/

Danae Kyriakopoulou: Preserving ECB independence, Misguided fears over fiscal dominance and market neutrality, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 1 December 2020.

https://www.omfif.org/2020/12/preserving-ecb-independence/

MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum: Tackling climate change: The role of banking regulation and supervision. Tackling climate change: The role of banking regulation and supervision

MOHAMED EL-ERIAN : When is stimulus too much for markets? Financial Times,  23 FEBRUARY ,2021. https://www.ft.com/content/6254971a-96dd-41a9-a037-acf3ffa6275b

Positivemoney Europe: HELICOPTER MONEY, BAILOUTS FOR PEOPLE, NOT FOR BANKS. https://www.positivemoney.eu/helicopter-money/?gclid=EAIaIQobChMIvIS-v7mg7wIVQtTtCh3eEwmUEAAYASAAEgJklfD_BwE

Agustín Carstens: In the face of an unexpected adversary: the crucial role for central banks, Speech by Agustín Carstens General Manager, Bank for International Settlements on the occasion of the Bank’s Annual General Meeting in Basel on 30 June 2020. https://www.bis.org/speeches/sp200630.pdf


الهامش

[1] Patricia C. Mosser: Central bank responses to COVID-19, Business Economics volume 55, pages191–201 , https://link.springer.com/article/10.1057/s11369-020-00189-x#Sec2 (2020)

[2] حاجي سمية: دور السياسة النقدية في معالجة اختلال ميزان المدفوعات حالة الجزائر 1990- 2014، رسالة دكتوراه، كلية العلوم الاقتصادية، جامعة محمد خيضر- بسكرة-، 20016، ص 34.

[3] زكرياء الدوري، يسرى السامرائي: البنوك المركزية والسياسات النقدية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2006،ص 186.

[4] قدي عبد المجيد: المدخل إلى السياسات الاقتصادية الكمية دراسة تحليلية تقييمية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط1،2003، ص53.

[5] Gavyn Davies: Central banks expand their role to address the crisis, Financial Times, 12 JULY, 2020. link

[6] BIS: A monetary lifeline: central banks’ crisis response, Annual Economic report.2020,p38. https://www.bis.org/publ/arpdf/ar2020e2.pdf

[7] Thomas Wade: Timeline: The Federal Reserve Responds to the Threat of Coronavirus, American Action Forum, 2November, 2020. https://www.americanactionforum.org/insight/timeline-the-federal-reserve-responds-to-the-threat-of-coronavirus/

Jeffrey Cheng, Tyler Powell, Dave Skidmore, and David Wessel: What’s the Fed doing in response to( [8] (the COVID-19 crisis? What more could it do? BROOKINGS, Tuesday, March 30, 2021. https://www.brookings.edu/research/fed-response-to-covid19/

[9]  Bank of England: Our response to coronavirus (Covid), ( https://www.bankofengland.co.uk/coronavirus

[10] What will the Brexit trade deal and coronavirus mean for interest rates? The Bank of England( base rate remains at an historic low
Read more: https://www.which.co.uk/news/2021/03/what-will-the-brexit-trade-deal-and-coronavirus-mean-for-interest-rates/ – Which?

[11] سي إن بي سي عربي: المركزي الأوروبي يثبت أسعار الفائدة دون تغيير، 21/1/2021

[12] عبد القادر مطاي، فتحية راشدي: سياسة التيسير الكمي كأسلوب حديث لإدارة السياسة النقدية في ظل الأزمات –تجربة كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، مجلة رؤي الاقتصادية، جامعة الشهيد حمه لخضر، الجزائر،  العدد11، ديسمبر2016.

[13] Federal Reserve Bank of New York: Statement Regarding Treasury Securities, Agency Mortgage-Backed Securities, and Agency Commercial Mortgage-Backed Securities Operations, 10June, 2020. https://www.newyorkfed.org/markets/opolicy/operating_policy_200610

[14] Federal Reserve Bank of New York: Factors Affecting Reserve Balances of Depository Institutions and Condition Statement of Federal Reserve Banks, statistical release, 13May, 2021. https://www.federalreserve.gov/releases/h41/current/h41.pdf

[15] AL acquisition international: Quantitative Easing and How it Affects The UK Economy, link

[16] Silvia Amaro: European Central Bank takes its pandemic bond buying to 1.35 trillion euros to try to prop up economy, CNBC, 4JUN  2020. link

[17] Bank of Japan: Enhancement of Monetary Easing, April 27, 2020.   link

[18] Wim Bartels: Central Banks respond to the pandemic” A overview of how central banks around the world are responding to the COVID-19 pandemic”, link

[19]  Vivek Kaul: Lessons from the Fed’s $3 trillion money printing, link

[20]  Huw Jones: There are limits to boldly easing bank rules in coronavirus pandemic: link

[21] Priya Sankar, Alexander Nye, and Greg Feldberg: Easing Liquidity Regulations to Counter COVID-19, YALE PROGRAM ON FINANCIAL STABILITY, p109. link

[22] Federal Reserve Bank of UN: Supervisory and Regulatory Actions in Response to COVID-19, https://www.Supervisory and Regulatory Actions in Response to COVID-19.gov/supervisory-regulatory-action-response-covid-19.htm

[23] Bank of England: Bank of England measures to respond to the economic shock from Covid-19, 11 March 2020. link

[24] European Central Bank (ECB): Government and institution measures in response to COVID-19, 20 May, 2020. link

[25] European Central Bank (ECB): FAQs on ECB supervisory measures in reaction to the coronavirus, 1 February 2021. link

[26] Federal Reserve Bank of UN: Federal Reserve Board announces establishment of a Primary Dealer Credit Facility (PDCF) to support the credit needs of households and businesses, March 17, 2020. https://www.federalreserve.gov/newsevents/pressreleases/monetary20200317b.htm

[27]  European Parliament Think Tank: COVID-19 and the Future of Quantitative Easing in the Euro Area: Three Scenarios with a Trilemma, September 2020, p17.https://www.europarl.europa.eu/RegData/etudes/IDAN/2020/652740/IPOL_IDA(2020)652740_EN.pdf                  

[28] Federal Reserve Bank of New York: FAQs: Municipal Liquidity Facility, 5October, 2020.  link

[29] Enda Curan, Rich Miller: After Deploying Almost $9 Trillion, Crisis Fighters Face New Dilemmas, 28September, 2020. link

[30] نفس المرجع السابق.

[31] Huw Jones: There are limits to boldly easing bank rules in coronavirus pandemic, 15 APRIL, 2020. https://www.reuters.com/article/us-health-coronavirus-banks-bis-idUKKCN21X1B6

[32] موقع الجزيرة: بعد كورونا.. هل أصبحت البنوك المركزية محاصرة بالتريليونات التي استخدمتها لدعم الاقتصاد؟، 30/5/2020

[33] Greg Feldberg, Aidan Lawson: Should Governments Print Money to Make It through the Pandemic? YALE INSIGHS, 22March, 2021. https://insights.som.yale.edu/insights/should-governments-print-money-to-make-it-through-the-pandemic

[34] ELVIS PICARDO: Why Is Deflation a Central Bank’s Worst Nightmare? Investopedia, 17Apr, 2021. link

[35]   op.cit.  Should Governments Print Money to Make It through the Pandemic?

[36] Emre Tiftik, Khadija Mahmoodr: COVID Drives Debt Surge—Stabilization Ahead? Institute of  International Finance, Global Debt Monitor, February 17, 2021. https://www.iif.com/Portals/0/Files/content/Global%20Debt%20Monitor_Feb2021_vf.pdf

[37]    Andrew Sheng: Condivergence: Is a global debt crisis coming? The global debt problem arose from the international monetary system’s structural design, based on the US dollar, The Edge Market, April 14, 2021. https://www.theedgemarkets.com/article/condivergence-global-debt-crisis-coming

[38] Sunny Oh: Global central bank interventions raise specter of ‘currency war’, Market Extra, Feb. 6, 2021. link

[39]  نفس المرجع السابق.

[40] op.cit.  Should Governments Print Money to Make It through the Pandemic?

[41] نفس المرجع السابق.

[42] Susanne Barton: Specter of Currency Skirmishes Emerge with Central Bank Talk, Bloomberg,5      September, 2020. link

[43] Negative yields sweep across Europe’s bond markets: Reuters, August 1, 2016. link

[44] Selman YILMAZ: THE NEGATIVE INTEREST RATE POLICY: THE EVENTUALITIES AND IMPLICATIONS, Journal Of Emerging Economies And Policy, Vol.1 | December 2016, p191. https://dergipark.org.tr/tr/download/article-file/430161

[45] European Central Bank (ECB): Going negative: the ECB’s experience, Speech by Isabel Schnabel, Member of the Executive Board of the ECB, at the Roundtable on Monetary Policy, Low Interest Rates and Risk Taking at the 35th Congress of the European Economic Association, In June 2014.

https://www.ecb.europa.eu/press/key/date/2020/html/ecb.sp200826~77ce66626c.en.html

[46]      Michael Mackenzie: Should equity investors worry about rising interest rates? Stocks can benefit from rising earnings as economy recovers from the Covid pandemic, Financial Times 20, FEBRUARY, 2021. https://www.ft.com/content/054d7d05-ed69-445b-bfa3-c64397d5fa74

[47] فيليب إنغلر، وروبرتو بياتسا، وغلين شير: صندوق النقد الدولي، كيف يمكن أن تؤثر أسعار الفائدة المتزايدة على الأسواق الصاعدة، 5 أبريل 2021.

[48] Steven B. Kamin: Scenarios for US interest rates and emerging market default: The good, the bad, and the ugly, AEI, November 13, 2020. https://www.aei.org/economics/scenarios-for-us-interest-rates-and-emerging-market-default-the-good-the-bad-and-the-ugly/

[49] op.cit.

[50] لمزيد من التفاصيل حول أشكال ملكية البنوك المركزية في العالم يمكن الرجوع إلى:

David Bholat , Karla Martinez Gutierrez: The ownership of central banks, Bank18 October 2019. link

[51] د. هبة عبد المنعم، د. الوليد طلحة: استقلالية البنوك المركزية، صندوق النقد العربي، العدد (6)، 2019، ص11.

[52] نفس المرجع السابق،ص12.

[53] Agustín Carstens: Central banks ‘could face political pressure to allow high inflation, Covid-19 debts could lead to government demands for low interest rates, says global bank, The guardian, 30 Jun 2020. link

[54] David Marsh: Threats to central bank independence, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 1 February 2021. https://www.omfif.org/2021/02/in-the-line-of-fire/

[55] (  David Marsh: When central bankers’ powers run out, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 18 February 2020. link

[56]Carola Conces Binder: Political Pressure on Central Banks, Journal of Money, Credit and   ( Banking (JMCB), 07 February 2021. link

[57]  Jens Weidmann: Monetary and fiscal policy in the face of Covid-19, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 5 Nov 2020. https://www.omfif.org/events/uk-germany-and-europe/

[58] MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum: Navigating the digitalisation transformation, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 25 Sep 2020. https://www.omfif.org/events/navigating-the-digitalisation-transformation/

[59] Danae Kyriakopoulou: Preserving ECB independence, Misguided fears over fiscal dominance and market neutrality, MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum, 1 December 2020. https://www.omfif.org/2020/12/preserving-ecb-independence/

[60] David Marsh: Threats to central bank independence, op.cit.                                                                  

[61] نفس المرجع السابق.

[62] MFIF – the Official Monetary and Financial Institutions Forum: Tackling climate change: The role of banking regulation and supervision. Tackling climate change: The role of banking regulation and supervision

(* ) تعتبر التوجهات المستقبلية للبنوك المركزية الواردة في هذ المبحث هي النتائج والتوصيات التي توصل إليها البحث.

[63] محمد العريان: اللعبة المتاحة: اضطراب البنوك المركزية وتفادي الانهيار القادم،  دار الكتب خان للنشر، 2017، ص5.

[64] إيمون باتلر، المدرسة النمساوية في الاقتصاد، ترجمة: محمد فتحي خضر، ط 1، مصر، دار كلمات عربية للترجمة والنشر، 2013،ص87.

[65] وسام مهدي صالح: المضاربة في العملات وأثرها على النظام النقدي الدولي: تقدير اقتصادي إسلامي، رسالة ماجستير، جامعة صباح الدين زعيم، تركيا،2020، ص96.

[66]  MOHAMED EL-ERIAN : When is stimulus too much for markets? Financial Times, 23 FEBRUARY ,2021. link

[67] Positivemoney Europe: HELICOPTER MONEY, BAILOUTS FOR PEOPLE, NOT FOR BANKS.     link

[68] Agustín Carstens: In the face of an unexpected adversary: the crucial role for central banks, Speech by Agustín Carstens General Manager, Bank for International Settlements on the occasion of the Bank’s Annual General Meeting in Basel on 30 June 2020. https://www.bis.org/speeches/sp200630.pdf

[69]  أنيتا بهاتيا: لماذا نحتاج إلى بنوك مركزية متجاوبة مع النوع الاجتماعي؟، إيكونومي بلس، 25 أبريل, 2021.

[70]  نفس المرجع السابق.

Please subscribe to our page on Google News

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15371

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *