ترجمة مقال “changing perspectives on the state”
For Jonah D.levy ,Stephan Leibfried ,and Frank Nullmeier
عرض: دعاء عبدالله محمد عبد الجليل
الأراء المختلفة حول التحولات بالدولة
أولاًـ التعريف بكاتبي الدراسة:
Jonah D.levy: هو أستاذ مشارك في العلوم السياسية في جامعة “كاليفورنيا بيركلي”، حصل الدكتوراه عام 1994 من معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا”، ويركز عمله على تحولات الدولة والسياسة الاقتصادية والاجتماعية، والسياسة في الديمقراطيات الغنية، وأبرزها فرنسا.
Stephan Leibfried : هو أستاذ باحث في جامعة “بريمن” وجامعة “جاكوبس بريمن”، و كان يعمل في كثير من الأحيان أستاذاً زائرا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، في جامعة بريمن كان قد شارك في تأسيس مركز للأبحاث السياسة الاجتماعية (1988)، ومركز البحوث التعاونية في مجال التحولات للدولة (2003-2014)، وكلية الدراسات العليا الدولية بريمن للعلوم الاجتماعية (2007 وما يليها.)، مدرسة مشتركة مع جامعة جاكوبس.
Frank Nullmeier: أستاذ العلوم السياسية في جامعة “بريمن” ورئيس قسم “النظرية ودستور دولة الرفاه” في مركز للأبحاث السياسة الاجتماعية (CES)جامعة “بريمن”، ويركز عمله على نظرية دولة الرفاه، والسياسة الاجتماعية والنظرية السياسية، ويتناول عمله الأخير تحول شرعية الديمقراطية.
ثانياً ـ عرض الدراسة:
تتناول الدراسة التغيرات التي طرأت على مفهوم الدولة وتحولاتها وكذلك تغير دور الدولة والمدارس السياسية المختلفة التي تناولت هذ الدور وقامت بدراسة الدولة وتشير إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية شهدت الدولة عدة تغيرات على مفهومها وطبيعة الأدوار المنوطة بها، فهناك ثلاث مراحل أساسية مرت بها الدولة وتمثل التحول الاول في مرحلة ما بعد الحرب،أي الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت نظريات التعددية والحداثة والماركسية والسلوكية والتي سادت بشكل خاص في أمريكا الشمالية، أما المرحلة الثانية والثالثة للتحول برزت مع ظهور مدرستي المؤسسية التاريخية والليبرالية الجديدة ، حيث تم التركيز على دور الدولة فالمؤسسية رأت أن الدولة المركزية التي تقوم على مؤسسات فعالة هي الأكثر سيطرة على الاقتصاد والسياسة فقد حظيت فكرة القوة أو السيطرة الاقتصادية باهتمام كبير لدى مفكري المدرسة المؤسسية، وبالتالي فإن دور الحكومة بشكل عام وخاصة الإقتصادي منها كان محورياً في دراسات هذه المدرسة، أما الليبراليون الجدد فقد أشاروا إلى الدولة التي تحقق العدالة وتعطي مساحات كبيرة من الحرية في ذات الوقت فتشير إلى أهمية اقتصاد السوق و العمل بحرية، و التخلص من العبء الثقيل للدولة و أجهزتها البيروقراطية التي تم النظر إليها على أنها من أسباب الأزمة، و التخلي عن كل الالتزامات السابقة للدولة مثل برامج الرعاية الاجتماعية و التأمين و إعانة البطالة ، أما فيما يتعلق بالتوجهات عبر القومية فالمدرسة المؤسسية رأت أن الاختلافات والتشابهات السياسية والمؤسسية تمثل اساس الصراع والتعاون، بينما الليبراليون الجدد ركزوا على الحلول الفردية والمنافسة العالمية كأساس للعلاقات عبر القومية ومواجهة التحديات.
وقد ظهرت المرحلة الثانية من التحول مع ظهور المؤسسية التاريخية 1970 والتي اجتهدت لتفسير التنمية في ظل المشاكل الأقتصادية العالمية وتراجع الديمقراطية في كثير من دول أمريكا اللاتينية، خاصة مع تصاعد قوة دول شرق أسيا والفشل في افريقيا.
أما المرحلة الثالثة فظهرت مع انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وبروز التكنولوجيا والعولمة، وانهيار الدولة الشيوعية حيث أصبحت الدول أكثر ضعفاً وأقل سيطرة وهذا ما دعمه الليبراليون الجدد، بينما أشار أصحاب النظرية المؤسسية إلى ظهور دول جديدة غير مستقلة ومسيطر عليها من قبل الغير سياسياً.
أما التحليلات الآنية للتغير في دور الدولة تنقسم إلى أربعة معايير تتمثل في ما يلي:
1ـ تجاهل دور الدولة في العلوم الأجتماعية:
كانت الدولة وفقاً للمدارس التقليدية في العلوم الساسية تمثل الفاعل الرئيسي، وخاصة في أمريكا الشمالية، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية تحولت النظرة إلى الدولة فاتجه بعد الباحثيين إلى تجاهل دور الدولة في العملية السياسية،وتعددت المدارس التي تناولت دور الدولة في ذلك ومنها المدرسة الماركسية التي نظرت إلى الدولة باعتبارها مازالت الفاعل الرئيس والمسيطرة على العلاقات الاجتماعية، وذلك على عكس المدرسة التعددية التي رأت ان الدولة لاتقوم بحماية مصالح طبقة معينة.
أما مدرسة الحداثة فقد أكدت على المبادىء والقيم والمعرفة كأساس للتنمية والتطور الاقتصادي، فأشارت إلى أن التنمية تكون أكثر تحققاً في المجتمعات التي يتنشر بها التعليم ، كما أن الحداثة تدعم الديمقراطية عبر وجود توجهات ديمقراطية لدى النخبة المتعلمة، بينما المجتمع الذي يفتقد إلى التحديث يكون أكثر راديكالية ، كما تدعم الحداثة النظام الديمقراطي الرأسمالي على عكس الشيوعية ، فطبقاً لكل من المدرسة الماركسية والحداثة التطور الاقتصادي والتنمية يتوقف على طبيعة النظام السياسي السائد فبالنسبة للماركسية تدعم صراع الطبقات بينما مدرسة الحداثة تدعم النظام الديمقراطي الرأسمالي.
وفي اطار الحديث عن دور الدولة تم النظر إلى وظائف الدولة في العلاقات الدولية فالمدرسة الليبرالية الجديدة رأت أن تأثير الدولة والحكومة ليس هو المحدد للعلاقات الدولية ووضع الدولة في النظام الدولي بل المنافسة ، كما أن الأفراد يتدخلوا في سياسات الدول ، وعلى الجانب الأخر اشار الماركسيون إلى أن سلوك الدولة وافعالها هي المحددة لطبيعة النظام الدولي .
2- إحياء دور الدولة:
في السبعينات والثمانينات اتجه علماء الاجتماعيين لاعادة النظر إلى مفهوم الدولة وظهرت الماركسية الجديدة التي تدعم ضرورة العودة للدولة القوية المتدخلة لإصلاح مفاسد النظام الرأسمالي ، وقد دعمت عدة دراسات بالولايات المتحدة الأمريكية ضرورة عودة دور الدولة خاصة في ظل التدخلات العسكرية.
كشف هذه الظواهر الجديدة أن هناك عودة قوية لتبرير التوسع العالمي للرأسمالية و إلغاء دور الدولة عن طريق الليبرالية الجديدة التي هي إحياء لليبرالية القرن التاسع عشر و التي نقدها ماركس.
ومن النظريات التي أيدت عودة دور الدولة المؤسسية التاريخية فتشير إلى انه كلما كانت مؤسسات الدولة قوية كلما كانت الدولة أكثر قدرة على السيطرة على المواطنين وتنظيمهم ، فأي ما كانت الدولة قوية او ضعيفة يعتمد استقلالها على قوية جهازها الإداري ، والأدوات السياسية المستخدمة لديها، وقدرتها على السيطرة على الموارد لديها.
كما تظهر الدولة باعتبارها المحدد الرئيسي للمصلحة العامة ففي ظل اتساع الصراعات والنزاعات بين الجماعات المختلفة ،واختلاف أراء الأفراد و مصالحهم تسعى الدولة للتوفيق بين هذه المصالح والجمع بينها بما يتوافق مع المصلحة العامة، ونجد أن مدرسة المؤسسية الجديدة أشارت إلى أن مؤسسات الدولة هي المنوطة بتحقيق توازن بين متطلبات الأفراد وجماعات المصلحة باعتبارها الممثل لهم.
وقد رفضت الليبرالية الجديدة هذه النظرة حول الدولة فانتقدت من ينادوا بعودة دور الدولة، واعتبرت تدخل الدولة يعيق التطور الاقتصادي كما انه يقف ضد توسع الحريات، وفيما يتعلق بتحديد المصلحة العامة رأت الليبرالية الجديدة ان السبيل لتحقيق المصلحة العامة هو السوق أي إطلاق الحريات واعتبرت تدخل الدولة في ذلك أمر سلبي حيث تنحاز بالضرورة إلى جانب محدد، فتدخل الدولة لا يؤدي فقط لمشاكل اقتصادية بل يهدد الديمقراطية أيضا ، وبهذا تم انتقاد الدعوة لعودة دور الدولة .
وكان من أكبر المؤيدين لليبرالية الجديدة “ميلتون فريدمان” والذي تبنى نظرية الاختيار العام فبناء السياسات العامة بناء على توجه واحد يعيق الاقتصاد، وقد حققت الليبرالية الجديدة أولى انتصارتها مع انتخاب مارجريت تاتشر كرئيسة للوزراء في بريطانيا 1979، وانتخاب ريجان كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، طبق كل من ريجان وتاتشر إستراتيجية وأجندة مدرسة الليبرالية الجديدة من حرية الأسواق وتراجع في دور الدولة ومع تطور الاقتصاد الأمريكي والبريطاني انتقل تطبيق الليبرالية الجديدة إلى باقي أوروبا باعتبارها أساس النمو والاستثمار.
وقد ساهم في دعم الليبرالية الجديدة انهيار الاتحاد السوفيتي، بما أثبت أن نظريات السوق وإطلاق الحريات هي السبيل لتحقيق الديمقراطية والحفاظ على استقرار الدول، وظهرت عدة مؤسسات دولية مثل البنك الدولي ، مؤسسات التمويل الدولي ، صندوق النقد الدولي.
3- التحديات الدولية وإستجابة الدول:
لقد اهتمت الاتجاهات الحديثة بدارسة التحديات التي تواجه الدول وسبل مواجهة الدولة لهذه التحديات وعلى رأسها ما يطرأ على النظام الدولي من تغييرات تنعكس على الدول، فمن أبرز التحديات التي واجهت الدولة منذ الحرب العالمية الثانية ، نهاية الحرب الباردة، انتشار التكنولوجيا، عولمة الاقتصاد، بروز منظمات دولية حكومية وغير حكومية وتصاعد أدوارهم، مما جعل الليبراليون الجدد وباحثي العلاقات الدولية يشيرون إلى تضاءل دور الدولة وإضعافه.
أـ الضغوط الدولية التي تواجه الدول:
أدى انتهاء الحرب الباردة بهزيمة المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي إلى التشكيك في دور الدولة حيث نجح الليبراليون الجدد في مقابل هزيمة الماركسية والاشتراكية.
وقد أسس انتصار الليبرالية في مواجهة الماركسية والاشتراكية لظهور مقولة نهاية التاريخ لفوكويما والتي أشار فيها إلى أن تاريخ النظم الشمولية قد انتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية، وأن نهاية الحرب الباردة وضعت حد للأفكار الإيدلوجية في التاريخ الإنساني وانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية الغربية، فالديمقراطية انتشرت بالتدرج كبديل حضاري للأنظمة الديكتاتورية، والصراع التاريخي بين السادة والعبيد لا يمكن أن يجد له نهاية واقعية سوى في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر، والاشتركية لا يمكنها لأسباب عدة أن تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإن المستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتركية الديمقراطية.
وقد أدى انتصار الليبرالية الجديدة إلى توسع انتشارها في شرق وغرب اوروبا وكذلك شرق اسيا، فتراجع دور الدولة واصبح تدخلها في نطاق محدود.
ومن بين التغييرات الدولية ايضاً بروز ما يسمى بالعولمة حيث ظهرت عدة تفاعلات خارج حدود الدولة فلم تصبح الدولة مسيطرة على ما يدور داخلها، حيث اتسعت التدخلات الخارجية وبرزت الأجندات الدولية، وضعفت هيمنة الدولة على إقليمها, كما برزت المنظمات الدولية التي اصبحت تتدخل في سياسات الدول بل وفي بعض الاحيان تدين الدول، فظهرت منظمات تفوق ميزانيتها بعض الدول ،بل منظمات تقوم بإقراض الدول فتصبح مدينة لها.
كما أن العولمة ارتبط بالسياسة التصنيعية والتجارة الحرة والمنافسة الخارجية واصبح هناك قواعد دولية تضعها المنظمات مثل منظمة التجارة الدولية ، الاتحاد الأوروبي وقد أدت سياسة التصنيع والتجارة الحرة إلى بروز شركات دولية كبرى تسيطر على السوق وتلعب دور في التوجهات السياسية ، فأصبحت الشركات الدولية ذات ميزانيات ضخمة .
وفي إطار سياسات التصنيع والعولمة اتجه البعض للقول بضعف دور الدولة حيث لم تعد المتحكمة في مسار الاقتصاد لديها واصبحت الشركات الكبرى لها دور فاعل داخل الحياة السياسية.
وفي يتعلق بجماعات المصلحة فقد أدت العولمة إلى زيادة قوة جماعات المصلحة وقدرتهم على الضغط على الحكومة من اجل تحقيق مطالبهم مثل جمع ضرائب اقل ، والنهوض بعملية التحديث ، ففي ظل اتساع الشركات الاقتصادية الكبرى تضاءل دور الدولة في التدخل في الحياة الاقتصادية وافسحت المجال لحرية الأسواق.
كذلك أدت العولمة إلى ظهور المؤسسات غير الحكومية والتي تتدخل في سياسات الدولة ومراقبتها،حيث اتسعت هذه المؤسسات وانتشرت داخل حدود الدول، وبشكل عام أدت نهاية الحرب الباردة والعولمة والتكنولوجيا المتطورة إلى ضعف دور الدول وبروز العديد من التحديات في مواجهتها.
ب – عوامل استمرارية الدولة:
في ظل ما احدثته العولمة والتغيرات السابقة في دور الدولة من إضعاف اتجهت المؤسسية التاريخية في بحث كيفية استمرار الدولة وصمودها في مواجهة هذه التغيرات، وعوامل عدم انهيار الدول نتيجة هذه التحديات، وتمثلت الاسباب الرئيسية في الآتي:
(1) أن التغيرات الدولية لم تكن على قدر من القوة لتطيح بالدولة فرغم انتشار اقتصاديات السوق وبروز الشركات الدولية وقطاعات الاعمال الضخمة إلا أن الدولة مازالت تلعب دور في الحياة الاقتصادية، ورغم تدخل هذه المؤسسات للضغط على الدولة في قرارتها السياسية الإ ان الدولة مازالت الفاعل السياسي الرئيس في الداخل والخارج.
(2) ان تراجع دور الدولة كان ضعيف على عكس ما هو متصور فاستمرت الدولة تتدخل من أجل الحماية الاجتماعية، وبرز مفهوم دولة الرفاهة التي تطلق حريات السوق وفي ذات الوقت تتدخل لحماية السلامة المجتمعية.
(3) رغم التغيرات الدولية التي وضعت قيود على الدول الإ أن هذه القيود استطاعت الدول التعامل معها.
(4) استمرار نشاط الدولة واستقلالها، فاستمرت الدولة في وضع ساساتها الاقتصادية والاجتماعية.
وبالتالي أظهرت المدرسة المؤسسية عوامل استمرارالدولة في مواجهة التحديات والتغييرات الدولية، اعتماداً على ضعف التغيرات الدولية واستمرار الدولة كفاعل رئيس واستمرار الدول في ممارسة انشطتها الاقتصادية والاجتماعية , وغير ذلك.
ج ـ ديناميكية تحولات الدولة:
اقتراب التحولات تم تطويره عبر المدرسة المؤسسية التاريخية ووجد دعم لدى بعض الاقتصاديين وتقوم هذه النظرية على أن رغم التغيرات الدولية وما شهدته من تأثير على دور الدولة، الإ أن هذه التغيرات ايضاً دفعت الدول للتحول، فظهرت أنماط وسبل جديدة من تدخلات الدولة وأدائها، ومنها:
(1) النظرية الليبرالية الجديدة نفسها وضعت للدولة دور في تنفيذ اجندتها وإن كان دور ضعيف مثل تحقيق بعض الاهداف والمحافظة على أمور محدودة قد تعتبر مدعاة للقلق الجماعي، كالحرية والأمن والعدل، أي أن تتكفل بحماية حرية الافراد وحراسة الامن وتحقيق العدل، فالدولة تتدخل لمنع حدوث احتكارات للسلع من جانب بعض المنتجين وذلك حتى لا يحدث زيادة في الأسعار ونقص في السلعة نفسها، حيث تضع الدولة القواعد واللوائح التي تمنع المحتكر من استغلال المستهلكين، ومن جانب أخر تقوم الدولة يتعويض الخسائر التي يتعرض لها بعض القطاعات نتيجة السوق الحر، كما تتجه الدولة إلى فض النزاعات بين الشركات الكبيرة وكذلك مكافحة الغش التجاري.
(2) رغم أن العولمة قد أضعفت دور الدولة وتدخلها في الحياة الأقتصادية وقللت من الاستقلال الذاتي للدولة القومية في المسائل الاقتصادية، فإنها تتطلَّب – في مقابل ذلك – حالة من زيادة النشاط في المسائل الاجتماعية، حيث تتدخل الدولة، سياسيًّا وتشريعيًّا، بوضع السياسات وسنِّ التشريعات اللازمة لتنظيم قوى السوق وإصلاح الاختلالات الناجمة عن عملها؛ لتحقيق العدالة الاجتماعيَّة وضمان الاستقرار الاجتماعي، من خلال توفير شبكات الأمن الاجتماعي، وتوفير السلع والخدمات العامة، وضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية لجميع المواطنين، فالدولة تتعامل مع ندرة الموارد، وتقوم بتعظيم المنافع الاجتماعية.
(3) الدولة تقوم بالاختيار ما بين البدائل المتاحة وتلعب دور هام في تحقيق التنمية فهي تحسم ما بين ما يطرحه السوق من خيارات.
4ـ القيود والتحديات:
الجدل ما بين النظرية الليبرالية الجديدة والمؤسسية التاريخية أثير حول تحولات الدولة فبينما اتجهت النظرية الليبرالية الجديدة لتبني دور الدولة المعاصرة، أكدت المؤسسية التاريخية على كيفية استمرار الدولة ومواجهتها للتغيرات الدولية أي ركزت على سبل بقاء الدولة كفاعل أساسي، ولكن كلا النظريتان تعرضت للانتقاد ووضعت قيود عليهم، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، حيث:
أـ الانتقاد الأول للمدرسة الليبرالية الجديدة هو تأكيدها على ضرورة استجابة الدولة للضغوط الخارجية خاصة بالمجال الأقتصادي، بينما الازمة الاقتصادية عام 2008 أثبتت أن نظرية الانسجام الطبيعي، أو قدرة الأسواق على تنظيم نفسها من خلال قانون العرض والطلب وحده، غير صحيحة ،و أن الحرية الأقتصادية دفعت نموا قائما بشكل رئيسي على المضاربة المالية بما يهدد الاستقرار الاقتصاد العالمي .
ب ـ الانتقاد الثاني للمدرسة الليبرالية الجديدة هو المعيارية والتحليلية أي قياس قوة الدولة بمقدار التنمية الأقتصادية ،مع تجاهل المشاكل الأجتماعية والأثار السلبية لحرية السوق على المجتمع ، بما فيها تلك السياسات التي قد تدفع لارتفاع معدلات الفقر لدى قطاعات محددة ، فبالرغم ما طرحوه من مفهوم دولة الرفاهة الإ انهم لم يضعوا في اعتبارهم الفشل السياسي وأسس الشرعية.
ج ـ الانتقاد الثالث لليبرالية الجدية جاء من قبل التنمية الجيو سياسية، فقد تم إهمال دور الدولة في الحفاظ على سلامة اوضاعها الاقتصادية في مقابل التوسع في عمليات التنمية ،حيث قامت الليبرالية الجديدة على مبدأ ضبط الاقتصاد بالاقتصاد، أي تنظيم الاسواق حسب قاعدة العرض والطلب، وهو السبب نفسه الذي ادى إلى انتشار الديمقراطية الاجتماعية كرد على أزمة الكساد الكبرى التي تفجرت في العشرينات من القرن الماضي، وإعادة تثمين دور الدولة كأداة تنظيم وترشيد للاقتصاد .
د ـ الانتقاد الأول للمؤسسية التاريخية يتمثل في تبني التحول البطىء للدولة في الاستجابة للتطورات الاقتصادية فرغم أن المؤسسية التاريخية اشارت إلى تدخل الدولة في الاقتصاد إلى حد ما الإ انها تجاهلت الادوار الرئيسية بالدولة والتي بدونها يتم الدفع نحو التدهور الأقتصادي، حيث أغفلت دور الدولة في التنمية ومواجهة الفقر.
ه ـ الانتقاد الثاني للمؤسسية التاريخية يتمثل في افتقادها للمعايير العملية ووضع خطة استراتيجة للدول للتعامل مع سياسات الاقتصاد الحر فاكتفت ببيان ما يجب على الدول القيام به دون إظهار سبل وكيفية تحقيق ذلك.
و ـ عدم التفرقة بين الأنواع والنماذج المختلفة لأقتصاديات السوق ، وغياب الرؤية النقدية للمهام الأقتصادية المنوطة بالدولة .
ثالثاًـ نقد الدراسة:
وفي ختام الدراسة يمكن القول بأنه رغم أنها عرضت التحولات التي طرأت على دور الدولة وكذلك التحديات التي تواجهها الدول خاصة في ظل العولمة والتغيرات الدولية المستمرة الإ أن المقال قد ركز بشكل أساسي على الجانب النظري فكان دائم التنقل بين المدارس الفكرية مثل الليبرالية الجديدة والمؤسسية التاريخية و الماركسية وغيرها من النظريات، كما أن تعدد النظريات اثار تخبط عند قراءة الدراسة، كما أن الدراسة لم تثير دور الأفراد داخل الدول وتوجهاتهم وكيفية تأثيرهم على طبيعة النظام السياسي بالدولة والتغيرات التي تتطرأ على دور الدولة نتيجة الثقافة السائدة لدى مواطنيها، كما لم تشر الدراسة إلى دور الأحزاب والتي تلعب دور اساسي بالنظام السياسي بينما ذكرت دور المجتمع المدني ، ذكرت الدراسة كيفية استمرار الدولة رغم التحولات والتغيرات والتحديات المحيطة بها ولكنها لم تطرح سبل جديدة أي لم تقدم توصيات للدولة في مواجهة التغيرات الدولية.
ورغم ما سبق من انتقاد الإ أن الدراسة قدمت عرض منظم للتحديات التي تواجه الدول في ظل التغيرات العالمية، كما أنها أظهرت جدلية العلاقة ما بين الدولة وأقتصاد السوق فعندما يسيطر اقتصاد السوق تظهر مطالبات بعودة دور الدولة لتحقيق حماية المجتمع خاصة الطبقات الفقيرة من سيطرة الراسماليين، والعكس مع ظهور دور كبير للدولة في الحياة السياسية يبرز من ينادي بضرورة التخفيف من سيطرة الدولة باعتبار تدخلها تسلط ويدفع نحو الديكتاتورية.
ملتقي الباحثين السياسيين العرب Arab political researchers forum