النظرية ما بعد البنيوية في العلاقات الدولية

نورة مغاوي، باحثة بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية-قسم العلاقات الدولية- جامعة الجزائر 2019-2020

مقدمة منهجية لفهم مركز التحليل في النظرية ما بعد البنيوية

“مطلوب في التاريخ “ثورة كوبرنيكية أخرى تصحح وهم المؤرخ الأوروبي حين تصور حضارته مركزا ثابتا للحضارة كما تصور الإنسان قبل كوبرنيك أن الأرض مركز الكون، وكل الكون وكل الكواكب تدور في فلكها”

أسوالد شبينغلر”تدهور الحضارة الغربية”

      لقد اعتبر العديد من الباحثين- وعلى رأسهم جيمس دورتي وروبرت بالستغراف-أن الوظيفة الرئيسية لنظرية العلاقات الدولية تتمثل في تحسين معرفة الواقع الدولي سواء لفهمه فقط أو لتغييره، والمساعدة على تنظيم المعلومات، وعلى اكتشاف معلومات أكثر دقة، كما أنها تزود بإطار للتفكير تحدد فيه أولويات البحث وطريقة إنتاجه. وعلى هذا الأساس تتعاظم أهمية النظرية من حيث البناءات التي تقوم عليها والافتراضات التي ترتكز إليها. إن الجدل الواقع والنقاشات المثيرة التي يطرحها حقل العلاقات الدولية اليوم، لم يعد يرتبط فقط بمعرفة أي النظريات تمتلك الأحقية والأفضلية في تفسير وتحليل وفهم الواقع الدولي بل أضحى يتعلق كذلك بالمبادئ والمنطلقات التي تستند إليها كل نظرية، لا بوصفها حقائق تتسم بالثبات بل باعتبارها مجرد افتراضات وجب أن تخضع للمراجعة والتقويم المستمر، بعبارة أخرى وجب أن تخضع كل نظرية للمساءلة الأبستمولوجيا والأنطولوجية والمنهجية.

      أما النظرية ما بعد البنيوية فقد قلبت التفكير البنيوي على عقبيه؛ من خلال إعادة مساءلة أهم المفاهيم التي بني عليه الفكر الواقعي والليبرالي والذي في اعتبارهم يشبه تفكير إنسان قبل كوبرنيك، خاصة مفهوم القوة والمعرفة والسيادة والدولة، فعلى عكس البنيويين الذين يتحدثون عن القوة من خلال ميزان القوى، يقول ميشال فوكو الذي يعتبر من أهم منظري ما بعد البنيوية وعلماء اللغة والمنطق “أن القوة تحمل تفكك وتشتت في مستويات التحليل، والمعرفة شكل من أشكال القوة التي أخذت شكلا اجتماعيا”، وانطلاقا من هذا المعرفة ليست مسألة إدراكية  كامنة بل هي مسألة أخلاقية سياسية  مستنبطة تبرز معاني القوة. إذ تبين جينالوجيا أن القوي من يصنع المعرفة، تماما كما تصور المؤرخ الأوروبي هويته الحضارية مركزية مبنية على إقصاء الأخر. تجعل النظرية ما بعد البنيوية من قضايا التأويل والقوة والمعرفة وسياسة الهوية قضايا مركزية.   

والإشكال المطروح: ما الذي قدمته النظرية ما بعد البنيوية أبستمولوجيا ومنهجيا وانطولوجيا في حقل العلاقات الدولية؟

للإجابة عن هذا الإشكال لابد أولا من الإجابة عن الأسئلة المتفرعة عنه:

1-أي منهج اتبعته النظرية ما بعد البنيوية في تحليل الواقع الدولي وكيف انعكس على افتراضاتها؟

2-ما العلاقة بين القوة والمعرفة والسيادة أبستمولوجيا حسب منظري ما بعد البنيوية؟

3- ما هي أهم الإشكالات التي عالجتها النظرية ما بعد البنيوية انطولوجيا؟

ولمعالجة الإشكالية المطروحة، تم تقسيم البحث إلى محورين؛ أولهما يتناول الجانب المفاهيمي النظري تم فيه التطرق لمفهوم ما بعد البنيوية وشرح المنهج الجينالوجي الذي اتبعته النظرية ما بعد البنيوية والعلاقة بين القوة والمعرفة أبستمولوجيا، أما المحور الثاني فتم فيه معالجة أهم الفرضيات والإشكالات التي طرحتها النظرية ما بعد البنيوية، والتي شكلت قطيعة للفكر البنيوي فهما ونقدا خاصة السيادة والفوضى والدولة والأخلاق؛ التي أخذت بعدا أخر في التحليل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على الإرهاب.

المحور المفاهيمي:

 يتطرق إلى المفاهيم التي تتأسس عليها النظرية ما بعد البنيوية والتي ترتبط فيما بينها نسقيا، لتشكل أهم المنطلقات الفكرية لأصحاب النظرية ما بعد البنيوية، كمنطلق تنظري جديد في العلاقات الدولية.

1- النظرية ما بعد البنيوية:

   تزاحمت مفهوما واصطلاحا مع مفهوم ما بعد الحداثة؛ كمفهومان متنازع عليهما من حيث الافتراضات النظرية لكل منهما في إطار تعقيد الحقل النظري للعلاقات الدولية. لذلك من المفيد طرح العلاقة بين المصطلحين خاصة من خلال إبراز دور المفكرين في التحول من مصطلح ما بعد الحداثة إلى ما بعد البنيوية.

برزت العلاقة بين مفهوم ما بعد الحداثة ومفهوم ما بعد البنيوية في أولى دراسات السياسة العالمية التي نشرت سنة1989 في كتاب جيمس ديريان ومايكل كيه شابيرو في مجموعة من القراءات ما بعد الحداثية والذي يحتوي فصولا لما بعد البنيويون أمثال: ريتشارد كيه أشلي، وأربى والكر بحيث اعتبروا أنفسهم ما بعد بنيويون، في حين هناك آخرين ناقشوا ما بعد البنيوية باعتبارها ممارسة نظرية نقدية، ما يميزها عما بعد الحداثة التي فسرت باعتبارها لحظة أو حالة. يعرف ما بعد البنيويون كتفكيكين، أو جينالوجيين وما بعد حداثيين.

2-الجينالوجيا:

     مفهوم محوري للنظرية ما بعد البنيوية في العلاقات الدولية، تعتبر الجينالوجيا نمطا من الفكر التاريخي الذي يكشف ويسجل أهمية علاقات القوة والمعرفة. تم تعريفه من خلال المفهوم الراديكالي لنيتشه “مفهوم الأصول والجذور”، كما يعرفها رونالد بليكر “إن الجينالوجيات تهتم بالأصول وتمنح المعنى لتمثيلات معينة من التاريخ والماضي، ترشد حياتنا اليومية وتضع حدودا واضحة أمام خياراتها السياسية والاجتماعية”. تعرف أيضا بكونها لون من التاريخ الذي يضفي التاريخانية على تلك الأشياء التي نظن أنها أسمى من التاريخ، بما في ذلك تلك الأشياء والأفكار التي دفنت أو غطيت أو استبعدت من مجال النظر في كتابة وصنع التاريخ. وبهذا فإنها تطرح تصورا غائيا للتاريخ الذي يعرض معنى السيطرة وليس الحقيقة، فالاقتراب الجينالوجي يرى انه لا وجود لتاريخ واحد ويؤكد على المنظورية واختلاط الذات (المرويات التاريخية في تفسير الأحداث، تشكل الهويات..)  بالموضوع في صنع التاريخ لذلك المعرفة ليست مطلقة وكثيرا ما ترتبط بالقوة.

3-القوة والمعرفة:

   تقليديا، المعرفة يتعين أن تكون محصنة من القوة. حيث يبرز تحذير كانط” من أن امتلاك القوة يلوث لا محالة ملكة التمييز العقلي” وان تلك النظرة تحديدا هي التي شرع ميشيل فوكو وما بعد البنيويين بوجه عام في إثارة الإشكالات حولها. فبدلا من تناول عملية إنتاج المعرفة على أساس أنها عملية إدراكية ببساطة، تعتبرها ما بعد البنيوية مسألة أخلاقية وسياسية. وحسب فوكو، يوجد اتساق عام لا يصل إلى حد التماهي بين أنماط التأويل وميكانيزمات القوة. لأن القوة والمعرفة تستدعي إحداهما الأخرى، ولذلك ستغذو المهمة هي: رؤية كيف تنسجم فاعليات القوة مع المصفوفات الاجتماعية والسياسية الأوسع في العالم الحديث.

 كما جاء في كتاب المراقبة والعقاب 1977 حيث اختبر فوكو نسبة الارتباط بين النظام العقابي (السجن) والعلوم الإنسانية، واستنتج اتساق السجن مع المجتمع الحديث لفهم عالم الإنسان. كما ربط ريتشارد أشلي العلاقة بين القوة والمعرفة” بقاعدة الكمون” لفوكو وتعلقت أطروحته ببساطة في أن الفن الحديث لإدارة شؤون الدولة، ما هو إلا الفن الحديث لإدارة شؤون الإنسان؛ باعتبار أن المعرفة ليست منحة، إلهية وأن الإنسان هو مصدر كل معرفة. وأن إدراك التاريخ مسؤولية تقع على عاتقه فهو صاحب السيادة، وباختصار، تتحدد نظرية وممارسة العلاقات الدولية بالمبدأ التأسيسي للسيادة (النظام والفوضى).

الإطار النظري والتطبيقي لما بعد البنيوية في العلاقات الدولية

1-الاستراتيجيات النصية لما بعد البنيوية:

   تعرف أيضا بالاستراتيجيات المعنية بقلقلة التأويلات المسيطرة، حيث يزعم دير ديريان أن ما بعد البنيوية تهتم بتعرية” التفاعل النصي وراء سياسة القوة”، لأن أثار النصية لا تظل وراء السياسة لكنها متأصلة فيها، إن النصية موضوع مشترك في النظرية ما بعد البنيوية وتتأسس من إعادة تعريف دريدا للنص في كتابه “Grammatology1974” فهو لا يقصر معناه على الأدب ومجال الأفكار، بل يرمي إلى أن العالم “الواقعي” أيضا نص ويصنع كالنص باعتباره خبرة تأويلية. وهكذا تعتبر ما بعد البنيوية بشكل صارم التأويل ضروريا وأساسيا لخلق العالم الاجتماعي.

 ولكن من اجل استخلاص التفاعل النصي، نعرض لإستراتيجيتين تستخدمهما ما بعد البنيوية هما” التفكيك والقراءة المزدوجة”، وستبينان كيف أن التفاعل النصي هو علاقة بنائية متبادلة بين التأويلات المختلفة في تمثيل وخلق العالم.

– التفكيك: هو الأسلوب العام لقلقلة ما يعتبر مفاهيم ومتقابلات مفاهيمية ثابتة، وذلك بشكل راديكالي. ولب هذه الإستراتيجية هو إظهار الآثار والتكاليف الناتجة من المفاهيم والمتقابلات المستقرة والكشف عن علاقة الإعالة بين المصطلحات المتقابلة ومحاولة إزاحتها. وبحسب دريدا المتقابلات ك (السيادة، الفوضى) ليست أبدا محايدة، لكنها هيراركية لا محالة، فإحداهما يعلو أن يمتاز على الأخر. والتفكيك يحاول بيان أن هنا يتعذر الدفاع عنها لأن كل مصطلح يعتمد عادة على الأخر.

ومن منظور ما بعد البنيوية ليس التقابل بين المصطلحين واضحا ولا متضادا، فعادة ما تحدث دريدا عن تلك العلاقة بمعنى الإعالة أو التلوث البنيوي إذ يتصل كل مصطلح بنيويا بالأخر، والاختلاف بينهما عادة يصحبه اختلاف مستتر بداخل كل مصطلح، وكلاهما ليس نقيا أو مطابقا لذاته أو معزولا بالكامل عن الأخر، بسبب الكليات الاجتماعية التي ليست حاضرة بالكامل أو منشأة بدقة، بسبب وجود مقدار معين من اللعب أو المرونة في بنية التقابل.

يُعني التفكيك على وجه الخصوص بتحديد عناصر عدم الاستقرار أو المرونة التي تهدد أية كلية تهديدا لا يمكن القضاء عليه، لذلك يتعين عليه تفسير مساعي الاستقرار، ولعل ما يميز التفكيك عن العناصر الأخرى المألوفة من التأويل هو اهتمامه بنفس القدر بالفك أو النقض بالتلخيص بحيث يهتم التفكيك ببناء ونقض أية كلية سواء كانت نصا أو نظرية أو خطابا أو بنية أو تجمعا أو مؤسسة.

-القراءة المزدوجة: يسعى دريدا لكشف العلاقة بين أثار الاستقرار ومساعي القلقلة من خلال التعرض لقراءتين في أي تحليل له، وهذا أساسي لإستراتيجية ذات وجهين، الأولى شرح وتكرار التأويل السائد (أثر استقرار أي نص أو خطاب أو مؤسسة اجتماعية بنفس الفرضيات والخطوات)، وتقوم القراءة الثانية المضادة بتخليد الذكرى بقلقلة القراءة الأولى بتسليط الضغوط على نقاط عدم الاستقرار داخل النص أو الخطاب أو المؤسسة. حيث انها نمط للتفكيك، دورها فهم كيفية تجميع أو توحيد الخطاب وابراز كيف أنها دائما واقعة تحت تهديد النقض.

*مثال قراءة أشلي المزدوجة لإشكالية الفوضى: تعتبر من أولى وأهم محاولات التفكيك في العلاقات الدولية، كان هدفه منها فهم الفوضى وأثارها النظرية والعملية، ويعطى أشلي اسم إشكالية الفوضى، تلك اللحظة التي تحدد معظم البحوث في العلاقات الدولية. إذ يؤكد أوي” الفوضى دائمة في ظل غياب سلطة مركزية تفرض الحدود على مساعيها لتحقيق مصالحها السيادية “،خاصة بالاستدلال على سياسة القوة في ظل غياب السلطة( القراءة الأولى) في ظل تعددية الدول في النظام الدولي، أما القراءة الثانية فتضع محل التساؤل تلك البديهة المتعلقة ب” أن العلاقات الدولية مجال فوضى لسياسة القوة والهدف المبدئي لتلك القراءة المزدوجة هو المقابلة بين السيادة والفوضى، حيث يتم الإعلاء من شأن السيادة باعتبارها مثالا تنظيميا، والتقليل من شأن الفوضى باعتبارها نفيا للسيادة وبذلك تأكد معناها بأنها  نقيضة للسيادة جمعا ومنعا.

-إثارة الإشكالات حول الدول ذات السيادة: تعدظاهرة قديمة في العلاقات الدولية، استعادت أهميتها بعد الحادي عشر من سبتمبر العام ألفان وواحد بعد الهجومات الإرهابية في نيويورك، والذي دُستر كحدث العصر الحادي والعشرين. قبل أن تحل جائحة كورونا في العالم والتي ستقلب الموازين في إطار نظريات المؤامرة والسيادة، كقضايا مركزية في اقتراب ما بعد البنيوية، والتي تنقدها وتشرع في مراجعتها في ضوء الاستبصارات المكتسبة من الجينالوجيا والتفكيك. وتطرح تأويلات خاصة ألا وهي التكوين وإعادة التكوين التاريخيين باعتبارها نمطا رئيسيا لثنائية في السياسية العالمية لفوكو حول التأسيس ونسبه كيف أصبحت طبيعية تهتم بتوضيح عدم استقرار ظاهرة الدولية وذلك من خلال أربعة عناصر رئيسية:

أ-التحليل الجينالوجي لجذور الدولة الحديثة في العنف: إذ تعتبر العنف تأسيسي للدولة ولا ينتج بعد تأسيسها كما يقول الواقعيون،

ب-عرض لعملية رسم الحدود،

ج-تفكيك للهوية كما يتم تعريفها في خطابات الأمن والسياسة الخارجية، بواسطة استبعاده المكاني والأخلاقي للآخرين كما جاء في كتاب “المارقون” لجاك دريدا حول فكرة الذاتية السياسية،

د-مراجعة تأويل فن إدارة شؤون الدولة؛ إذ ترى ما بعد البنيوية أن الدولة قيد الإنشاء لم تكتمل بعد.

     والنتيجة الكلية لتلك العناصر هي إدارة التفكير في البنية الأنطولوجية للدولة ذات السيادة، من أجل الرد بشكل دقيق على السؤال المتعلق بكيفية تأسيس وإعادة تأسيس الدولة ذات السيادة، باعتبارها النمط المعياري للذاتية في العلاقات الدولية.

2-  بعيدا عن باراديم السيادة: إعادة التفكير في السياسي

بالنسبة للنظرية ما بعد البنيوية تميزا عن باقي نظريات العلاقات الدولية، تشير إلى أن باراديم السيادة تسبب في إفقار خيالنا السياسي وتقييد فهمنا لديناميات السياسة العالمية، وفي هذا حاولوا تطوير لغة مفاهيمية جديدة لتمثيل السياسة العالمية بعيدا عن مصطلحات التمركز حول الدول، من اجل إعادة التفكير في مفهوم السياسي ( التركيز على إشكالية الفوضى: أشلي، البحث في نتائج العولمة وأثارها: كامبل، ما فوق القومية: ديلوز جارتاري، حتى المعارضة أصبحت عالمية بسرعة الإعلام والاتصال، قضايا اللاجئين، حتى السيادة أصبحت بعيدة عن الإطار المكاني والهوياتي الضيق).

-السيادة وأخلاق الاستبعاد:

يحتاج النقد الأخلاقي للنظرية ما بعد البنيوية الموجهة لسيادة الدولة، إلى أن يُفهم بالتوازي مع النقد التفكيكي للشمولية، مع الأثر المضاد للطابع الإقليمي للصراعات المستعرضة. إذ أن الدولة لم تعد الفاعل الوحيد والأساسي في العلاقات الدولية، في كتاب “الداخل والخارج” لوالكر نيت Walker NET تعرض للتكلفة السياسية الأخلاقية لسيادة الدولة، والسياق الذي استخدمت فيه سيادة الدولة باعتبارها فئة تحليلية لفهم العلاقات الدولية، ومظهرا أساسيا للمجتمع السياسي الأخلاقي، وكممارسة سياسية ظهرت تاريخيا منشئة ثلاث تناقضات انطولوجية:

     أ-علاقة الزمان بالمكان: وفيه يتم احتواء الزمان داخل فضاء إقليمي معين.

    ب- علاقة العالمي والمحلي: بإنشاء نظام دول ذات سيادة الذي ينتج تعددية وخصوصية الدول القائمة.

   ج-علاقة الذات والأخر: تم حلها من خلال ثنائية الداخليين والخارجيين، الأصدقاء والأعداء، وبأسلوب   تفكيكي (التقابل في تلك المتناقضات الذي يظهر أنها منشقة ومؤسسة لبعضها البعض في نفس الوقت).

السيادة والهوية: من منطلقالتساؤل عن كون السيادة استجابة فاعلة للمشكلات التي تواجه الإنسانية في الحياة السياسية الحديثة، وتجادل أن صعوبة التنظيم تزداد، كما أنها ليست الوسيلة الوحيدة لتنظيم الحياة السياسية (الهويةبشكل جديد بعيدا عن التناقضات). إذ أن كوتليKOTLI يجعل مسألة الديمقراطية على اتصال مباشر بقضية السيادة خاصة في عصر عولمة الحداثة، بسبب احتكار الدولة السيادية للولاءات والهويات لذلك لابد من تشجيع الديمقراطية، التي تضع الهويات خارج حدود الدولة (نزع الطابع الإقليمي عن الديمقراطية)

-الأخلاق ما بعد البنيوية: تتطلق من سؤال محوري؛ ماذا يمكن أن تعني الأخلاق خارج باراديم الذاتية السيادية؟ وهناك تياران أخلاقيان خرجا من رحم التأملات ما بعد البنيوية في العلاقات الدولية، ويتحدى أحد التيارين الأساس الأنطولوجي الذي تقوم عليه الأطروحات الأخلاقية التقليدية تزعمه كوتلي، أشلي، ووالكر بالدفاع عن الحرية الإقليمية، التي تحدد الهوية والمجتمع والروح الدبلوماسية، ويقدم تصورا عن الأخلاق لا يقوم ذلك الحد الفاصل الثابت والصارم بين الداخل والخارج. أما التيار الثاني فيركز على الأسس الانطولوجية والأطروحات الأخلاقية، قدمه كامبل ودريدا وليفناس بالتشكيك في الاقترابات التقليدية، ويثير التساؤل عما أذا كانت الانطولوجيا سابقة على الأخلاق، ومدى ضرورة البدء من الأخر في تحديد الهوية.

  تقدم النظرية ما بعد البنيوية، بإحداثها قطيعة مع أخلاق الاستبعاد السيادي، فهما للأخلاق بمعزل عن التحديدات الإقليمية، فهذه الروح الدبلوماسية ما هي إلا أخلاق نزع منها الطابع الإقليمي وتتكشف باختراق حدود السيادة. وتكمل هذه الأخلاق الاختراقية تصور كوتلي عن الديمقراطية التي نزع منها الطابع الإقليمي، وتتأسس هاتان الفكرتان على نقد السيادة باعتبارها أساسا لتنظيم الحياة السياسية.

خاتمة

     تعتبر النظرية ما بعد البنيوية قفزة نوعية في حقل التنظير للعلاقات الدولية إذ قدمت إسهامات عديدة لتفسير الواقع الدولي، فقد تميزت من خلال منهجها الجينالوجي لكشف الصلة الكامنة بين مفهومين محوريين في التنظير للعلاقات الدولية، بالبحث في العلاقة بين القوة والمعرفة والسلطة، كما استخدمت إستراتيجيتين لفهم التفاعل النصي بالكشف عن الخيارات السياسية الكامنة وراء التأويلات المتنافسة من خلال التفكيك والقراءة المزدوجة كالتطرق لإشكالية الفوضى مع أشلي، كقراءة نوعية لمفهوم الدولة ذات السيادة من خلال استنطاق الحواجز المستبعدة للتفكير التقليدي، وإدخال رؤية معاصرة أكثر اطلاعا على السياسة العالمية وفاعليها الجدد من غير الدولة خاصة العنف، الحدود والهوية. كما سعت النظرية ما بعد البنيوية إلى إعادة التفكير في مفهوم السياسي دون استصحاب الافتراضات المتعلقة بالسيادة وإعادة إضفاء الطابع الإقليمي، والتي أنتجت فكرة الديمقراطية العالمية كمحاولة فريدة لتوسيع الخيال السياسي وكذلك نطاق الإمكانات السياسية المتصلة بإجراء تحولات في حقل العلاقات الدولية. وقد أصبحت هذه الإسهامات التي جاءت بها النظرية ما بعد البنيوية أكثر أهمية واستعمالا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومع ذلك تبقى عاجزة عن استيعاب كل إشكالات التي يواجهها ممارسو السياسية الدولية ومنظرو العلاقات الدولية، ولذلك هذه النظرية ستبقى مقاربة صالحة لجزئيات معينة مصنفة ضمن النظريات النقدية التفسيرية للعلاقات الدولية.

القراءات المعتمدة في البحث:

  • Scott Burchill, and others; Theories of International Relations, Palgrave macmillan, third edition;2005.
  • إيكو، أمبرتو.السيميائية وفلسفة اللغة، ترجمة احمد الصمعي( بيروت: المنظمة العربية للترجمة، بيت النهضة)،1997.
  • دريدا،جاك. عن الحق في الفلسفة، ترجمة عز الدين الخطابي(بيروت، المنظمة العربية للترجمة، بيت النهضة)،2000.
  • دايك، فاين توين. الخطاب والسلطة، ترجمة غيداء العلي (القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط1)، 2014.
  • ستيفن،وولت. العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة، ترجمة: زقاع عادل وزيدان زياني، نقلا عن موقع :

http://www.geocities.com/adelzeggagh/IR

  • عديلة، محمد طاهر.تطور الحقل النظري للعلاقات الدولية، دراسة في المنطلقات والأسس،(الجزائر: جامعة الحاج لخضر باتنة، قسم العلوم السياسية، أطروحة دكتوراه)،2015.
  • محاضرات الأستاذ تاحي طارق وأستاذ بولالوة ياسين، ( الجزائر:المدرسة العليا للعلوم السياسية، مقياس النظريات الجديدة في العلاقات الدولية ، ومقياس تحليل الخطاب السياسي)، 2019-2020.
Please subscribe to our page on Google News
SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 15604

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *