أورام الدونية والزهو في شخصية الزعماء العرب

في عدد وافر من دراسات علم النفس السياسي بخاصة تلك المعنية بالزعماء العرب وجدت أنها تتمحور في الغالب الأعم حول ثلاثة اسئلة يتباين مضمونها عن مضمون اسئلة دراسات علم النفس السياسي الخاصة بالزعماء غير العرب، وتتمثل هذه الاسئلة في الآتي:
1- لماذا يستمرئ الزعيم العربي المديح الكاذب( شعرا ونثرا وغناء وشعارات وصور ) بل ويجزي الزعيم العطاء والتكريم للمادحين رغم علمه ان أغلبه كذب ونفاق؟
2- لماذا تتسم سلوكيات الزعيم العربي بانفصام يتمثل في ” التعالي على مجتمعه شعبا ونخبا” بينما يبدو دونيا في سلوكه امام المجتمعات والنخب غير العربية(بخاصة الغربية) وهو ما تكشفه دراسات علم النفس السياسي للغة الجسد وللخطابات وخلال التفاوض مع الغربي.؟
3- لماذا يمتنع الزعماء العرب عن نشر صورهم أو أخبار حياتهم اليومية خارج الاطار الرسمي؟ اي خلال اجازاتهم او تناولهم الطعام او التسوق او مع اسرهم او خلال رحلاتهم ؟
ان متابعة المنشورات الغربية الاكاديمية بخاصة في نطاق علم النفس السياسي وهي اكثر من أن تحصى بخاصة دراسات العلماء الاسرائيليين والغربيين وبعض الروس واليابانيين تركز على ابعاد محددة ضمن محاولاتهم الاجابة على التساؤلات الثلاثة السابقة مثل:
أ‌- النرجسية بخاصة المرضية
ب‌- محاولات التظاهر بالطهر والعفة
ت‌- التغني بالانتساب لشخصيات تاريخية
ث‌- عقد النقص الناتجة عن خلفية اجتماعية او مظاهر جسدية او مستوى ثقافي متدني او مكبوتات من مراحل الطفولة..الخ.
ج‌- عقدة أوديب( طبيعة العلاقة مع الوالدين تحديدا)
من الطبيعي ان تتباين حدة المشكلة النفسية بين زعيم عربي وآخر،طبقا لمعطيات التاريخ النفسي من ناحية والبيئة الاجتماعية للزعيم من ناحية أخرى، لكني واستنادا للدراسات المختلفة سأتوقف عند ظاهرة كادت أن تكون سائدة في اغلب دراسات علم النفس السياسي للزعماء العرب من “ثوريين أو محافظين” الا وهي الشعور الكامن بالدونية امام زعماء الغرب او نخبهم من ناحية أو الشعور بالزهو المرضي في مواجهة نخب او زعماء العرب الآخرين من ناحية مقابلة.
ويكفي أن اشير الى نماذج من هذه الدراسات مثل: Kay Philips and M.Rajai-world revolutionary leaders وتشمل دراسة 15 زعيما عربيا، او دراسة Jerrold Post-Saddam Hussien: A political Psychology Profile او دراسة E.Shouby-The Influence of Arabic Language on The Psychology of the Arabs ودراسة رفائيل باتاي الشهيرة حول العقل العربي ودراسات كاتاكورا Katakora الياباني عن الشخصية العربية مع اشارة للقيادات او الدراسة الحديثة ل John Nixon- وعنوانه Debriefing President الى جانب دراسات حالات مثل دراسات Ben Rafael او دراسات K.Benjamin ..الخ من عشرات الدراسات.
ومن اهم ما لفت انتباهي هو ميل اغلب هذه الدراسات للتركيز على ما يمكنني وصفه ” أورام الدونية والزهو”(Tumors of inferiority and vanity) حيث تتجلى الدونية في سلوكه مع الغربي( في حديثة ولغة جسده وجلوسه امامه وطريقة مخاطبته او تفاوضه او لباسه او السير بجواره او طريقة تحيته او اماكن جلوسه او التزاماته بالبروتوكول…الخ) بينما تجده خلافا لذلك عندما يكون التعامل مع العربي .
وخطورة الادراك الغربي لهذه الشخصية المضطربة والمنفصمة هو انه يدرك ان الانظمة العربية كلها نظم استبدادية يتحكم في قراراتها هذا الطاغية (سوا أكان الزعيم خصما للغرب او صديقا) ، وهو ما يجعل القدرة على توجيهه دون ان يشعر والتلاعب به من خلال مداعبة عقده النفسية امرا يسيرا، ومن يقرأ مذكرات مارغريت ثاتشر يكتشف تماما كيف كان قرارها مع الزعماء العرب من صناعة علماء النفس البريطانيين..ثم لماذا كان المحقق مع صدام حسين بعد اعتقاله ضابطا كانت اطروحته الجامعية في علم النفس السياسي حول ” شخصية صدام حسين”؟ واتمنى من نخبنا وزعمائنا العودة لدراسات Stanley A. Renshon Edito وعنوانها The Political Psychology of the Gulf War: Leaders, Publics, and the Process of Conflict
او دراسات Michael D. Wallace وفريقه البحثي في دراستهم وعنوانها Political Rhetoric of Leaders under Stress in the Gulf Crisis
ان هذا الطاغية الذي يزهو امام مجتمعه العربي محشو بالدونية الكامنة، ولكي يحافظ على كرسيه ليس لديه أي تأنيب ضمير عند انسحاقه السيكولوجي امام الغربي ويعوضه بالزهو المرضي عندما يعود لشاشات مجتمعه، والادراك الغربي لانفصام هذه الشخصية يساعدهم على التلاعب بها مهما ادعى الحكمة والادراك..
Please subscribe to our page on Google News

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15204

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *