صدر في بداية شهر سبتمبر الماضي كتاب مهم، عن منشورات مركز دراسات Brookings Institution Press بواشنطن،للباحثان إلين كامارك Elaine Kamarck و داريل إم ويست Darrell M. West ، تحت عنوان:

الأكاذيب القاتلة: دليل المواطن إلى التضليل

Lies that Kill: A Citizen’s Guide to Disinformation

يتناول هذا الكتاب صناعة التضليل في الولايات المتحدة الامريكية، وكيف تساهم البيئات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه الصناعة الخطيرة،وكيف يتم جعل التضليل قابلاً للتصديق من طرف أعداد كبيرة من الناس، بالشكل الذي يصعب إيقافه أو منعه.

إن التضليل الذي أصبح ممكنًا بفضل التقدم السريع في التكنولوجيا الرقمية الرخيصة، والذي تروج له الشبكات المنظمة، يزدهر في البيئة السياسية السامة الموجودة داخل الولايات المتحدة وحول العالم. ويأخذ الخبيران القراء الى عالم حملات التضليل، لإظهار للمواطنين المعنيين، كيفية التعرف على التضليل وفهمه وحماية أنفسهم والآخرين.

وباستخدام دراسات الحالة للانتخابات وتغير المناخ والصحة العامة وقضايا العرق والحرب والحكم، يوضح مؤلفو الكتاب بالامثلة، كيف تتحول البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الى ساحة كبيرة لتضليل المواطنين.

إن التضليل الإعلامي منتشر في الولايات المتحدة، ويؤثر على كل شيء من الحملات والرسائل السياسية، إلى السلوك الاجتماعي والاتصالات الشخصية. إنه ظاهرة قوية تضر برفاهية الناس وتقوض حل المشاكل العامة. وفي أسوأ حالاته، يشجع التضليل الإعلامي الكراهية، ويعزز الانقسامات الاجتماعية ويقتل الناس بالفعل.

ويتلخص هدف الكتاب في رفع مستوى الوعي العام بشأن التضليل الإعلامي، من خلال إزاحة الستار عن إنشائه ونشره. ويتم توضح كيف يتم تغذية التضليل الإعلامي بالحوافز المالية. وعند النظر إلى الموضوع عبر مجموعة متنوعة من مجالات السياسة، نجد أن الروايات الكاذبة، غالبًا ما تكون تجارة مربحة، لأنها تمكن الناس من كسب المال، من خلال رسوم الاشتراك وعائدات الإعلانات ومبيعات البضائع.

وأنه يتعين على الجهود الحكومية والقطاع الخاص، للتخفيف أو تقليل كمية التضليل الإعلامي، التي نراها اليوم، أن تشمل الجهود الرامية إلى إلغاء استخدام التضليل الإعلامي، والحد من الحوافز المالية التي يتمتع بها الناس لإنتاج ونشر المواد الكاذبة.

ويوضح الكتاب كيف أن الشبكات المنظمة ضرورية، لفهم ومكافحة التضليل،وأن الروايات الكاذبة لا تتجسد من تلقاء نفسها، بل هناك جهود منهجية لإنشاء هذه المواد ونشرها على نطاق واسع، وأن هناك إستخدام واسع للمعلومات المزيفة ،لتغيير الخطاب العام وتحقيق أهداف السياسة.

وأن التضليل جزء لا يتجزأ من الاستراتيجيات السياسية الأوسع نطاقًا، كما هو الحال في المعارك حول نزاهة الانتخابات، وتغير المناخ، والصحة العامة، والعلاقات العرقية، والآراء حول فعالية الحكومة، وخاصة الحرب،وانه لا يمكن للمرء أن يبتكر علاجات فعالة للتضليل، ما لم يتم فهم هذه الشبكات المنظمة ومعالجتها.

ويشرح الكتاب الأسس التكنولوجية للنظام البيئي الحالي للمعلومات، وكيف تجعل التطورات الأخيرة في التكنولوجيات الرقمية، من السهل نشر التضليل، من خلال خفض تكاليف المعلومات. وباستخدام هذه الأدوات الجديدة، يمكن لأي شخص تقريبًا، أن يصبح منشئ محتوى أو صحفي مواطن أو ناشرًا للتضليل.

ويشرح الكتاب كيف تعمل التقنيات الرقمية الجديدة، مثل الخوارزميات والذكاء الاصطناعي التوليدي والروبوتات الآلية ،على إضفاء الطابع الديمقراطي على التضليل، وخفض تكاليف نقله، والسماح لأي شخص بنشر الأخبار المزيفة.

ويوضح الكتاب كيف يتم تسهيل الروايات الكاذبة، من خلال البيئة السياسية السامة الموجودة داخل الولايات المتحدة وكذلك في جميع أنحاء العالم،وأنه يتعين وضع التضليل في إطار أوسع، لتحليل المشكلة، والنظر إلى الاتجاهات الأوسع التي تسهل التضليل: الاستقطاب السياسي، والتعصب الحزبي، والتطرف، وعدم الثقة في الخبراء، والانحلال المؤسسي.

يمثل التضليل تهديدًا معاصرًا ليس فقط لأن الجهات الفاعلة الخبيثة، لديها أدوات قوية تحت تصرفها ،ولكن لأن العديد من سمات بيئتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحالية، تجعل التضليل قابلاً للتصديق لأعداد كبيرة من الناس.

إن عدم الثقة في الخبراء يقوض نقل المعرفة الواقعية ،ويجعل من الممكن للمواد غير الدقيقة، أن تكتسب رواجًا.إن عدد الذين كانوا في السابق يتحققون من صحة المعلومات في انحدار، والآن يتم النشر على نطاق واسع، من قبل كيانات أجنبية ومحلية لأغراض سياسية وجيوسياسية.

يقدم الكتاب توصيات لمساعدة المواطنين، على فهم التضليل بشكل أفضل ،وكيفية معالجته لمساعدة االمواطنين على فك شفرة هذا التهديد الخطير.

يناقش الفصل الأول ماهية التضليل، وكيف ينتشر، ومخاطر الإعلان الذي تحركه الخوارزميات، ودور المنصات الرقمية الكبيرة، ولماذا يشكل تهديدات كبيرة للديمقراطية.

ويشير الفصل الثاني إلى الطرق التي أثرت بها التضليل على وجهات النظر حول نزاهة الانتخابات ونتائجها. ويوضح الفصل الثالث كيف أضعفت العلوم الزائفة والأموال السوداء قدرتنا على معالجة تغير المناخ.

يحلل الفصل الرابع كيف عطلت الروايات الكاذبة حول كوفيد-19، الاستجابات للجائحة وأضرت بالصحة العامة.ويوثق الفصل الخامس الطريقة التي تعمل بها المعلومات الكاذبة تاريخيًا واليوم على إبراز العنصرية وإضعاف الجهود المبذولة لمعالجة عدم المساواة العرقية. يناقش الفصل السادس التضليل في زمن الحرب وكيف تشكل الروايات الكاذبة الرأي العام والعمليات العسكرية.

يوضح الفصل السابع كيف تم استخدام المعلومات غير الدقيقة لنزع الشرعية عن الحكومة وإقناع الناس بأن الحكم متطرف وخاطئ وغير فعال، مما يثير شعورًا باليأس. أخيرًا، يقدم الفصل الثامن خارطة طريق للمواطنين وصناع السياسات، لمحاربة التضليل وتحسين الخطاب المدني،وتضمن قائمة بعشر طرق يمكن للناس العاديين من خلالها ،تقييم المعلومات والطرق التي يمكننا من خلالها معالجة التضليل، من خلال التعليم العام و برامج محو الأمية الرقمية، والتنظيم والتشريعات والتفاوض والتعاون مع البلدان الأخرى، التي تقلل من الحوافز المالية للتضليل ،وتسمح بملاحقة الجهات الفاعلة الخبيثة، كل ذلك مع احترام حرية التعبير.

Did you enjoy this article? Feel free to share it on social media and subscribe to our newsletter so you never miss a post! And if you'd like to go a step further in supporting us, you can treat us to a virtual coffee ☕️. Thank you for your support ❤️!