اعتبرت قضية الإصلاح خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر مطلبا ضروريا واستعجاليا ضمن مخيلة الفئة العالمة بالمنطقة المغاربية، إذ تعددت وانقسمت ردود فعل المغاربة إزاء استعمار المنطقة، فبعدما ترسخ الوعي باختلال التوازن بين الأنا والآخر (الأوربي) وفي محاولة للإفلات من خطر الاحتلال وديمومة الاستعمار ومحو الهوية المحلية؛ ظهرت العديد من التجارب الاصلاحية التي دعت إلى استعجال الموقف والبدء بإصلاح أجهزة الدولة وأنظمتها من جيش واقتصاد وإدارة وتعليم…الخ. هذه التجارب الإصلاحية التي سيقودها في الوطن العربي العديد من المفكرين النهضويين، كان أهمهم بالنسبة لموضوعنا كل من المصلحين خيرالدين التونسي والمؤرخ أحمد الناصري المغربي، حيث حاول كل من جهته تقديم مجموعة من الحلول التي تراءت من منظور الرجلين كمحاولات إصلاحية جادة. وعلى الرغم من فشل مجملها هذه التجارب، إلا أنها مثلت لنا تعبيرا صريحا ومبكرا عن يقظة حديثة وحس منشغل بالنهوض المجتمعي.
ومعلوم أن أي دراسة تستوجب خارطة طريق يسلكها الباحث أثناء التحليل، بهدف الوصول إلى المبتغى وفق ضوابط محددة سلفا. وتوافقا مع طبيعة البحث المقدم الذي هو عبارة عن دراسة تاريخية مقارنة، فقد آثرنا العمل وفق قاعدة المنهج المقارن بغرض التحكم في الموضوع تشابها واختلافا، كما اعتمدنا المنهج الوصفي من خلال جمعنا للمعطيات التاريخية المتعلقة بالرجلين وتصنيفها ثم تحليلها، حتى يسهل التعامل مع تمفصلاتها البحثية.
