الأصول الفلسفية العربية لعلم الاجتماع عند ابن رشد
أطروحة تقدمت بها أحلام شيت حميد الطائي
الى مجلس المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية
وهي جزء من متطلبات نيل درجة دكتوراه فلسفة في الدراسات السياسية
بإشراف الدكتور حسن مجيد العبيدي.
شغل ابن رشد ، الدرس الفلسفي الاكاديمي منذ مدة ليست بالقصيرة ، بل ان بداية القرن العشرين المنصرم ، بدأ بجدال وحوار حول فلسفة ابن رشد بين فرح انطون ومحمد عبده ودام هذا الحوار والجدال مدة ليست بالقصيرة ، اذ يرى فرح انطون ان ابن رشد هو رائد التنوير والعلمانية لاوروبا وهو أحد الاعمدة التي استندت اليها اوروبا في عصر النهضة ، وقد خالفه بذلك الشيخ محمد عبده، معتبراً ابن رشد ، أحد اساطين علم الكلام وان فلسفته لم تخرج من اطار الإسلام ومناهجه ورؤاه الكونية والفيزيائية.
ومنذ ذلك الحين ، والدراسات حول ابن رشد تتواصل بشكل ملفت للنظر، وتعقد حوله المؤتمرات السنوية ، لتقرأ فلسفته وتكتشف فيها مالم يدرسه السابقون لهذه الفلسفة.
كما واحتل ابن رشد مكانة مميزة في تاريخ دراسة الفلسفة العربية المعاصرة ومناهجها في الجامعات وانقسم حوله الدارسون العرب المعاصرون كل حسب منهجه وأيديولوجيته التي ينتمي اليها.
ولم يكن ذلك بقائم لولا ان نشرت نصوص ابن رشد الفلسفية ، ولاسيما كتابه فصل المقال وكتابه الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الملة وكتابه الشهير تهافت التهافت الذي رد فيه على كتاب الغزالي تهافت الفلاسفة فضلاً عن نشر نصوصه في ما بعد الطبيعة والتي شرح فيها فلسفة ارسطوطاليس ، حتى ان ابن رشد سمي بالشارح لشهرته في هذه الميادين. لكن بقي تراث ابن رشد يقرأ من هذه الزاوية ، زاوية الابداع الفلسفي الخاص به، والذي يسمى بالفلسفة الرشدية ، وكأن هذا الفيلسوف لم يقرأ او يدرس ما كتبه الفلاسفة السابقون عليه ، سواء اكانوا فلاسفة عرب ومسلمين ، أم يونانيين أم غيرهم .
ان هذه النظرة في قراءة نصوص الفيلسوف بهذه الكيفية ، انما فيها اجحاف واضح ، لان الفيلسوف ليس انساناً منقطعا عن تراث سابقيه ولا عن التأثر بمعاصريه ، بل هو جزء من مشروع فكري كبير يسير وفق مقتضى التاريخ الفلسفي ، عن طريق الحوار والجدال ، والتحليل والنقد وابن رشد لم يشذ عن هذا بل كان يؤمن بهذا بشكل واضح وهذا ما تدل عليه نصوصه التي وصلت الينا ودرسناها بنظرة علمية موضوعية.
وهذا هو الذي شجعنا على ان نقدم دراسة فلسفية من منظور علم الاجتماع عن اصول فلسفة ابن رشد في هذا الميدان ، بالرجوع الى مصادر فلسفته ولاسيما كتابه تلخيص السياسة commentary on platos republic وهو كتاب في فلسفة الاجتماع والمجتمع والتربية (التنشئة) وبناء الدولة الفاضلة وعناصر هذه الدولة وكتابه فصل المقال وكتابه تلخيص الخطابة اذ نجد ان ابن رشد وهو يتحدث عن المجتمع والاجتماع الانساني ، انما يشير الى المرجعيات الفلسفية التي استندها في اعداد هذا التصور عن المجتمع والدولة والانسان والاخلاق.
لهذا شمرنا عن ساعد الجد في البحث ، وكان هاجسنا ليس سحب الابداعية الفلسفية في علم الاجتماع عن ابن رشد ، بل هاجسنا هو التواصل الحضاري والفكري والفلسفي بين الفلاسفة العرب المسلمين وللرد على من يحاول ان يضع (قطيعة معرفية) فيما بينهم من الدارسين المعاصرين للفلسفة العربية الاسلامية .
قامت الاطروحة على مقدمة وخمسة فصول تلتها خاتمة برزت فيها اهم النتائج التي توصلت اليها.
الفصل الاول : وعنوانه الاطار المنهجي للبحث وانقسم على مبحثين هما :
المبحث الاول : مشكلة البحث وهدفه ومنهجه ، المبحث الثاني : مفاهيم البحث والدراسات السابقة
الفصل الثاني : ابن رشد ، حياته ومؤلفاته ، المبحث الاول : حياته ، المبحث الثاني: مؤلفاته
الفصل الثالث : علم الاجتماع وفلسفته عند الفلاسفة قبل ابن رشد، المبحث الاول : عند الفلاسفة اليونانيين ، افلاطون ، ارسطو ، المبحث الثاني : عند الفلاسفة العرب والمسلمين ، الفارابي ، ابن سينا ، ابن باجه ، ابن طفيل
الفصل الرابع : طبيعة الاجتماع الانساني عند ابن رشد ، المبحث الاول : ماهية الاجتماع الانساني عند ابن رشد ، المبحث الثاني: الاصول الفلسفية العربية لماهية الاجتماع عند ابن رشد
الفصل الخامس: التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد واصولها، المبحث الاول : اسس التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد ، المبحث الثاني : الاصول الفلسفية للتنشئة الاجتماعبة عند ابن رشد
و يسعني وأنا انهي هذا الجهد ان اقول اني اجتهدت قدر استطاعتي وتوصلت الى ما توصلت اليه ، ولكل عمل هفوات والكمال لله وحده ، فعساني اكون قد اسهمت ولو بجزء بسيط في اظهار مزايا تراثنا العربي الاسلامي الاصيل في مجال علم الاجتماع ومن الله التوفيق.
فهرست المحتويات
الموضوع |
الصفحة |
الاهداء |
|
شكر وتقدير |
|
المقدمة |
1-4 |
الفصل الاول – الاطار المنهجي للبحث |
5-23 |
المبحث الاول – مشكلة البحث وهدفه ومنهجه |
6-8 |
المبحث الثاني – مفاهيم البحث والدراسات السابقة |
9-23 |
الفصل الثاني – ابن رشد : حياته ومؤلفاته |
24-71 |
المبحث الاول : حياته |
25-54 |
اولاً : ولادته ونشأته العلمية |
27-32 |
ثانياً : صلته بالأمير ابي يعقوب يوسف |
33-36 |
ثالثاً : نكبته واسبابها الظاهرة والباطنة |
37-41 |
رابعاً : شيوخه |
42-47 |
خامسا: تلامذته |
48-49 |
سادساً : عصره |
50-54 |
المبحث الثاني : مؤلفاته |
55-71 |
اولاً : تخطيط عام |
56-68 |
ثانياً: مؤلفاته ذات الصلة بعلم الاجتماع |
69-71 |
الفصل الثالث :علم الاجتماع وفلسفته عند الفلاسفة قبل |
72-101 |
المبحث الاول: علم الاجتماع عند الفلاسفة اليونانيين |
73-81 |
اولاً : افلاطون |
74-77 |
ثانياً : ارسطو |
78-81 |
المبحث الثاني : علم الاجتماع عند الفلاسفة المسلمين |
82-101 |
اولاً : الفارابي |
83-88 |
ثانياً: ابن سينا |
89-94 |
ثالثاً: ابن باجة |
95-98 |
رابعاً: ابن طفيل |
99-101 |
الفصل الرابع : طبيعة الاجتماع الانساني عند ابن رشد |
102-124 |
المبحث الاول: ماهية الاجتماع الانساني عند ابن رشد |
103-114 |
اولاً : عوامل قيام الاجتماع الانساني |
104-109 |
ثانياً : عناصر الاجتماع الانساني |
110-112 |
ثالثاً : انواع الاجتماعات الانسانية |
113-114 |
المبحث الثاني : الاصول الفلسفية العربية لماهية علم الاجتماع عند ابن رشد |
115-124 |
الفصل الخامس : التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد واصولها |
125-153 |
المبحث الاول: اسس التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد |
126-143 |
المبحث الثاني: الاصول الفلسفية العربية للتنشئة الاجتماعية عند ابن رشد |
144-153 |
الخاتمة |
154-157 |
قائمة المصادر والمراجع |
158-163 |
ملخص باللغة الانكليزية |
1-2 |
أولاً – مشكلة البحث وأهميته :
لكل بحث مشكلة أو اشكالية([1]) ينطلق منها ، ومشكلة هذا البحث انه ينطلق من فرضية ان الفيلسوف العرب المسلم ابن رشد([2])، قد ألف وكتب في الفلسفة بكل أقسامها ، وعلم الاجتماع والسياسة والطب، فضلاً عن علم الكلام والشعر وغيرها من العلوم والفنون 0 وانه قد ترك لنا تراثاً ثراً في هذه الميادين إلا ان البحث في اصول فكره الاجتماعي وفلسفته الاجتماعية، ومن اين استمد هذه الفلسفة لم تزل ميداناً للدرس لم ينل كفايته بعد
ولهذا جاء هذا البحث ليكشف عن هذه الاصول الفلسفية العربية الاسلامية لهذه الفلسفة الاجتماعية الرشدية([3]) وليحل هذه الاشكالية في هذا الميدان
واهمية البحث انه يسد فراغاً بحثياً بالنسبة للدارسين لهذه الفلسفة واهميتها وقيمتها
ثانياً – هدف البحث
هو دراسة علم الاجتماع وفلسفته عند ابن رشد وكشف بنية هذا العلم وعلاقته بالمجتمع والدولة والسياسة والعمران والاخلاق
ثالثاً – المنهج المعتمد في البحث
لكل بحث منهج علمي تحليلي ، يسير بمقتضاه لاثبات فرضيته التي قام عليها ونظراً لان هذا البحث يتداخل فيه اكثر من منهج ، فان الباحثة ستعتمد على هذه المناهج ومنها المنهج المقارن والمنهج التحليلي والمنهج التاريخي الوصفي ، لان الموضوع يبحث في الأصول الفلسفية العربية لعلم الاجتماع ، وفي شخصية تراثية عربية اسلامية (ابن رشد)
اولاً – بعض المفاهيم الواردة في البحث
وردت في البحث جملة من المفاهيم التي سيرد ذكرها مراراً في البحث ولهذا ارتأت الباحثة ان تحدد هذه المفاهيم كما وردت في المعاجم والقواميس ذات الصلة بهذا الموضوع ومنها :
(1) الاشكالية أو المشكلة Problem
هي المعضلة النظرية أو العملية التي لايوصل فيها الى حل يقيني 000 وأما الاشكال فهو الالتباس ويطلق على ماهو مشتبه ، ويقرر دون دليل كاف ومن ثم يبقى موضع نظر([1])
فالمشكلة اذن بوجه عام ، سؤال مطروح يطلب حلاً 0 وبوجه خاص مسألة عملية أو نظرية لا يوجد لها مباشرة حلاً مطابقا([2])
(2) اصل Origin
الاصل في اللغة ما يبنى عليه الشيء ، او ما يتوقف عليه ، او كل ما يستند وجود الشيء اليه
واصطلاحاً : هو المبدأ الذي تنطلق منه الاشياء ، او العلة التي توجد منها الاشياء فيما بعد([3])
وجمع اصل ، اصول : وهي المبادئ التي يعتمدها أو يبنى عليها أو يستند اليها في وجود الشيء او البحث في المنطلقات الفكرية كذلك الشيء
(3) الفلسفة Philosophy
لفظة فلسفة مشتقة من مقطعين هما فيلا وتعني محب وسوفيا وتعني حكمة، ولهذا تعني الفلسفة لغةً محب الحكمة
الا ان التحديد الاصطلاحي لها غير ذلك ، اذ وضع الفلاسفة عبر تاريخها عدة تحديدات نذكر منها:
تعريف ارسطو ( ت322 ق0م) هي البحث في العلل الاولى للاشياء ، أو هي البحث في الوجود كوجود 0 وقد قسمها ارسطو الى فلسفة نظرية وفلسفة عملية 0 والفلسفة النظرية تشمل الميتافيزيقا ( مابعد الطبيعة) والرياضيات والفلسفة الطبيعية ( الفيزياء ) 0 والعملية تشمل الاخلاق والسياسة وتدبير المنزل ( الاقتصاد المنزلي) 0 وجعل المنطق بمثابة مدخل لها([4])0
ويعرفها ابن سينا ( ابو علي الحسين ت 428هـ/ 1037م) ، هي الوقوف على حقائق الاشياء كلها سواء اكان وجودها باختيارنا ام خارجاً عن ارادتنا0 وهي نظرية وعملية([5])0
اما الفيلسوف ابن رشد ( 595هـ – 1198م) فيعرفها انها (( ليس اكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع ))([6])0
في حين يعرفها الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت ( ت 1650م) ، كونها اشبه شيء بالشجرة جذورها علم مابعد الطبيعة وجذعها علم الطبيعة واعضاؤها العلوم الاخرى كالطب 00 وعلم الاخلاق0
وفي العصر الحديث ، اخذت لفظة فلسفة تطلق على دراسة المبادئ الاولى التي تفسر المعرفة تفسيراً عقلياً ، مثل فلسفة العلوم وفلسفة الاجتماع، وفلسفة الاخلاق ، والتاريخ ، والحقوق وغيرها0 والفلسفة باعتبارها علم يتميز بالشمولية والوحدة والتعمق ، في التفسير والتعليل والبحث عن الاسباب القصوى والمبادئ الاولى ، نجد ان الفلاسفة كما اشرنا قد قسموا مباحثها الى قسمين كبيرين ، القسم الاول ، هو الفلسفة النظرية التي غايتها البحث في الحق بشكل نظري خالص ، والفلسفة العملية وهي البحث في الحق بشكل عملي ممارس وهي الفلسفة التي تشمل دراسة المجتمع من حيث اخلاقه ( الفرد ) ومؤسساته ودولته ( السياسة) او تدبير منزلته وعلاقته بازاء اسرته ( الاقتصاد المنزلي ) ولهذا فان موضوع بحثنا سيختص في باب الفلسفة العملية وميدانها وان كان لايغفل الفلسفة النظرية0
(4) فلسفة عربية Arabic Philosophy
ان ما تقصده الباحثة بالفلسفة العربية ، هي المنتج الفلسفي العربي الذي ابدع والف في ظل الدولة العربية الاسلامية وحضارتها ومدنيتها وعبر رؤيتها الكونية والمعرفية والقيمية0 وان ابرز من يمثل هذا النتاج الفلسفي العربي هم المفكرون من امثال الفلاسفة الخلص ( الكندي ، وابن سينا ، والغزالي، وابن طفيل ، وابن رشد وابن خلدون واضرابهم) فضلاً عن علماء الكلام المسلمين من معتزلة واشاعرة وامامية ، والمتصوفة الكبار من امثال الجنيد البغدادي ومعروف الكرخي والحلاج والسهروردي ( يحيى) المقتول وابن عربي وغيرهم0
وان المقصود بلفظة فلسفة عربية او عربية اسلامية او اسلامية انما يعني معنى واحداً0 لان محتوى هذه الفلسفة هو المحتوى الديني المتمثل بالاسلام والمحتوى العقلي المتمثل بالحوار الحضاري مع الفلسفة اليونانية والموائم لها والمتكيف معها
(5) العلم : Science
يعد او يعرف العلم انه المعرفة او ادراك الشيء على ماهو عليه ، وهذا معناه العام ، اما معناه الخاص ، فهو دراسة ذات موضوع محدد وطريقة ثابتة توصل الى طائفة من المبادئ والقوانين ، وتنصب على القضايا الكلية والحقائق العامة المستمدة من الوقائع والجزئيات([7])0
وان كان كما ذكرنا ان العلم هو المعرفة ، الا انه يتميز عنها بكونه مجموعة معارف متصفة بالوحدة والتعميم 0 كما ان العلم اخص من المعرفة ، لان المعرفة يدخل في صميمها ما هو عامي شائع وماهو علمي دقيق0
ويقسم الفلاسفة العلم الى قسمين رئيسين كما اشرنا من قبل وهما اولاً : العلم النظري والعلم العملي([8])0 فالعلم النظري يضم تحته العلم الالهي والعلم الطبيعي والعلم الرياضي في حين يضم العلم العملي ، الاخلاق والسياسة والاقتصاد المنزلي0
ولكن هذا التقسيم الفلسفي للعلم ، لم يبق على حاله الى الآن اذ نجد هناك تقسيمات اخرى للعلم ، منها تقسيم فرنسيس بيكون اذ يقسم العلوم الى علوم عقلية فلسفية وعلوم شعرية وعلوم تخص الذاكرة (التاريخ)([9])0
في حين يقسم اوغست كونت العلوم الى ستة اقسام هي الرياضيات والفلك والفيزياء والكيمياء والحياة وآخرها علم الاجتماع0
وان كانت هذه التقسيمات للعلوم قد ذكرت من قبل عند الفلاسفة المسلمين الا ان تطور العلم وتقنياته وتطبيقاته قد فصل بعض العلوم عن بعضها الآخر بحكم المنهج العلمي المتبع في كل علم0 فتفرعت هذه العلوم الى اقسام عدة0
(6) علم الاجتماع Sociology
اول من استعمل اصطلاح سوسيولوجي ( علم الاجتماع ) العالم الاجتماعي الفرنسي اوكست كومت*الا ان الفيلسوف الانكليزي (جون ستيوارت مل) استعمل هذا الاصطلاح في انكلترا خلال المدة الزمنية التي عاش فيها كومت ، وظهر استعمال الاصطلاح في كتابه الموسوم (( علم المنطق)) الذي نشره في عام 1843 0 يعني هذان العالمان بهذا الاصطلاح الحقيقة والمنهاج الذي يجب ان يتبعه علم دراسة المجتمع ليكون مطابقاً للعلوم الطبيعية من ناحية طرقه المنهجية ، حقائقه القيمية ، غير ان بناء النظريات والاحكام السوسيولوجية بمعناها العلمي الحديث بدءاً منذ ظهور العلامة اوكست كومت ، وفي بريطانيا يرجع وجود اول نظرية نظامية تدرس المجتمع بصورة علمية وتحليلية الى العالم الاسكتلندي آدم فيكرسون الذي عبر عنها في كتابه تاريخ المجتمع المدني الذي نشره في ادنبره عام 1767 ([10]) 0
وقد استطاع علم الاجتماع في الوقت الحاضر بناء نظريته الاجتماعية الشاملة 0 فالنظرية المعاصرة لعلم الاجتماع تشتق تاريخياً من ثلاثة اتجاهات فكرية مختلفة هي : اولاً الاتجاه التحولي والتطوري الذي حمل لواءه اوكست كومت في فرنسا وهوبهوز في بريطانيا0 ويؤكد كومت على المراحل التحولية التي يمر بها المجتمع والتي تؤثر في افكار الناس من خلال الظروف البيئية والحضارية التي تتواجد فيها0 اما الاتجاه الفكري الثاني الذي شهدته النظرية الاجتماعية فينعكس في نظريات اميل دوركهايم التي تأثرت بافكار كومت من الناحية الموضوعية وبافكار هربرت سبنسر من الناحية التحليلية 0 يطرح دوركهايم على بساط البحث عدة مواضيع دراسية منها الطبيعة النادرة التي تتميز بها الحقيقة الاجتماعية خصوصاً عندما تكون خارجة عن نطاق الفرد وبالوقت نفسه تقيد حريته ، استقلال علم الاجتماع عن علم النفس ، تكوين المجتمع من اجهزة اجتماعية مختلفة لكل منها وظيفة خاصة تساعد على ديمومة وتقدم المجتمع ، دراسة لانواع التماسك الاجتماعي 0 ان لهذه الافكار والدراسات التي طرحها دوركهايم الاثرالكبير في تطوير النظريات والتطبيقات الاجتماعية والانثروبولوجية والاتجاه الفكري الثالث الذي اثر في تطوير النظرية الاجتماعية ينعكس في دراسات ونظريات كارل ماركس وماكس فيبر ، فعلم الاجتماع الذي كتبه واعتقد به فيبر كان مليئاً بالمفاهيم السوسيولوجية التي كانت لها فائدة كبيرة في تطوير النظرية الاجتماعية 0 واكتشف عدة اساليب منطقية لتفسير الطبيعة البشرية للانسان خصوصاً سلوكه الاجتماعي اضافة الى اعتماده اسلوب النموذج المثالي للسلوك الاجتماعي في تفسير بعض الظواهر الاجتماعية وعرف الفعل الاجتماعي بعد ان تكلم عن انواعه0 اما دراساته المتعلقة بعلم اجتماع الدين فتستعمل طريقة المقارنة غير انها توضح دور واهمية الدين في الحياة الاقتصادية وتفسر اهمية الصفات الكرزماتيكية لبعض الاحوال الدينية والسياسية المعقدة([11])0
وهناك علماء اجتماع اخرون ساهموا مساهمة فعالة في تطوير النظرية الاجتماعية اهمهم العالم الاجتماعي الالماني جورج زيمل والعالم الاجتماعي الايطالي باريتو وآخرون غيرهم([12])0
وببساطة يمكن القول ان علم الاجتماع هو العلم الذي يدرس المجتمع وان اصطلاح سوسيولوجي باللغة الانكليزية يعني علم المجتمع ، ويعد العلامة ابن خلدون اول من قرر ضرورة قيام علم الاجتماع وسماه بـ ( علم العمران والاجتماع البشري ) وعده علماً مستقلاً ، غير ان بحوثه هذه لم يتسع لها ما كانت تستحقه من الانتشار لذلك غمط التاريخ حقه ونسب الفضل في انشاء هذا العلم الى العالم الفرنسي اوجست كونت([13])0
ولقد عرف بعض العلماء هذا العلم بانه ( الدراسة العلمية للمجتمع)([14])0
وهناك من يعرفه بأنه العلم الذي يعنى بدراسة ( العلاقات الاجتماعية)([15])0
ثانياً – الدراسات السابقة
كتب الكثير عن فلسفة ابن رشد ، وعقدت حوله الندوات والمؤتمرات الفكرية سواء في الشرق ام الغرب ، ومنذ مدة ليست بالقريبة وحللت فلسفته خير تحليل ، وكان عام (1998م) هو العام الذي صادف ذكرى مرور ثمانمائة عام على وفاة فيلسوف قرطبة الشهير بالشارح الاكبر وظهرت في هذا العام العديد من المؤلفات لابن رشد محققة ومنشورة وترجم القسم المفقود من مؤلفاته الى العربية من اصول عبرية وغيرها([16])0 ومع ذلك ، بقيت الدراسات حول ابن رشد تحوم حول علاقته بفلسفة ارسطو باعتباره الشارح لها والموضح فضلاً عن موقفه من العلاقة بين الفلسفة والدين ونقده لعلماء الكلام في عصره وما سبقه0
لكن بقي ميدان الاصول الفلسفية العربية التي استقى منها ابن رشد آراءه الفلسفية ومنها اراؤه الاجتماعية التي لم تنل الدراسة الكافية ، بل يمكن القول ان فلسفة ابن رشد الاجتماعية قد درست بعدة دراسات لكنها لم توضح البعد او الاصل الذي قامت عليه فلسفته الاجتماعية
ومن هذه الدراسات التي درست فلسفة ابن رشد ضمن اطار عام لعلم الاجتماع لكنها اغفلت الاصل الفلسفي الاجتماعي العربي كما هي
(1) : دراسة خديجة الحريري الموسومة الفكر الاجتماعي في فلسفة ابن رشد ، وهي اطروحة دكتوراه في معهد التاريخ العربي
تضمنت هذه الدراسة حياة ابن رشد وتحديد مؤلفاته ذات الصلة بهذا الموضوع ثم تطرقت الباحثة الى الاجتماع الكامل (الفاضل) عند ابن رشد وعناصر هذا الاجتماع من خلال رؤيته التي تتسم بالواقعية التحليلية الموضوعية إذ نرى في هذا الجانب ابن رشد وهو يتمتع بحس تجريبي واقعي علمي برهاني رافضاً لكل نظرية وصفية غير علمية وغير تحليلية لاتنقد الواقع الاجتماعي الذي تعيش فيه
هذا وتسلط الباحثة الضوء على مدى تعامل ابن رشد مع مفهوم المجتمع وموقفه من المرأة وبيان دورها في المجتمع
وتعود الباحثة وتورد لنا الاجتماعات الناقصة عند ابن رشد وكيف تتحول المدينة الكاملة الى اجتماعات ناقصة ، وكيف يربط ابن رشد بين الاجتماع الناقص وبين من يرأسه او يمثله ويدرس كذلك طبيعة اهل هذا الاجتماع ومزاياهم الخلقية0
والسببية الاجتماعية عند ابن رشد كان لها حظ وافرعند الباحثة حيث اشارت في رسالتها الى معنى السببية الاجتماعية وعلاقتها بالقيم الخلقية وصلتها بالاجتماع وموقع دراسة السببية عند ابن رشد0
وخلاصة القول ان الباحثة توصلت في هذه الدراسة الى ان ابن رشد يؤكد ان الاجتماع ضروري للانسان وللجماعة الانسانية كلها ، لأن فيه تمام تحقيق الكمال والسعادة والفضيلة لهم ، وان العزلة شر ونقص وعلى الانسان ان يترك هذه العزلة وان ابن رشد يؤيد النظام والتوحيد للمجتمع وان يكون المجتمع متحداً قوياً متلاحماً ، وملخص القول ان ابن رشد لم يحصر فكره الاجتماعي في مجال التنظير فقط وانما نقله الى مجال التطبيق والاستفادة من تجارب التاريخ العربي الاسلامي وانه وجد مقاربات لكل انواع الاجتماعات التي تحدث عنها 0 هذا وقد آمن ابن رشد ان تحقيق العدالة في المجتمع يكون بالتخصص في العمل 0 وأكد على مسألة التربية للمجتمع ، هذا واشارت الباحثة في دراستها الى ان ابن رشد نظر الى المجتمع نظرة مساواة بين الرجل والمرأة ، وهذه النظرة يمكن ان تعد مهمازاً لكل الافكار والسياسات التي تطالب بتأكيد حقوقها ودورها في المجتمع0
هذا ولفتت هذه الدراسة انظارنا الى ان افكار ابن رشد حول الاجتماع قد وجدت لها صدى عند مفكرين وفلاسفة آخرين من بعده ، عرباً مسلمين كانوا ام من امم اخرى0
(2) دراسة الباحث محمد جعفر حسين بن الشيخ ابو بكر (( الفلسفة السياسية الاجتماعية عند ابن رشد)) 0 وهي رسالة ماجستير من جامعة الكوفة تعرفنا في هذه الدراسة على الجانب الفلسفي السياسي الاجتماعي في المغرب العربي وطبيعة هذا المجتمع العربي الاسلامي وتراثه السياسي وتفكيره الفلسفي0
حاول الباحث الدخول للمنجز السياسي الاجتماعي في الفلسفة قبل ابن رشد عند الفلاسفة اليونان ثم الفلاسفة العرب المسلمين ، بعدها قسم العلوم الفلسفية عند ابن رشد وموقع الفلسفة السياسية الاجتماعية فيها0 وكان ابداع الباحث جلياً في الفصل الثاني من رسالته وهو يستعرض المدينة الفاضلة ، عناصرها ، ودستورها محللاً المنظور الرشدي لأصل الاجتماع البشري ثم اسباب حدوث الاجتماع البشري ونشوءه عند ابن رشد ، والدولة في المنظور السياسي الاجتماعي الراشدي ، وتكوين المدينة الفاضلة عند فيلسوفنا ابن رشد وعناصر هذه الدولة ثم خصال رئيس المدينة الفاضلة وفلسفة التربية وهي المدينة الفاضلة وكان مسك الختام لهذا الفصل هو ( المرأة عند ابن رشد ) حيث يشير الباحث في هذا الفصل بأن ابن رشد يتميز عن الفلاسفة الاخرين بنظرته الى المرأة ، فابن رشد يؤكد ان يكون للمرأة دوراً مؤثراً وفعالاً وان تشارك في حياة المجتمع مثل مشاركة الرجل ، واذا ما احسنت تربيتها وتعليمها فسوف تنشأ على جانب كبير من الفطنة والعقل، ويؤكد ابن رشد ان عدم تطور المجتمع الفاضل يرجع الى اضطهاد المرأة ، ولذلك يدعو ابن رشد الى تحررها أي المرأة من عبوديتها0
هذا وكان للمدن الناقصة ودساتيرها نصيب في رسالة الباحث حيث يوضح لنا دستور الشرف والمجد ثم دستور حكم القلة وكذلك حكم الاغنياء ودستور الجمهور والمدينة الجماعية ودستور الاستبداد 0 ووضح الباحث الاخلاق والاصول الفلسفية للاخلاق عند ابن رشد والفضائل الانسانية وعلاقتها بقوى النفس ، والخير والشر ، العدالة ثم السياسي والديني في الخطاب الفلسفي الرشدي من خلال نظرية النبوة عند ابن رشد وصلتها بالفلسفة السياسية الاجتماعية0
وخلاصة القول ان الباحث من خلال هذا الجهد استطاع ان يتوصل الى جملة من النتائج التي من خلالها نستدل على ان ابن رشد كيف افلاطون للاسلام واعطاه بعداً واقعياً في السياسة ، وان ابن رشد مال بالسياسة الى الواقع وغادر المثال الافلاطوني وميتافيزيقيا السياسة عند الفارابي ، وقد وضح لنا الباحث ان ابن رشد ينظر للمجتمع الانساني بوصفه ظاهرة اجتماعية متغيرة ومتحركة ولهذا نجد ان المفهوم السياسي الاجتماعي متغير غير ثابت ، كما انه وضع التربية من مهام المدينة الفاضلة0
واخيراً لابد ان اقول ان جهد هذين الباحثين هو جهد واضح وهو جهد متميز في هذا المجال ، ولكن تبقى هناك محطات تحتاج لمن يسكن فيها ويبحث فيها الا وهي محطة الاصول الفلسفية العربية لعلم الاجتماع عند ابن رشد وهذا الجهد سيكون مكملاً للجهد المبذول من قبل الباحثين السابقين 0
(3) دراسة الدكتور حسن مجيد العبيدي عن (( فلسفة ابن رشد السياسية واثر الفارابي عليها)) 0 بحث منشورفي مجلة : المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية ، العدد(2)0
ان المتتبع لهذه الدراسة يدرك الجهد القيم المبذول من قبل الباحث في الكشف عن اصول فلسفة ابن رشد السياسية ويظهر مدى تأثره بالخطاب السياسي الفارابي وتبنيه له واعتماده في بناء فلسفته السياسية للمدينة الكاملة الفاضلة (( Perfect city)) 0
وابداع البحث لايقتصر على جانب واحد فقط وانما وضح وجود مقاربات فلسفية سياسية بين فلاسفة المشرق الاسلامي وفلاسفة مغربه بشكل مباشر ، وينفي القطيعة الابستمولوجية التي صرح بها الدكتور محمد عابد الجابري في مؤلفاته العديدة 0
كان للبحث طابع مميز وملموس في المحاور التي قسمها الباحث للتعريف بطبيعة الاجتماع السياسي المدني عند ابن رشد ومدى تأثره بالفارابي ، والحديث عن العلاقة بين الفضائل الانسانية والسعادة والكمالات للانسان بين ابن رشد والفارابي0
ثم عرج على خصال رئيس المدينة الفاضلة وكما ذكرها ابن رشد في كتابه (( تلخيص السياسة )) ([17]) 0
استعرض الباحث في هذه الدراسة ثلاثة نصوص للفارابي والتي وجدت لها صدى في عقل ابن رشد وهو يتناول هذه المسألة المهمة في الاجتماع السياسي المدني0
ومؤشر الباحث ان الفارابي كان حاضراً بهذه المؤلفات امام ابن رشد وهو يكتب كتابه (( تلخيص السياسة )) ويرى الباحث اقتراب ابن رشد من هذه الاصطلاحات الفارابية والتصاقه الكبير بها ، ومن طبيعة التحليل الفارابي للاجتماع السياسي ، وفي صياغة التعريف للاجتماع الانساني وكيف يقوم هذا الاجتماع بصورة متكاملة عن طريق التعاضد والتعاون بين افراد المجتمع0
ويبدع الباحث اكثر فأكثر عندما يصف مدى حضور الفارابي باصطلاحاته ونصوصه تبعاً لتحصيل السعادة والسياسة المدنية واراء اهل المدينة الفاضلة، امام ابن رشد0
ومتانة التعبير ودقة الالفاظ تتوضح لنا عندما يطابق الباحث بين الرؤية والمنهج والتنظير للتربية وغرس الفضائل لأهل المدينة الفاضلة عند كل من الفارابي وابن رشد0
لقد استخلص الباحقث في بحثه هذا ان ابن رشد قد وجد في خطاب الفارابي السياسي مايوائمه في اعداد خطاب سياسي للدولة الموحدية في مستوى العمل والتنظير وما قام به ابن رشد لهذه الدولة انما هو مشروع تربوي وجد اصوله النظرية الفلسفية في خطاب الفارابي0
هذا ويغنينا البحث كيف استفاد ابن رشد من الفارابي في تحديد اصطلاحات الملك والفيلسوف الشارع او السان والامام وخصال وخصائص الفيلسوف الحاكم للمدينة0
واخيراً خرج الباحث بخلاصة غنية مفادها ان الاصطلاحات الواردة في مؤلفات الفارابي في السياسة فيها ما يعوض عن الاصطلاحات الافلاطونية المنقولة عن اللغة اليونانية وان الفارابي اكثر استقلالاً واسهاماً في بناء فكر سياسي اجتماعي عربي اسلامي رغم اطلاعه على فلسفة افلاطون السياسية عبر الجمهورية0
والاهم من هذا ما أكد عليه الباحث من ان ابن رشد حاول ان يغذي فلسفة الفارابي السياسية بمعطيات من الواقع العربي الاسلامي في حين بقي الفارابي اسير التنظير فقط0
هذه الدراسة فتحت الابواب والآفاق لنا للبحث في الاصول الفلسفية العربية لعلم الاجتماع عند ابن رشد
ليس القصد من تفصيل حياة ابن رشد العلمية ومكانته الفلسفية في التأليف والابداع ، او صلته بالوضع الاجتماعي والسياسي والفكري القائم في عصره إلا بيان ان هذا الرجل لم يكن بالانسان العادي الذي ظهر في عصر ما وكتب والف في ذلك العصر وابدع ، ثم بعد وفاته نسي ذكره ، بل ان هذا الفيلسوف كان شمولياً في تفكيره وعلمياً وواقعياً في نظرته التي ارساها في مؤلفاته ، وانه قد اطلع على مجمل التراث الفلسفي والديني لعصره وما قبله وقد وقف منه موقف الناقد المحلل الشارح لا المقلد بل المجدد ، ولكن بقي هذا التجديد يحمل في طياته الكثير من عناصر التأثر بمن سبقه
وهذا الفصل ، سيتعرض بالتفصيل لمجمل حياة ابن رشد الفكرية ونشأته العلمية وشيوخه وتلامذته ثم مؤلفاته التي وصلت الينا
اولاً – ولادته ونشأته العلمية
هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد ، ويلقب بالاتينية AVERROS ولد في قرطبة([1]) سنة ( 520هـ/1126م) باتفاق المؤرخين لسيرته([2]) ، وان خالفهم البعض في ذلك([3])، ويكنى بأبي الوليد ويلقب بالحفيد تمييزاً له عن جده الذي يكنى بنفس اللقب ، ومن القابه الأخرى القرطبي نسبة الى مدينته التي ولد فيها ونشأ وتعلم 0 ويطلق عليه المؤرخ صلاح الدين الصفدي (( صاحب المعقول))([4]) وهو الذي يدل على اهتمامه واشتغاله بالعلوم الطبيعية العقلية ، أي ان الدراية اغلب عليه من الرواية بحسب ما يقول ابن الآبار0
اما ولادته فقد كانت قبل وفاة جده قاضي القضاة ابن رشد بشهر بحسب رواية الذهبي([5])، الذي يهتم كثيراً بايراد تفصيلات عن حياة ابن رشد وصلته بالامير يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الموحدي الذي سيرد ذكره فيما بعد0
ويخبرنا مؤرخو سيرته عن تلقيه العلوم المختلفة من نعومة اظفاره ، ومن التي كانت متداولة في عصره ، والتي كانت معروفة في عصره وما قبله مثل الفقه والحديث والعقائد والطب والعربية والأدب وغير ذلك0
اما الفلسفة التي بها عرف بها واشتهر فأن المؤرخين لا يوردون معلومات مهمة قليلة او كثيرة يخبروننا فيها على يد من تعلمها ودرسها([6])0
ويحكي لنا ابن الابار ([7])ويتابعه في ذلك ابن ابي اصيبعة([8])،والذهبي([9])،وابن فرحون ([10])، وابن العماد الحنبلي([11])
( ت 1089هـ) ، وغيرهم ان ابن رشد قرأ الفقه (( على يد الفقيه الحافظ ابي محمد بن رزق)) واستظهر كتاب الموطأ حفظا للامام مالك
( ت179هـ) ، على ابيه أبي القاسم أحمد بن رشد ( ت 565هـ) ، وكذلك سمع من الفقيه ابي مروان عبد الملك بن مسرة ، وحدث ( أي ابن رشد) عنه باشبيلية وغيرها0
وفضلاً عن هؤلاء الفقهاء ، فقد درس ايضاً على يد الفقيه الشيخ ابي القاسم ابن بشكوال(ت570هـ) وابي بكر بن سحنون ( ت563هـ) وابي جعفر ابن عبد العزيز ، وإن هذا الأخير قد أجاز له الفتيا في الفقه مع الفقيه أبي عبد الله المازري (ت536هـ)([12]) والذي يبدو للعيان هنا ومن خلال ذكر هؤلاء المشايخ في الفقه ان اهتمام ابن رشد بهذا العلم واصوله ، انما بدأ مرافقاً لحياته منذ طلبه للعلم وهو صغير، ويعود ذلك الى ان منزع العائلة كان منزعاً فقهياً ( الأب والجد ) 0 وقد ترك هذا الإهتمام بالفقه لدى الحفيد أن ألف عدة مؤلفات مهمة في هذا المجال كان لها اهميتها العلمية والدينية الى اليوم ومنها على سبيل المثال ((كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد)) مما حدا بالمؤرخين لسيرته ان يقولوا عنه (( انه كان يفزع الى فقهاء في الفقه لمعرفته الجيدة به 000))([13]) 0
أما علم الحديث([14])، وما يتصل به من رواية ، فأن ابن رشد كان واسع المعرفة به ، فقد سمع منه وحدث عنه في اشبيلية الشيخ ابو محمد بن حوط الله وابو الحسن سهل بن مالك وابو الربيع بن سالم وابو بكر بن جهور وابو القاسم بن الطيلسان وغيرهم0
ولانه كان واسع الدراسة بالحديث متقنه مع اهتمامه الأكبر بالعلوم العقلية الفلسفية فقد (( روى عنه ابو محمد بن حوط الله وسهل بن مالك ولا ينبغي ان يروي عنه))([15]) ، كما يصرح بذلك الذهبي ومعنى قول الذهبي هذا لا يحتمل الا بعداً واحداً ألا وهو موقف الذهبي المتشدد من العلوم العقلية الفلسفية التي كانت محور اهتمام ابن رشد ، بحسب ما وصفه بها اياه ابن الابار والصفدي من قبل بقولهما إن الدراية اغلب عليه من الرواية0
اما في الطب ، فقد اخذ علومه على يد الطبيب علي بن مروان ابن جريول البلنسي وعن أبي جعفر بن هارون الترجالي([16])0 وكان له في الطب صولات وجولات وتأليفات مهمة ، منها كتاب الكليات في الطب ، الذي اشترك معه الطبيب ابن زهر ، اذ وضع ابن رشد الأصول النظرية ووضع ابن زهر الاصول العملية ، إلا ان الأخير أعتذر فأكمل المشروع ابن رشد0
واذا ما جئنا الى إهتمامه الأول ، ألا هو العلوم الحكمية الفلسفية فانا لا ندري على من درس هذه العلوم تحديداً ، هل درسها على يد شيوخ ، مختصين بها ، وكان يوصف بيته بانه بيت العلم والرياسة([17])0 وكان له عند الملوك وجاهة عظيمة لم يصرفها في ترفيع حال ولا جمع مال وانما قصرها على اهل بلده خاصة([18])، والاندلس عامة0
توجه ابن رشد الى دراسة علم الكلام والعقائد والفلسفة ( العلوم العقلية ) وقد اتقن هذه العلوم ، وهي الموضوعات الرئيسبة التي اشتهر بها ابن رشد على غيرها من العلوم الاخرى 0 ويخبرنا مؤرخو سيرته بأنه كان يضرب به المثل في هذه العلوم([19])0 وهنا لابد من ايراد رواية الذهبي بحق ابن رشد في هذا الجانب اذ يقول (( أقبل على علوم الاوائل وبلاياهم حتى صار يضرب به المثل))([20])0 والمقصود بعلوم الاوائل بحسب رواية الذهبي هي الفلسفة 0
وما يتبعها من منطق وعلم رياضي وعلوم طبيعية 0 تمييزاً لها عن علوم الشريعة وما يتفرع منها ، بحسب اقوال القدماء0
وفضلاً عن هذه العلوم التي اتقنها ، اتقن ايضا والف في العربية والشعر، إذ حكى عنه ابو القاسم ابن الطيلسان انه كان يحفظ شعري ابي تمام ( حبيب بن اوس) ، (ت231هـ) وابي الطيب المتنبي ( ت354هـ) ، ويكثر من التمثل بهما في مجلسه ويورد ذلك احسن ايراد 0 وترك ابن رشد في هذا الجانب كتاباً بالعربية يسمى ( الضروري في النحو)([21])0
ويضيف الى ذلك عبد الواحد المراكشي (ت647هـ) خصالاً اخرى لابن رشد تدلل على علو مكانته ، وسمو اخلاقه ، فيقول (( كان ابن رشد واسع العفو متلافاً للمال يتدفق كرماً كثيراً على من لجأ اليه من الاصدقاء والاعداء0 وكان يقول : إذا اعطيت الصديق فقد فعلت ما احب ولا فضل لي في ذلك ، ولكن اذا اعطيت العدو فقد تبعت احكام الفضيلة ، وكان واسع الرحمة كثير الرفق بالناس لم يتعمد مدة قضائه ( قاضي قضاة ) الحكم بالموت على احد000))([22])0
كما قيل انه لم يغش مجالس اللهو والطرب مما استباحه جملة ابناء عصره ومنهم علماء وحكماء ، وانه كان رجلا في خدمة قومه يدافع عن الحق ويتحمل مسؤوليته([23]) كما ويخبرنا عن اخلاقه وشيمه ابن ابي اصيبعة بقوله ((حدثني القاضي ابو مروان البلجي بحالة القاضي ابي الوليد بن رشد حسن الراي ، ذكيا ، رث البزة قوي النفس000))([24])0
إن هذه الصفات الحميدة والاخلاق الرفيعة والشيم الفاضلة ، هي التي طبعت حياة ابن رشد الى يوم وفاته ، وتركت اثارها في فلسفته عموما ، وهذا يبين ما تركه من مؤلفات تحكي عنه قوة الارادة والنزوع الى الغوص في دقائق الامور فيما يخص العلوم والمعارف مما ابعده عن زخرف القول وممالات ذوي السلطان 0 ولهذا قيل عنه انه كان يحسن المساجلة ولايحسن المنادمة التي تذهب الهيبة والوقار عن الانسان0
ثانياً – صلته بالامير ابي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وبداية التأليف الفلسفي المنظم0
يعود الفضل في صلة الفيلسوف ابن رشد بالامير يوسف بن عبد المؤمن([25]) ، الموحدي ( ت 580هـ/1184م ) ( ابو يعقوب ) ، الى الفيلسوف ابي بكر ابن طفيل ، صاحب كتاب قصة حي بن يقطان الفلسفية ،حيث ان هذا الاول قد اشتكى للثاني من قلق عبارة ارسطو وطلب منه ( ابن طفيل ) ان يجلي له غامضها ، فاعتذر ابن طفيل عن هذه المهمة بسبب الشيخوخة وكبر السن فضلاً عن المشاغل الاخرى التي تناط به كونه طبيب الأمير الخاص ، وأوصى ابن طفيل بدوره الى الامير بوجود شخص اخر يمكن التعويل عليه وهو من عائلة معروف عنها العلم والتفقه في الدين والرياسة ، وانه باستطاعته ان يقوم بهذه المهمة0
وفي هذا الصدد يروي ابن رشد في ما نقل عنه عبد الواحد المراكشي ما نصه (( استدعاني ابو بكر بن طفيل يوماً فقال لي : سمعت امير المؤمنين يتشكى من غلق* عبارة ارسطو وعبارة المترجمين عنه ، ويذكر غموض اغراضه ويقول : لو وقع لهذه من يلخصها ويقرب اغراضها بعد ان يفهمها فهماً جيداً لقرب مآخذها على الناس))([26])0
ثم يلتمس ابن طفيل من ابن رشد ان يقوم بهذه المهمة الجليلة لما يعرفه عنه من كفاءة وقدرة على الاضطلاع بها0 ولابد ان يكون الامر قد تم من قبل بين ابي يعقوب يوسف الامير الموحدي وبين ابن طفيل حول ذلك 0 اذ يستمر ابن رشد حاكياً هذه الرواية التي قامت بينه وبين ابن طفيل والحاح ابن طفيل عليه ، فيقول (( فان كان فيك فضل قوة لذلك فافعل ، واني لارجو ان تبر به لما اعلمه من جودة ذهنك ، وصفاء قريحتك وقوة نزوعك الى الصناعة ( الفلسفة ) وما يمنعني من ذلك الا ما تعلمه من كبر لسني ، واشتغالي بالخدمة ، وصرف عنايتي الى ما هو اهم عندي منه000))([27])0
ان هذا الطلب يوضح الصورة التي توجه بها ابن طفيل بتوصية الامير الموحدي جعل ابن رشد يعلل اشتغاله بشروح ارسطو وتلاخيصه فيقول (( فكان الذي حملني على تلخيص ما لخصته من كتب الحكيم ارسطو طاليس))([28])0
وبعد لقاء ابن رشد بابن طفيل سيطلب الامير يوسف الموحدي من ابن طفيل اللقاء بابن رشد ، وفعلاً سيتم هذا اللقاء وستكون نتائجه طيبة على نفس الامير وعلى نفسيتي الفيلسوفين ابن طفيل وابن رشد ، وسيكون ايضاً لهذا اللقاء اثره الكبير في تاريخ الفلسفة العربية الاسلامية الى يومنا هذا0
وللقاء ابن رشد بالامير قصة يرويها تلميذه ابو بكر بندود ( ت 621هـ) الى عبد الواحد المراكشي ويوردها هذا الاخير بنصها فيقول
(( لما دخلت على امير المؤمنين ابي يعقوب وجدته هو وابا بكر بن طفيل ليس معهما غيرهما ، فاخذ ابو بكر يثني علي ، ويذكر بيتي وسلفي ويضم بفضله الى ذلك اشياء لايبلغها قدري ، فكان اول ما فاتحني به امير المؤمنين ان قال لي ما رايهم في السماء ( يعني الفلاسفة ) اقديمة هي ام حادثة ؟ قال ابن رشد فادركني الحياء والخوف واخذت اتعلل وانكر اشتغالي بعلم الفلسفة ، ولم اكن ادري ما قرر معه ابن طفيل 0 ففهم امير المؤمنين الورع والحياء ، والتفت الى ابن طفيل وجعل يتكلم على المسألة التي سألني عنها ، ويذكر ما قاله ارسطو طاليس وافلاطون وجميع الفلاسفة ، واحتجاج اهل الاسلام عليهم ، فرايت منه غزارة حفظ لم اظنها في احد من المشتغلين بهذا الشأن، المتفرغين له ولم يزل يبسطني حتى تكلمت ، فعرف ما عندي من ذلك ، فلما انصرفت امر لي بمال وخلعة سنية ومركب000))([29])0
وبعد هذا اللقاء ستنجم عدة امور تخص حياة ابن رشد ومنها توليه لمنصب قاضي اشبيلية، واقباله على تفسير وتلخيص كتب ارسطو نزولاً عند رغبة الامير ، فقام ابن رشد بما طلب منه الامير افضل قيام في سنتين0
ومع ذلك لم تطل مدة اقامة ابن رشد في اشبيلية فغادرها عائداً الى قرطبة حتى تولى منصب القاضي ، ثم ما لبث ان دعاه سنة ( 578هـ – 1182م) ، ليجعله طبيبه الخاص عوضا عن ابن طفيل ، وان كان الامير قد دعاه مرة اخرى الى قضاء قرطبة بوصفه قاضي القضاة0
وهنا يتساءل بعض المؤرخين عن سبب تركه لمراكش وعودته لقرطبة قاضيا وتركه ما حباه به الامير طبيبا خاصا له ، والذي يبدو ان ابن رشد هو الذي رجا من الامير ان يعيده الى قرطبة لانه عز عليه ان يترك منصب القضاء الذي الفته اسرته سنين طويلة ، كما عز عليه ان يظل بعيدا عن كتبه ومصادره الاساسية واشتغاله بشرح وتلخيص ارسطو([30])0
وبعد وفاة الامير يوسف الموحدي سنة ( 580هـ/595هـ ) خلفه ابنه يعقوب الملقب بالمنصور الموحدي([31]) السنة نفسها ، ولقي ابن رشد على يد هذا الامير المكانة ذاتها التي كان يلقاها على يد ابيه بل واكثر من ذلك فقد كان هذا الامير يحب مجالسة ابن رشد والحوار معه في القضايا الفلسفية([32])، وكان يقربه ويجلسه الى جانبه على نفس الوسادة التي يجلس عليها الامير ، حتى يروي ان المنصور لما تأهب لقتال الفونس التاسع سنة ( 591هـ/1195م) دعا ابن رشد واجلسه بجانبه وكان ذلك بقرطبة([33])0 وفي هذا يذكر ابن ابي اصيبعة ان ابن رشد كان مكينا عند المنصور الموحدي ، وجيها في دولته([34]) ، ولكن لعب الحاسدون والوشاة والحاقدون دورهم السلبي في حياة ابن رشد وصلته بهذا الامير ، وتمكنوا من ان يوغروا صدره على ابن رشد حتى يتحول ذلك كله الى محنة او نكبة شهيرة يتعرض لها هذا الفيلسوف مع جماعته0 وهو ماسنشير اليه في الفقرة القادمة0
ثالثاً – نكبته واسبابها الظاهرة والباطنة
دأب الدارسون والمؤرخون لسيرة ابن رشد ان يقفوا طويلاً امام نكبته واسبابها على يد الامير المنصور الموحدي ، وان يضعوا لها اسباباً وتأويلات منها ظاهر جلي ومنها باطن خفي ، بحسب قول عبد الواحد المراكشي الذي نثق كثيراً بروايته لقربها من الحدث ولأنها جاءت على لسان أحد تلاميذ ابن رشد ومن الذين شهدوا محنته ونكبته وهو ابو بكر بندود القرطبي ، وكانت هذه النقمة على ابن رشد وجماعته وهم: (( ابو جعفر الذهبي والفقيه أبو عبد الله محمد بن ابراهيم ، قاضي بجايه ، وابو عبد الله الاصولي ، وابو الربيع الكفيف ، وابو العباس القرابي الشاعر([35]) وان هذه النكبة قد وقعت سنة ( 593هـ/1195م) أي بعد انتصار الأمير يعقوب المنصور الموحدي على جيش الاسبان النصارى سنة ( 591هـ)0
ولتاريخ سنة ( 591هـ) هذا ، وقع خاص في نكبة ابن رشد ، إذ تمكن الوشاة والحاسدون والحاقدون على ابن رشد من الوصول الى الأمير المنصور الموحدي ، بعد ان نال ابن رشد منزلة رفيعة لديه ، إذ استدعي ابن رشد من قبل الامير هذه السنة وهو يستعد الى غزو الفونس ، فلما حضر عنده أحترمه كثيراً وقربه اليه حتى تعدى الموضع الذي كان يجلس فيه أبو محمد عبد الواحد بن الشيخ ابي حفص الهنتاني صاحب عبد المؤمن وكان المنصور قد زوجه ابنته لعظيم منزلته عنده ، ورزق عبد الواحد منها ابناً اسمه علي فلما فعل المنصور ذلك حادثه وخرج من عنده0
وكان جماعة من اعدائه قد شنعوا بان امير المؤمنين قد امر بقتله ، فلما خرج سالماً امر بعض خدمه ان يمضي الى بيته ويقول لهم ان يصنعوا طعاماً ويفرحوا لسلامته0 ان هذا التقرب الى سدة الحكم ، لم يفل بعضد الوشاة والحاسدين بل اوغر صدورهم اكثر فاكثر على ابن رشد فاستمروا يحيكون عليه الدسائس والمؤامرات ، فلما عاد المنصور بعد تدمير الجيش الاسباني وانتصاره الساحق عليه ، اظهر المنصور الموحدي نقمة على ابن رشد وجماعته من المشتغلين بالفلسفة ، وامر ان يقيم ابن رشد في مدينة اليسانه بالقرب من قرطبة وكان اغلبية اهلها من اليهود وامر كذلك باحراق كتبه وسائر كتب الفلسفة وحظر الاشتغال بها 0
وقد اختلف الرواة في اسباب النكبة التي لم تدم طويلاً ،اذ لم يلبث الخليفة ان رضي عنه وجنح الى تعلم الفلسفة ، كما يقول عبد الواحد المراكشي0
وبدورنا سوف نورد هذه الروايات حول نكبته ، بحسب ما ذكره المؤرخون لسيرته من اهل المغرب والاندلس فضلاً عن المشارقة ، فمثلاً يقول عبد الواحد المراكشي بصدد هذه المسألة ما نصه (( وفي ايامه
( المنصور الموحدي) نالت ابا الوليد محمد بن احمد بن رشد محنة شديدة ، وكان لها سببان جلي وخفي ، فأما سببها الخفي وهو اكبر اسبابها، فان الحكيم ابا الوليد رحمه الله اخذ في شرح كتاب الحيوان لأرسطو طاليس صاحب كتاب المنطق ، فهذبه وبسط اغراضه وزاد فيه ما رآه لاتقانه ، فقال في هذا الكتاب ، عند ذكره الزرافة وكيف تتولد وبأي ارض تنشأ ، اني قد رأيتها عند ملك البربر ، جارياً نفي ذلك على طريقة العلماء في الاخبار عن ملوك الامم واسماء الاقاليم ،000 فكان هذا مما احنقهم عليه ، غير انهم لم يظهروا ذلك وفي الجملة فانها كانت من ابي الوليد غفلة000))([36]) وبعد هذا السبب الذي عده عبد الواحد المراكشي السبب الخفي استمر باعطاء اسباب اخرى منها (( ان قوماً ممن يناؤوه من اهل قرطبة ، ويدعون معه الكفاءة في البيت وشرف السلف، سعوا به عند ابي يوسف ، ووجدوا الى ذلك طريقاً ، بأن اخذوا بعض التلاخيص التي كان يكتبها، فوجدوا فيها بخطه حاكياً عن بعض قدماء الفلاسفة بعد كلام تقدم ، 000 أن الزهرة أحد الإلهة 000))([37])0
اما رواية ابن ابي اصيبعة([38])، فتذهب الى ما ذكره القاضي أبو مروان من انه اذا حضر ابن رشد مجلس المنصور الموحدي وتكلم معه أو بحث عنده في شيء من العلم يخاطبه بأن يقول تسمع يا أخي 000 ، ومنها ايضاً أن ابن رشد كان قد صنف كتاباً في الحيوان وذكر فيه انواع الحيوان ونعت كل واحدة منها فلما ذكر الزرافة وصفاتها قال ، وقد رأيت الزرافة عند ملك البربر يعني المنصور ، فلما بلغ ذلك المنصور صعب عليه ، ويقال انه مما اعتذر به ابن رشد انه قال انما قلت ملك البرين ( المغرب والاندلس) 0
أما ما ذكره الانصاري([39]) من ان ابن رشد وهو قاضي قرطبة آنذاك انكر ان يكون خبر الريح التي اهلكت قوم عاد صحيحاً بقوله والله وجود قوم عاد ما كان حقاً فكيف سبب هلاكهم ؟ لكن هذه الاسباب برأينا لاتعلل محنة ابن رشد على يد المنصور واضطهاده له تعليلاً كافياً وقد روى الانصاري ان من اسباب نكبته اختصاصه بأبي يحيى أخ الخليفة المنصور الذي كان والياً على قرطبة0
اما من الباحثين المحدثين الذين اهتموا بفلسفة ابن رشد وكتبوا فيها المؤلفات الممتازة فقد تناولوا نكبة ابن رشد وحللوها واعطوا الرأي الذي يناسب ذلك فمثلاً يقول رينان في كتابه ابن رشد والرشدية حول النكبة ما نصه (( لا يمكن الا ان تكون الفلسفة العامل الحقيقي وراء نكبة ابن رشد))([40])0
وهذه المسألة نجد صداها ايضاً عند المستشرق الاسباني بالنثيا([41])، عندما يتحدث عن مكانة الفلسفة في الاندلس وموقف الفقهاء السلبي على طول الخط منها ومعاداتهم الصريحة لها0
في حين يرى د0 محمد عابد الجابري([42])، ان كتاب تلخيص السياسة لافلاطون هو السبب الرئيس لنكبة ابن رشد 0 لما فيه من نصوص ، توجه انتقاداً مباشراً للحكم القائم في عصره وتتهمه بالاستبداد والركض وراء الملذات وغير ذلك0
وان كان لابد من القول ، ومن خلال استعراض اراء القدماء وبعض المحدثين في تفسير نكبة ابن رشد ، من ان نكبة ابن رشد قد داخلتها عدة عوامل ولكن يبقى عامل السياسة او تعدد انواع الخطاب الذي ذكره ابن رشد ونقمه الفقهاء والمتكلمين في عصره على الروح التنويرية التي ينادي بها ابن رشد هي السبب الرئيس ولا اظن ان الاقوال الاخرى ذات الصلة بموضوع الزرافة او الزهرة احد الالهة او ملك البربر إلا اسباباً ظاهرة لا تصمد امام النقد التاريخي المنهجي([43])0
ولكن بعد هذه النكبة سيعاود المنصور الموحدي النظر بالفلسفة وكتبها وسيطلب من ابن رشد العودة الى قرطبة ولكن المنية تعاجله فيتوفى سنة (595هـ/1198) في مراكش وهي السنة نفسها التي توفى فيها الامير يعقوب المنصور الموحدي0
رابعاً – شيوخه
كانت دراسة ابن رشد لمختلف الفنون والعلوم التي برع فيها مما يشهد لقرطبة([44])،انها كانت كعبة للعلم ومصدراً لاشعاع الحضارة العربية الاسلامية 0
وكان شيوخ ابن رشد منهم من تلقى العلم على يديه مباشرة ومنهم من قرأ لهم مؤلفاتهم التي وصلت اليه ولم يلق شخصهم ، وبما اننا نعني بترجمة شيوخه في مختلف العلوم والمعارف التي برع فيها ابن رشد من فلسفة وفقه وحديث وسياسة وغير ذلك ، فلابد لنا ، ان نشير الى شيوخه غير المباشرين ومنهم في الفقه جده ( ابو الوليد بن رشد) وفي الفلسفة ارسطو طاليس ، وافلاطون والفارابي وابن سينا والغزالي([45])وابن باجه وغيرهم ، وسوف نترجم لقسم منهم من الذين ذكرتهم المصادر التاريخية الموثقة لحياته ، وسنفصل في ذكر اساتذته المباشرين لابراز اهمية ذلك البحث0
(1) : إبن رشد الجد
(( هو محمد بن احمد بن محمد بن رشد المالكي ، يكنى ابا الوليد ، قرطبي ، زعيم فقهاء وقته بأقطار الاندلس والمغرب ، ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ، ودقة الفقه وكان اليه المفزع في المشكلات ، بصيراً بالاصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم ، وكان كثيرالتصانيف ، ألف كتاب البيان والتحصيل ، وهو كتاب عظيم نيف على عشرين مجلداً ، وكتاب المقدمات لأوائل كتبه المدونة([46])0 وكانت كتبه الاخرى اختصاراً لكتب مبسوطة من تأليف يحيى ابن اسحاق بن يحيى وتهذيباً لكتب الطحاوي في مشكل الآثار ، واجزاء كثيرة في فنون من العلم مختلفة ، وكان مطبوعاً في هذا الباب ، حسن العلم والرواية ، كثير الدين ، كثير الحياء ، قليل الكلام ، نزيهاً ، مقدماً عند امير المسلمين عظيم المنزلة معتمداً في العظائم ايام حياته ، وولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة (511هـ) ثم استعفي منها سنة (515هـ) اثر الهياج الكائن بها من العامة ، واعفي وازداد جلالة ومنزلة 0 وكان صاحب الصلاة ايضاً في المسجد الجامع ، واليه كانت الرحلة للتفقه من اقطار الاندلس مدة حياته كان قد تفقه بابي جعفر بن رزق وعليه اعتماده وبنظرائه من فقهاء بلده ، وسمع الجياني وابا عبد الله بن فرح وابا مروان بن سراج وابن ابي العافية الجوهري 0 وممن اخذ عنه القاضي الجليل ابو الفضل القاضي عياض رحمه الله تعالى 0 قال القاضي عياض في الغنية له :
جالسته كثيراً وسألته واستقدمت منه 0 وكان القاضي ابو الوليد رحمه الله تعالى يصوم يوم الجمعة دائماً في الحضر والسفر توفي رحمه الله ليلة الاحد ذي القعدة سنة ( 520هـ) ودفن بمقبرة العباس ، وصلى عليه ابنه القاسم وشهده جمع عظيم من الناس وكان الثناء عليه حسناً جميلاً ، ومولده في شوال سنة 405هـ([47])
(2) – إبن رشد الأب ( ابو القاسم )
ذكرنا ان ابا ابن رشد كان شيخه في الحديث ، وانه استظهر عليه الموطأ ، وهذه ترجمة الاب: (( هو أحمد بن محمد بن رشد يكنى أبا القاسم ، قاضي قرطبة، أخذ عن ابيه كثيراً ولا زمه طويلاً ، وسمع من شيخه ابي محمد بن عتاب وغيره ، واجاز له ابو عبد الله بن فرج وأبو علي الغساني وغيرهما 0 وكان خيراً ، فاضلاً عاقلاً ، محبباً الى الناس ، طالباً للسلامة منهم ، باراً بهم 0 وتوفي رحمه الله يوم الجمعة،ودفن يوم السبت 14 رمضان سنة ( 563هـ) 0 بمقبرة ابي العباس مع سلفه ، وكان مولده سنة ( 487هـ) ))([48])0
(3) : ابو القاسم بن بشكوال
كان ابن بشكوال استاذا لإبن رشد في الفقه والحديث ، وهو (( ابو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى بن بشكوال الانصاري ، من كتاب السير، انحدر من اسرة تنتسب الى شريون بالقرب من بلنسية 0 ولد في ذي الحجة سنة ( 494هـ) في مدينة قرطبة واكتسب معرفة واسعة بالحديث وبتاريخ وطنه بعد ان درس بمسقط راسه وفي اشبيلية مدة من الزمن ، وتوفي بقرطبة ليلة الاربعاء 8 رمضان سنة ( 578هـ) 0
واهم شيوخه ابو الوليد بن رشد (الجد ) وابو بكر بن العربي([49])0 ولابن بشكوال شهرة بين جميع مصنفي معاجم السير ، وهو حجة في الحديث ، ولم يكن له نظير في معرفة تاريخ الاندلس ، ومؤلفاته بلغت الخمسين ، واهمها كتاب الصلة في تاريخ أئمة الاندلس ، ومعجم في سير علماء الاندلس ، وتكملة لمعجم ابن الفرضي في السير ، وكتاب الغوامض والمبهمات في الاسماء العسيرة الهجاء([50])0
(4) : ابن مسرة
من شيوخ ابن رشد في الفقه (( عبد الملك بن مسرة يكنى ابا مروان من اهل قرطبة ومن مفاخرها واعلامها 0 اخذ الموطأ عن ابي عبد الله محمد بن فرج سماعا واخذ عن جماعة من شيوخنا وصحبنا عندهم ، واختص بالقاضي ابي الوليد بن رشد ( الجد ) وتفقه معه وصحب أبا بكر بن مفوز فانتفع به في معرفة الحديث والرجال والضبط ، وكان ممن جمع الله له الحديث والفقه مع الادب البارع ، والحظ الحسن ، والفضل والدين والورع والتواضع والهدى الصالح ، وكان على منهاج السلف المتقدم 0 اخذ الناس عنه ، وكان اهلا لذلك ، لعلو ذكره ، ورفعة قدره 0 توفي رحمه الله ودفن الخميس بعد العصر لثمان بقين من رمضان من سنة (552هـ)([51])0
(5) : ابو جعفر عبد العزيز
من شيوخه في الفقه (( ابو جعفر عبد العزيز بن حمدين التغلبي من اهل قرطبة وقاضي الجماعة بها 0 سمع من ابيه وغيره ، وولي قضاء بلده في شعبان سنة (529هـ) ثم عزل وولي مكانه ابو القاسم ابن رشد ( والد الفيلسوف) 0 ولكن ابا القاسم استعفى فاعفي فاعيد ابو جعفر ثانية 0 وكان ابو الحسين بن سراج يقول في اسرة بني حمدين التي منها ابو جعفر لا تزال قرطبة دار عصمة ونعمة ما ملك ازمتها احد من بني حمدين من البعد والتنافس وانتقل ابو جعفر الى مالقه واستقر بها الى ان توفي سنة (548هـ)([52])0
(6) – ابن جريول
من اساتذة ابن رشد في الطب (( ابو مروان عبد الملك بن جريول من اهل بلنسية ، سكن قرطبة ، ويعرف بابن كنبراط ، وكان من اهل المعرفة بالطب والتقدم في صناعته 0 عنه اخذ القاضي ابو الوليد بن رشد وابو الحسين بن عبد الله بن عمر المدحجي وغيرهما([53])0
(7) – ابو جعفر الترجالي
من اساتذته الكبار في الطب والفلسفة الذين كانت ثقافتهم شاملة ، ابو جعفر ابن هارون الترجالي ، يقول عنه ابن ابي اصيبعة : (( من اعيان اهل اشبيلية ، كان محققاً للعلوم الحكمية ، متقناً لها ، معتنياً بكتب ارسطو طاليس وغيرهم من الحكماء المتقدمين 0 فاضلاً في صناعة الطب ، متميزاً فيها خبيراً باصولها وفروعها حسن المعالجة ، محمود الطريقة خدم لابي يعقوب والد المنصور ، وكان من طلبة الفقيه ابي بكر بن العربي ، لازمه مدة واشتغل عليه بعلم الحديث 0 وكان ابو جعفر هارون يروي الحديث ، وهو شيخ ابي الوليد بن رشد في التعاليم والطب0 واصله من ترجالة من ثغور الاندلس ، وهي التي اصابها المنصور خالية وهرب اهلها 0 وعمرها المسلمون 0 وكان ابو جعفر هارون عالماً أيضاً بصناعة الكحل وله اثار فاضلة في المداواة([54])0
وذهب بعض المؤلفين الى ان ابا مروان بن زهر كان شيخه في الطب([55])0
لكن هذا ليس صحيحاً ، وانما كان صديقاً له منذ اتصل ابن رشد بابي يعقوب الموحدي ، اذ كان ابن زهر من اطباء البلاط 0 ويذكر ابن ابي اصيبعة انه كانت بينهما مودة وان علاقتهما لم تكن علاقة طالب باستاذ وانما كانت علاقة يستوي فيهما الرجلان ويتعاونان معا على صناعة الطب والتأليف فيه([56])0 كما ذكر ابن مخلوف في شجرة النور الزكية ان من شيوخه في الطب والفلسفة ابن باجه([57]) 0
وهذا لايستقيم لان ابن باجة توفي سنة (533هـ/1138م) حين كان ابن رشد في سن مبكرة ، وانما يرجع تاثر ابن رشد بابن باجة الى ما اطلع عليه ابن رشد من فلسفة ابن باجة في كتاب تدبير المتوحد([58]) 0
خامسا – تلامذته
لإبن رشد طلبة نهلوا من علمه ومعارفه وتابعوه في حله وترحاله بين اشبيليه وقرطبة ومراكش ، لكن المصادر المتوفرة بايدينا لاتتكلم كثيراً على هؤلاء التلاميذ 0 ولعل السبب في ذلك هو ما حصل لإبن رشد من نكبة جعلت تلاميذه يتفرقون عنه ( ايدي سبأ ) بحسب رواية ابن عذارى المراكشي([59])، ومع ذلك فانا سنشير الى بعض هؤلاء التلاميذ الذي اخذوا عن ابن رشد ومنهم:
(1) : ابو الحجاج يوسف بن طملوس ( 560-620هـ) صاحب كتاب المدخل لصناعة المنطق وهو ثاني شخصية بعد اميه بن ابي الصلت ( 460هـ-529هـ) يعرف عنها اقتصارها على الاشتغال بالمنطق الارسطي دون فلسفته الميتافيزيقيه([60])0
(2) : ابو عبد الله محمد بن سحنون الندروحي ، ولد بقرطبة ونشأ بها ، ثم انتقل الى اشبيلية والتحق باستاذه واخذ عنه صناعة الطب([61])0
(3) : القاضي ابو القاسم بن احمد بن عيسى التجيبي ( 601هـ) من اهل قرطبة لازمه بقرطبة واستقضاه في ربوعها وفي جهات اخرى من الاندلس، صرف عن القضاء عند نكبة ابن رشد ثم عفا عنه واعيد للقضاء من جديد([62])0
(4) : ابو جعفر احمد بن عتيق ابن جرح المعروف بابن الذهبي وعرف بالذهبي لان جده كان مولعاً بالكتابة بالذهب والتصوير به ، و الغالب عليه علم الفلسفة ، وكان ايضاً طبيباً ماهراً ومن اصحاب ابن رشد([63])0
(5) : ابو محمد عبد الله بن سليمان بن حوط الله ( ت 612هـ-1215م) سبق ذكره 0
(6) : ابو بكر محمد بن جهور الاسدي المرسي (ت624هـ)([64])0
(7) : القاضي ابو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي المعروف بابن سالم الاندلسي( ت 634هـ) 0 تولى القضاء في اشبيلية وله عدة تصانيف في الحديث والسيرة([65]) 0
(8) : ابو القاسم محمد بن احمد القرطبي المكنى بابن الطيلسان (ت642هـ-1244م) خرج من قرطبة ( عام 636هـ ) ، حين انتصر عليها العدو وتوجه الى مالقه ، فتولى امامتها وخطبة قصبتها([66])0
ولكن رغم ذكر هؤلاء التلاميذ المباشرين ، الا ان هناك تلاميذاً غير مباشرين ان نقلوا عن فكره وعلمه وفلسفته وفقهه الى اليوم ، وان كانوا لم يلتقوا به مباشرة الا عن طريق مؤلفاته العديدة التي تركها لهم0
سادساً : عصره
فتح المسلمون شبه جزيرة إيبيريا التي عرفت فيما بعد بالاندلس سنة (92هـ) في عهد الدولة الاموية على يد القائد العربي المسلم طارق بن زياد فتوالى عليها الولاة من قبل الخليفة القائم بدمشق ، حتى جاءها الامير عبد الرحمن ابن معاوية ، الملقب بعبد الرحمن الداخل ، فاراً من الشام بعد ذهاب ملك اسرته على يد الدولة العباسية ، واستولى على حاضرتها قرطبة سنة (138هـ) 0 وقد اسس هذا الامير في هاتيك البلاد دولة لاسرته الاموية بالمغرب بعد افول نجمها بالمشرق، وصار منها خلفاء ينافسون العباسيين ببغداد ، وظل الامر كذلك حتى زالت دولتهم بموت هشام المعتد بالله سنة ( 427هـ ) من غير ان يترك وارثاً لملكه0 وحتى لا نبتعد كثيرا عما نحن بصدده ، فانا سنشير الى عصر ابن رشد تحديداً ونقسمه على النواحي الآتية:
(1) الناحية السياسية
من الناحية السياسية تميز عصر ابن رشد في المغرب بقيام دولة الموحدين تحت قيادة عبد المؤمن بن علي الكومي ( ت588هـ/1163م) الذي دامت امارته اكثر من ثلاثين سنة فتوحد (( لآول مرة في تاريخ الاسلام الساحل الافريقي قاطبة من المحيط الاطلسي الى حدود مصر مع الاندلس تحت صولجان واحد))([67])0 وقد كان لهذه الوحدة السياسية اثر بعيد المدى في الناحية الفكرية اذ انه سهل الانتقال بين المشرق والمغرب فراح اهل المغرب ممن احبوا الاطلاع على العلوم يقصدون بلاد مصر ومنها الى الشام والعراق للتعلم في مدارس هذه الاقطار وراح المشرقيون ممن تثقفوا بالعلوم والفلسفة يسعون وراء رزقهم في الاقطار المغربية فكانت حركة مباركة ادت الى انتقال الحضارة المشرقية الى المغرب الاسلامي إذ ستنتقل من هنالك مجدداً الى الغرب اللاتيني0
وتجدر الاشارة ان تسمية الموحدين لا تعود الى توحيدهم الاقطار المغربية توحيداً سياسيا وانما ترجع الى مذهب التوحيد الذي نادى به محمد بن تومرت مؤسس الدولة التوحيدية والذي يريد ان يعود على ما يظهر الى شيء من مذهب المعتزلة بعد ان تمادى الناس في نسبة الصفات الى الله وتشبيهه بالمخلوقات ومن هذا كان ميل هؤلاء الى العلم والفلسفة وقد اشتهر من بينهم ابن عبد المؤمن أبو يعقوب يوسف الموحدي ( ت 580هـ) الذي سوف يستدعي ابن رشد من قرطبة الى مراكش لكي يكون طبيب البلاط الخاص بدلا من ابن طفيل والذي سيعهد اليه بشرح كتب ارسطو وتفسيرها([68])0
(2) الناحية العمرانية
اما من الناحية فأن الابنية الباقية من عهد المنصور الموحدي (ت595هـ) تعد حتى اليوم في مقدمة الاثار في مراكش واسبانيا0 والظاهر ان نشاط الامراء المغربيين في ذلك العصر ، امتد الى النواحي العامة من بناء جسور وشق طرقات واقامة مستشفيات حتى قال المراكشي في البيمارستان الذي بناه المنصور في مراكش (( ما اظن ان في الدنيا مثله))([69])
(3) الناحية الفكرية
كانت قرطبة من اعظم المدن بالاندلس ، واليها ينسب جماعة كبيرة من اهل العلم([70])0 وقد اتفق جمهرة المؤرخين على انها كانت بمنزلة الرأس من الجسد ، (( وكانت مركز الكرماء ومعدن العلماء))([71])0 ويقول ابن بسام (( كانت قرطبة منتهى الغاية ومركز الراية وام القرى وقرارة اهل الفضل والتقى ووطن اولى العلم والنهي وقلب الاقليم وينبوع متفجر العلوم وقبة الاسلام وحضرة الامام ودار صوب العقول وبستان ثمرة الخواطر وبحر درر القرائح ، ومن افقها طلعت نجوم الارض واعلام العصر وفرسان النظم والنثر ، وبها الفت التأليفات الرائعة وصنفت التصنيفات الفائقة))([72])0
لم يكن هذا الطابع الفكري موجوداً بقرطبة فحسب ، بل في المدن الاندلسية بعامة 0 فالمقري يخبرنا بأن خزائن الكتب صارت عندهم على جانب كبير من الاهمية ، حتى ان الرئيس منهم الذي لا تكون عنده معرفة ، يهتم بأن تكون في بيته خزانة كتب ، ليقال ان فلانا عنده خزانة كتب ، والكتاب الفلاني ليس عند احد غيري ، والكتاب الذي هو بخط فلان قد حصله وظفر به([73])0
وقد عني الامير الحكم المستنصر بالله ابن عبد الرحمن الناصر لدين الله المتوفى سنة(366هـ) بالعلوم ، وبعث في طلب الكتب من ديار المشرق كبغداد ومصر ، وكان من نتيجة ذلك ان تحرك الناس في ايامه في العناية بعلوم الاوائل وتعلم مذاهبهم([74]) ، كما كان مولعاً بتشجيع العلماء([75])، فلجأ اليه واكرم مثواهم وحماهم من اضطهاد المتعصبين([76])0
بيد ان الامر سرعان ما انقلب رأساً على عقب ، وذلك في ايام ابنه هشام الذي لم يكن قد بلغ الحلم بعد ، فوقع تحت تأثير حاجبه المنصور بن ابي عامر المعافري القحطاني الذي عمد الى خزائن أبيه وأمر علماء الدين باخراج ما في جملتها من كتب العلوم القديمة المؤلفة في علوم المنطق وعلم النجوم وغير ذلك من علوم الاوائل ماعدا كتب الطب والحساب ، فلما تميزت عن غيرها من الكتب المؤلفة في اللغة والنحو والاشعار والاخبار والطب والفقه والحديث وما شابه ذلك من العلوم والمباحثات عند اهل الاندلس ، الا ما افلت منها وعددها قليل، أمر باحراقها وافسادها فاحرق بعضها وطرح بعضها الاخر في ابار القصر وهيل عليها التراب ، وغيرت بضروب من التغايير ، ولم يفعل ذلك إلا تحبباً الى عوام الاندلس، وتقبيحاً لمذهب الخليفة الحكم عندهم، وهو الذي أخذ على عاتقه نشر علوم الاولين ، كما تبين منذ قليل ، اذ كانت تلك العلوم مهجورة عند اسلافهم ، مذمومة بالسنة رؤسائهم0
فعلى الرغم من النهضة العلمية التي كانت موجودة بالاندلس ، فأن الفلسفة بصفة خاصة كانت علماً ممقوتاً بهذه البلاد ، فبينما تشجع العلوم كافة، يضيق الخناق على الفلسفة ورجالها ، فالمشتغل بالفلسفة لا يستطيع ان يظهر ذلك ، ولذلك تخفى تصانيفه([77])0
اولاً : تخطيط عام
ان اغنى الفهارس القديمة في مؤلفات ابن رشد واوفاها ، اثنتان : اولهما برنامج الفقيه الامام الاوحد ابي الوليد بن رشد ، وهو احصاء يكاد ان يكون شاملاً ، يوجد مخطوطاً بمكتبة الاسكوريال0 وقد كان اول من أشار اليه ونشره المستشرق الفرنسي رينان في كتابه ابن رشد والرشدية([1])0 والثانية هي القائمة التي ذيل بها عبد الملك الانصاري المراكشي ترجمته لابن رشد في كتابه الموسوم الذيل والتكملة([2])0 ولعل تطابق محتويات هاتين الفهرستين هو اهم ما يمكن ملاحظته0
أما التراجم الاخرى فهي بجملتها تراجم مشرقية ، يأتي في مقدمتها ما اثبته ابن ابي اصيبعة في كتابه عيون الانباء في طبقات الأطباء ، وما اورده الذهبي في كتابه (( تاريخ الاسلام )) وصلاح الدين الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ، وان كان لا يعدو ان يكون تكراراً لما ذكره ابن ابي اصيبعة 0 وهناك تراجم اخرى اتت على ذكر مؤلفات ابن رشد كلها ، وان كانت لا تضيف جديداً ، مثل كتاب التكملة لابن الآبار ، والديباج المذهب لابن فرحون ، والبيان المغرب لابن سعيد ، وبغية الملتمس للضبي وتاريخ قضاة الاندلس للنباهي0
اما الفهارس الحديثة فان اهمها وعلى كثرتها اثنتان ، أولهما للأب موريس بويج اليسوعي M.Bouyges ([3]) وان كان اهتمامه منصبا على النصوص العربية لابن رشد دون غيرها وثانيهما كتاب المستشرق الاسباني الأب اما نؤيل الونسو (M. Alonso) الموسوم تيولوجيا ابن رشد (Teologia de Averroe’s) ومع ترجمة اسبانية لفصل المقال والكشف عن مناهج الادلة لابن رشد0
وفضلاً عن هذين الكتابين ، صدر باللغة العربية وبمناسبة مؤتمر ابن رشد الذي عقد بالجزائر سنة 1978 ، كتاب آخر هو للاب جورج شحاتة قنواتي عنوانه مؤلفات ابن رشد([4])0 ويمكن ان نذكر هنا كتاب المرحوم جمال الدين العلوي القيم والممتاز الذي عنوانه المتن الرشدي([5])0
ونحن بدورنا سنورد قائمة بمؤلفات ابن رشد بحسب الترتيب الذي ورد في برنامج ابن رشد (( قائمة )) او اية مؤلفات لإبن رشد وهذه المؤلفات هي :
1- الضروري في المنطق ، كما ورد في الذيل وعيون الانباء وعند الذهبي والوافي بالوفيات ويذكره باسم (( كتاب في المنطق))0
2- الجوامع في الفلسفة كما ورد في البرنامج والذيل اما ابن ابي اصيبعة فيدعوه ((جوامع كتب ارسطو طاليس في الطبيعة الالهيات )) وكذلك الذهبي والصفدي0
3- مختصر المجسطي انفرد بذكر البرنامج والذيل 0 وهو نص مفقود في اصله العربي 0
4- ما يحتاج اليه من كتاب اقليدس في المجسطي انفرد بذكره البرنامج والذيل مفقود اصله العربي0
5- جوامع سياسة افلاطون ، قد اورد في البرنامج والذيل ومن الممكن ان ندعوه ” تلخيص السياسة لافلاطون “0 ليس لهذا النص نسخة عربية بل هناك ترجمة عبرية قديمة نقلت عنها الترجمة الانجليزية لروزنتال، لندن 1956 ، ثم نقل اخيراً الى العربية بترجمة د0حسن العبيدي وزميلته ، بيروت 1998 0
6- تلخيص السماع الطبيعي ” اجمعت على ذكره الفهارس القديمة النص العربي مفقود غير ان هنالك مجموعاً مخطوطاً بالمتحف البريطاني يضم من بين محتوياته تسع ورقات تقدم الاخراج النهائي لهذا التلخيص 0 وقد نشر في الهند تحت عنوان رسائل ابن رشد 1948 0
7- تلخيص السماء والعالم ، انفرد بذكره البرنامج والذيل – كذلك0
8- تلخيص الكون والسماء ” انفرد بذكره البرنامج والذيل –كذلك0
9- تلخيص الاثار العلوية ” انفرد بذكره البرنامج والذيل – كذلك 0
10- تلخيص كتاب النفس ” انفرد بذكره البرنامج والذيل – كذلك 0
11- تلخيص تسع مقالات من كتاب الحيوان 0
12- تلخيص الحسن والمحسوس ، نشره بدوي ضمن كتاب النفس لأرسطو0
13- تلخيص كتاب نيقلاوش 0
14- تلخيص ما بعد الطبيعة ، نشره عثمان أمين ، القاهرة 1958 0
15- تلخيص كتاب الاخلاق ، نشر لاول مرة في مجلةOriens سنة 1967 ، ثم اعاد عبد الرحمن بدوي نشره عند اخراجه لكتاب الاخلاق لارسطو 0
16- شرح السماء والعالم 0
17- شرح السماع الطبيعي 0
18- شرح كتاب النفس ،نشر أخيراً عن اللاتينية الى العربية، تونس 1998 0
19- شرح كتاب البرهان ، نشره عبد الرحمن بدوي0
20- تلخيص كتاب ارسطو في المنطق 0
21- شرح ما بعد الطبيعة ” انفرد بذكره البرنامج والذيل 0
22- تهافت التهافت ” ورد ذكره في البرنامج وبعنوان ” الرد على كتاب التهافت” وفي الذيل هكذا ” الرد على الغزالي في تهافت الفلاسفة ” اما ابن ابي اصيبعة فيقول : كتاب تهافت التهافت يرد فيه على كتاب التهافت للغزالي ” ويقول الذهبي وله كتاب تهافت التهافت يرد به على الغزالي ويذكر الصفدي ، وله كتاب تهافت التهافت رد فيه على الغزالي، له عدة نشرات0
23- الكليات في الطب ، اجمعت على ذكره الفهارس القديمة وكتب
التراجم الاخرى التي عنيت بترجمة ابن رشد مثل التكملة لابن الابار والديباج لابن فرحون وغيرها ، نشره أخيراً محمد عابد الجابري ، بيروت 0
24- تلخيص الاسطقسات لجالينوس ، يذكره البرنامج وابن ابي
اصيبعة والذهبي والصفدي 0
25- تلخيص المزاج ورد ذكره في البرنامج واثبته صاحب عيون
الانباء وكذا الذهبي والصفدي 0
26- تلخيص القوى الطبيعية ذكره البرنامج وصاحب عيون الانباء
وكذا الذهبي والصفدي0
27- تلخيص العلل والاعراض اجمع على ذكره البرنامج والذيل وابن
ابي اصيبعة والذهبي والصفدي0
28- تلخيص الاعضاء الالية ينفرد بذكره البرنامج والذيل وهو
مفقود في اصله العربي0
29- تلخيص كتاب الحميات يذكره البرنامج والذيل وعيون الانباء
والذهبي والصفدي ولا يوجد منه في اصله العربي الا الجزء الاخير0
30- تلخيص المقالات الخمس الاولى من كتاب الادوية المفردة ، كذا
ورد ذكره في البرنامج والذيل ، اما صاحب عيون الانباء فيقول ” تلخيص اول كتاب بالادوية المفردة”0
31- تلخيص المقالات التسع من حياة البرء كذا ورد في الذيل ولم
يثبته البرنامج اما عيون الانباء ومن نقل عنه مثل الذهبي والصفدي فيذكرون تلخيص النصف الثاني من كتاب حياة البرء لجالينوس – مخطوط في الخزانة الوطنية بمدريد رقم 5000 وقد نشرت تلك الشذرات في مجلة كلية الاداب – فاس – العدد 7 سنة 1984 0
32- تلخيص شرح ابي نصر للمقالة الاولى من القياس للحكيم كما
ورد ذكره في البرنامج والذيل اما الفهارس الاخرى فلم تشر اليه وهو من التلاخيص المفقودة في لغتها الاصلية 0
33- بداية المجتهد ونهاية المقتصد اجمعت على ذكره الفهارس
القديمة كلها وكذا الحديثة رغم ما بينها من خلافات بسيطة في صياغة العنوان ، وقد نشر عدة مرات0
34- المسائل الطبية كذا ورد في الذيل اما في البرنامج فنقرأ مايلي : المسائل الطبولية ولعله تصحيف0
35- الضروري في النحو انفرد الذيل بذكر هذا العنوان اما التكملة
لابن الابار فيقول : وكتابه في العربية الذي وسمه بالضروري ولعله الذي يذكره الصفدي بهذا العنوان كتاب في العربية ” انه من النصوص المفقودة في اصلها العربي ، نشر أخيراً النص العربي في الجزائر0
36- كتاب المناهج في اصول الدين ” كذا ورد في البرنامج اما الذيل
فنقرأ ” مناهج الأدلة وفي عيون الانباء كتاب مناهج الادلة في علم الاصول وقد ذكره النباهي في تاريخ قضاة الاندلس فقال : مناهج الادلة في الكشف عن عقائد الله، له عدة طبعات0
37- شرح رسالة اتصال العقل بالانسان لابن الصائغ انفرد بذكرها البرنامج والذيل اما ابن ابي اصيبعة فينسب الى ابي الوليد مقالتين في اتصال العقل بالانسان وهذا في عداد النصوص المفقودة في لغتها الاصلية0
38- مقالة في اتصال العقل المقارن بالانسان ينفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة ثم ينقلها عن الذهبي والصفدي 0 اما البرنامج والذيل فلا يذكران منها شيئاً0
39- مقالة ثانية في اتصال العقل بالانسان ينفرد بذكره ابن ابي
اصيبعة ويؤكد رينان انها المقالة التي يعرفها الاثنان بهذا الاسمEpistola de connexione intellectus a bestracti con homine .
40- فصل المقال يذكره البرنامج باسم فصل المقالة في الاصول
ويقول الذيل فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال اما عيون الانباء فيقول كتاب صغير سماه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال له عدة طبعات0
41- مختصر المستصفى كما ورد في الذيل وصاحب الوافي بالوفيات ومعظم التراجم القديمة كتكملة ابن الابار والديباج لابن فرحون0 اما البرنامج فيضع هذا العنوان “اختصار المستصفى”، منشور0
42- شرح مقالة الاسكندر في العقل ينفرد بذكره برنامج الذيل اماابن
ابي اصيبعة فيذكر مقالة في العقل وكذا الذهبي والصفدي فيقولان انه مفقود في الفقرة الاصلية0
43- مقالة في العقل ينفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة ولعلها المقالة السابقة0
44- المسألة على كتاب النفس ، لذا ورد ذكرها في البرنامج اما الذيل فنقرأ مايأتي : تطابق على كتاب النفس ولم يرد لها ذكر في الفهارس القديمة والحديثة مفقودة في لغتها الاصلية 0
45- المسائل البرهانية كما وردت في البرنامج اما الذيل فيقول :
مقالة في المسائل البرهانية واما ابن ابي اصيبعة فيذكر المسائل المهمة على كتاب البرهان لارسطو طاليس 0
46- شرح ارجوزة ابن سينا في الطب ، كذا ورد ذكره في البرنامج
وفي الذيل وفي عيون الانباء وعند الذهبي والصفدي اما النباهي فيقول شرح رمز ابن سينا 0
47- شرح عقيدة الامام المهدي كذا اورد ذكره في البرنامج اما في
الذيل فتقرأ ما يأتي : شرح الحمرانية ، وهو كلام لا معنى له 0 وكذلك النباهي يقول “شرح الحمرانية في الاصول ” لاتوجد نسخة عربية واحدة معروفة لهذا الشرح0
48- شرح كتاب القياس ، انفرد بذكره ابن ابي اصيبعة ومن نقل عنه والظاهر ان ابن رشد لم يكتب شرحا لكتاب القياس كما فعل مع البرهان والسماع الطبيعي والسماء والعالم والنفس وما بعد الطبيعة0
49- كتاب في اصول الفقه لم تذكره الفهارس وانما احال ابن رشد
في بداية المجتهد حين قال : وقد تكلمنا في العمل وقوته في كتابنا في الكلام الفقهي وهو الذي يدعي باصول الفقه ونحن اليوم لا نعلم شيئاً عن هذا الكتاب0
50- كتاب في الفقه على مذهب مالك لم تذكره الفهارس لكن ابن رشد يفصح في البداية عن عزمه على تاليف كتاب في اصول مذهب مالك ومسائله0
51- شرح كتاب المقدمات لجده انفرد بذكره الصفدي في الوافي
بالوفيات والمؤكد ان وهماً وقع فيه صاحبنا0
52- مقالة على اول كتاب المقولات لابي النصر الفارابي0
53- مقالة في الترياق ، ورد ذكرها في البرنامج وفي الذيل وكذا في عيون الانباء0
54- كلام على قول ابي نصر في المدخل ، ورد ذكره في البرنامج0
55- تعليق ناقص على اول برهان ابي نصر – كذا 0
56- تعاليق اخرى على اول برهان ابي نصر – كذا0
57- مقالة في الجرم السماوي – كذا 0
58- مقالة اخرى في الجرم السماوي – كذا0
59- مقالة ثالثة في الجرم السماوي – كذا 0
60- مقالة في حركة الجسم السماوي – كذا0
61- مقالة اخرى في حركة الجسم السماوي – كذا 0
62- مقالة في جوهر الفلك – كذا0
63- كلام على رؤية الجرم الثابت بأدوار – كذا 0
64- كلام على مسألة من السماء والعالم كما ورد في البرنامج اما في الذيل فقد اثبت كلمة مقالة بدل كلام0
65- مسألة في علم النفس سئل عنها فأجاب فيها ” ينفرد بذكرها
البرنامج دون غيره من الفهارس قديمها وحديثها والملاحظ ان كتابه في علم النفس ككتاباته في علم الفلك معظمها مفقود في لغته الاصلية0
66- مقالة في علم النفس ، يذكرها البرنامج والذيل وهذه ايضاً
لا نعرف عنها شيئاً 0
67- مقالة اخرى في علم النفس ينفرد بذكرها البرنامج والذيل يصدق عليها ما قيل في سابقاتها من المفقودات0
68- مقالة في المقول على الكل : ذكرها البرنامج والذيل وذكرتها
معظم الفهارس الحديثة كما ذكرها مفهرس المخطوطات العربية الموجودة في الاسكوريال0
69- مقالة في المقدمة المطلقة ، ورد ذكرها في البرنامج والذيل0
70- مقالة في المزاج المعتدل ، ورد ذكرها في البرنامج والذيل اما
ابن ابي اصيبعة فيقول مقالة في المزاج وكذا الذهبي والصفدي0
71- مقالة في مسألة من العلل والاعراض ، كذا ورد ذكرها في الذيل
اما في البرنامج فيثبتها هكذا كلام على مسألة من العلل والاعراض تدخل في عداد المفقود اثره0
72- مقالة في الجمع بين اعتقاد المشائيين والمتكلمين من علماء
الاسلام في كيفية وجود العالم في القدم والحدوث0
73- مقالة في ان ما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلمون من اهل
ملتنا في كيفية وجود العالم متقارب في المعنى وكذا ورد عند الذهبي اما الصفدي فيذكرها على انها مقالتان كما فعل الذيل والبرنامج: مفقود في لغتها الاصلية0
74- مقالة في الكلمة والاسم المشتق ، كذا وردت في الذيل اما في البرنامج فوردت بصيغة اخرى كلام له على الكلمة والاسم المشتق0
75- مقالة في جهة لزوم النتائج للمقاييس المختلطة ، كذا وردت في البرنامج اما في الذيل فتقرأ مقالة في لزوم النتائج للمقاييس المختلطة وكلتا الصيغتين تختلف عما نجده في الاصل المخطوط لهذه المقالة0
76- تعليق على برهان الحكيم انفرد بذكره البرنامج والذيل لا نعلم
عليه نسخة عربية معروفة اليوم0
77- مقالة في البذور والزروع ذكرها البرنامج والذيل دون غيرها
من الفهارس القديمة وقد ورد ذكرها في اكثر من فهرس من الفهارس الحديثة0
78- تعليق على المقالة السابعة والثامنة من السماع الطبيعي ، كذا
ورد ذكرها في البرنامج اما في الذيل فقد ورد ذكرها بالجمع هكذا ، تعاليق ، وقد اشارت اليها معظم الفهارس الحديثة كما ذكرها مفهرس المخطوطات الموجودة بالاسكوريال0
79- مقالة في الحيوان ، كما ورد ذكرها في الذيل اما في البرنامج
فنقرأ : كلام له على الحيوان ولا نجد لها ذكراً في الفهارس الاخرى قديمها وحديثها0
80- مقالة في المحرك الاول ،انفردت بذكرها قائمة الذيل اماالبرنامج فيقول : كلام له على المحرك الاول ، لانعلم عنها شيئا لفقدان اصلها العربي0
81- مقالة في الرد على ابن سينا في البرهنة على المحرك الاول ،
ينفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة دون الفهارس القديمة والحديثة مفقود اصلها العربي0
82- مقالة في المقاييس الشرطية ، كذا ورد ذكرها في البرنامج
والذيل اما ابن ابي اصيبعة فيذكر مقالة في القياس وكذا الذهبي والصفدي0
83- مسالة في ان الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات انفرد بذكرها
البرنامج والذيل والراجح انها المشورة اليوم بالضميمة في العلم الالهي
84- مقالة في الوجود السرمدي والوجود الزماني ينفرد بذكرها
البرنامج والذيل وليس لها ذكر في غيرها من الفهارس قديمها وحديثها0
85- مقالة في كيفية دخوله في الامر العزيز وتعلمه فيه وما فضل
من علم الامام المهدي انفرد بذكره البرنامج والذيل0
86- كيف يدعى الاصم في الدخول الى الاسلام ، انفرد بذكرها الذيل
دون غيره من الفهارس قديمها وحديثها0
87- مسالة في الزمان انفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة 0
88- مسائل في الحكمة انفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة 0
89- مراجعات ومباحثات بين ابن طفيل وابن رشد في رسمه للدواء
في كتابه الموسوم بالكليات ينفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة ، لانجد في الفهارس القديمة والحديثة ما يشير اليها0
90- مسالة في ذوائب الحمى ، ينفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة دون
غيره من التراجم قديمها وحديثها0
91- مقالة في حميات العفن ينفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة وليس لها نسخة عربية معروفة اليوم0
92- مقالة في التعريف بوجهة نظر ابي نصر في صناعة المنطق
ونظر ارسطو انفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة ومن نقل عنه كالذهبي والصفدي0
93- مقالة في الفرق بين نظر ارسطو في البرهان ونظر ابي نصر ،
وقد انفرد بذكرها ابن ابي اصيبعة فقال كتاب فيما خالف ابو نصر ارسطو طاليس في كتاب البرهان في ترتيب وقوانين البراهين والحدود0
94- كتاب في الفحص عن مسائل وقعت في العلم الالهي في كتاب
الشفاء لابن سينا ينفرد بذكره ابن ابي اصيبعة وليس له نسخة عربية معروفة0
95- مقالة في بيان وجود المادة الاولى،يقول عنها ابن ابي اصيبعة
الذي انفرد بذكرها في فسخ شبهة من اعترض على الحكيم وبرهانه في وجود المادة الاولى ويتبين ان مذهب ارسطو طاليس هو الحق المبين ليس لها نسخة عربية0
96- مقالة في الرد على ابن سينا في تقسيم الموجودات الى ممكن
على الاطلاق وممكن بذاته واجب تغيره والى واجب بذاته0
97- مقالة في حفظ الصحة 0
98- مقالة في زمان التوبة0
99- مقالة في كليات الجوهر وكليات الاعتراض0
100- مقالة في المحمولات المفردة والمركبة ونقد مذهب ابن سينا0
101- مقالة في الحد ونقد مذهبي الاسكندر وابي نصر 0
102- نقد مذهب ابن سينا في عكس القضايا0
103- نقد مذهب ثامسطيوس في المقاييس الممكنة0
104- مقالة في جهات النتائج في مقاييس المركبة0
105- مقالة في جهات نتائج المقاييس المختلطة من المطلق والضروري0
106- القول في محمولات البراهين 0
107- القول في حد الشخص0
108- مقالة في الجنس والفصل والمصادقة على راي ابي نصر فيها0
ثانياً : مؤلفات ابن رشد التي لها صلة بعلم الاجتماع
مثلما ذكرنا مؤلفات ابن رشد بحسب ورودها في قوائم مؤلفاته والتي نافت على اكثر من مائة مقالة وكتاب بين تلخيص وشرح0 وجدنا من ضمن هذه المؤلفات ما له صلة مباشرة باصول علم الاجتماع عند ابن رشد ، وان كان هذا الفيلسوف لم يترك لنا رسالة أو كتاب أو مقالة متخصصة في هذا العلم ، بل نجد معظم آرائه مبثوثة في ثنايا بعض كتبه ذات الطابع الاخلاقي والسياسي والميتافيزيقي( الماورائي)0
لذا سوف نحصر هذه المؤلفات لابن رشد باهم ما ذكره في باب علم الاجتماع وعليها سيكون بناء آرائه في هذا الجانب 0
(1) تلخيص السياسة :
يعد هذا الكتاب اهم ما ذكره وألفه ابن رشد في باب علم الاجتماع والمجتمع والدولة والسياسة وانواع الحكومات الفاضل منها وغير الفاضل ، اذ نجد فيه تاسيساً رشدياً لعلم الاجتماع قائم على منظور علمي واقعي بعيداً عن كل تنظير ميتافيزيقي ماورائي0 اذ يرى فيه ابن رشد ان الانسان كائن اجتماعي مدني الطبع0 كما ويشير بالتفصيل فيه الى شرائح المجتمع وفئاته من عمال وصناع وفلاحين وحراس وملوك وقادة 0 ويضع فيه لكل فئة نوع التربية والتعليم الملائمة له 0 بعدها يتحدث عن خصائص رئيس المدينة الفاضلة بالتفصيل 0 ويقارن هذه الخصائص والمزايا بخصائص الاجتماعات الناقصة عنده وهي الاجتماعات التي لا تتحقق فيها الفضيلة والكمال0
وعليه فان اعتمادنا سيكون منصبا على هذا الكتاب لان ابن رشد قد اودع فيه نظريته الاجتماعية وفكره الاجتماعي كاملاً 0 فضلاً عن مؤلفاته الاخرى التي سنشير اليها لاحقاً 0
وهذا الكتاب يتألف من ثلاث مقالات رئيسة هي المقالة الاولى عن عناصر المدينة الفاضلة والاجتماع فيها والمقالة الثانية تتحدث عن صفات وخصال رئيس المدينة الفاضلة والمزايا التي يتمتع بها ودوره في بناء المدينة الفاضلة (الكاملة) اما المقالة الثالثة فجاءت لتشير الى مضادات المدينة الفاضلة ويحددها ابن رشد باربعة اجتماعات رئيسية هي اجتماع المستبد واجتماع الديمقراطية واجتماع المال
(2) تلخيص الخطابة([6])
ومن الكتب الاخرى التي درس فيها ابن رشد الفكر الاجتماعي كتاب تلخيص الخطابة اذ تناول هذا الفكر وهو يدرس علم الخطابة وانواعها وصفات الخطيب وصلة ذلك بالسياسة والاخلاق ، فضلاً عن دراسة انواع السياسات والنظم السياسية القائمة في عصره ومعالجتها معالجة نقدية فاحصة ، ثم الحديث عن انواع المدن والاجتماعات القائمة في عصره ومعالجتها معالجة نقدية فاحصة، ثم الحديث عن انواع المدن والاجتماعات القائمة فيها وما هي السياسات التي توائمها ، ومنطلقه في ذلك كتاب الخطابة الذي وضعه ارسطو ، والذي لخصه هو في ثلاث مقالات رئيسة متفاوتة الحجم والسعة من حيث التناول0 ولهذا نجده يبدأ كتابه بالتعريف بفهم الخطابة وصلتها بالحياة الاجتماعية ، وانه علم يعني الانسان بعامة، يقول ” ان صناعة الخطابة تناسب صناعة الجدل ، وذلك ان كليهما يؤمنان غاية واحدة وهي المخاطبة ، اذ كانت هاتان الصناعتان ليس يستعملها الانسان بينه وبين نفسه 00 بل ان يستعملهما مع الغير00 اذ كلاهما يتعاطى النظر في جميع الاشياء،ويوجد استعمالهما مشتركا للجميع00)([7]) 0
ثم يوضح معنى الخطابة للمجتمع فيقول (( وللخطابة منفعتان ، احدهما ان بها يحث الناس على الاعمال الفاضلة ، وذلك ان الناس بالطبع يميلون الى ضد الفضائل العادلة فاذا لم يضبطوا بالاقاويل الخطابية ، غلبت عليهم اضداد الافعال العادلة وذلك شيء مذموم00
واعني بالفضائل العادلة هي الفضائل بين الانسان وبين غيره ، اعني بينه وبين المشارك له في أي شيء كان الشركة ، والمنفعة الثانية انه ليس كل صنف من اصناف الناس ينبغي ان يستعمل معهم البرهان في الاشياء النظرية التي يراد منها اعتقادهم0
(3) مؤلفات اخرى : ذكر فيها ابن رشد بعض الموضوعات ذات الصلة بعلم الاجتماع وان كان الغالب على هذه المؤلفات الطابع الديني الحجاجي الجدلي ومنها كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وكتاب الكشف عن مناهج الادلة وكتاب تهافت التهافت ، وشرح كتاب ما بعد الطبيعة 0
وستشير الباحثة الى بعض هذه المؤلفات بقدر تعلقها بالموضوع0
اولا – أفلاطون PLATO ( ت 384 ق 0 م )
يعد الفيلسوف اليوناني أفلاطون ، أحد اهم الفلاسفة الاجتماعيين عبر التاريخ ، وذلك لما تركه لنا من مؤلفات قيمة في هذا الميدان ، اذ ربط بين الاجتماعي والسياسي ربطاً محكماً ، في مؤلفاته أو بالاحرى محاوراته
ولا سيما منها الجمهورية Republic ،والسياسات Politics والقوانين Laws 0
وسبب اهتمام افلاطون بهذا الجانب من الفكر الفلسفي عنده ، هو ان عصره كان مليئاً بالاضطرابات السياسية وحافلاً بالصراع الحربي في تاريخ اليونان على حد تعبير ويل ديورانت([1])0
إلا ان الذي يهمنا من مؤلفاته ذات الصلة بعلم الاجتماع وفكره ، هو كتاب الجمهورية ، اذ جاء عبارة عن بحث منظم في الفلسفة الاجتماعية وعلمها0([2])
إذ عرض الى جانب فلسفته في هذا الكتاب الى دراسة حالة المجتمعات الانسانية ، باحثاً عن الاسباب التي تؤدي الى نشأة النظام الاجتماعي الامثل والنتائج التي تؤدي الى سيادة هذا النظام على غيره([3])0
ولهذا خطط افلاطون الى فكر اجتماعي منظم ، يقوم في مدينة فاضلة اساسها العدالة ، ويقودها الملك الفيلسوف ، معتمداً بذلك على ثلاثة اسس رئيسة هي :
1- العناصر الاجتماعية التي تقوم عليها الدولة ، اذ يرى افلاطون ان الانسان كائن اجتماعي بطبعه([4])0
2- ضرور وجود تربية اجتماعية مثلى تتطلبها الدولة0
3- حكومة مركزية تشرف على المدينة او الدولة وتعمل على تحقيق النظام الاجتماعي الامثل([5])0
اذ يرى افلاطون ان الدولة هي وحدة جمعية دعائمها انسجام الرغبات الانسانية والارادات الفردية والعدالة في المصالح الذاتية مقرراً ان ( الحاجة الانسانية ) هي التي تدفع بالانسان الى طلب الاجتماع المنظم وتأسيس المدينة ، وأول هذه الاجتماعات هي الاجتماعات الضرورية أو الحاجية 0 لان الفرد لا يستطيع ان يلبي كافة حاجاته بمفرده ولابد من معونة الاخرين وهو ما سنشاهده عند ابن رشد فيما بعد 0
وفي هذا المفهوم للاجتماع ، يقسم افلاطون المجتمع الى ثلاثة اقسام رئيسة تتكامل فيما بينها لتأدية غاية قصوى هي لتحقيق العدالة والفضيلة0 واول هذه الاقسام هي فئة او شريحة العمال ومهمتهم هي توفير الطعام واللباس وما شاكل للمدينة ، وثاني هذه الاقسام هي فئة او شريحة المدافعين عن المدينة ويسميهم افلاطون بالحراس او الجند 0وآخر هذه الاقسام هي شريحة الحكام 0 ومهمتهم الاشراف على ادارة المدينة وتنظيم شرائعها وقوانينها وحفظ حقوقها الاساسية وهم الفلاسفة الحكماء ، لان افلاطون يشدد على ان يكون رئيس المدينة او الدولة هو الملك الفيلسوف الحكيم([6])0
ان هذا التقسيم الافلاطوني للمجتمع الانساني ، انما يرمي فيه الى ربط المجتمع برباط وثيق ، يعرف فيه كل انسان ما ينبغي عليه عمله وهذا هو معنى العدالة عنده 0 لان هذه الطبقات غير منفصلة اجتماعياً بعضها عن البعض بل ويتبع بعضها البعض الآخر ويعتمد عليه في قوامه وكماله 0 وهي في مجموعها تكون وحدة حية دعامتها الفرد الذي تفرض عليه الحياة الاجتماعية ان يقوم بالوظيفة التي تحددها له المدينة0
وبهذا فان افلاطون قد وضع تشبيها لهذه الشرائع الاجتماعية مع قوى النفس الانسانية ، فمثلاُ يقابل فئة العمال او الحرفيين النفس الشهوية ، في حين يقابل الحراس النفس القضبية أما الحكام او الفلاسفة فيقابلون النفس الناطقة([7])0
ويشدد افلاطون في مفهومه للاجتماع الانساني على التربية الفاضلة المتقنة لهذه الفئات وفق برنامج تدريبي صارم يأخذ بنظر الاعتبار ، مزايا وخصائص وخصال وقوى الانسان الفرد0 وان كان يركز او يشدد في تدريبه على فئة الحراس وفئة الحكام لانهم هم الذين سيعول عليهم فيما بعد في ادارة دفة الدولة ( المدينة)0
فالعلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة عند افلاطون علاقة عضوية ، فالافراد اعضاء في الجماعة يتأثر المجموع بضرر يلحق اي فرد منهم لان المجتمع اعظم من الفرد وهم بحاجة اليه ، وهو بهذا يقترب كثيراً من المدارس الاجتماعية المعاصرة ولاسيما المدرسة العضوية0
ويجب ان نشير الى ان افلاطون في دراساته الاجتماعية ، قد نحى منحى علميا في هذا المجال ، وان قدم آراءه بطريقة حوارية تنم عن روح فلسفية مثالية ، مؤكداً على فكرة ( التخصص ) في المجتمع مشدداً عليها معتبراً إياه فكرة مركزية تعود الى تحقيق العدالة والفضيلة 0
وقد اهتم ابن رشد كما ذكرنا في قائمة مؤلفاته ذات الصلة بالموضوع بكتاب الجمهورية هذا لافلاطون واقام عليه تعليقات وشروحا وتكييفات تتناسب مع وضعه فيلسوفاً عربياً مسلماً 0 وهو ما سنلمسه عند البحث في تفاصيل علم الاجتماع عند ابن رشد0
ثانياً : ارسطو Aristotales ( ت 322 ق0 م )
مثل استاذه ، اهتم بالدراسات الاجتماعية والفلسفية والاقتصادية وقدم في ذلك جملة من المؤلفات القيمة التي لعبت دوراً مهماً في تطور الفكر الاجتماعي فيما بعد0 واخص بالذكر من مؤلفاته كتاب السياسات([8]) Polotics وكتاب دستور الاثينيين 0 وان كان ما يمتاز به ارسطو عن افلاطون ، هو نظرته الواقعية Realion الاستقرائية الى الاشياء ، بخلاف استاذه الذي اصطبغت افكاره بالنظرة المثالية Idealism 0 اذ ينطلق ارسطو من الواقع الى المثال ويفسر حركة المجتمع والدولة والاقتصاد والسياسة تفسيراً واقعياً رابطاً الجزء بالكل والكل بالجزء ربطاً منطقياً محكماً ،فضلاً عن ان ارسطو يرى ان الاجتماع الانساني غريزي في الانسان وليس من دواعي الحاجة0
تقوم فكرة ارسطو في الاجتماع على اعتبار ان الانسان حيوان او كائن سياسي (اجتماعي) بالطبع([9])0
ان هذه النظرة الارسطية للانسان كونه اجتماعياً بالطبع ، انما تعود لمفهوم افلاطون في تحديد الحاجات الضرورية لقيام الاجتماع للانسان وهو المآكل والمشرب والمسكن والملبس والزواج 0 ولهذا يعد ارسطو
الاسرة اول خلية اجتماعية تدعو اليها الطبيعة الانسانية 0 وكما سنفصل
لاحقاً 0
فضلاً عن ذلك ، ان ارسطو درس الدولة من حيث هي في الوجود الطبيعي واستنبط آراءه الاجتماعية والسياسية من النظم واشكال الحكم فيه0 ولهذا فان اراء ارسطو الاجتماعية تتلخص في رأيه في نشأة المجتمع السياسي ومقوماته وفي الاسرة وفي التربية وفي الحكومة المثلى Ideal State وفي الثورة وفي قيام مجتمع فاضل ، وان كان في هذه النقطة يقترب من افلاطون([10])0
ومثلما اشرنا الى راي ارسطو في الاسرة ، والتي يعدها اول خلية اجتماعية تدعو اليها الطبيعة الانسانية ، لانه يعتقد ان الحياة الانسانية لا تستقيم الا بها لان وظيفتها القيام بالحاجات اليومية0 اذ يبدو ان تلبية الحاجات الانسانية مطلب اساسي لقيام أي اجتماع انساني0 وهذا ما سنجده عند ابن رشد فيما بعد0
ويفصل ارسطو القول في ذلك ، مبيناً انه من اجتماع عدة اسر تنشأ القرية وهي وحدة اجتماعية اوسع نطاقاً وتقوم بوظائف اكثر تنوعاً من الاسرة 0 وفي اجتماع عدة قرى تتكون المدينة او الدولة0 ويعد ارسطو الدولة هي اكمل Perefect الوحدات الاجتماعية وأتمها واوضحها قصداً 0 تكتفي نفسها بنفسها وتضمن للافراد اكمل وسائل العيش وايسر السبل للحصول على حياة سعيدة ، فالدولة وفق مفهوم ارسطو من خلق الطبيعة شأنها شأن الاسرة 0 وهي اكثر قابلية لحياة الاجتماع الانساني من سائر الحيوانات الاخرى([11])0
ويمضي ارسطو موضحاً مقصده من ذلك ، الى ان الفرد وان كان هو عماده المجتمع الانساني والدولة ، إلا انه يذوب في الدولة وتمحى شخصيته في شخصيتها لان الدولة نسيج ملتئم والافراد خيوطها0
اذ يؤكد ارسطو ان العلاقة بين الفرد والدولة علاقة عضوية وليست علاقة آلة ميكانيكية0 وفي ضوء ذلك تصبح الدولة نموا طبيعيا للقرية والقرية نمو طبيعي للاسرة0
هذا من جهة قيام الدولة والمجتمع من الناحية الانسانية ، أما من الناحية المادية فأن ارسطو يذهب الى ان المجتمع يتكون من الاشياء او الثروات 0 ذلك لان الاسرة في حاجة ماسة الى تحصيل الثروة لتقضي حاجاتها الضرورية وتنفق على مطالبها الخاصة 0 وهذا الحصول للثروات اما يكون بطريق طبيعي او غير طبيعي 0 فالطبيعي مثل الزراعة والصيد وتربية الحيوانات وغير الطبيعي مثل التجارة والصناعة وقرض الاموال0
وبهذا يعد ارسطو رائداً في هذا المجال في دراسته للمجتمع الانساني قبل غيره من العلماء والفلاسفة ولاسيما الفيزوقراط وادم سميث اللذان ينسبان اليه نشأة الاقتصاد السياسي 0 اذ ان ارسطو تنبه الى اهمية مسائل علمي السياسة والاجتماع([12])0
اما افضل الاجتماعات الانسانية عند ارسطو فهي اجتماع او حكومة او دون الطبقة الوسطى لانها تعمل لخير مواطنيها ويسميها بالحكومة الملكية وتليها في الفضيلة الارستقراطية ثم الديمقراطية ويقابل ذلك اجتماعات ناقصة او فاسدة وهي براي ارسطو الطغيان وحكومة الاقلية ذات الثراء او ما يسميها بالاولغاركية ثم الديماغومية او الفوضى 0
فالحكومة الملكية هي حكومة او اجتماع الفرد العادل والارستقراطية حكومة الاقلية العادلة الفاضلة والديمقراطية حكومة الجمهور تمتاز هذه الاخيرة بالحرية والمساواة والسير بمقتضى الدستور0 فمثلا اذا فسد الاجتماع الديمقراطي ينقلب الى اجتماع الغوغاء والدهماء0
ولكن ارسطو واقعي في هذا المجال ، اذ يفسح المجال لاي اجتماع انساني ان يتخذ شكل الحكومة التي تناسبه لانها تتفق مع أهدافه واتجاهاته وان كان يميل الى حكومة الوسط التي تجمع بين الارستقراطية والديمقراطية([13])0
ويربط ارسطو بين الاجتماع السياسي والاخلاق ربطاً محكماً0 وهذا ما نجده في مؤلفات ارسطو ولا سيما السياسات والاخلاق0 اذ ان الاجتماع الانساني عنده بنية اخلاقية0 وان اخلاق هذا الاجتماع هو اخلاق افراده 0 ولهذا يؤكد ارسطو مبدأ الوسط الاخلاقي في الفضائل الانسانية 0 فمثلاً تحقيق الخير للمدينة واستمرار ضمانتها انما هو امر عظيم ، فان كان الخير جديراً بالمحبة فلا ريب ان يكون اكثر جمالاً واسمى قداسة عندما يكون متوجها للمدينة باكملها0 وهذا هو اصل الدولة المثلى عند ارسطو([14])0
في هذا المبحث سنسلط الضوء على مجموعة من الفلاسفة العرب المسلمين في مجال علم الاجتماع والدراسات الاجتماعية 0 وذلك لما له صلة بموضع الاطروحة ومدى اثر هؤلاء الفلاسفة العرب قبل ابن رشد فيما تركه لنا فيما بعد هو من نظرات في مجال علم الاجتماع وفلسفته0
اولا : ابو نصر الفارابي :
هو الفيلسوف العربي المسلم محمد بن محمد بن اوزولغ الفارابي ، المولود سنة 259هـ /870م والمتوفى سنة 339هـ/950م اذ ترك لنا هذا الفيلسوف تراثاً فلسفيا كبيراً غلب عليه الدراسات السياسية الاجتماعية ، نظراً لما رآه الفيلسوف في زمانه من تناقضات سياسية واجتماعية واقتصادية ، فانعكس ذلك كله في هذه المؤلفات ، محاولاً فيه اصلاح المجتمع الانساني عن طريق الفلسفة هو مانجده في مؤلفاته العديدة ولا سيما كتاب آراء اهل المدينة الفاضلة ، وكتاب السياسة المدنية وكتاب تحصيل السعادة وغيرها من مؤلفاته الاخرى([1])0 وسنفصل القول في أحدها لما له من صلة بالموضوع 0
يعد الفارابي أحد ابرز الفلاسفة الاجتماعيين والسياسيين العرب ، لما لنظراته في الفلسفة الاجتماعية وعلم الاجتماع من اهمية تذكر وجدت حضورها في الفلاسفة العرب من بعده ولا سيما الفيلسوف ابن رشد0
اذ ان اهم وابرزكتاب في علم الاجتماع السياسي عند الفارابي هو كتاب آراء اهل المدينة الفاضلة 0 اودع فيه نظريته الاجتماعية المتكاملة ، وذلك من خلال تقسيمه لهذا الكتاب الى قسمين رئيسين كبيرين ، الاول درس فيه النظرية الكونية الميتافيزيقية وهي نظرية الفيض([2]) التي عرف بها 0 والثاني انتقل فيه الى البحث في الانسان باعتباره اسمى الموجودات الارضية بحسب الجدل الصاعد من العناصر الاربعة فالنبات والحيوان والانسان 0 وان الانسان هو أهم الموجودات في عالمنا الطبيعي وعن طريق العقل الفعال يتم الاتصال بينه وبين الانسان ، وما يطلق بنظرية الاتصال0
كما ويعالج في هذا القسم من كتابه السالف الذكر حاجة الانسان الى الاجتماع والتعاون 0 كما سنشير الى ذلك فيما بعد فضلاً عن دراسة خصال وصفات رئيس المدينة الفاضلة ومضادات هذه المدينة وفي اتصال النفوس بعضها ببعض ، وفي الصناعات والسعادات وفي الاشياء المشتركة لاهل المدينة الفاضلة وفي آراء اهل المدن المضادة لها وهي المدن الجاهلة والضالة وغيرها0
يعتقد الفارابي ان الاجتماع الانساني ضرورة لابد منها (( لان الانسان من الانواع التي لايمكن ان يتم لها الضروري من امورها ولا تنال الافضل من احوالها إلا بالاجتماع بجماعات كثيرة في مسكن واحد))([3])0 بل يذهب الفارابي الى اكثر من ذلك حين يحدد ان الاجتماع ( فطري ) عند الانسان 0 ذلك لانه لا يستطيع ان ينال افضل كمالاته ، أي سعاداته ، إلا بمساعدة اناس آخرين يكملون ما عنده من نقص حتى يبلغ ذلك الكمال([4])0
وبهذا يصبح مفهوم الاجتماع عند الفارابي مفهوماً ( تعاونيا)0 لان يفسر لنا النشأة الاجتماعية الانسانية وفق هذا المفهوم 0 وبالتالي فان الانسان عند الفارابي هو كائن مدني أو اجتماعي بالطبع 0 ذلك لان أي انسان بنظر الفارابي لن ينال كمالاته الاساسية وتحقيق حاجاته الضروية إلا من خلال الاجتماع([5])0
وفي ضوء ذلك يقسم الفارابي الاجتماعات الانسانية الى قسمين رئيسين، هما الاجتماعات الكاملة والاجتماعات غير الكاملة0
الكاملة عند الفارابي هي ثلاثة اقسام ( عظمى،ووسطى،وصغرى )([6]) وهذه الاجتماعات هي التي يتحقق فيها التعاون الاجتماعي بشكل تام 0 ولكن هذه الاجتماعات تتفاوت في درجة الكمال حسب حاجتها الى التعاون واكتفائها الذاتي 0 وعلى هذا الاساس فان افضلها مجتمع الامم ، يليه مجتمع الامة ، ثم مجتمع المدينة 0 ويمكن القول ان الفارابي في تصوره للاجتماعات الكاملة قد استمد تصوره لمجتمع الامم من واقع عقيدته الاسلامية التي ترمي الى تأسيس دولة او ( خلافة ) تتجاوز موانع الجنس واللون والارض ، وهي مما يحول بشدة دون اتحاد الامم والشعوب وارتباطها مع بعض 0 فضلاً عن انه قد استمد في تصوره هذا واقع التجربة السياسية الاسلامية بذاتها المتفتحة على كل الامم والشعوب([7])0
أما المجتمعات غير الكاملة فهي اجتماع اهل القرية واجتماع اهل المحلة، واجتماع اهل السكة ، ثم الاجتماع في المنزل0
ويربط الفارابي هذه الاجتماعات بالاخلاق ، فالخير الافضل والسعادة يتحقق ابتداءاً في مجتمع المدينة لا في الذي اقل من ذلك 0 وبهذا تكون الغاية من هذه الاجتماعات انما هو بلوغ السعادة 0 والسعادة هي غاية النظرية الاخلاقية عنده 0
وبعد ، فان الفارابي ينظر الى المجتمع باعتباره وحدة عضوية متكاملة0 وبهذا فهي تشبه البدن التام الصحيح الذي تتعاون اعضاؤه كلها على تتميم حياة الحيوان ، وعلى حفظها عليه 0 وكما ان البدن اعضاؤه مختلفة متفاضلة النظرة والقوى وفيها عضو رئيس واحد وهو القلب واعضاؤه تقرب مراتبها من ذلك الرئيس وبهذا فان تصور الفارابي للمجتمع يحمل في طياته التصور الاسلامي القائم على الاخوة والتراحم([8])0
وكما اشرنا ان في المدينة او الدولة او الاجتماع الكامل ، رئيسا ، فان هذا الرئيس هو اكمل الافراد فيما يختص به من صفات 0 فهو يرأس ولا يرأس0 فهو الاول في الاجتماع ثم يوجد في التراتب تنازليا افراد الاجتماع الانساني0 ويضع له الفارابي عدة مزايا او خصال ، تجد حضورها في فلسفة ابن رشد السياسية الاجتماعية فيما بعد 0 فصفات رئيس الاجتماع الكامل عند الفارابي هي :
1- ان يكون تام الاعضاء والقوى الجسمانية 0
2- ان يكون بالطبع جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له 0
3- ان يكون جيد الحفظ 0
4- ان يكون جيد الفطنة ذكيا 0
5- ان يكون حسن العبارة بليغاً 0
6- ان يكون محباً للتعليم والاستفادة0
7- ان يكون غير شره على المأكول والمشروب0
8- ان يكون مبغضاً للذات 0
9- ان يكون محباً للصدق واهله 0 مبغضاً للكذب واهله0
10- ان يكون كبير النفس محباً للكرامة0
11- ان يكون بالطبع محباً للعدل واهله ومبغضاً للجور واهله 0
12- ان يكون قوي العزيمة على الافعال ، شجاعاً غير خائف([9])
ان هذه الصفات لا يمكن ان تكون متوافرة في شخص واحد ، ولهذا عدل الفارابي في ذلك ، مصرحاً اذا لم يوجد الرئيس الاول يكون هناك رئيس ثان يخلفه0 ولكن للثاني يضع الفارابي ستة شروط اهمها الحكمة([10])0 أي ان يكون فيلسوفاً 0
اما مضادات الاجتماع الكامل ، فيسميها الفارابي مضاداة المدينة الفاضلة، ويعطيها تسميات من صميم التأريخ العربي الاسلامي وهي المدينة الجاهلية وهي المدينة التي لم يعرف اهلها السعادة ولا خطرت لهم ببال 0 ويقسمها الفارابي الى عدة مدن هي ، الضرورية ومدينة النذالة ومدينة الخسة ، ومدينة الكرامة ، ومدينة التغلب والمدينة الجماعية([11])0
ان هذه التسميات ستجد لها حضورها في فلسفة ابن رشد الاجتماعية وان كانت وفق تصوره لا تصور الفارابي 0
ومن مضادات المدينة الفاضلة ، المدينة الفاسقة ، وهي افعالها افعال المدن الجاهلية 0 وان كانت آراؤها فاضلة0
ويضيف الفارابي الى هاتين المدينتين ، المدن المعدلة وهي المدن التي تبدلت آراؤها مع الزمن من الفاضلة الى غيرها0 ومنها المدن الضالة ، وهي المدن التي كانت تعني السعادة في الحياة الاخرى ولكن نظرتها تغيرت 0
ولا يكتفي الفارابي بذلك ، بل يشير الى مجتمع غير فاضل يظهر بشكل صغير ويسميه ( النوابت ) ويشبه الفارابي النوابت كالشيلم في الحنطة او الشوك النابت فيما بين الزرع([12])0
نخلص في هذا التصور للاجتماع الانساني عن الفارابي وتقسيماته الى كاملة وغير كاملة وربطه بالاخلاق 0 ان الفارابي كان يؤسس لنظرية في الاجتماع الانساني وفق تصور عربي اسلامي وان كان بعض آرائه قد قيلت من قبل عن افلاطون وارسطو 0 الا ان ما يميزه هو مقارباته للتاريخ العربي الاسلامي0 لكن بقيت أراؤه ضمن الاطار النظري لا العملي 0 وهذا ما سيجعل من ابن رشد اكثر واقعية عند بنائه لنظريته في الاجتماع الانساني كما سيرد ذلك في موضعه0
ثانيا : ابن سينا
يعد الفيلسوف ابو علي الحسين بن سينا (ت 428هـ /970م) احد اهم المراجع الفلسفية لابن رشد ، سواء بسواء مع الفارابي ، اذ كثيراً ما تناول ابن رشد ابن سينا بالنقد والتحليل والأخذ والتنصيص منه ولا يشذ عن ذلك رأيه في الفلسفة الاجتماعية وعلمها 0
أودع ابن سينا علم الاجتماع في دراساته ونصوصه الكثيرة وبالاخص منها كتابه الشهير بالشفاء وفي قسم الألهيات منه تحديداً ، فضلاً عن كتابه الحكمة العروضية ورسالة في السياسة 0 والذي سنتطرق اليهما الآن 0
وقبل أن نحدد تصور ابن سينا لعلم الاجتماع ، نؤكد ان الفلسفة أو الحكمة وفق مصطلح ابن سينا تنقسم الى نظرية وعملية ، والنظرية هي العلم الطبيعي والرياضيات والالهيات أما الحكمة العملية فتشمل السياسة والاخلاق وتدبير المنزل([13])0 ومن هنا يتبين ان موضوعات علم الاجتماع وفلسفته عند هذا الفيلسوف انما تقع في باب الحكمة العملية0
اذ تعكس هذه الحكمة وتجسد البعد الاجتماعي للنسق الفلسفي عنده، فهي تمثل اطاراً متسع الابعاد ، له القدرة بما يتضمن من معاني التدبير والتدبر الجزئي والكلي لأنه يشمل مجمل الانشطة والعلائق الفردية والعائلية والمدنية السياسية اذ ان تلك الحكمة العملية تقوم على قاعدة (( ما يجب ان يكون 000 وتقصد الى الخير الاعلى وتقوم على المعرفة وترد على اسئلة الانسان في وجوده ، كيف يجب ان يكون ؟ 0 وكيف نحقق السعادة والفضيلة معا ؟؟([14])0
ان هذا التحديد السينوي للحكمة العملية مرتبط ابتداءاً بالبحث في اصل الاجتماع الانساني ودواعيه ومحاولة تقديم تصور تفسيري لاسبابه ومسوغات حدوثه0
وكما اشرنا من قبل الى مؤلفات ابن سينا التي يتحدث فيها عن علم الاجتماع واسباب حدوث الاجتماع الانساني ، اذ يقدم لنا صورة متعددة الأبعاد لاصل هذا الاجتماع تستند في تكوينها الى ذلك التعدد في اوجه الحاجة الانسانية الموزعة بين الحاجات الطبيعية الجزئية التي يقوم عليها اجتماع الاسرة ، ومعها وفي موازاتها الحاجات العامة المتبادلة للتعاون والتكافل وسد الاحتياجات 0 وعن هذين المستويين من الحاجات ينشأ الاجتماع المدني السياسي0 وهنا يظهر ركنا الحاجة ( التعاون ) بوصفهما مصدران اساسيان لهذا الاجتماع وشرطاً جوهرياً لحدوثه([15])0
وينص ابن سينا على هذا التصور بقوله (( ان كل انسان من ملك وسوقه يحتاج الى قوت تقوم به حياته ويبقى شخصه ، ثم يحتاج الى اعداد فضل قوته لما يستأنف من وقت حاجته))([16])0
وفي هذا النص يتبين ان مسألة الحاجات ولا سيما الضرورية منها كالمأكل والمشرب والمأوى وغيرها هي التي بها قوام الانسان ومنها يقوم الاجتماع الانسان الاول اجتماع الحاجات 0
ويضيف ابن سينا الى هذا النص نصاً آخر من كتاب الشفاء يبين فيه (( ان الانسان يفارق سائر الحيوانات بأن لا يحسن معيشته لو انفرد وحده شخصاً واحداً يتولى تدبير أمره من غير شريك يعاونه على ضروريات حاجاته))([17])0 اذ انه بدون هذا الشريك لا يقوم الاجتماع الانساني ولا يتحقق كمال الانسان وسعادته وفضيلته ، لانه بالتعاون بين الافراد تتحقق هذه المفاهيم عملياً 0
ويصرح ابن سينا في موضع آخر يفهم منه ان الاجتماع الانساني ظاهرة وخاصة اساسية للحياة البشرية ، بل انها مسألة وجوبية بحكم الطبيعة الانسانية وليست جائزة وما نصه عنده (( لابد من وجود الانسان وبقائه من مشاركته))([18])0
وهكذا يصبح الاجتماع الانساني عند هذا الفيلسوف هو نقص الانسان الفرد عن اشباع حاجاته بنفسه وتوفرها لاستمرار ديمومته ، اذ لا تتم وتكمل هذه الحاجات الا بما يحتاجه مع أقرانه من البشر 0 وان هذا الاجتماع مع اقرانه سيولد منه فكرة أو مفهوم ( التخصص) في العمل0 اذ ان كل انسان من بني البشر يتخصص في جزئية من الجزئيات التي بها قوام الانسانية ( الزراعة ، الصناعة ، الحياكة ،الحدادة،النجارة وغيرها )0 ونجد التخصص يميز الانسان عن باقي المخلوقات بالمدنية والحضارة والابتعاد عن التوحش والبدائية 0 ولهذا فان مدينة ابن سينا مسألة اصيلة فيه جاءت عبر تطور تأريخي طويل انتقل فيها الانسان من البدائية الى الحضارة لان ابن سينا ينفي ان يكون الانسان قد ولد دفعة واحدة بما نصه (( ان الفطرة ان يتوهم الانسان نفسه حصل في الدنيا دفعة وهو بالغ عاقل، لكنه لم يسمع رأياً ولم يعتقد مذهباً ولم يعاشر امة ولم يعرف سياسة))([19])0 ومن هذا القول نفهم ان الانسان عند ابن سينا لايوجد بالغاً عاقلاً مرة واحدة 0
ان هذا التصور السينوي للاجتماع الانساني يوضحه ابن سينا في رسالة له في الاخلاق ، اذ يقول (( ان الانسان مدني بالطبع ، لابد له من الكون وبين امثاله ولا يظهر فضائله الا بالافعال التي لا يمكن ان يفعلها إلا بين الامثال ، وأما من بعد عن الناس وسكن في المغاور والصوامع ان يترك الساحة ، فانه عديم الفضائل ، لا تأتي منه افعال السعداء ، لان الفضائل ليست إعداماً بل افعالاً ))([20])0
وعليه ، فان ابن سينا لا يقبل بالعزلة والتفرد بل يريد من الانسان الاجتماع مع الآخرين ، وهذا الاجتماع هو الذي يولد الفضائل الانسانية والسعادة للانسان ، اما العزلة في شر ورذيلة ، وهذا التصور متفق به ابن سينا مع من سبقه من الفلاسفة من امثال افلاطون وارسطو والفارابي ومسكويه([21])، ومن جاء من بعده ، ولاسيما ابن رشد ، اذ يذهب ابن رشد هذا المذهب ويدافع عنه كما سنوضح ذلك في موضعه0
ومما تقدم نجمل القول ، ان ابن سينا في تصوره للاجتماع الانساني يتميز بالجانب الاجتماعي من الوجود الانساني مرتبطاً به الجانب الاقتصادي ، وان فلسفته بشأن تقسيم العمل ( التخصص ) انما تفضي الى هذا الارتباط والتبادل بين الجانبين ، فضلاً عن اعتماده جانباً ثالثاً هو العناية الإلهية وان الاصل عند ابن سينا في ان الله قد خلق الناس ومن على الارض جميعاً بفضله ، فجعل حظوظهم من العقل والرأي والثروة والمنزلة مختلفة ليكون هذا الاختلاف سبباً لتعاونهم وترافدهم ، ولولا الله لغدوا عرضة للهلاك بؤساً فلو كان الخلق متساوين لا تباين ولا تفاوت بينهم ، لما عمل بعضهم لبعض ولا اعان بعضهم بعضاً([22])0 وبهذا فان العناية الالهية او الحكمة او اللطف الالهي هي من خصائص قيام الاجتماع الانساني عند ابن سينا0
اما انواع الاجتماعات الانسانية عند هذا الفيلسوف ، فهي بحسب ما وصلتنا من مؤلفاته اربعة ( الديمقراطية ، خساسة الرياسة ، ومدينة الرياسة ، الارستقراطية)([23])
فمثلاً اجتماع الديمقراطية عنده هو الذي يتساوى فيها أهلها فاضلهم ومدنيهم في استحقاق العقوبات والكرامات والرياسات 0
اما اجتماع خساسة الرياسة فهو يقابل المفهوم (الاوليغارشي ) اليوناني ويقوم على اساس انها تكون بسبب زيادة اليسار ( المال ) ويتقسم هذا الاجتماع الى رياسة تغلب وهي ان تكون الرياسة فيها لمن يغلب بيساره ( ماله ) والرياسة القلة وهي التي لا تكون الرياسة بالتغلب بل يروس من احتج الى يساره0
اما وحدانية الرياسة فهي التي تقابل المعنى ( المونارخي ) بحسب التقسيم الارسطي ، وتعني ان يكون غرض الرئيس فيها طاعة الرعية وعبوديتهم له ويتمكن من ذلك بفضيلة منه ، من ببسطة جسم أو تدبير يحفظهم به عن العدو 000
اما اجتماع الا رستقراطية وهو الاخير عند ابن سينا فيعني به الرياسة الفاضلة الحكيمة 0 وهي ان يكون الرئيس أزيد الامة فضله ، وتكون مراتب القوم بحسب فضيلتهم ، اما الفضائل النفسانية ، واما الفضائل في الصناعات ، فيكون فيها رئيس المدينة أفضلهم واحكمهم واتقاهم([24])0
لكن هذه الاجتماعات الانسانية المدنية التي ذكرها ابن سينا ، لا تمثل عقدة التصور حول قيام المدينة الفاضلة ، بل ان المدينة الفاضلة يجب ان تصوره كما هي مدينة الشريعة الالهية ، واعداؤها والمخالفون لها هم الاعداء المخالفون للسنة 0 فمضاداتها هم مضادات السنة وهم اهل الظلال الصرف([25])0 ومنها المدينة الفاسقة او الامة الفاسقة لان هذه المدينة هي التي تحب الصور المستحسنة لاجل لذة حيوانية لانها جاءت بافعال مضادة للشريعة الالهية0
نخلص من هذا ان الاجتماع الفاضل عند ابن سينا هو الاجتماع القائم على الشرعة الالهية المنزلة المنعقد على شرائعها المتحرك في ظلها ومن خلالها ، أي انه يوجد في ظل الوحي الالهي ومن خلاله ، وبهذا فان خصائص هذه المدينة الفاضلة وسماتها محددة بدلالة الشريعة المنزلة في مجالي العبادات والمعاملات([26])0
ومن هنا لا بد من القول ، ان ابن رشد لا نجد لديه هذا التصور للمدينــة الفاضلة القائمة على مفهوم ابن سينا للشرعة الالهية ، بل ان رصيده في هذا الجانب يتحرك ضمن اطار يوناني – عربي اسلامي لكن من مصادره الفلسفية لا العقيدية مثلما هو ابن سينا0
ثالثا : ابن باجة
يعد الفيلسوف الاندلسي ابو بكر بن الصايغ المعروف بابن باجة (ت533هـ/1133م) ، أحد اهم الفلاسفة العرب المسلمين الذين اهتموا كثيراً بالفلسفة الاجتماعية ودورها في بناء مجتمع متكامل او اجتماع فاضل0
ترك لنا هذا الفيلسوف احد اهم المراجع الفلسفية العربية الاسلامية في هذا الباب الا وهو كتابه ( تدبير المتوحد)([27])0 والذي ضمنه منظوره الفلسفي لعلم الاجتماع وكيفية بناء المدينة او الدولة الكاملة بحسب
تصوره 0
وقبل ان نأتي بالحديث عن علم الاجتماع والمجتمع عنده ، لابد من تعريف او تحديد ( المتوحد) بحسب تصور هذا الفيلسوف 0 اذ يحدده
(( ترتيب افعال نحو غاية مقصودة))([28]) 0 والغاية هنا هي الاتحاد بالعقل الفعال ، وهذا هو مراد المؤلف من الوصول بالانسان ككائن سياسي اجتماعي اخلاقي الى غايته المنشودة0
ولكن ماهو المنهج المعتمد في الوصول الى هذه الغاية ؟ 0 ابن باجة يرفض المنهج او الطريق الصوفي ، بل يعتمد المنهج العقلاني المجرد واستخدام الرؤية ولا يقدر على هذا غير الانسان0 فتدبير المتوحد عند ابن باجة ، هو صورة للتدبير الاجتماعي السياسي للمدينة الفاضلة ، تلك المدينة التي تصورها وجمعها وسافر اليها بعقله بعد ان عاش في ظل مجتمع تحكمه المتناقضات القيمية والاجتماعية والسياسية([29])0 ولهذا جاءت تجربته الاجتماعية منطلقة من واقع متناقض لتتجاوز عليه بتصور المجتمع الفاضل الكامل ، عن طريق اصلاح الخطأ في المجتمع المعاش0 واصلاح المجتمع عنده يبدأ من القاعدة الاولى للتجمع البشري أي من الانسان (الفرد) ، فتحقيق وجود الفرد أي ( المتوحد) هو الخطوة الاولى في اصلاح المجتمع كله ، فليس المجتمع شيئاً بدون افراده([30])0
ويقيم ابن باجة من خلال المتوحد سواء اكان فرداً ام جماعة ما يسمى بالتكافل الاجتماعي او التضامن 0 لانه عن طريق هذا التضامن يتمكن المجتمع من اقامة مجتمع كامل فاضل لا يحتاج فيه اهله لا الى القاضي او الطبيب([31])0 اذ ليس بينهم طبيب سوى الله ذلك ان المجتمع الكامل رائده الفضيلة وتنتفي فيه الشرور ، ولا يكون ذلك إلا عن طريق هؤلاء المتوحدين الذين استطاعوا الاتصال بالعقل الفعال وهو الذي يلهمهم طريق الحكمة والهداية ، فالمتوحد عند ابن باجة هو الانسان الذي يبقى وحيداً بنفسه بعيداً عن الآخرين ، وهو الفيلسوف الواحد ، او الفلاسفة المتعددين الذين يعيشون متوحدين في احدى المجتمعات الساقطة او الناقصة وهي عنده اربعة اذ لا تتوفر فيها الحياة الفاضلة([32])0 ولهذا يجب على هؤلاء المتوحدون ان يجتمعوا فيما بينهم لقيام المجتمع الفاضل في هذه المدن لانهم الوحيدون القادرون على تحمل ذلك 0
ولكن كيف يصل هؤلاء الى هذا المستوى من الفضيلة ؟
يجيب ابن باجة انه يكون عن طريق المنهج الجدلي الصاعد الذي يترقى فيه الانسان من المحسوس الى المعقول ومن المجرب الى المجرد ومن الواقعي المتناقض الى المثالي الكامل 0 وبهذا يستطيع ان يتصل بالعقل الفعال عن طريق العقل الانساني الموجود لدى كل انسان 0
والمتوحد عند ابن باجة هو النابغة ، وهو اسم او لفظ منقول من اسم العشب الذي يظهر بين الزروع ، ومعناه يستعمل مجازياً ليصف به اولئك الحكماء الفلاسفة المثقفين العضويين الذين يعيشون بين اظهر مجتمع ناقص او مدن جاهلة بحسب تسمية ابن باجة فالنوابت هم الذين يرون غير آراء اهل مدنهم وهم بذلك يشتركون مع المتمردين الخارجين عن القوانين اذ تمردوا عليها لانها فاسدة ووضعوا ماهو اصلح منها 0
وهنا يوضح ابن باجة مقصوده من ذلك ، بان الفلاسفة النوابت عندما يرفضون الواقع المعاش الفاسد ، ذلك لان افعال هذا المجتمع افعال غير عقلانية مما ينتج عنها قيام اربعة اجتماعات بنظره ناقصة([33])0
ولربما يتساءل البعض عن هذا المتوحد المنعزل ، هل يؤمن ان الانسان كائن اجتماعي بالطبع ام لا ؟
هنا يجيب ابن باجة ، ان الانسان اجتماعي وسياسي بطبعه،كما ان المدينة الفاضلة ليست الا حلماً يوتوبيا،وهو يعلم ان العزلة او التفرد شر،إلا انه يراه شراً لابد منه،وان العزلة لا تحقق الكمال للفيلسوف،ومع ذلك يرى ابن باجة ان التوحد يحرر الانسان من الانشغال بالمجتمع ومتطلباته المادية غير الفاضلة([34])0
اما المدينة الفاضلة او المجتمع الفاضل الكامل عند ابن باجة فيتميز بانه قد اعطى فيها كل انسان فاضل ما هو معد نحوه وهذا هو معنى العدالة كما يتصورها افلاطون من قبل وابن رشد من بعده 0 كذلك يتصف هذا المجتمع الفاضل بانه لا راي كاذب فيه ، وان اعماله هي الفاضلة بالاخلاق وحدها وكل مجتمع سوى ذلك فهو مجتمع غير فاضل وناقص([35])0
رابعا: ابن طفيل
الفيلسوف الاندلسي ابو بكر بن طفيل ( ت 588هـ / 1191م ) يعد أحد ابرز الفلاسفة العرب المسلمين في الاندلس ايام عصر الموحدين ودولتهم اذ عاصر هذا الفيلسوف كلا من عبد المؤمن الموحدي وابنه يوسف بن عبد المؤمن 0 والذي كان لهذا الاخير اهتمامه الجدي والبالغ بنشر النتاج العقلي الفلسفي واحتضانه للفلاسفة من امثال فيلسوفنا ومن بعده الفيلسوف ابي الوليد بن رشد موضوع دراستنا0
كتب ابن طفيل عدة مؤلفات في الطب والفلسفة ، اشهرها على الاطلاق في الثقافة الفلسفية العربية الاسلامية ومن بعدها الادرويته ، قصته الشهيرة (حي بن يقظان ) 0
طرح ابن طفيل في هذه القصة تصوراته الفلسفية حول الكون والطبيعة والانسان والمجتمع باسلوب قصصي أدبي رمزي ذي مضمون عقلي فلسفي 0 أراد من خلاله ايصاله الفكرة الفلسفية العقلية المجردة بهذه الصورة0
الذي يهمنا هنا هو كيف تصور ابن طفيل المجتمع الانساني ونشأة الاجتماع البشري في هذه القصة 0
تقوم هذه القصة على وجود جزيرتين ، يعيش في احداهما مجتمع انساني متكامل بعاداته وتقاليده ، وهو مجتمع تسوده المشاغل المادية والامور المحسوسة الدنيئة والدين القائم على المحسوسات0
اما الثانية ، فهي جزيرة يعيش فيها فرد نشأ بالطبيعة في عزلة عن العالم([36])0 وهذا الشخص يسمى (( حي )) 0 اذ نشأ وحيداً على هذه الجزيرة وتربى على لبن غزالة كانت ترضعه من ثدييها 0
ولما شب وكبر اعتمد على نفسه في تكوين حياته وانماط معيشته 0 واستطاع حي ان يهيئ لنفسه كل ما يلزم لحياته من النواحي الفسلجية 0 كما استطاع التعرف على اسرار الطبيعة والوصول الى اثبات وجود الله من تلقاء نفسه([37])0 أي ان ( حياً ) قد ترقى في طلب المعرفة من المحسوس المجرب الى المعقول المجرد باسلوب منهجي عقلي منطقي 0 في محاولة لبناء فلسفة انسانية اجتماعية متكاملة تبدأ من الواقع المعاش الى المثال المتصور 0
اذ ان ترقي ( حياً ) هذا كان من نفسه دون حاجة الى مجتمع يعلمه وذلك بفضل مجهوده الشخصي وتأمله([38])0 ولكن لا يفهم من هذا ان ابن طفيل لا يؤمن ان الانسان كائن اجتماعي بطبعه وان العزلة هي الاساس في النظرية الاجتماعية ، وانها هي التي اوصلته الى ما وصل اليه عقلاً 0
ذلك ان ابن طفيل في هذه القصة قد تقدم خطوة اخرى بازاء ما طرحه الفيلسوف ابن باجة من قبل 0 اذ حاول ان يبين ان علاقة الفرد بالجماعة هي علاقة حية واضحة جلية 0 من خلال ما حدث ( لحي ) عندما التقى بشخصين من الجزيرة الاولى التي ذكرناها وهما (( سلامان وآسال)([39])0
هذان الشخصان اللذان توصلا الى ما توصل اليه حي منفرد 0 وعقدا معه صلة تبين كيف يتصور هذا الفيلسوف ما يكون من علاقة بين العقلي الفلسفي والديني الايماني المتمثل ( بحي وسلامان وآسال) في اصلاح وضع المجتمع الفاسد والقائم على افكار ضعيفة وعلاقات قيمية واجتماعية غير سليمة0
كذلك يوجد عند ابن طفيل في هذه القصة النظر الى اثر المجتمع البالغ على الفرد وكيف انه يمد الفرد بالانماط المعيشية ، كما يبين كيف ان اللغة وهي اداة الاتصال في المجتمع لم تكن ضرورية للفرد المنعزل([40]) الذي لايستطيع ان يؤثر في مجتمعه وقيمه ما لم يكن من ضمن الجماعة التي يعيش بين ظهرانيها0
فضلاً عن ذلك كله ، ان ابن طفيل حينما بحث موضوع حي بن يقظان في هذه القصة ، أنما أراد ان يطرح علينا مسألة جديدة 0 وهي مسألة علاقة الفرد بالمجتمع ، اذ الحقيقة ، ان (حياً) وجزيرته التي نشأ فيها يمثلان الفرد الانساني وعالمه ، في حين ان سكان جزيرة (سلامان وآسال)الثانية انما يمثلان الجماعة والمجتمع ، اذ ان ذهاب حي الى جزيرة سلامان المأهولة بالسكان ، انما هو لاجل التقاء الفرد المتوحد بالجماعة وتقاليدها وشرائعها([41]) 0 أي ان ابن طفيل أراد ان يضع موازنة بين حياة التوحد والتفرد (لحي) وحياة الاجتماع0 اذ ان حي يمثل حياة الفرد الانساني الاجتماعي 0
هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فان ذهاب حي الى جزيرة آسال واقامته بين اهلها وفشله في ايصال ما توصل اليه عن طريق الفلسفة ، انما هو لممارسة النقد الاجتماعي من طرف خفي ، اذ اراد الفيلسوف ابن طفيل تشريح ونقد احوال عصره السياسية والدينية والقيمية من منظور فلسفي نقدي 0
اولاً : عوامل قيام الاجتماع الانساني:
لانجد فيلسوفاً عربياً اسلامياً ، أبدى اهتماماً ملموساً بموضوع الاجتماع الإنساني وطبيعته وماهيته بنظرة واقعية موضوعية عقلانية فلسفية نظير ابن رشد ، وان سبقه الى ذلك الفلاسفة العرب المسلمون في البحث عن ماهية هذا الاجتماع ولكن بنظرة ملؤها المثالية الواضحة في التناول والتحليل والاستنتاج 0
لكن يبقى ابن رشد ينهل من هذا التراث الفلسفي الثر الذي تركه له هؤلاء الفلاسفة ، ليضفي عليه سمة الواقعية الفلسفية المؤطرة باشكاليات عصره وبنائه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي 0
تناول ابن رشد ، موضوعات الاجتماع الإنساني بالتفصيل في كتابه الموسوم تلخيص السياسة ، وهو تعليق ونقد بنظرة فلسفية على كتاب الجمهورية لأفلاطون اذ قرر بدءاً في هذا الكتاب وبدون مقدمات ، ان الإنسان (( كائن مدني بالطبع))([1])0 أي اجتماعي بكل ما تعني الكلمة من معنى عند اهل الاجتماع والسياسة والاقتصاد 0 بمعنى ان الإنسان لايوجد إلا وهو مفطور غريزياً على الاجتماع مع غيره ونبذ العزلة عن الآخرين ، لان باجتماعه مع غيره يتحقق بحسب راي ابن رشد وجوده الاجتماعي وماهيته القيمية والمعرفية والجمالية0
هذا من جهة ومن جهة اخرى يعتقد هذا الفيلسوف ان الاجتماع الإنساني يحقق الكمالات للإنسان ولقيام الحياة الضرورية0 هذه الكمالات منها ماهو ضروري لا يمكن للإنسان ككائن حي ان يعيش بدونها وهي بحسب ابن رشد (( المأكل والمشرب والمسكن ، والملبس ، والمنكح))([2])0 فضلاً عن وجود كمالات غير ضرورية سواء ان وجدت ام لم توجد لا تشكل في وجودها قوام حياة الإنسان ، وهي الكمالات الكمالية او غير الضرورية0 مثل الملابس الفخمة والعطور والبيوت الفارهة والعربات المطهمة000
ومن هنا نفهم ، ان موضوع الاجتماع الإنساني لدى ابن رشد انما هو ضروري للحياة بعامة ، ولقيام الاسرة والدولة ولتنظيم هذه الحياة وفق قواعد وقوانين قيمية ودينية وكونية واقتصادية وسياسية0
فيحكي ابن رشد ، ان أي شيء يحتاجه الإنسان لقوامه واستمرار وجوده ونوعه انما يرتبط ابتداءاً بالقوة الغريزية الشهوية فيه 0 وهذا الاجتماع يسمى بالاجتماع الضروري وهو اول الاجتماعات عنده 0 اذ يبدو الامر جلياً ارتباط الجانب الاقتصادي المادي بالجوانب السياسية والاخلاقية ، لانه من المحال على الإنسان ان يوفر جميع متطلباته بمفرده ، اذ لا يوجد إنسان كامل على الاطلاق، مما يجب عليه ان يستعين بغيره من الافراد ليكمل متطلبات اجتماعية ، ويضرب مثلاً لذلك التعاون أو التكافل في الاجتماع الضروري ، بقوله ، هذا يزرع ، وذلك يصنع المحراث لهذا ، وهكذا يبلغ الإنسان الخير الاسمى والسعادة ، من قول (( انه من الممكن لزيد ان لا يحرث الارض ويبذر الحبوب ، غير انه اذا ما حرث الارض وبذر الحبوب فان حياته لن تكون بتلك السهولة فحسب ، بل ان ناتج ذلك سيؤدي الى الخير الاسمى بالفعل))([3]) 0
عليه ، فان الحصول على الكمالات الإنسانية برأي ابن رشد ، لا يستقيم إلا لجماعة من الناس ، وذلك لان الافراد مختلفون فيما بينهم في الرغبات والميول والتوجهات الى هذا الشيء او ذاك نظراً لاختلاف كمالاتهم واستعداداتهم الغريزية والعقلية لهذا الشيء ، ولهذا يشدد ابن رشد على استحالة وجود إنسان كامل مستقل عن غيره بقوله انه لو وجد ذلك الإنسان فان الطبيعة قد فعلت باطلاً([4])0
وما مراد ابن رشد في ذلك إلا للرد على الفلاسفة الذين دافعوا عن فكرة العزلة للإنسان العاقل وابتعاده عن الاجتماع ، لان برأيه ان العزلة انما لا تحقق الكمال للإنسان ولا بلوغ السعادة والخير الاسمى ، لان العزلة عن المجتمع يعدها ابن رشد حالة بدائية وبهيمية وهي ليست من خواص الإنسان، مستبدلاً محلها فكرة التعاون0
ان فكرة التعاون أو التعاضد والتكافل بين افراد المجتمع ، يضرب لها ابن رشد مثلاً ، بصناعة اللجام للفرس ، ليوضح من خلالها كيف يعاضد الإنسان الإنسان الآخر ويكمل معه مسيرة الاجتماع الإنساني ، وليربط ذلك كله بقيمة خلقية ومعرفية (( فحرفة صناعة اللجام تمهد لفن الفروسية ، وفن الفروسية يرينا بأية طريقة يمكن للجام ان يكون اكثر تأثيراً وافضل حالاً ، وكيف ان صناعة اللجام وفن الفروسية يعملان لاجل غرض مشترك))([5]) 0
لكن لا يقف ابن رشد هنا في تحديد ماهية الاجتماع الإنساني ، بل يذهب بعيداً ليؤكد فكرة أو فلسفة (( التخصص )) في العمل ، وتقسيمه كل حسب مؤهلاته ، معتقداً ان هذا التقسيم هو الذي يحقق (العدالة ) بين الناس ، وفي هذا يورد نصاً ما قوله (( ان أردنا الحق فانه من المحال تماماً على الإنسان ان يجيد العمل باكثر من حرفة واحدة))([6])0 وان كان ذلك ممكنا فانه لن يجيد عمله بتلك الحرفة بل يؤدي ذلك الى فساد التخصص بكلتا الحرفتين ، وعليه فان الاجتماع الإنساني كي يبلغ كماله وسعادته لاهل الدولة والمجتمع جميعا ، لابد من ان يعمل كل انسان بالتخصص الذي تؤهله له قدرته العقلية والجسمية وهذا هو معنى العدالة ، لان التخصص باكثر من مهنة سيقود المجتمع الإنساني بنظر ابن رشد نحو الخراب والفساد([7]) 0
يفهم من هذا ، ان المجتمع الإنساني عند ابن رشد هو الإساس في الوجود وليس الإنسان متفرداً ، بل اناس في اجتماع0
وتوصل ابن رشد خلال دراساته في فلسفة المجتمع وانماطه وتوجهاته التي عكست آراؤه السياسية والاجتماعية ، ان تنوع الحاجات وبالتالي توفرها لا يمكن ان يوجد إلا ( بتعاونه) مع الآخرين ، وذلك ان تعدد الحاجات للإنسان يراد من خلالها تعدد الصناعات ، أي اشكال العمل وتقسيم النشاط الإنساني العام الى النشاط التخصصي الخاص0 وبما ان طاقات الإنسان محدودة ، نلاحظ ان احتياجات الإنسان تتزايد باستمرار0 الأمر الذي يؤدي الى تعدد الصناعات 0 وبالتالي فان مقصد ابن رشد من هذا القول ، هو عدم تشجيع الإنسان ان يحترف اكثر من مهنة في حياته0 وان اختياره لحرفة واحدة يصل به الى الابداع والجودة0 ومن هنا جاءت فكرة التخصص والتعاون في العمل0
فضلاً عن ذلك ، يجعل ابن رشد قدراته لإنسان في المجتمع وامكانياته مرتبطة بهدى ميوله ورغباته في اختيار حرفة ، عندما خصص لكل فرد حرفة ، وقد وهب ( الله ) للناس مواهب تختلف باختلاف الاشخاص إلا ان هذا الاختلاف بحسب وجهة نظر ابن رشد أوجد الاتفاق والتكامل الاجتماعي0 اذ ان هذا الاختلاف في القدرات والمواهب بمثابة تطور وتنوع للجانب الاقتصادي ، ولو ان الله قد جعل الإنسان على موهبة واحدة لما كان هذا التباين بينهم في الحرف والصناعات0 وان هذا التباين دليل على اختلاف الطبائع في ادارة امور الحياة مؤكداً ان طبائع الناس متفاضلة ومتفاوتة([8])0 مؤكداً ان سبب اختلاف الناس وتباين قرائحهم هو نتيجة لما ورد في الشرع من ظاهر وباطن0
ويفهم من هذا النص لابن رشد ، انه قد اعطى للجانب الروحي والديني أهمية في تعزيز بناء الاجتماع الإنساني وتماسكه ، بمعنى ان ذلك كله مرتبط بارادة إلهية ، وان المجتمع تعبير عن قدرة إلهية لتنظيم امور الناس ، وهنا تكمن نظرة ابن رشد للمجتمع الفاضل المتكامل المتمسك باصول الشريعة في التدبير المدني([9])0
ويؤكد ابن رشد ، ان الاختلاف بين طبائع الناس والتفاوت انما هما شرطان اساسيان للاجتماع الإنساني من حيث التكامل الاجتماعي والاقتصادي لقيام الدولة0
ولم تقف نظرة ابن رشد للاجتماع عند حدود الجانب الاقتصادي والديني ، بل ربط الاجتماع بالجانب القيمي الاخلاقي المتمثل بتحقق الفضائل الإنسانية ، لا سيما ان الفضائل الخلقية والسلوك مرتبطة بهذا الاجتماع وبالتعاون الإنساني مؤكدا انه لا يمكن لهذه الفضائل ان توجد بمعزل عن اجتماع الإنسان في اطار جماعة منظمة 0 ولهذا من المستحيل وجودها بعيداً عن المجتمع اذ يرى ان الميدان للتأكد من مدى صحة هذه الفضائل انما من خلال السلوك الإنساني0 وبالتالي معرفة ماهو صالح للجماعة ومدى الملائمة مع طبيعة المجتمع والإنسان وارتباطها بأيمانهم0
وهذه الفضائل كما يشير ابن رشد ، لا يمكن ان تجتمع في إنسان واحد بذاته منعزل عن بقية افراد المجتمع ، بل يتم تحقيقها من خلال الاجتماع الإنساني([10])0 ولهذا يمكن الاستنتاج ان ابن رشد يرى ان القيم الخلقية انما هي انعكاس للعلاقات الاجتماعية الموضوعية وللتطبيق العملي الاجتماعي 0
ولم يقف الامر عند هذا الحد ، بل يرى ابن رشد ، ان المجتمع في تغير وتطور مستمرين ، استناداً الى فكرة التغير في العالم وحركته منذ الأزل ، ولهذا يعتقد ان النظام الديني مرتبط بالنظام السياسي والاقتصادي والاسري والخلقي والتربوي والحضاري ، وان لكل نظام من هذه الانظمة وظيفة اجتماعية يقوم بها وتكون مكملة لوظائف النظم الاخرى ، ومجموعها يكون وظيفة البناء الاجتماعي للمجتمع الإنساني([11])0
نخلص مما تقدم ، الى ان ابن رشد يذهب الى تأكيد اجتماعية الإنسان بطبعه لا بتطبعه ، وانه يولد ويعيش وسط بيئة اجتماعية يقيمها مع ابناء جنسه وان حاجة الإنسان الى تعدد وتنوع الاحتياجات ، أوجد انواعاً من التخصص في الاعمال وهذا ولد معه انتاجاً وتبادلاً تجارياً من خلال فائض المنتوج 0 وان غاية الاجتماع الإنساني هو بلوغ الخير الاسمى والكمال الاخلاقي الذي لا يتحقق الا بهذا الاجتماع ، وان المجتمع الإنساني ظاهرة اجتماعية متغيرة ومتحركة كما يراها هذا الفيلسوف 0
ثانياً : عناصر قيام الاجتماع الإنساني :
نقصد بعناصر الاجتماع الإنساني عند ابن رشد ، الفئات أو الشرائح الاجتماعية او الطبقات التي يتكون منها هذا الاجتماع 0
ونعود الى بدء ، فنؤكد ما قاله ابن رشد ، من ان الحاجات الاساسية هي التي ولدت هذا الاجتماع ، ومنه ظهرت فئات اجتماعية ، متخصصة بحسب مؤهلاتها وقدراتها على العمل والانتاج0
وقبل ان ندخل في صلب الموضوع ، نؤكد ان فكرة التخصص في العمل والتوجه بالكلية الى اتقان حرفة واحدة في المجتمع ، انما في رأي ابن رشد لا تتم إلا من خلال غرسها وتعلمها منذ الطفولة ، وهنا يؤكد ابن رشد على مبدأ التعلم والممارسة الطويلتين رافضاً فكرة الموهبة بالفطرة([12])0
يقسم ابن رشد الاجتماع الإنساني الذي هو اساس قيام الدولة أو المدينة الفاضلة عنده الى طبقات أو فئات ثلاثة هي : الحرفيون ، الحراس ، الحكام أو الفلاسفة([13])0
وان هذه الفئات الثلاثة ، تقابل عنده ما يسمى بقوى النفس الثلاثة ، فمثلاً فئة الحرفيين تقابل القوة الشهوية وهي تشبه معدن النحاس ، في حين ان طبقة الحراس تقابل القوة الفضية (الشجاعة) وهي تشبه معدن الفضة ، في حين ان فئة أو طبقة الفلاسفة الحكام تقابل القوة العقلية الناطقة وهي تشبه معدن الذهب* 0
مثلاً فئة أو طبقة الحرفيين مهمتها الاجتماعية والاقتصادية توفير الغذاء والقوت والحاجات الفردية الى ابناء المجتمع ككل،من خلال توزيع وتقسيم العمل 0
أما فئة أو طبقة الحراس ، فان مهمتها هي الدفاع عن المجتمع والدولة والحفاظ على هذه الدولة وتسمى بفئة الشجعان ، لانها تدافع عن المدينة وتصد الاعداء من الحروب التي تشن عليها0 ويعطي ابن رشد هذه الشريحة مزايا ، وصفات متضادة مجتمعه بشخص واحد ، وهي حب الحراس لوطنهم وكرههم لاعدائه0 وان اجتماع هاتين الصفتين المتضادتين في شخص الحارس عنده ضرورية لكي يكون حارساً 0 فضلاً عن الحارس للمدينة ان يحب بالفطرة من يعرفه ويكره بالفطرة عدوه 0 وهذه صفة فلسفية كما يراها ابن رشد0
فضلاً عن ان فئة الحراس تتمتع بمزايا خاصة بها منها القوة الجسدية والابتعاد عن حياة النعيم والرفاهية ، ومعرفتها التامة بامور الحرب واطاعتها لقائدها فضلاً عن طبيعتها الفلسفية الحكيمة 0 ويضع ابن رشد لذلك برنامجاً صارماً لغرض تعليمه لهؤلاء الحراس 0
أما الشريحة أو الفئة الثالثة فهي فئة الحكام أو القادة وهؤلاء هم العقلاء الفلاسفة الذين يديرون الدولة والمجتمع لان العقل هو السائد في حياة هؤلاء على الدوام وهو الموجه لسلوك الافراد وهو بمثابة القانون الذي ينظم كافة شؤون الحياة والرؤية بفكر فاحص سليم([14])0
كما ويشترط ابن رشد شروطا عدة ومزايا واجب توفرها في هذه الفئة اهمها هي مزية الفلسفة او الحكمة لان بها يتحقق الكمال للمجتمع والدولة والسعادة القصوى والخير الاسمى لاهل الدولة0
ان هذه الفئات الثلاثة متعاضدة فيما بينها ، تؤلف بمجموعها الاجتماع الإنساني ، وانها تترقى باساليب تربوية وعلمية يضعها ابن رشد منذ الصغر حتى بلوغ المستوى العقلي المؤهل لكل فئة 0 وان هذه الفئات متضامنة فيما بينها ، تستطيع اية فئة أو شريحة ان تنتقل الى الشريحة الاعلى أو بالعكس بحسب المؤهل والقدرة لكل إنسان في هذه الشريحة وبالتالي فان ابن رشد يؤمن بما يسمى ( بالمجتمع المفتوح) OPEN SOCIETY لا ( المغلق) كما ذهب من قبل اليه الفيلسوف افلاطون في كتابه الجمهورية0
ان هذه الشرائح ، رابطها الوحيد هو الفضيلة والعدالة ، اذ بدونها لا يتحقق الاجتماع الكامل الفاضل عند ابن رشد ، ولهذا نجده يشدد كثيراً على مسالة التربية الخلقية منذ الصغر وفق قواعد علمية رصينة تأخذ بنظر الاعتبار غرائز الإنسان ودوافعه وتطلعاته النفسية والاجتماعية والفكرية 0 حتى يصل بها الى السعادة والخير الاسمى وقيام الاخلاق الفاضلة ونبذ كل ما هو فاسد وشاذ 0 لان هذه الفئات تربت منذ نعومة اظفارها على فكرة التخصص في العمل واحترام المهنة وعدم الجمع بين عملين في وقت واحد وهذا هو معنى العدالة عنده0 وسنتحدث عن التنشئة الاجتماعية والفكرية لهذه الشرائح في الفصل القادم0
ثالثاً : انواع الاجتماعات الإنسانية:
الاجتماعات الإنسانية عند ابن رشد ، عديدة ، أولها هو الاجتماع الفاضل وهذا الاجتماع هو الكامل الذي تحققت فيه كل معاني العدالة والفضيلة والكمال والسعادة ، لانه اجتماع قائم على فكرة التخصص في العمل والتربية القائمة على غرس الفضائل وتنميتها منذ الصغر وحتى بلوغ الإنسان غايته في التفلسف 0 وان رئيس هذا الاجتماع هو الفيلسوف وهو القائد والموجه للدولة والمجتمع ، وانه يتمتع بمزايا وصفات فلسفية وعقلية واخلاقية تؤهله للقيام بهذا الدور([15])0
وقد كتب ابن رشد عن هذا الاجتماع بما لامزيد عليه ، اذ استوعب كل ما كتبه الفلاسفة السابقين عليه واضاف اليه من تجربته الفلسفية والسياسية والاجتماعية لعصره ، مما جعل نظرة ابن رشد لهذا الاجتماع تتسم بالواقعية العلمية الموضوعية ، وهي رد فعل وانعكاس للتناقضات الحادة التي عاشها ابن رشد في عصره وما قبله 0 اذ اراد هذا الفيلسوف ان يبرهن ان الاجتماع الكامل ممكن التحقيق اذا ما توفرت المؤهلات اللازمة لقيامه ، وهي وجود الفيلسوف الكامل العادل ووجود المجتمع الفاضل0 وعندما فتش ابن رشد عن هذا الاجتماع عبر التاريخ لم يجده حاضراً إلا في مدة زمنية محددة ظهر فيها وتحقق فيها معنى هذا الاجتماع لانه قائم على العدل([16])0 وهذه المدة هي فترة حكم الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين0
أما الاجتماعات الإنسانية الاخرى التي لم يتحقق فيها الفضيلة والعدل بنظر ابن رشد فهي اجتماع أو دولة الارستقراطية وفيها يكون الاجتماع قائماً على الشرف والسمعة والمجد ، واجتماع الاولغارشي ، وما يسمى باجتماع القلة من اصحاب المال والغنى ، ويسميه ابن رشد بحكم أو اجتماع الرذيلة ، واجتماع الحكم الجماعي أو الديمقراطي وأخيراً اجتماع الاستبداد أو الطغيان وهو بنظره أخس الاجتماعات لانه نقيض الاجتماع الفاضل([17])0
ويضيف ابن رشد الى هذه الاجتماعات اجتماعين بسيطين الاول يسمى باجتماع اللذات أو طالبي اللذات واجتماع الضرورة أو الحاجات([18])0
ان هذه الاجتماعات المضادة للاجتماع الفاضل ، انما هي اجتماعات إنسانية عايشها ابن رشد في عصره وما قبله وقرأ عنها ما ذكره المؤرخون ، ولهذا عدها اجتماعات ناقصة من خلال سيرتها وسلوك اهلها وحكامهم 0 سواء اكانت ضمن الرقعة الجغرافية الأسلامية ام ضمن الرقعة الجغرافية للامم الاخرى السالف منها والمعاصر له 0
ولهذا ، فان ابن رشد ، عندما بحث عن البديل وهو الاجتماع الفاضل لم يكن مثالياً في تصوراته بل واقعياً موضوعياً باحثاً عن بديل يحقق للإنسانية وجودها وكيانها وقيمها ، لان الواقع المعاش لم يفرز إلا الاجتماعات الناقصة البعيدة عن الفضيلة والسعادة والعدالة([19])0
مثلما أشرنا من قبل في الفصل الاول ، عن تحديد معنى الاصل أو المصدر الذي استقى منه ابن رشد ، آراءه في فلسفة علم الاجتماع ، نريد في هذا المبحث ان نحدد المرجعية الفلسفية التي كانت حاضرة في ذهن وعقل ابن رشد عندما وضع تحديده لماهية علم الاجتماع وفلسفته ، وليست الغاية من ذلك غمط حق هذا الفيلسوف المبدع في مجال الفكر والفلسفة العربية الإسلامية ، ولا اضافة مجهوداته في هذا الجانب الى من سبقه من الفلاسفة 0 بل تأكيد قضية لربما تبدو غير واضحة للاذهان ، ألا وهي ان ابن رشد عندما تفلسف انطلق من قاعدة فلسفة تاريخية مفادها ، ان تاريخ الفلسفة هو تاريخ مشكلة يتطور على الدوام حلها ، أو ان المذاهب والمدارس الفلسفية هي مدارس متجاورة افقياً لا عامودياً منفتحة بعضها على البعض تأخذ وتعطي ، تضيف وتحذف ، تتاثر وتؤثر ، غايتها في ذلك بلوغ الحقيقة العلمية الفلسفية والانفتاح الحضاري الإنساني بين الامم والشعوب المنتجة لهذه الافكار0
من هذا المنطلق سوف نعالج في هذا الفصل والفصل الذي سيليه هذه الاشكالية غايتنا هي البحث عن الحقيقة المجردة ليس إلا0
اعتمد ابن رشد في هذا المبحث اعتمد في ارساء مفهوم الاجتماع الإنساني وماهيته وطبيعته على تراث فلسفي ثر ، تركه الفلاسفة السابقون عليه سواء منهم اليوناني ام العربي الأسلامي ، لكن اضافاته في هذا الباب ، انما أخذت بالحسبان تطور الفكر الاجتماعي الى زمانه وأثر السياسة والاقتصاد والدين والاخلاق في تطور هذا الفكر فضلاً عن البيئة التي عاشها هذا الفيلسوف وعبقريته الفلسفية الابداعية أي انه قد أخذ من هؤلاء المفكرين والفلاسفة نفس المعالجة والطرح ونقل النص إلا انه اضاف اليهما جملة ما اشرنا اليها اعلاه0
ان فكرة ابن رشد عن الاجتماع الإنساني القائم على الحاجة الاقتصادية كاساس للتجمع وقيام الاسرة والقرية والمدينة والدولة ، انما تطرق اليه الفلاسفة من قبل من امثال افلاطون وارسطو* والكندي والفارابي وابن سينا 0 واخوان الصفا ومسكويه وابن فضيل واضرابهم 0 اذ سنتناول في هذا المبحث هذا الجانب من آراء هؤلاء الفلاسفة0
فمثلاً الفيلسوف العربي المسلم الكندي ( يعقوب بن اسحق /259هـ) ، ذكر في حديثه عن الاجتماع الإنساني الى أثر الجانب الروحي الديني في قيامه وفي تعزيز الصلات بين افراده ، وفق الوازع الضابط منطلقاً من الشرائع السماوية التي تستمد سلطانها من الوحي([1])، اذ يعتقد الكندي ان المعرفة الإنسانية انما تتحصل بطريقين ، طريق ايماني الهي وطريق كسبي تجريبي 0 وان كلا الطريقين يقود الى حقيقة واحدة هي اثبات الواحد المطلق وعلاقته بالإنسان 0 وقد كان لهذا الجانب اثر في فكر ابن رشد كما اشرنا من قبل0
اما الفيلسوف العربي المسلم الفارابي ( ابو نصر ) ، فهو الآخر كان حاضراً بقوة في فكر ابن رشد ونصوصه ، وان أثر هذا الفيلسوف لا يمكن نكرانه على الفلسفة العربية الإسلامية من بعده لما له من باع طويل في ميدان الفلسفة وتأسيسها وبنائها وفق العقل العربي الإسلامي بحسب تصوره0
يشيرابن رشد ، يشير في كتابه تلخيص السياسة ، الى انه قد استقى الكثير من آرائه من الفارابي ، ومن كتبه ولا سيما كتابه آراء اهل المدينة الفاضلة وكتابه السياسة المدنية الملقب بمبادئ الموجودات ، وكتاب تحصيل السعادة في موضوعات الاجتماع الإنساني وعلاقة الجغرافيا بالفلسفة وسمات أوصفات رئيس المدينة الفاضلة وغيرها من الموضوعات في هذا الجانب 0
فمثلا ، يذهب الفارابي الى ان الإنسان من الانواع التي لا يمكن ان يتم لها الضروري من حياتها ولا تنال الكمالات والفضائل إلا ( باجتماع ) جماعات كثيرة في مسكن واحد ، ويؤكد ان الإنسان لا يستطيع تحقيق غايته بمفرده ، لذلك اضطر الى الاجتماع مع الآخرين ليقوم كل واحد منهم بشيء مما يستطيع عمله ، فالفلاح مثلاً لا يستطيع ان يقوم بالحراثة مالم يهيئ له النجار المحراث وكذلك الحداد الذي يصنع حديد المحراث ، وبالتالي فالضرورة هي التي اوجدت ان لا تتم للإنسان هذه الاعمال الا موزعة بين افراد الجماعة([2])0
ويربط الفارابي كما هو ابن رشد ، الاجتماع بالحاجة الى التعاون بين افراده لبلوغ كمالاتهم الإنسانية وفضائلهم ولا يتم ذلك الا من خلال التعاون ، ويقسم الفارابي الاجتماعات الى اجتماعات ضرورية حاجية تقوم على الحاجة واجتماعات اكمل فهما وارقى يتولد من هذا الاجتماع ، آخرها الاجتماع الفاضل أو المدينة الفاضلة([3])0
أما الفيلسوف العربي الآخر الذي نظر اليه ابن رشد واستقى من بعض افكاره فهو ابن سينا ( ابو علي الحسين ) ، اذ يوضح هذا الفيلسوف ان نشوء الاجتماع الإنساني واسبابه ، انما مرده الى (( ان كل إنسان من ملك وسوقة يحتاج الى قوت تقوم به حياته ويبقي شخصه ثم يحتاج الى اعداد فضل قوته لما يستأنف من وقت حاجته وانه ليس سبيل الإنسان في اقتناء الاقوات سبيل سائر الحيوان الذي ينبعث في طلب الرعي والماء عند هيجان الجوع وحدوث العطش وينصرف عنهما بعد الشبع والري000))([4])0
ويستمر ابن سينا موضحاً ماهية هذا الاجتماع ، ان الإنسان وهو يجتمع مع غيره يحتاج الى بناء المسكن والمأوى والمخزن الذي يخزن به طعامه وما يقتنيه ويحرسه لوقت حاجته ، فضلاً عن اقامة علاقة الزواج لاستمرار النوع الإنساني وبناء الاسرة ، الذي تزداد الحاجة الى القوت واعداد الفائض منها لاوقات الحاجة عند ذلك يتعاون الإنسان مع أقرانه وخدمه ليقوم به هذا الاجتماع([5])0
ولم يقف ابن سينا عند هذا الحد لتوضيح كيفية قيام الاجتماع الإنساني أو سبب نشوئه بل يقرر ان الاجتماع الإنساني ظاهرة بالإنسان خاصة به ، وذلك بعجز الإنسان عن تلبية كافة احتياجاته بنفسه ، اذ لا بد ان يتعاون مع غيره فيعينهم ويعينوه ، فمنهم من يزرع والآخر يخبز وذاك يخيط وهكذا باجتماعهم ضرورة للبقاء والمحافظة على النوع 0 مؤكداً ان الاجتماع الإنساني يأتي نتيجة للمشاركة والتعاون والتخصص في العمل 0 فضلاً عن ذلك اشار ابن سينا الى نشأة الاسرة التي هي نواة الاجتماع الإنساني فجعلها نتيجة لضرورتين ، احداهما اختزان الزائد من لوازم الحياة ، وثانيهما إقامة حارس أمين عليها ، مؤكداً ان الاجتماع الإنساني يحقق وجود الإنسان ككائن سياسي اجتماعي بطبعه([6])0
ومثل ذلك ذهب اخوان الصفا وخلان الوفا وهم جماعة متفلسفة ظهرت في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي في البصرة ، اذ نراهم يصرحون ان الإنسان عاجز عن سد حاجاته لمفرده وذلك لحاجته الى اشياء اخرى متعددة ، وبالتالي فلا يمكن للإنسان ان يقوم بها دون غيره0 فاجتمع الناس لمساعدة بعضهم بعضا ، وحجتهم في ذلك ان (( الإنسان الواحد لايقدر ان يعيش وحده إلا عيشاً نكدا ، لانه محتاج في طلب العيش الى احكام صنائع شتى ولا يمكن الإنسان الواحد ان يبلغها كلها 0 لان العمر قصير والصنائع كثيرة ، فمن اجل هذا اجتمع في كل مدينة او قرية اناس كثيرون لمعاونة بعضهم بعضاً))([7]) 0
ويفهم من كلام اخوان الصفا هذا ان الحياة الإنسانية لاتكتمل ولا يتم تحقيق السعادة الا باجتماع الفرد مع الآخرين من ابناء جنسه ولا يتم التكامل في المجتمع الا بتكامل صناعاته ، وبهذا فان فكرة التعاون الفارابية تعد اساساً لفلسفتهم السياسية ، باعتبارها ضرورة سياسية اجتماعية للمجتمع المدني المتحضر0
اما الفيلسوف ابو علي مسكويه ( ت 422هـ –1030م) ، فهو الآخر يؤكد هذه الفكرة لقيام الاجتماع بين الناس رابطاً اياها بالكمال الإنساني الذي يعتقده هذا الفيلسوف مرجعاً اهله الى الحاجة الإنسانية الطبيعية للاجتماع غريزة ، ويشير النص الى ذلك قائلاً (( لما كانت الخبرات الإنسانية كثيرة ولم يكن في طاقة الإنسان الواحد القيام بجميعها وجب ان يقوم بجميعها جماعة كثيرة منهم ولذلك وجب ان تكون اشخاص الناس كثيرة ، وان يجتمعوا في زمان واحد على تحصيل هذه السعادات المشتركة ، 000 ويتم للجميع بمعاونة الجميع الكمال الانسي))([8])0 مؤكداً بهذا الصدد ان التعاون لسد الحاجات طبيعي في الإنسان ونتيجة حتمية ما دام الإنسان مدنياً بطبعه 00 ولكي تحصل له السعادات والخيرات لابد من الاجتماع الإنساني المدني([9])0
هذا بشأن فلاسفة العرب المسلمين من المشرق الإسلامي من الذين اطلع ابن رشد على تراثهم وفلسفاتهم وقرأها بوعي الفيلسوف الناقد المحلل وضمنها في نصوصه التي أشرنا اليها في المبحث السابق، اما الفلاسفة من اهل مدينته او عصره ودولته ، فهم ايضاً كانوا حاضرين في ذهن ابن رشد وهو يشير الى هذا الجانب من فلسفته الاجتماعية ولا سيما الفلاسفة ابو بكر بن باجة وابن طفيل0
يبين الفيلسوف ابن باجة ان الإنسان كائن اجتماعي مدني بالطبع ، وذلك في كتابه تدبير المتوحد ، ويرى هذا الفيلسوف ان المدينة الكاملة ضرورية لقيام الاجتماع الإنساني الكامل ، وهذا هو هدف الإنسان لتحقيق السعادة والخير الاقصى([10]) ، وان كان بان باجة قد تأثر هو الآخر بالفارابي ، إلا ان ابن رشد قد خالفه في الكثير من طروحاته حول الاجتماع الكامل وحول مفهوم العزلة والاغتراب للفيلسوف في المدن الناقصة([11])، فضلاً عن ان ابن رشد قد ذهب بعيداً في تحليلاته لمسألة الاجتماع الإنساني ونشأة الدولة الكاملة ومضاداتها من الدول الناقصة ، بخلاف ابن باجة الذي كان موجزاً في هذا الجانب غير مفصل فيه 0 ويعود السبب في رأينا الى ان كلا الفيلسوفين اندلسيان عاشا في ظل امارتين احداهما تحارب الفلسفة والتوجه العقلي وهي دولة المرابطين التي عاش فيها ابن باجة ومات فيها مسموماً ، ودولة الموحدين التي عاش فيها ابن رشد وتفلسف فيها بدافع من الامراء الموحدين كما اشرنا الى ذلك في حياته ، مما حدا بابن باجة ان يكون اكثر رمزياً واشاريا في هذا الجانب ، بخلاف سلفه ابن رشد الذي كان شارحاً وملخصاً ممتازاً للفلسفة ولا سيما فلسفة افلاطون وارسطو والفارابي 0 مما يعطينا انطباعاً أولياً ان السياسة ونظام الحكم وعقلية الحاكم تلعب دوراً سلبيا ام ايجابياً في توجهات النخبة وتطلعاتها وبناءاته الفكرية والمذهبية 0
اما صنوه وشيخه في الفلسفة ومقدمه الى الامراء ، الفيلسوف ابن طفيل فهو الآخر اشار الى ماهية الاجتماع الإنساني وطبيعته 0 وذلك في قصة حي بن يقظان ، اذ يذهب ابن طفيل الى ان الإنسان الفرد لا يمكن ان يبلغ ما بلغه (حي) لو ترك لوحده ولم يستمد العون من الجماعة ، وكل ما هنالك ان هذه القصة هي بمثابة تمثيل لتاريخ تطور الإنسان المعرفي([12])0
ويؤكد كذلك ابن طفيل على مسألة الاجتماع الإنساني ، وذلك من خلال علاقة (حي) بأمه الظبية ، اذ هي التي ساعدت حي على استمرار نوعه ، اذ لم يستطع ان يلبي حاجاته إلا من خلالها ، واي كان هذا الاجتماع فهو ظاهرة طبيعية سواء للإنسان أو الحيوان([13])0
وعلى الرغم من عدم تركيز ابن طفيل على اجتماعية الإنسان بالطريقة التي وجدناها عند سابقيه من الفلاسفة ، إلا ان اجتماعية هذا الفيلسوف جاءت او قامت على مسالة الحاجة الضرورية للانسان ، فهي اجتماعية بالفطرة والعقل0
أما بصدد عناصر الاجتماع الإنساني التي يتكون منها ، أي شرائح المجتمع وفئاته ، فان ابن رشد عندما اشار اليها بالتفصيل ، قد استند في اشاراته الى ما ذكره الفلاسفة السابقون عليه ، وان اعطى لهذا المبحث كما اشرنا من قبل السمة الواقعية العلمية الموضوعية النابعة من اشكاليات عصره السياسية والعقيدية والفكرية ، أي زمن دولة الموحدين0
فمثلاً عند بحث فئات المجتمع الإنساني عند الفلاسفة افلاطون والفارابي وابن رشد نجد افلاطون عندما قسم المجتمع الى ثلاث فئات كبرى هي الحرفيون والحراس والقادة ( الملك ) ، انطلق بهذا التقسيم نتيجة ما عاناه هذا الفيلسوف من اوضاع وممارسات السياسة في عصره ، وذلك كما مرت به اثينا في ذلك الزمان اذ ان افلاطون عندما حاول ان يبني الدولة بهذه الصورة انما أراد لها ان تكون عادلة فاضلة قائمة على اسس تربوية متينة كي تواجه كل التحديات التي تقوم ضدها 0 إلا ما قدمه من تصورات خرج بنتيجة مثالية لا يمكن ان تجد لها أرضية على الواقع المعاش ، ولهذا بقيت دولته مثالية مثل فلسفته ، وبقيت طبقات أو شرائح دولته مغلقة على نفسها([14])0
أما الفارابي ، فهو الآخر عندما بنى تصوراته لاهل المدينة الفاضلة ومضادات هذه المدينة ، انما هو الآخر انطلق من صراعات عصره وتناقضاته الاجتماعية والاقتصادية والعقيدية ، وان اغفل الاشارة الى فئات هذه المدينة بالتفصيل ، وركز أو شدد بحثه فقط على مزايا وخصال رئيس المدينة الفاضلة التي اشرنا اليها من قبل([15])0 وربما يعود السبب الى ما وجد في عصره من اهمية لوجود ( خليفة ، امام ، قائد ) بمزايا وضعها هو ، بعد ان شاهد ما فعله البويهيون والسلاجقة بخلفاء بني العباس من تجاوزات وصلت الى حد القتل أو سمل العيون أو حجزهم مع الحريم 0 وهو الفيلسوف العربي المسلم الذي يرى ان ذلك لا يمكن ان يحدث لولا وجود خلفاء ضعفاء بهذه الكيفية 0
ان ابن رشد وهو يقرأ هذا التراث الفلسفي السياسي الاجتماعي الثر أمامه بهذه العقلية ، حاول ان يكيف هذه الآراء والنظرات الى طريقة منهجية عقلية تتناسب وتتلاءم مع الوضع السياسي العربي الإسلامي في عصره ، فلهذا شدد ابن رشد كثيراً على مسألة انفتاح الطبقات ، والشرائح الاجتماعية على بعضها صعوداً ونزولاً بحسب الكفاءة والقدرة على الفعل بالعقل ، والمرأة والتربية ، منطلقاً بذلك من قاعدة فلسفية عربية إسلامية مؤطرة بالقرآن الكريم الذي يحث الإنسان على فك اسرار الكون والطبيعة بالعقل ، وان العلم والمعرفة لا يحوزها فئة دون اخرى ، بل يكون ذلك بالمجاهدة والمدافعة للوصول الى تحقيق الغايات القصوى للخير الاسمى للإنسان 0
وسنتناول في الفصل القادم موضوع تربية أو نشأة هذه الفئات أو الشرائح الاجتماعية كما تصورها ابن رشد مع الاشارة الى المصادر والمراجع التي استقاها في هذا الميدان ودوره هو في تكييفها أو توظيفها لصالح فلسفة سياسية عربية إسلامية واقعية موضوعية عقلانية0
مثل غيره من الفلاسفة الذين سبقوه ، سواء أكانوا من اليونانيين ام العرب المسلمين ، الف وكتب وحلل ابن رشد التربية والتنشئة الاجتماعية للانسان ، وذلك لبلوغ السعادة القصوى والخير الاسمى والكمال ، ولذلك وضع برنامجاً تربوياً صارماً اعتقده اعتقاداً فلسفيا عقلياً انه ينشأ الانسان نشأة صالحة مؤطرة باطار المنهج العقلي الذي يؤدي بالنتيجة لبناء مجتمع سليم متكامل لا رذيلة فيه0 ولذلك أفرد لهذه التنشئة مجالاً كبيراً في كتابه تلخيص السياسة ، آخذاً بنظر الاعتبار الاطار الزماني والمكاني والنفسي والتربوي والعقلي لكل مرحلة من مراحل عمر الانسان حتى بلوغه الى مستوى النضج العقلي والنفسي والتكيف الاجتماعي 0 ولهذا سيتحدث هذا المبحث عن هذه التنشئة واسسها عند ابن رشد ان عملية التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد والتي تعرف عنده بعملية التربية او (غرس الفضائل) لا يمكن ان تتم الا من خلال وضع برنامج يسير بمقتضاه الانسان عند مرحلة الطفولة وحتى النضج والاكتمال العقلي والعاطفي ليتكيف في ضوء ذلك اجتماعياً ، باعتبار ان الانسان كائن اجتماعي بالطبع كما اتضح من الفصل السابق0
اذ ان الدولة والمجتمع عند هذا الفيلسوف لا تقوم الا على وجود اساس لها وهو وجود نظام تربوي تعليمي وجعلها مهمة اساسية من مهام الدولة واساسا لتغير هذه الدولة نحو الكمال والفضيلة 0 ولهذا عد ابن رشد التنشئة الاجتماعية شرطاً اولياً واساسياً لقيام المجتمع والدولة الكاملة ولرفع مستواها في كافة مجالات الحياة وتطويرها وتحصينها وحمايتها من كل ما يعيق بناءها السليم 0
وعلى الرغم من اختلاف الانظمة وطبيعة البيئة والعصر والاهداف الا ان الاساس في الامر تسليمنا بوجود نظم وبرامج واهداف ليبقى الى ان تتحقق عبر مراحل تدريجية معينة وفق مراحل زمنية 0
ذلك ان غاية الفلسفة هي تجسيد الخير والعدل في مجتمع فاضل وتحقيق هذه الغاية عن طريق التربية0 ولهذا نظر ابن رشد نظرة عقلانية واقعية مبنية على اسس علمية بعيدة عن كل تصور مثالي ( يوتوبي) لهذه التنشئة التربوية0
ولكن ما هي الاسس او السبل والطرق التي من خلالها تحقق الاهداف المرجوة من هذه التربية لقيام مجتمع فاضل متكامل ، كما يريد ابن رشد ؟ وقبل الاجابة عن هذا التساؤل ، لابد من استعراض هذه السبل او الاسس ليتضح من خلالها طبيعة الجواب0
حصر ابن رشد ، مسألة التنشئة في فئتين اساسيتين او شريحتين اجتماعيتين من شرائح المجتمع ، الا وهما شريحة الحراس وشريحة الحكام او القادة 0 ووضع لهاتين الشريحتين برنامجاً تربوياً يسيران بمقتضاه ، آخذاً بنظر الاعتبار مراحل تطور الانسان ونضوجه الانفعالي والعاطفي والعقلي وتكيفه الاجتماعي 0 وليخلص عقل الانسان ابتداءاً من كل ما يشوبه من حكايات خرافية او اسطورية لا تليق ببنائه العلمي والعقلي0
تبدأ التنشئة عند ابن رشد عامة للجميع من افراد المجتمع ، وذلك من خلال القصص والحكايات الجميلة التي تهدف الى غرس الفضيلة والخير في نفوسهم واقتلاع الشرور منها([1])، ويكون غرس الفضائل عند ابن رشد عن طريقين ، الاول هو طريق الاقناع conviction ، ويكون الاقناع من خلال الاقاويل ذات الطابع الخطابي والشعري ، وهذا خاص بعامة الجمهور من الناس في الدولة([2])0 ذلك ان تعليم العلوم التأملية الفلسفية ليس بخاص لهذه الفئة ، بل لفئة اعلى ادراكاً وتنشئة 0 ويعد ابن رشد هذا النهج في غرس الفضائل عملياً وصحيحاً 0 والثانية ، اذا ما تعذرت الطريقة الاولى ، ولم تؤت ثمارها كاملة مع الجمهور يرى ابن رشد ، ان تتخذ من الطريقة الثانية سبيلاً ، وهي طريقة (الاكراه) وان كانت هذه الطريقة لا تقوم الا مع اللصوص والاعداء والمبتعدين عن الفضائل والآخذين بالشرور في حياتهم([3])0 ولكن ابن رشد يعتقد ان هذه الطريقة لا ترسخ الفضيلة في نفوس العامة من الجمهور ، ثم يذهب ابن رشد موضحاً ذلك بقوله ، ان كلا الطريقتين معمول بهما في شريعة الاسلام 0 أي طريقة الاقناع بالاقاويل الخطابية والشعرية وطريقة الاكراه بالقسر([4])0 اما كيفية غرس هذه الفضائل في نفوس اهل الدولة الفاضلة او المجتمع الفاضل ، وتنشئتهم عليها 0 فيكون عند ابن رشد ابتداءاً بالرياضة والموسيقى([5])0 وهذه الممارسة تشمل كافة شرائح المجتمع دون تمييز0
اما لماذا الرياضة والموسيقى ؟ 0 وهنا يجيب ابن رشد ، ان الرياضة وظيفتها تقوية الجسم وتناسقه واما الموسيقى فوظيفتها تنسيق الروح وتهذيبها وجعلها صافية من الكدرات واكتساب الفضيلة ، ويشترط ابن رشد ان يكون التعليم والتنشئة بالموسيقى سابقا بالزمان على تعليم الرياضة ((لان القابلية على الفهم تسبق القابلية على تمرين الجسم ، وتعني بالموسيقى الاقاويل المحكية بمصاحبة لحن من اللحون يحصل من طريق المواظبه على التعليم))([6])0
ولكن ما هي هذه الاقاويل التي نعلمها وننشئ المجتمع عليها منذ الصغر؟0 يرى ابن رشد، ان هذه الاقاويل على نوعين خطابية وشعرية واقاويل برهانية وجدلية ، الشعرية ، رأى ابن رشد (( اكثر ملاءمة للصبيان والاحداث، ولكن عندما يكبرون فأنه يوجه من بينهم من يتحول الى طور اعلى في التعليم ، حيث يتم السماح لهم بالاستماع الى الاقاويل البرهانية بحسب ما يسمح به طبعهم))([7])0 والذي يسمح طبعهم بالاستماع الى الاقاويل البرهانية هم ((الفلاسفة))0 بحسب تحديد ابن رشد لهم 0 واما من لم يستطع ذلك فانهم ينشئون على الاقاويل الجدلية0
من هنا نستنتج ان ابن رشد قد ربط مستوى التعليم للانسان بمستوى قابلياته الذهنية والعقلية ، فمثلاً (( البرهان)) خاص بالحكام والحراس في الدولة لان فيهم الاستعداد العقلي والنفسي لذلك ، اما الشعرية والخطابية فانها تعلم للجميع في مرحلة الصبا والطفولة 0
ذلك ان ابن رشد يشدد على مسالة الفصل في التعليم والتنشئة بحسب القدرات العقلية والنفسية للانسان ، أي مواهب الانسان0
اما كيفية غرس هذه القدرات التعليمية لدى ابناء المجتمع وشرائحه ، فقد تحدثنا عن ذلك ومن خلال طريقتي الاقناع والاكراه0
ذلك ان هاتين الطريقتين مهمتهما غرس الفضائل الاخلاقية والسلوك وترسيخه في نفوسهم 0 وان شدد ابن رشد على طريقة الاقناع في غرس هذه الفضائل دون طريقة الاكراه واعتمدها طريقة سليمة في بناء مجتمع فاضل0
هذا من الناحية النظرية في عملية التنشئة الاجتماعية لابناء وشرائح المجتمع ، اما من الناحية العملية ، فأن ابن رشد يذهب الى ان تعليم الافعال منذ الصغر يجب ان يكون قائماً على الصدق في الرواية والحكاية وعدم استعمال الحكايات الكاذبة او الزائفة التي لربما تغرس في نفوسهم الاوهام والخوف عند سماعها 0 ذلك ان سماعهم لمثل هذه الحكايات سيعسر علينا عملية التنشئة الخلقية لمجتمع فاضل ، ولهذا يجب الحذر من ذلك كما يصرح ابن رشد([8])0
وهنا تظهر الواقعية العملية في التنشئة الاجتماعية لدى ابن رشد ، اذ انه نظر الى المجتمع الفاضل نظرة شمولية كلية وليست جزئية قاصرة ، آخذاً بنظر الاعتبار مكونات النفس – جسمية للانسان والجسم – نفسية له0
فضلاً عن ذلك ، يوجه ابن رشد ذهن الانسان الى مسألة غاية في الاهمية، الا وهي ، انه اثناء تعليم الاطفال والصبيان يجب ايضا (فضلاً عن الذي قلناه من قبل) ، عدم ذكر عويل النساء ونحيبهن عند وفاة قريب لهن على مسامع هؤلاء ، لان هذا سيؤثر سلباً ويصعب تحمله عليهم ، وبالتالي سيحزنهم وفاة أي شخص قريب لهم([9])0
اما لماذا هذا التشديد على هذا المستوى من التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد 0 وهنا يجيب هو بنفسه ، ان هذه المرحلة تشبه الطين غير المغمور الذي يشكل بعدة اشكال بسهولة ،ولهذا فان الانسان بهذا العمر من حياته سوف ينقاد بيسر لقبول تلك الحكايات الوهمية التي يرغبون بسماعها 000 وما على المرء إلا ان يحرص وبشدة في تربيتهم واياهم على ذلك ، (( طالما ان البداية في كل شيء امر في غاية الاهمية))([10])0
فضلاً عن ذلك ، يربط ابن رشد عملية التنشئة بالبيئة الاجتماعية والتاريخ للفرد الذي نريد تنشئته ، ولانه فيلسوف عربي مسلم ، آخذ بنظر الاعتبار ذلك ، اذ صرح في هذه المسألة ان الفرد يجب ان لا نسمعه اقاويلا عن الانبياء والحكام تظهرهم في حالة خوف ، او ان الحكام في المجتمع الفاضل غايتهم طلب اللذة وجمع المال 0 والغاية من ذلك هو تعليمهم الابتعاد عن هكذا صفات ، وبناء نفوس عادلة ومبتعدة عن الشهوات والملذات الحسية([11])0
ان هذا الامر يتحدث فيه ابن رشد عن مرحلة التنشئة الاجتماعية للطفولة والصبا، اما اذا ماتجاوز الانسان هذه المرحلة واعد اعداداً ليكون حارساً (جندياً) ام قائداً ورئيساً للدولة ، فانه يضع برنامجاً آخر اكثر تكيفاً وتعليماً وبناءاً للانسان جسماً وروحاً وعقلاً 0 لان هذه الفئة فئة (الحراس) ام القادة هم المعول عليهم في بناء المجتمع نحو غاية اخلاقية جليلة لانهم قد تناغمت في نفوسهم واجسامهم العدالة في كل شيء ولان وظيفتهم الدفاع عن الدولة وفضيلتها الشجاعة في كل شيء0
كما قد ذكرنا من قبل في الحديث عن طبيعة الاجتماع الانساني في الفصل السابق ان ابن رشد ، قد شدد كثيراً على ان الانسان يجب ان لا يعمل باكثر من مهنة او حرفة في الدولة وان يتوجه الى حرفة واحدة يتخصص بها ويتقنها ليكون ماهراً بها ، وان هذا التخصص هو الذي يقود الى تحقيق العدالة في كل شيء ، لا سيما وان نفس الانسان تميل بطبعها الى ذلك 0 فضلاً عن ان التخصص باكثر من مهنة سيولد الخراب في الدولة والفوضى0
وما اشارتنا هذه الا لتأكيد مسألة التربية للجند والقادة في المجتمع ، وما هي اسسها وماهي اهمية التخصص بها0
واولى اصول التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد لهاتين الشريحتين هما الاستمرار بممارسة الرياضة والموسيقى معاً ، ذلك ان الرياضة للجسم ضرورية ان يمارسها الجند لملاءمتها لفنون القتال والدفاع عن الدولة ومواجهة الحروب بشجاعة ، وعلى ان تكون الرياضة مرتبطة بالحمية ، أي تحديد نوع الاطعمة التي يأكلها الجند والتي تمنحهم القوة والصحة وتبعدهم عن الامراض ، ذلك ان هؤلاء الجند يجب ان تكون مواهبهم معدة (( صوب الكمال، فلاسفة بالطبع ، محبين للحكمة ، كارهين للجهل، شجعاناً ، سريعي الحركة ، اقوياء الجسم (شديدي المراس) ثاقبي النظر))([12])0 وصفات كهذه براي ابن رشد لاتتحقق في نفوسهم الا من خلال ممارسة الرياضة والموسيقى0
فضلاً عن ذلك ، يجب تربيتهم وتعليمهم على التحمل والصبر وعدم الحزن لفقدان صديق او قريب لهم ، اذ يشبه ابن رشد الحزن بضعف النفوس وهذه صفة يجب ان لا يتحلى بها الجند والحكام للدولة([13])0
ولايقف ابن رشد عند هذا الحد في التنشئة ، بل يأخذ بنظر الاعتبار اساليب غرس الفضائل في نفوس هؤلاء ، ويؤيد مسألة الحكايات والقصص التي يسمعونها اثناء تعلمهم ، هذه القصص يجب ان تتناول بناء الفضيلة والعدالة في النفوس ونبذ الحكايات التي تعود الى الشرور والآثام (( كما يجب عدم تذكر عويل النساء ونحيبهن عند موت قريب لهن على مسامعهم 000 بل الذي يجب ان يجري مع الحراس هو خلاف ذلك ، أي انهم يجب ان لا يحزنوا لفقدان شخص قريب لهم 000 وان يصبروا على فقدان رفقائهم بكل رباطة جأش000 كما لا يصح ان ينسب الى الانبياء والحكام ان الخوف يتملكهم([14])0 هذا من جهة اخرى ، ومن جهة يضع ابن رشد اسسا تربوية يسير بمقتضاها هؤلاء الجند والحكام0 منها :
– ان يكون الجند والحكام اكثر تلهفاً وتحمساً للصدق بخاصة لان الكذب غير ملائم لهم 0 وليس من الملائم ان تكون لهم صلة بالكذب، ولهذا يجب معاقبة كل من يكذب في الدولة 0 ذلك ان الضرر الذي يحدثه الكذب مثل الضرر الذي يسببه المريض عندما يكذب على الطبيب بشأن مرضه0 وان كان ابن رشد يرخص للجند او الحكام الكذب الا في حالة واحدة هي تحقيق منفعة المجتمع وصيانة وحدته وقوته0
– عدم سماع القصص والحكايات التي تحث على طلب المال والجاه وامتلاك المسكن لانه بنظر ابن رشد يعد المال والمسكن عائقين كبيرين لممارسة الحكم وتحقيق العدالة ، ولهذا وجب تحذير الجند والحكام من سماعها0
– الابتعاد عن سماع القصائد الشعرية التي تحث على الرذيلة والتشبب بالنساء0
– ابتعاد الجند والحكام عن ممارسة الضحك والانغماس بقوة فيه ، ولهذا يشدد ابن رشد عدم السماح للحاكم او الحراس الافراط في الضحك 0
– الابتعاد بالنسبة للجند عن محاكاة الرجال المنغمسين في الدناءة والرذائل، فأن من غير الملائم لهم ان يرتبطوا باي عمل معهم 0 لانه اذا ما استمر الانسان في محاكاة هؤلاء ستكون نتيجتها سجينا له في نفسه وجسمه0
– بعدم محاكاة أو تقليد الجند والحكام لاعتمال الصناع والحرفيين ، او محاكاة اصوات الحيوانات او غير ذلك ، وان ذلك بنظر ابن رشد يعد من عمل المجانين 0
– ويحتم ابن رشد ذلك كله في تربية هؤلاء الفئات او الشرائح وهم الجند والحكام ، بحذف او ازالة كل القصص والقصائد الشعرية التي تصف هذه الاشياء السيئة والمنافية للاخلاق من كتب التعليم والتربية([15])0
ولكن ، كيف يتم كل ذلك الذي ذكرناه الآن ؟ 0
هنا يجيب ابن رشد، من خلال اسماع الجند والحكام هذه الاقوال والحكايات بمصاحبة الا يقاعات والا كانت الملاءمة لكل حكاية او وصف حالة جيدة نريد غرسها او سيئة نريد ان يتجنبها هؤلاء ، 00 اذ يرى ابن رشد ان الألحان التي تعبر عن الخوف والحزن غير ملائمة لتعليمهم ، كما ان الحديث بدون لحن من هذا النوع غير ملائم لها ، ولهذا يضع ابن رشد صفات ومزايا لهذه الالحان ، هي على نوعين الاول: يحرك النفوس نحو الشجاعة والصبر ، والثاني يحرك النفوس نحو الفضائل الاخلاقية 0 مع الاخذ بنظر الاعتبار عند وضع هذه الالحان والايقاعات ظروف الزمان والمكان والبيئة والوضع السياسي والاجتماعي لمن نريد ان نربيهم عليه([16])0
هذا من جهة بناء النفوس والعقول لهذه الشرائح ، اما من جهة بناء الاجسام لهم ، فان ابن رشد يرى ان التوازي في التعليم لهذه الفئات ، من خلال تعليمهم الفضائل للنفوس والاجسام بصورة متساوية متوازنة أي انه يجب ان لا نعلمهم الرياضة دون الموسيقى والموسيقى دون الرياضة بل سوية ومعاً ، لان ذلك سيولد في نفوسهم التناغم والتوازن وان أي افراط او تفريط في احداهما او كليهما سيولد الحاجة الى الطب والقضاء ، وهذا مما لا يقبله ابن رشد بل يريد ان تكون الرياضة بسيطة تقوي الجسم وتحدث فيه التناسق ، وليست الرياضة العنيفة التي تولد الرغبة في العنف والانتقام0 ومثلها الموسيقى 0 ولا يستبعد ابن رشد نوع الاغذية التي يتناولها هؤلاء 0 مؤكداً البساطة في كل شيء وتولد الصحة والاعتدال في الجسم والنفس0
وبعد ان تحدث ابن رشد عن طرائق واساليب تنشئة المجتمع الانساني وجهة نظره ، وكيفية اعداد كل شريحة من شرائح المجتمع وصولاً الى القادة والحكام0 معتمداً بذلك على المراحل العمرية للانسان في بهذه التنشئة اخذا بنظر الاعتبار وبعقلانية مميزة ، طول عمر الانسان وكثرة تجاربه وخبراته وحذف أخطائه من خلال الممارسة والتجربة ، نجده يتحدث ايضاً في فقرة مميزة عن تنشئة وتربية الحكام القادة للمجتمع ، وهل ان تربيتهم واعدادهم يكون بذات الطرائق التي تحدثنا عنها في اعداد فئات او شرائح المجتمع التي سبق ذكرها؟ وهنا نجد ابن رشد ، يضع هو الآخر برنامجاً دقيقاً لتربية هؤلاء الحكام الذين سيقودون الدولة والمجتمع نحو السعادة والفضيلة والكمال0
وهنا يؤكد ابن رشد انه من الصحيح هو ان تقودهم خطوة خطوة من خلال نظام يتدرج به الانسان للنظر في الاشياء من حوله ثم بعد ذلك يستطيع ان يرفع بصره ليرى النجوم ثم القمر الى ان يصل الى رؤية الشمس وما الاشارة هنا الى هذه الكواكب الى رموز للحقيقة وكيف يتدرج الانسان في الوصول اليها في حياته العلمية والتعليمية والتربوية0
ولهذا ، يضع ابن رشد برنامجاً تربوياً لهذه الشريحة ، ففضلاً عن الموسيقى والرياضة التي يشمل بها الجميع ، نعلمهم علم الرياضيات (التعاليمي)0 وما يتضمنه من حساب وهندسة وفلك وغيرها ابتداءاً ، لان في تعليمهم هذا العلم انما ننمي لديهم ملكة التفكير العقلي المجرد نظرياً ، وتطبيقات هذا العلم في حياتهم العملية لانهم حكام وقادة([17])0
وبعد ذلك ، ولاهمية علم الرياضيات في تربية هذه الشريحة ، نعلمهم علم المتفق الذي يعصم الذهن من الخطأ في التفكير من اجل ترضية افكارهم النظرية المعقولة نحو المجردات 0
وعندما يتم عمرهم السنة الستة عشرة والسبعة عشرة ، يجب ازالة كل الرغبات الشهوية منهم الى ان يصلوا الى سن العشرين من العمر0 بعدها يتم تهيئتهم لدراسة الفلسفة ، مع التأكيد انه لا يمكن تعلمهم الفلسفة قبل هذا السن، لان مداركهم العقلية غير مستقرة خاصة وان استنتاجاتهم واحكامهم ونظراتهم للامور ناقصة0
بعدها يتم استئصال كل الحكايات الزائفة من عقولهم التي تربوا عليها منذ طفولتهم بالفلسفة 0 لان بالفلسفة سيصل الانسان الى مرحلة التوازن العقلي والعاطفي والنفسي ويتكيف اجتماعياً مع المجتمع0
بعدها يستمرون في تربيتهم تربية فلسفية حتى يبلغوا سن الثلاثين من العمر اذ يطلعوا على كل مناحي الفلسفة ومراميها وغاياتها ، وعندما يصلون الى سن الخامسة والثلاثين من العمر توكل اليهم قيادة الجيش ويبقون في هذه المهنة حتى بلوغهم سن الخمسين 0 وعندما يصلون اليها بجدارة وكفاءة يسلمون قيادة الدولة والمجتمع([18])0 لان في هذه الشريحة قد تكاملت في هذه السن الفضائل والكمالات النظرية والاخلاقية فاصبح الانسان فهما عادلا في نفسه اولاً لكي يعدل فيما بعد بين ابناء مجتمعه ومن يقودهم0
ومن هنا يتضح اسلوب التنشئة الاجتماعية عند ابن رشد ، وكيف ربطها بمصير الانسان وحاجاته العقلية والنفسية والجسمية والتعليمية ، فضلاً عن تطور عقل الانسان بتقادم عمره ، وهنا تتضح الرؤية الموضوعية العقلانية الواقعية لبناء المجتمع كما رآها ابن رشد0
– المرأة والتنشئة الاجتماعية
ولم يقف ابن رشد عند هذا الحد ، بل نظرالى المجتمع نظرة متساوية من حيث ان المجتمع يتألف من رجال ونساء 0 فلم يعدم حق المرأة في المجتمع بل انصفها ووضع لها مكانة فيه متساوية مع الرجل لانه – أي ابن رشد – نظر الى المرأة والرجل نظرة واحدة ، لانهما من جنس ونوع واحد هو الانسان ، ولهذا لم ينغلق ابن رشد اجتماعياً في نظرته الى المرأة ، بل قال بضرورة تعليمها وتنشئتها كما هو الرجل ومساوية له في هذا التعليم ، وقد خصص عدة فقرات لذلك من كتابه الذي عولنا عليه في هذه الرسالة0
اذ يقول ابن رشد ما نصه (( نحن نقول عن النساء طالما انهن والرجال من نوع واحد في ما يخص الغاية القصوى من ذلك ، فانهن متساويات مع الرجال بالنوع ومختلفات معهم بالدرجة فقط))([19])0 فاذا ما كانت طباع النساء والرجال هكذا ، فان الدولة تقاد الى الفعل الواحد ، وهو افضل الانواع ، ولم يقف عند هذا الحد ، بل قال اذا ما اعدت المرأة اعداداً جيداً وتربية بصورة صحيحة وبنظرة متساوية مع الرجل ، (( فانه من غير المحال ان نجد بينهن حكيمات وحاكمات وما شابه ذلك))([20])00
ويعيب ابن رشد نظرة المجتمع القاهرة الى المرأة في زمانه ، وما يؤدي من هذه النظرة الى تخلف وفقر المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، اذ يقول ((ان نساء هذه المدن يوجدن باكثر من الرجال بضعفين ، وان كن معطلات عن أي عمل ضروري سوى القليل منه ، وهذا القليل ملزم لهن لسد الحاجة الى المال مثل الحياكة والنسيج وهذه حجة بينة بنفسها))([21])0
وبنظرة حداثوية معاصرة يطالب ابن رشد منذ ما يقرب من ثمانمئة عام مضى ، ان (( النساء يجب ان يأخذن مكانتهن بين اهل المدينة مثلهن مثل الرجل، وانهن يجب ان يقفن بمثل ما للرجال من درجة000))([22])0
وما قصد ابن رشد من تنشئة المرأة بهذه الطريقة الا لاعتقاده ان الواقع الذي رآه عن المرأة قد أضر بتطور المجتمع وتقدمه من الناحية الاجتماعية والتربوية والاخلاقية فانعكس اقتصاديا على قوة الدولة والمجتمع واضر سياسياً كذلك 0
– مزايا وصفات رجل الدولة
بعد ان تحدث ابن رشد عن تنشئة المجتمع بكافة شرائحه وفئاته ، باسلوب تربوي يأخذ بنظر الحسبان مراحل تطور عمر الانسان وقدراته العقلية والنفسية والجسمية ، وعندما وصل الى تنشئة القادة (الحكام) وتسليمهم السلطة العليا في المجتمع ، اشترط ابن رشد ان يضع لهؤلاء مزايا خاصة بهم تميزهم عن غيرهم من هذه الشرائح الاجتماعية ، ومن هذه الشرائط :
1- ان يكونوا فلاسفة بالحق ، لانه لا يرأس المجتمع من الحكام والقادة ان لم يكن فيلسوفاً بالحق 0 ذلك ان الفيلسوف الحق هو الانسان الذي تكاملت فيه الفضائل الاخلاقية والنظرية التأملية واصبح عادلا
بالطبع 0 وان هذا الفيلسوف الحاكم هو ذاته المشرع وواضع النواميس والامام([23])0
2- ان يكون له القدرة على كشف الحقيقة وتعليمها للمجتمع ، اما بالطريقة الخطابية الشعرية او الطريقة البرهانية العلمية([24])0
3- ان يكون ميالاً بالفطرة الى دراسة العلوم النظرية من اجل الوصول الى ادراك طبيعة الشيء الموجود باطلاق وتمييزه عما هو بالعرض0
4- ان يكون جيد الحفظ ولا ينسى وان يكون محباً للعلم ولتحصيل العلوم بشتى انواعها وفروعها0
5- ان يكون محباً للصدق واهله ، وكارها للكذب 0
6- ان يكون كارها للذات معرضاً عنها0
7- ان يكون غير محب للمال0
8- ان يكون كبير النفس ، لان الرجل الذي يطلب معرفة كل شيء ولم يرد نفعاً او عرضاً فهو كبير النفس0
9- ان يكون شجاعاً 0
10- ان ينهج نحو كل شيء خير وجميل بذاته مثل العدل وسائر الفضائل الاخرى0
11- ان يكون حسن العبارة ، جيد الفطنة([25])000
ويضيف ابن رشد لهذه المزايا القوة للنفس والجسد 0 اذ يحدد ابن رشد ((الرجل المناسب لحكم هذه الدولة هو الذي يحب ان تكون هذه الشروط مجتمعة، حيث انه قد تربى عليها منذ نعومة اظفاره000))([26])0
ان هذه التنشئة الاجتماعية والتربوية لفئات المجتمع عند ابن رشد بدءاً من شريحة الصناع والمهرة وصولاً الى شريحة الحكام ، لم تكن لتكتب وتتأمل ويعمل بها بهذه الكيفية ، لولا وجود مجتمعات قد غادرت هذه الاساليب وتبنت اساليب ليست بفاضلة ولا اخلاقية عادلة ، وبنت نظاماً تربوياً غير متكامل مما يولد معه قيما فاسدة وغير سليمة0
ولهذا اشار ابن رشد الى هذه المجتمعات الناقصة (غير الكاملة) بازاء ما ذكره هو عن المجتمع الكامل0 ومن هذه الاجتماعات وهي بنظره هي اجتماع المجد والشرف (التيموكراسي) باللفظ اليوناني ، أي حكم الاستقراطية او النخبة ، واجتماع القلة من الاغنياء (الاولغاركي) باليونانية ويسميه ابن رشد بحكم الرذيلة ، او اجتماع الرذيلة ، والاجتماع الجماعي (الديمقراطي)، واخيرا الاجتماع الساقط خلقياً وقيميا في كل شيء وهو اجتماع الاستبداد او الطغيان([27])0
ويضع ابن رشد لهذه الاجتماعات مقارنة بالاجتماع الفاضل الكامل معادلة اخلاقية قيمية ، اساسها هو :
اجتماع فاضل اخلاق فاضلة مجتمع تسوده العدالة 0
اجتماع غير فاضل بكل انواعه اخلاق تسودها
الرذيلة مجتمع تسوده الفوضى واللاانضباط في علاقاته الانسانية0
فضلاً عن ان التنشئة الاجتماعية في هذه الاجتماعات غير الفاضلة ، لا تقوم على نظام تربوي او تعليمي يسير وفق قواعد تأخذ بنظر الاعتبار حياة الانسان وتطوره منذ الطفولة وحتى النضج العقلي والنفسي والاجتماعي0
في هذا المبحث ، سنتناول ، الاصول الفلسفية الاجتماعية عند ابن رشد كما بينا ماهيتها في المبحث السابق 0
ونود ابتداءاً ان نشير ، الى ان ابن رشد وهو يستقي ويستند في تصوراته لهذه التنشئة من اصولها التي اعتمدها ، ان هذه الاصول ظلت تتعامل مع التنشئة الاجتماعية في اطار الرؤية المثالية (اليوتوبية) ، لا الواقعية الموضوعية ، مما جعل ابن رشد يأخذ هذا المثال وينقله الى الواقع المعاش زمانيا ومكانياً ضمن رؤية مستقبلية قابلة للتطبيق ضمن اطار معقول ، لانها نابعة من عقل فيلسوف وطبيب ورجل فقه واصول وعالم كلام 0 فجاءت نظرته الى التنشئة الاجتماعية منفتحة على هذه الشرائح الاجتماعية ، كل شريحة يثبت اصحابها كفاءتهم بالقدرات العقلية والجسمية وان فشلوا فلا مناص من ان يغادروا شريحتهم الى ادنى وان نجحوا وتجاوزوا القدرات التربوية والتعليمية المعدة لهم ، فلهم الحق في الصعود الى شريحة اعلى 0 ذلك ان الانسان عند ابن رشد كائن اجتماعي بالطبع يتمتع بقدرات عقلية خصته على غيره من الموجودات الاخرى في الطبيعة0 وهذا ما تطلق عليه (بالمجتمع المفتوح) رداً على دعاة المجتمع المغلق، من امثال الفيلسوف اليوناني افلاطون الذي قسم شرائح المجتمع الى فئات ثلاث ، مقارنة بالمعادن الموجودة في الطبيعة فوضع لمعدن النحاس فئة العمال والحرفيين ووضع لفئة الحراس معدن الفضة ووضع لفئة الملوك والقادة معدن الذهب([1])0 مما يعني ان هذه المعادن لا تتحول بالمعاملات الكيميائية الى غيرها ، كذلك هي فئات او شرائح المجتمع0
اما ابن رشد فقد خالفه في ذلك كما تبين في المبحث السابق ، عند حديثه عن الفئات واساليب التربية وطرائقها ونظرته الى المرأة ودورها الاجتماعي في المجتمع والدولة0
ولكن فضلاً عن مرجعية افلاطون في الجمهورية التي استند اليها ابن رشد من ضمن مراجعة للحديث عن التنشئة الاجتماعية ، فانه استند الى التراث الفلسفي العربي الاسلامي المتمثل بالفارابي واخوان الصفا وابن سينا ومسكويه وابن باجه وغيرهم 0
فمثلاً عند حديثه عن التنشئة الاجتماعية وطرائق التربية للوصول الى الفضيلة والكمال عن طريق الرياضة والموسيقى التي تكسب الجسم التناغم والتناسق ، والنفس الكمال ، نجده يستحضر او يستند الى الفيلسوف الفارابي في كتابه آراء اهل المدينة الفاضلة ، اذ يشير الفارابي الى ان الانسان المعد للحكم لايجب ان يكون تام الاعضاء قواها مؤاتية اعضاءها على الاعمال التي شأنها ان تكون بها00))([2])0 فضلاً عن ان اخوان الصفا قد اشاروا الى ذلك عند حديثهم عن الرياضة في رسائلهم ومثلهم فعل ذلك الفيلسوف الاندلسي ابن باجة([3])0
اما الموسيقى ، فقد رجع في الاهتمام بها الى نص اخوان الصفا([4]) في هذا الباب ، اذ يؤكد هؤلاء اهمية الموسيقى البسيطة في احداث التناغم في النفس ، وهو ذات ما دعا اليه ابن رشد0
اما كيفية تعليم الانسان القصص والحكايات التي تغرس في نفسه الصدق والشجاعة وتنبذ منه الخوف والتردد والكذب ، غير ان ابن رشد قد عول في هذا القول على ما اشار اليه الفارابي في كتابه قوانين صناعة الشعر([5]) ، فضلاً عن ابن سينا في كتابه فن الشعر من الشفاء([6]) ، واخوان الصفا في رسائلهم([7])، اذ اشار هؤلاء الفلاسفة الى اهمية الحكايات والقصص المرتبطة بالالحان والتي عن طريقها المحاكاة ويتم غرس الفضائل في نفوس الناس المراد تنشئتهم تنشئة اجتماعية فاضلة اذ يرى ابن رشد ان المحاكاة انما هي غريزة في الانسان تظهر فيه منذ الطفولة0 ولهذا يضع ابن رشد الطرق لتعليم الانسان وتحويله من درجة علمية الى اخرى اشبه بالترتيب المنطقي من شعري الى جدلي الى برهاني ، ولربما وجد عند ابن مسكويه ما يؤكد ذلك ، فضلاً عن ابن فضيل الذي اسهب كثيراً في المحاكاة عند حديثه عن تطور (حي بن يقظان) من محاكاة الظبية الى الوصول الى اثبات الخالق عن طريق البرهان العقلي([8])0
اما اشارته الى طرائق التعليم والتربية والتنشئة الاجتماعية ، انما تتم باحدى طريقين ، اما الاقناع او الاكراه ، نجد ان الفارابي قد سبقه الى الحديث عن هذه الطرق وكيفية غرس الفضائل الاخلاقية عن طريقها ، وذلك في كتابه تحصيل السعادة ، اذ يؤكد الفارابي ان طرق غرس الفضائل من جهة الاقناع انما يكون للناس بحسب مداركهم العقلية (خطابية ، جدلية ، برهانية)([9])0 ومن هنا يظهر طول باع الفارابي في التأسيس للمجتمع العربي الاسلامي من منظور فلسفي ، ومدى افادة الفلاسفة المسلمين من نتاجه في هذا الباب حتى ابن رشد([10]) الذي كثيراً ما يشير الى هذا الفيلسوف والى مؤلفاته في هذا الصدد وان اقواله ستجد العناية من قبلنا (ابن رشد)0
اما بالنسبة لتعليم الصغار وتنشئتهم تنشئة اجتماعية رصينة، بعيدة عن كل المؤثرات العاطفية الوجدانية التي تأتي من خلال الشعر والاقاويل الخطابية كالمدح والهجاء وذكر النساء بصورة لا تليق بهن فان ابن رشد عندما اكد ضرورة حذف الاشعار العربية التي تظهر فيها هذه النصوص ، انما كان يبغي غرس الشجاعة والفضيلة وتنمية المواهب العقلية في نفوس السامعين ، نجد ان مسكويه قد اكد ذلك من قبل بصورة واضحة ، لاسيما وان مسكويه من كبار الفلاسفة الاخلاقيين العرب المسلمين ، اذ اصر هذا الفيلسوف على حذف كل الاشعار العربية التي تظهر مفاتن النساء او تدعو الى الرذيلة ونبذ الفضيلة ولا سيما اشعار امرئ القيس وغيره([11])0 كما ويذكر ابن رشد ، الى ان اشعار العرب تحث على الفسوق ولا تحث على الفضائل وان حثت على الشجاعة والكرم فانها ليس من اجل غرس الفضائل بل من اجل المفاخرة ، لذلك يجب ان لا نعلمه للاحداث([12])0
ولم يقف الامر عند هذا الحد ، بل ان ابن رشد أراد في تنشئة
الاجيال في المجتمع ان يكونوا ليس فقط اصحاء نفساً وروحاً ، بل وجسماً ، ولهذا اكد نوع الطعام ومزاياه ، مع البساطة في كل شيء ، وان حدد لفئة الحراس والجند المدافعين عن الدولة ويجب ان يكون نوع الطعام نافعاً ومفيداً ومنبهاً لهذه الفئة وعلى الدوام ويقظة ومنتبهة لاعدائها ومواجهتهم فكان نوع الطعام كما اراد ابن رشد هو اللحم المشوي والشمندر المسلوق بالماء والملح والزيت ، لان التعود على انواع الاطعمة المتعددة سيولد امراضاً عديدة مما يؤثر على صحة الانسان في تنشئته ، أي ربط ابن رشد بين الجانب النفسي والجسمي وكيف ان احدهما يؤثر في الآخر سلباً ام ايجاباً أي مؤكداً الاعتدال في كل شيء0
ان هذا القول في تحديد نوع الطعام ، قد اكده من قبل الفيلسوف ابن باجة في كتابه تدبير المتوحد ، مؤكداً ان النافع من الطعام هو اللحم اما الضار منها فهو الافيون والحنظل([13])0
واذا ما انتقلنا الى فئة او شريحة الحراس والحكام ، نجد ان ابن رشد كثيراً ما يستحضر في اقواله نصوص الفارابي بشكل موسع ، ولا سيما كتبه تحصيل السعادة وآراء اهل المدينة الفاضلة والسياسة المدنية وغيرها0
فمثلاً عند تعليم وتنشئة هذه الشريحة حول العلوم التي تتلقاها لكي تترقى من المحسوسات الى المعقولات ، وان تبدأ بدراسة علم المنطق ثم العلوم الرياضية من حساب وهندسة وفلك ثم دراسة العلوم الطبيعية والعلوم الماورائية (الميتافيزيقا)0 غير ان الفارابي قد فصل في مستوى كل علم من هذه العلوم ورتبه في التعليم للانسان بحسب قدراته العقلية ومستوى ادراكه لهذه العلوم([14])0 وليس الغاية من تعليم هذه العلوم عند الفارابي من قبل وعند ابن رشد من بعد ، لغاية نظرية فلسفية فقط بل لغاية اجتماعية عملية اخلاقية ، اذ لا قيمة لهذه العلوم دون تطبيقها ، أي ان شريحة الحكام تستفيد من ادراك هذه العلوم في حياتها العملية السياسية سواء في مستوى اعداد الدولة ام الجيش ام المعارك وطرق قيادتها والنصر فيها0
واذا ما جئنا الى مزايا رئيس الدولة والذي اسميناه بالفيلسوف والمشرع وواضع الدساتير والامام بحسب تعبير ابن رشد، نجد ان هذا الفيلسوف قد استقى من معين الفارابي في تحديد هذه المزايا ، حتى كأنه يحذو حذوه في تحديد الفارابي لمزايا هذا الرئيس مما لا مزيد عليه ، فأخذ ينهل منه بصورة واسعة وعريضة ، وهذا يدل على طول باع الفارابي في هذه المسألة بشكل لايمكن الا اعتباره الفيلسوف العربي الاسلامي المؤسس لهذا النمط من الدراسات السياسية الاجتماعية ذات المنظور الفلسفي المحكم0
وبدورنا سوف نستحضر مخططاً رئيسيا لهذه المقارنة والاثر والتأثير وان سبقنا بها الدكتور حسن العبيدي في دراسة هذا الأثر([15])0
خصال رئيس الدولة عند الفارابي |
خصال رئيس الدولة عند ابن رشد |
1- ان يكون تام الاعضاء ، قواها مؤاتية اعضائها على الاعمال التي تكون بها 0 |
1-ان يكون تام الاعضاء الجسدية في اداء الاعمال الجهادية 0 |
2- ان يكون الطبع جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له0 |
2-ان يكون ميالاً بالفطرة الى دراسة العلوم النظرية 0 |
3-ان يكون جيد الحفظ لما يفهمه ولما يراه ولما يسمعه ولما يدركه0 |
3- ان يكون جيد الحفظ ولا يعتوره النسيان لما يفهمه ولما يراه000 |
4- ان يكون جيد الفطنة ذكياً 0 |
4-ان يكون جيد الفطنة قادراً على اقتناص الحد الاوسط بايسر ما يمكن ذلك0 |
5- ان يكون حسن العبارة0 |
5- ان يكون بليغاً حسن العبارة0 |
6- ان يكون محباً للتعليم والاستفادة منقاداً له سهل القبول0 |
6- ان يكون محباً للعلم ولتحصيل العلوم بشتى انواعها0 |
7- ان يكون محباً للصدق واهله مبغضاً للكذب واهله0 |
7- ان يكون محباً للصدق واهله كارهاً للكذب0 |
8- ان يكون كبير النفس محبا للكرامة0 |
8- ان يكون كبيراً للنفس ، لان الرجل الذي يطلب معرفة كل شيء00 لهو كبير بالطبع 0 |
9- ان يكون غير شره على الماكول والمشروب والمنكوح0 |
9- ان يكون كارهاً للذات معرضاً عنها0 |
10- ان يكون الدرهم والدينار وسائر اعراف الدنيا هينة عنده0 |
10- ان يكون غير محب للمال لان المال هو غاية كل رغبة0 |
11- ان يكون بالطبع محباً للعدل واهله مبغضاً للجور والظلم واهلهما0 |
11- ان ينحو بملء عزيمته نحو كل شيء خير وجميل بذاته 0 مثل العدل وسائر الفضائل الاخرى0 |
12- ان يكون قوي العزيمة على الشيء 00 جسوراً غير خائف ولا ضعيف النفس([16]) |
12- ان يكون شجاعاً ، لان من كان جباناً لا يستطيع ان يكون له في الفلسفة الحقة مكان0 |
ان هذه المتابعة من ابن رشد في مسألة مزايا رئيس الدولة كما وردت عند الفارابي لامر يثير الاهتمام من قبل المتتبع لفكر هذين الفيلسوفين الكبيرين([17])0 ولهذا يحق للباحثة ان تسمي ابن رشد خير رفيق للفارابي في باب علم الاجتماع والدراسات الاجتماعية الفلسفية العربية ، وان تفوق ابن رشد على استاذه في مسألة تطبيق النظرية الاجتماعية على الواقع المعاش في زمانه اذ يذهب ابن رشد الى نقد واقعه الاجتماعي مؤكداً ان الفيلسوف يعيش في عزلة عن المجتمع ، ذلك ان المجتمع لم يستفد من هذا الفيلسوف ايما فائدة مما جعل الدول في زمانه تعيش في تناقضات واضطرابات اجتماعية وسياسية ، ويشبه ابن رشد وجود الفيلسوف الحق لا الفيلسوف المزور في الدولة في علاقته مع مجتمعه مثل ربان السفينة الماهر في الملاحة مع من فيها من الملاحين اذ يعتقد هؤلاء الملاحون ان فن الملاحة صناعة لايمكن تعلمها ولا اكتسابها الخبرة ، فان اراد شخص ما اخبارهم ان فن القيادة للسفن يمكن ان يتعلم عندها اما يعزلونه او يقتلونه([18])000 اذ ان قصد ابن رشد من هذا المثال هو لبيان علاقة الفلاسفة بالمجتمع ودورهم في تنشئة فاضلة كاملة ، اذ يوازي مكانتهم في المجتمع مكانة الطبيب في صحة الابدان لمرضاه0
وقد اشرنا من قبل في الحديث عن حياة ابن رشد وكيف تعرض للنكبة على يد قادة مجتمعه في زمانه ودور هؤلاء في هذه النكبة وما جرته من ويلات في حياة ابن رشد،اذ لم تكن هذه النكبة لتحدث لولا ان ابن رشد قد اشر التناقضات المجتمعية في زمانه بشكل دقيق مما اثار حفيظة خصومه ومناوئيه([19])0
اما اشاراته الى المجتمعات الناقصة غير الكاملة ومسمياتها التي اطلقها ابن رشد عليها وهي اجتماع المجد والشرف واجتماع المال والغنى والاجتماع الجماعي واجتماع الاستبداد او الطغيان ، نجد هذه الاجتماعات السياسية قد تحدث عنها الفارابي باسهاب واضح من قبل في كتابه (آراء) 0
وقد اطلع عليها ابن رشد ووجد في اشارات الفارابي ما يحمل الدقة العلمية والفلسفية فاستند اليها في التسمية وفي بنية كل تسمية وموضوعاتها وقيمها الاخلاقية مما لا مزيد عليه ، سوى النظرة الواقعية الموضوعية ، أي ان ابن رشد قد نقل مفاهيم واصطلاحات الفارابي ذات الطابع النظري الى ممارسة عملية اجتماعية ، تنم عن رؤية تاريخية فلسفية نابعة من التاريخ العربي الاسلامي ومن دوله سواءاً دولة الخلفاء الراشدين ام دولة بني امية ، او بني العباس ، ام أمراء عصره من المرابطين والموحدين([20])0
بعد ان انهينا هذه الاطروحة ، توصلنا الى جملة من النتائج ، يمكن ان نلخصها بالآتي :
– ان ابن رشد ، قد شغل الدرس الفلسفي في القرن العشرين والى اليوم بصورة فاعلة ، وذلك لما يتميز به هذا الفيلسوف من نظرة عقلانية نقدية تتجاوز الحاضر الى المستقبل ، ويمكن ان نؤسس من فلسفته الكثير من الافكار والمناهج التي تقدم لواقعنا رؤية فلسفية اجتماعية معاصرة0 وان سبب الاهتمام بفلسفة هذا الفيلسوف ، انما تنبع من نظرته الواقعية الموضوعية لحركة المجتمع والفكر ، بخلاف الفلاسفة السابقين عليه من الإسلاميين الذين اهتموا بالجانب الميتافيزيقي وابتعدوا عن النظرة الواقعية لحركة المجتمع والدولة والانسان 0
– ولكي نفهم فلسفة ابن رشد الاجتماعية ونظرته الى المجتمع لابد من تقديم دراسة لشخصية هذا الفيلسوف وموقعه في التاريخ الفكري والفلسفي للعرب المسلمين، لان دراسة الشخصية الفلسفية تبين المنحى الفكري وتطور هذا المنحى وتحولاته الكبرى 0 وهو ما استنتجناه من دراسة حياة هذا الفيلسوف ومؤلفاته بشكل مفصل وبيان موقع علم الاجتماع من هذه الفلسفة0
– وان كان ابن رشد قد اعتمد في تأسيس منظوره لعلم الاجتماع على الفلاسفة السابقين عليه من امثال الفارابي وابن سينا ومسكويه واخوان الصفا ، فضلاً عن اليونانيين من امثال افلاطون وارسطو ، وان كان هذا الاعتماد لا يشكل مثلبة في فلسفة ابن رشد ، بقدر ما يشكل ابداعية فلسفية لديه ، اذ انه قد كيف وطور الاراء الاجتماعية لهؤلاء الفلاسفة ، وانتقل بها من المنظور الميتافيزيقي الى المنظور العلمي والواقعي0 اذ ان ابن رشد ، لم يترك لنا نصاً فلسفياً في علم الاجتماع بل نجد ان نظرته الاجتماعية التي تشكل منظور فلسفتنا قد تضمنت في جملة من مؤلفاته الرئيسة ، وان كان كتاب تلخيص السياسة هو الأبرز فيها ، اذ اسس فيه ابن رشد فلسفة اجتماعية متميزة ، ذات منظور واقعي موضوعي نقدي ، أفاد منها الفلاسفة الذين جاءوا من بعده من امثال ابن تيمية وابن خلدون0
– قدم ابن رشد في دراساته لطبيعة الاجتماع الانساني واسسه منظورا فلسفياً مؤطراً باطار معرفي ابستمولوجي يتسم بالشمولية والدقة في الملاحظات التي قدمها لنشأة الاجتماع الانساني ، اذ ربط بين الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي والجانب القيمي الاخلاقي ربطاً محكماً ، اذ يعتقد ابن رشد ان دراسة أي ظاهرة اجتماعية او تحول اجتماعي او تنشئة اجتماعية انما يتم من خلال دراسة المؤثرات الاقتصادية في النشأة الاجتماعية وطبيعة الاجتماع الانساني وهذا يدل على أهمية دراسة الحاجات الاساسية للانسان في تكوين منظوره المعرفي والقيمي الاخلاقي وحتى المنظور الجمالي0
– ان اشارة ابن رشد الى التنشئة الاجتماعية وطرائق التربية ، انما قامت على الربط ما بين الجانب الخلقي للانسان والجانب المعرفي له ، اذ اعتمد ابن رشد على برنامج متميز في اعداد هذه التنشئة بدقة ، آخذاً بنظر الاعتبار المراحل العمرية للانسان منذ الطفولة وحتى مرحلة النضج والاكتمال0 وكأنه يريد بذلك ان يؤسس مجتمعاً عربياً اسلامياً قوياً من كل الجوانب ، مجتمعاً ناضجاً متكاملاً من الناحية المعرفية والسياسية ، ليقاوم كل الحركات والدول التي تريد ان تحارب هذا المجتمع وتهدمه من داخله ، وكأن ابن رشد أراد الاعتماد على التنشئة الاجتماعية والتربية القيمية في اعداد الانسان العربي المسلم اعداداً متكاملاً لهذه المهمات الاساسية في قوة الدولة والمجتمع والفرد 0
– ولهذا فان قراءة ابن رشد بهذه الصورة ، سوف تقدم لنا اطارا منهجياً في فهم آليات فلسفة هذا الرجل ، وانه كان يتحرك ضمن اطار الفكر الفلسفي العربي الاسلامي ككل ، قارئاً شمولياً له ، ناقداً متميزاً عنه0
فضلاً عن ان قراءة ابن رشد بطريقة معاصرة لنا ، لربما تقدم صورة ورؤية جديدة للواقع العربي المعاش اليوم ، لان ابن رشد انطلق في فلسفته الاجتماعية من واقعه المتأزم سياسياً وعسكرياً واجتماعياً ، وقدم رؤية واقعية له وان اتسمت بالروح المثالية القيمية 0
ولهذا تجد الباحثة ان ثمة مقاربات فلسفية وفكرية بين عصر ابن رشد وعصرنا الحالي ، اذ يمكن التعويل على فلسفة ابن رشد الاجتماعية وتكييفها لواقعنا العربي المعاصر ، ولا سيما مسالة التربية والتنشئة الاجتماعية وطرائق اعداد الانسان والموقف من المرأة واسس الدولة القوية وعلاقة الفرد بها0
ولهذا تدعو الباحثة ، الى قراءة ابن رشد قراءة مستقبلية لا قراءة للماضي الفلسفي العربي الاسلامي والوقوف عنده تمجيداً ، بل المواصلة معه واستلهام روحه بعقل منفتح بعيداً عن كل تعصب واحكام مسبقة حول هذا الفكر او ذاك 0
اولاً – العربية
القرآن الكريم
1- آرنست رينان ، اؤلمستشرق – ابن رشد والرشدية ، ترجمة عادل زعيتر ، القاهرة ، 1957 0
2- ابراهيم العاني – الانسان في فلسفة الفارابي ، بيروت 1998 0
3- ابراهيم مدكور – المعجم الفلسفي ، القاهرة 1979 0
4- ابن الآبار – التكملة لكتاب الصلة ، القاهرة 1956 0
5- ابن أبي اصيبعة – عيون الانباء في طبقات الاطباء ، تحقيق نزار رضا، بيروت 1965 0
6- ابن باجة ، ابو بكر ابن الصايغ – تدبير المتوحد ، تحقيق معن زيادة ، بيروت 1980 0
7- ابن بسام – الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة ، مصر 1930 0
8- ابن بشكوال – كتاب الصلة ، مدريد 1882 0
9- ابن رشد ، ابو الوليد محمد بن احمد – تلخيص السياسة ، نقله الى العربية حسن مجيد العبيدي وزميلته ، بيروت 1998 0
10- ابن رشد – فصل المقال بين الحكمة والشريعة من الاتصال ، بيروت 1978 0
11- ابن رشد – الكشف عن مناهج الادلة في عقائد الملة ، تحقيق محمود قاسم ، ط1 ، القاهرة 1965 0
12- ابن سعيد – المغرب في حلى المغرب ، تحقيق شوقي ضيف ، القاهرة 1960 0
13- ابن سينا ، ابو علي الحسين – تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات ، القاهرة 1957 0
14- ابن سينا – الحكمة العروضية في معاني رسطوريغا ، تحقيق محمد سليم سالم ، القاهرة 1970 0
15- ابن سينا – رسالة في السياسة ، نشرة لوسي شيخو ، بيروت 1913 0
16- ابن سينا – الشفاء ، الألهيات ، تحقيق سليمان دنيا ، القاهرة 1961 0
17- ابن سينا – الشفاء ، المنطق ، المدخل ، تحقيق ابراهيم مدكور ، القاهرة 1953 0
18- ابن طفيل ، ابو بكر القيسي – حي بن يقظان ، تحقيق جميل صليبا ، دمشق 1962 0
19- ابن فرحون – الديباج المذهب ، القاهرة ، بلا تاريخ 0
20- ابن عذاري المراكشي – البيان المغرب في اخبار ملوك الاندلس والمغرب ، تطوان 0
21- ابن العماد الحنبلي – شذرات الذهب في اخبار من ذهب ، بيروت (د0ت)0
22- ابن مخلوف ، شجرة النور الزكية ، ط1 ، القاهرة (د0ت)0
23- ابو ريان ، محمد علي – تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ، القاهرة 1984 0
24- الحسن ، د0 احسان محمد – معجم علم الاجتماع ، بيروت 1981 0
25- اخوان الصفا وخلان الوفا – الرسائل ، بيروت 1962 0
26- ارسطوطاليس ، الفيلسوف – السياسيات ، مترجم ، دمشق 1957 0
27- افلاطون ، الفيلسوف – الجمهورية ، ترجمة حنا خباز ، بيروت 1930 0
28- اميرة حلمي مطر ، الفلسفة السياسية ، القاهرة 1978 0
29- اميرة علي ، سيد – مختصر التاريخ العربي والتمدن الاسلامي ، القاهرة ، 1978 0
30- بالنثيا ، آنخل – تاريخ الفكر الاندلسي ، ترجمة حسين مؤنس ، القاهرة 1950 0
31- بدوي ، عبد الرحمن – الموسوعة الفلسفية ، بيروت 1984 0
32- البستاني ، فؤاد افرام – دائرة المعارف ، بيروت 1964 0
33- التليلي ، عبد الرحمن – ابن رشد الفيلسوف العالم ، تونس 1998 0
34- التنبكتي – نيل الابتهاج بتطريز الديباج ، على هامشه كتاب الديباج
المذهب 0
35- تيسير شيخ الارض – ابن طفيل ، بيروت 1961 0
36- الجابري ، محمد عابد – المثقفون في الحضارة العربية ، بيروت 1996 0
37- جميل خليل النعمة – السياسة في فلسفة ارسطو ، اطروحة ، الكوفه ، 1999 0
38- جميل صليبا – المعجم الفلسفي ، بيروت 1982 0
39- جولد تسهير ، المستشرق – موقف اهل السنة القدماء بازاء علوم الاوائل، ترجمة عبد الرحمن بدوي ، القاهرة 1946 0
40- الحريري ، خديجة – الفكر الاجتماعي عند ابن رشد ، بغداد 2002 0
41- الحموي ، ياقوت – معجم البلدان ، بيروت (د0ت)0
42- الخشاب ، مصطفى – علم الاجتماع ومدارسه ، القاهرة 1966 0
43- داغر ، يوسف اسعد – مصادر الدراسة الادبية ، بيروت 1961 0
44- ديورانت ، وول – حياة اليونان ، ترجمة محمد بدران ، بيروت 1988 0
45- الذهبي – سير اعلام النبلاء ، تحقيق بشار عواد معروف ، بيروت 0
46- زيادة ، معن – مقدمة كتاب تدبير المتوحد لابن باجة ، بيروت 0
47- زيعور ، علي – الحكمة العملية ، بيروت 1988 0
48- سعفان ، حسن شحاته – تاريخ الفكر الاجتماعي ، القاهرة 1963 0
49- سميح الزين – ابن رشد ، آخر فلاسفة العرب ، بيروت (د0ت) 0
50- شكاره ، عادل حسين – علم الاجتماع ، بغداد 1989 0
51- صاعد الاندلسي – طبقات الامم ، بيروت 1912 0
52- الصفدي ، صلاح الدين – الوافي بالوفيات ، اسطنبول 1949 0
53- عبد السلام بن عبد العالي – الفلسفة السياسية عند الفارابي ، بيروت 1985 0
54- عبد الوهاب مروان – النظرية السياسية بين اليونان والاسلام ، دمشق 2000 0
55- عبد الواحد المراكشي – المعجب في تلخيص اخبار المغــرب ، ليدن 1881 0
56- العبيدي ، حمادي – ابن رشد الحفيد ، ليبيا 0
57- العبيدي ، حسن مجيد – العلوم الطبيعية في فلسفة ابن رشد ، ط1 ، بيروت 1995 0
58- العبيدي ، حسن مجيد – نحو تفسير جديد لنكبة ابن رشد ، الموقف الثقافي، بغداد 1995 0
59- العقاد ، عباس محمود – ابن رشد ، القاهرة 1982 0
60- عمار ، فوزية – المعرفة والسياسة عند ابن باجة ، ليبيا 2000 0
61- الفارابي ابو نصر محمد – آراء اهل المدينة الفاضلة ، تحقيق البير نصري نادر، بيروت 1959 0
62- الفارابي ، ابو نصر محمد ، تحصيل السعادة ، تحقيق جعفر آل ياسين ، بيروت 0
63- الفارابي ، ابو نصر محمد – السياسة المدنية ، تحقيق فوزي نجار ، بيروت 1965 0
64- كرم ، يوسف – تاريخ الفلسفة اليونانية ، بيروت 1978 0
65- مراد ، علي عباس – دولة الشريعة ، بيروت 1999 0
66- مسكويه ، ابو علي – تهذيب الاخلاق ، القاهرة 1329 هـ 0
67- المقري – نفح الطيب ، القاهرة د0ت 0
68- المنذري ، زكي الدين – التكملة لوفيات النقلة ، بيروت 1981 0
69- اليازجي ، كمال – ملامح من فلسفة العرب الاجتماعية ، بيروت 0
ثانيا – الاجنبية
1- Henry, Giddings – Introduction to socidogy . New York 1961.
2- M.Bouyges inventaire des pxtesarabes, d’ Averroes, Beyrouth 1921 .
3- R, M. Makiver – Introduction analysis , London 1962.