لطالما شكلت الأسلحة النووية هاجساً أمنياً للمجتمع الدولي، ففي الوقت الذي يفترض أن تكون هذه الأسلحة مصدر أمن وقوة للدول الحائزة أصبحت مصدر كذلك مصدر قلق وخوف لها وللدول غير الحائزة لها على السواء، فهي أسلحة، لفرط قوتها وشدة تأثيرها، يكاد يكون استعمالها مستحيلاً في نظر الكثيرين، مع ذلك تسعى العديد من الدول للحصول عليها وامتلاك القدرة على تصنيعها، على الرغم مما يترتب على ذلك من تكاليف باهظة تدفعها المجتمعات من مواردها الاقتصادية والبيئة والبشرية وَعلى مدى أجيال عدة، بل تتعدى تكاليفها المجتمعات المنتجة لها لتشمل العالم بأسره.
لقد كان نزع السلاح النووي أحد أقدم أهداف الأمم المتحدة، بل كان موضوع القرار الأول للجمعية العامة في عام 1946، ومنذ ذلك الحين تصدَّر نزع السلاح النووي أجندة الأمم المتحدة التي كرّست جهوداً كبيرة وأنشأت لجاناً عديدة ونظّمت اجتماعات ومؤتمرات كثيرة من أجل المضي قدما باتجاه نزع هذا السلاح، الذي يوصف بأنَه أكثر الأسلحة غير الإنسانية والعشوائية التي تم انتاجها على الإطلاق، فهو ينتهك القانون الدولي، ويتسبب في أضرار بيئية جسيمة، ويقوّض الأمن الوطني والعالمي، ويحوّل موارد عامة هائلة بعيدا ًعن تلبية الاحتياجات البشرية، ما يوجب القضاء على تلك الأسلحة بشكل عاجل.
بعد أن أجهضت المساعي الأولى لوأد السلاح النووي في بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، نتيجة تمكن الاتحاد السوفيتي من تصنيع القنبلة النووية ودخول العالم في دوامة سباق التسلح النووي، وما نجم عنه من كوارث وآثار تدميرية على البيئة والبشر، لاحت في الأفق، مع نهاية الحرب الباردة، بارقة أمل للتخلص من السلاح النووي، وذلك عبر العديد من المعاهدات الدولية والاتفاقيات الثنائية التي كانت تهدف لإيقاف إنتاجه أولاً والعمل على إزالته ثانياً، وصولاً إلى تحقيق عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية، لكن النتائج المتحققة كانت دون مستوى الطموح، بل أقل كثيرا مما هو مخطط له. فبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء الحرب الباردة ما يزال يوجد (12512) سلاح نووي في العالم، بحسب التقديرات. وما تزال البلدان التي تمتلك أسلحة نووية تضع خططاً طويلة الأمد وممولة تمويلاً جيداً من أجل تحديث ترساناتها النووية، وما يزال أكثر من نصف سكان الأرض يعيشون إما في دول تمتلك أسلحة نووية أو في دول منضوية في تحالفات نووية. كما لا تزال عقيدة الردع النووي تحكم السياسات الأمنية لجميع الدول الحائزة للأسلحة النووية والعديد من حلفائها. واليوم يتعرض الإطار الدولي للحد من التسلح الذي أسهم في ضمان الأمن الدولي منذ الحرب الباردة لضغوط متزايدة؛ تتمثل في تراجع الدول المالكة للأسلحة النووية عن التزاماتها المتعلقة بنزع السلاح النووي، وتصاعد نبرة التهديد باستخدام السلاح النووي، وإحياء برامج تطوير الأسلحة النووية واستئناف التجارب النووية، في ظل توترات أمنية متسارعة في العديد من مناطق العالم.
أولا- أهمية الدراسة
تستمد الدراسة أهميتها من الدور الكبير للأسلحة النووية في التحكم بالعلاقات الدولية، وإدارة الصراعات بين الدول، والتحدي الكبير الذي يواجه المساعي الدولية لإزالة هذا السلاح والتخلص من تهديدات استخدامه بشكل مقصود أو عرضي، فضلاً عن منع انتشاره وتطويره، وتخليص البيئة من أثار التفجيرات النووية، وتعويض ضحاياه. كما يُعرِّض امتلاك هذا السلاح من عدد محدود من الدول النظام العالمي المستند إلى قواعد القانون الدولي الإنساني لخطر التفكك والانهيار، نظراً لما يمثله وجود هذه الأسلحة من انتهاك صارخ لمبادئ هذا القانون، التي تعدُّ الأساس لضمان السلم والأمن العالميين، والحفاظ على مستوى مقبول من الاستقرار السياسي، الذي يعدُّ شرطاً لا غنى عنه لتحقيق التنمية والازدهار والتطور لجميع بلدان العالم.
ثانيا- أهداف الدراسة
- الوقوف على مخاطر السلاح النووي على مختلف الصعد البيئية، والأمنية، والسياسية، والتنموية.
- تحديد موقف القانون الدولي من الأسلحة النووية، من حيث حيازتها، والتهديد بها، واستخدامها.
- تقصي الجهود والمساعي المبذولة للقضاء على الأسلحة النووية من قبل الدول والمنظمات الدولية الحكومية والمنظمات الدولية غير الحكومية، وأساليبها، وحجم تأثيرها، وفاعليتها.
- تتبع المسارات التفاوضية في إطار الأمم المتحددة والهيئات المرتبطة بها للوصول إلى تحقيق الإلغاء التام للأسلحة النووية.
- رسم التوجهات المستقبلية الممكنة للسياسات النووية في ظل المعاهدات الدولية ومتغيرات بيئة الصراع الدولي.
ثالثا- إشكالية الدراسة
على الرغم من وجود العديد من المعاهدات الدولية المعنية بنزع السلاح النووي المعترف بها من الدول الحائزة للأسلحة النووية ما زال هدف القضاء على الأسلحة النووية بعيد المنال، وقد جاءت معاهدة حظر الأسلحة النووية، في ظل معارضة الدول الحائزة للأسلحة النووية وحلفائها، لتحقيق الهدف ذاته.
التساؤل المركزي الذي تحاول هذه الدراسة الإجابة عنه يتعلق بما يمكن أن تضيفه هذه المعاهدة لدعم الجهود المبذولة للقضاء على الأسلحة النووية، والغايات التي تسعى لتحقيقها. ويمكن تفكيك هذا التساؤل عبر التساؤلات الفرعية الآتية:
- ما الذي يميز معاهدة حظر الأسلحة النووية لعام 2017 عن المعاهدات التي سبقتها؟
- ما المقاصد والأهداف الجديدة التي تسعى لتحقيقها؟
- وما التحديات التي تحيط بها؟ وما تأثيرها في مستقبل المعاهدة؟
رابعا- فرضية الدراسة
لقد تميزت معاهدة حظر الأسلحة النووية لعام 2017، بشمولها وسعة أفقها فيما يخص هدف القضاء على الأسلحة النووية، ومعالجة آثارها الإنسانية، وانسجامها مع أهداف الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني وغاياتهما، بيد أن تحديات البيئة الأمنية، وفشل الجهود التي ترعاها الدول الحائزة للأسلحة النووية في مفاوضات نزع السلاح النووي، يزيد من قناعة المجتمع الدولي بأهمية دعم معاهدة حظر الأسلحة النووية التي تجرد هذه الأسلحة من المشروعية، وتحمِّل الدول الحائزة للأسلحة النووية التبعات القانونية والأخلاقية لاستمرار وجودها.
خامسا- مناهج الدراسة
قامت الدراسة على أكثر من منهج في سياقها البحثي، إذ تتبعت في سياق المنهج التاريخي الجهود الأولى لنزع السلاح النووي عبر الوقوف على المواقف والأحداث السياسية والأمنية والمشكلات البيئية والدراسات العلمية التي أسست لفكرة نزع السلاح النووي، وتطور قواعد وآليات نزع السلاح النووي عبر المعاهدات والاتفاقيات الدولية. وفي سياق المنهج التحليلي تمت قراءة نصوص معاهدة حظر الأسلحة النووية وتحليلها إلى عناصرها الأساسية الفكرية والسياسية والقانونية، وأخيراً تم اعتماد المنهج المستقبلي لرسم أكثر من مشهد متوقع لتطور المواقف من معاهدة حظر الأسلحة النووية، وصولاً إلى تصور الموقف العلمي من قضية نزع السلاح وتفاعله النهائي معها.
سادسا- هيكلية الدراسة
تم تقسيم الدراسة على أربعة فصول، مع خاتمة واستنتاجات وذلك على النحو الآتي:
- الفصل الأول: تناول حظر الأسلحة النووية دراسة في الإطار المفاهيمي، وقد تضمن ثلاثة مباحث،
- تناول المبحث الأول التعريف بالأسلحة النووية وحيازتها، وتناول المبحث الثاني مفهوم ونطاق حظر الأسلحة النووية، بينما تناول المبحث الثالث حظر إجراء التجارب النووية.
- الفصل الثاني: تناول المعاهدات الدولية السابقة لحظر الأسلحة النووية، وقد تضمن ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأول المعاهدات الدولية لحظر الأسلحة النووية، وتناول المبحث الثاني المعاهدات الثنائية لخفض الأسلحة النووية، بينما تناول المبحث الثالث الهيئات الدولية المعنية بحظر الأسلحة النووية.
- الفصل الثالث: تناول المفاوضات الدولية بشأن إبرام معاهدة حظر الأسلحة النووية، وقد تضمن ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأول المفاوضات الدولية في نطاق الأمم المتحدة بشأن إبرام معاهدة حظر الأسلحة النووية، وتناول المبحث الثاني دور القوى الوسطى في معاهدة حظر الأسلحة النووية، بينما تناول المبحث الثالث دور منظمات غير الحكومية في معاهدة حظر الأسلحة النووية.
- الفصل الرابع: تناول معاهدة حظر الأسلحة النووية المقاصد والمآلات، وقد تضمن ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأول مقاصد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتناول المبحث الثاني دور الدول العربية في معاهدة حظر الأسلحة النووية، بينما تناول المبحث الثالث معاهدة حظر الأسلحة النووية وتحديات البيئة الأمنية.