سيصدر في نهاية هذا الشهر كتاب مهم، عن منشورات جامعة يال الامريكية Yale University Press ، للباحثين فان جاكسون Van Jackson ومايكل برينيس Michael Brenes ،تحت عنوان:
خطر التنافس: كيف يهدد التنافس بين القوى العظمى السلام ويضعف الديمقراطية
The Rivalry Peril: How Great-Power Competition Threatens Peace and Weakens Democracy
يتناول هذا الكتاب مخاطر سياسة المنافسة التي تنتهجها الولايات المتحدة مع الصين،على الديمقراطية والسلام والازدهار، وكيف يمكن إتباع نهج أكثر عقلانية في ذلك.
لمدة عقد تقريبا صاغت الولايات المتحدة سياستها الخارجية والداخلية، لتقييد القوة العسكرية والنمو الاقتصادي للصين،والتي كانت مضللة،وتقلل إلى حد كبير من التكاليف والمخاطر التي يفرضها التنافس الجيوسياسي على الرخاء الاقتصادي، وجودة الديمقراطية، وفي نهاية المطاف تؤدي الى تهديد الاستقرار العالمي.
يكشف الكتاب عن المقايضات والمزالق التي تنطوي عليها المنافسة المطولة مع الصين ،وكيف تؤدي مثل هذه السياسة إلى تفاقم التفاوت، وتؤدي إلى كراهية الأجانب، وتزيد من احتمالات العنف في جميع أنحاء العالم. وعلاوة على ذلك، فإن هذا النهج يصرف الانتباه عن أولوية معالجة قضايا مثل تغير المناخ، وفي الوقت نفسه يقوض التعددية الديمقراطية ويضحي بالحرية باسم الانتصار على العدو “الآخر”.
يتوزع الكتاب في ستة فصول ،في الفصل الأول، يشرح المؤلفان تاريخ المنافسة بين القوى العظمى في سياق عالمي منذ القرن الثامن عشر، لإظهار كيف جعلت مثل هذه المنافسات العالم أقل ديمقراطية وأقل عدالة، وخاصة خلال الحرب الباردة. و التطرق بشكل مكثف إلى تاريخ ما قبل الحرب الباردة، لتحديد الفجوة الكبيرة بين الصورة التي يحملها صناع السياسات عن الحرب الباردة، والآثار الحقيقية التي خلفها “السلام الطويل” المتخيل على الشعب الأميركي والعالم. والكيفية التي عززت بها الحرب الباردة التسلسلات الهرمية العرقية والجنسانية في الداخل، وزادت من انعدام الأمن الاقتصادي، وعرقلت التعددية الديمقراطية، وساعدت في تطرف القوى اليمينية في الحياة السياسية الأميركية ــ كل هذا بالإضافة إلى تحفيز الأزمات النووية، والحروب بالوكالة، والمساعدات التي قدمتها أمريكا الى النظم الشمولية التابعة لها في العالم الثالث.
وفي الفصل الثاني يتم توسيع هذا التحليل التاريخي، لتغطية تاريخ “اللحظة الأحادية القطبية” بعد الحرب الباردة، لقد أدى سعي أميركا إلى التفوق بعد عام 1991 ، للتخلي عن “عائد السلام” وسياسة خارجية أكثر تحفظا ،و إلى تجاوزات وردود أفعال سلبية شكلت سلوك الصين.
ورغم أن الولايات المتحدة كانت راغبة في إقامة علاقة تعاونية مع الصين أثناء رئاستي بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، لكن إخفاقات الحرب على الإرهاب بعد 11 سبتمبر 2001، أدت إلى توليد تشكك الصين في إمكانية ضمان استقرارها في سياق التفوق الأميركي. وقد أدى هذا الغموض، إلى جانب الأزمة المالية في عام 2008، إلى دفع الصين إلى تعزيز نفوذها الإقليمي والعالمي من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية. وأقنع التحول في سياسة الصين صناع السياسات الأميركيين، بأن التعاون مع الصين لم يعد ممكنا وأن العالم دخل عصرا جديدا من التنافس بين القوى العظمى. وتقييم خطر التنافس اليوم، وكيف أنه يؤدي إلى إنتاج أوضاع سياسية، أكثر قتامة وخطورة في الولايات المتحدة والعالم.
ويحلل الفصل الثالث التأثيرات التآكلية للمنافسة الجيوسياسية، على الديمقراطية السياسية في الداخل، ويوضح بالتفصيل كيف أصبح “التهديد الصيني” موضوعا سياسيًا، يقسم المجتمع ويمكّن الأصوات الرجعية المتطرفة المعارضة للديمقراطية. إن التحدي الذي تفرضه الصين لا يجمع السياسة الامريكية. فمن خلال التعامل مع الصين وكأنها تمثل تحديًا للحرب الباردة، أدت المنافسة بين القوى العظمى إلى زيادة ملحوظة في العنف المناهض للآسيويين، وتوجيه الحريات المدنية، وإنكار المراقبة والتحقيقات ضد الأميركيين الصينيين، وزيادة جنون العظمة بشأن الطابور الخامس والأعداء في الداخل. ويركز الفصل الرابع على التهديد الذي يشكله التنافس على الرخاء الاقتصادي في أمريكا،ويربط بين المنافسة الصينية الأمريكية والاقتصاد السياسي الأوليغارشي المتزايد، الذي يجعل معظم العمال غير آمنين اقتصاديًا.ويوضح هذا الفصل كيف تدفع المنافسة الاستراتيجية ،الاستثمارات الوطنية في التقنيات المتقدمة التي تشكل السياسة الصناعية، لكن مثل هذه الاستثمارات تعيد توزيع ثروة المجتمع إلى الأعلى، وتدعم الشركات الكبرى والأجور الأعلى لنخبة تكنوقراطية صغيرة ذات درجات علمية متقدمة وموقع متميز في الاقتصاد. لا تقدم هذه السياسات الاقتصادية شيئًا للأغلبية العاملة. يتناول الفصل الخامس رؤية المؤلفان لحالة الصين ومستقبلها. وكيف أن لب مشكلة الصين، تكمن التفاوتات التي يدعمها نظام الدولة الصيني لتراكم رأس المال في الاقتصاد العالمي،وكيف أن المنافسة الصينية الأميركية، تعزز القومية العرقية في الصين والولايات المتحدة.
كما يشرح هذا الفصل مخاطر المنافسة بين القوى العظمى في العالم ، فالتنافس يؤدي إلى تآكل التأثيرات التحسينية أو السلمية، التي تأتي من الترابط الاقتصادي والدبلوماسية والتعاون المتعدد الأطراف.
ويجيب الفصل السادس على السؤال “إذا لم يكن التنافس، فماذا إذن؟” ويحدد عناصر استراتيجية كبرى عملية، تهدف إلى تحقيق السلام والديمقراطية بدلاً من التعصب القومي والحرب.
ولابد من معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن العالمي، إذا أردنا للسلام والديمقراطية أن تحظيا بفرصة حقيقية في هذا العالم. وأن يدرك صناع السياسات والجمهور بشكل أفضل ،كيف تعمل المنافسة بين القوى العظمى على زعزعة استقرار السياسة العالمية؛ وتمكين القوى الرجعية في الولايات المتحدة والخارج؛ وتؤدي إلى المزيد من الصراعات العنصرية.
الكتاب نقداً مهم للسياسة الخارجية الأميركية الحالية،وإستشراف هام لاستراتيجية أكثر عقلانية وأكثر ديمقراطية لتخفيف التوتر وتحقيق الدبلوماسية الفعالة.

Subscribe to our email newsletter to get the latest posts delivered right to your email.
Comments