تهدف هذه الأطروحة إلى إبراز مفاصل إستراتيجية روسيا الجديدة التي بدأت تستعيد دورها الريادي تدريجيا بصفتها قوة كبرى لها القدرة على منافسة ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وتركّز الأطروحة على البحث في التطور التّاريخي ليس بغرض سرد الوقائع، بل من أجل استخراج التكرارات التي تشكل أبعاد هذه الإستراتيجية التي بقت ثابتة رغم اختلاف الفترات وطولها، من الإمبراطورية مرورا بالاتّحاد السّوفياتي، ثم روسيا الاتحادية، فالثوابت تمثل الإستراتيجية، والمتغيرات تمثل التكتيكات. بدأت روسيا منذ 2008 في تطبيق إستراتيجية جديدة قادها الرئيس فلاديمير بوتين، حاملا طموح استعادة قوة بلاده الضائعة بين المحافظة على خصوصيتها الاقتصادية والثقافية والهوياتية، وتيارات العولمة والليبرالية التي تجذبها جذبا، يكاد يكون إجبارا، وقد كان في أحداث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصة سانحة لتحقيق آماله وتطلعات شعبه. تميز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعلاقة مع روسيا امتزجت بالتقارب تارة والتباعد تارة أخرى، حال هذه العلاقة من حال روسيا نفسها التي شهدت المجد وعانت من التقهقر، لذلك سيتم الخوض في كل ما ذكر لمزيد من الفهم، والتعمق في الدور الجديد انطلاقا من المنطقة لعد الحروب التي انتشرت فيها على رأسها الحرب في ليبيا وسوريا، وسيتم المقارنة بين إستراتيجية الكرملين تجاه هاتين الحربين لمعرفة مكانة الإقليم، ومستقبله، وإعداد العدة لمواجهة الطوارئ فيه.