ملخص باللغة العربية
البطالة مشكلة اقتصادية، كما هي مشكلة نفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية، وجيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج، لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة، و أن تعطيل تلك الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، لاسيما بين الشباب يؤدي إلى أن ترتد عليه تلك الطاقة لتهدمه نفسياً مسببة له مشاكل كثيرة وتتحول البطالة في كثير من بلدان العالم إلى مشاكل أساسية معقّدة، ربما أطاحت ببعض الحكومات، فحالات التظاهر والعنف والانتقام توجه ضد الحكام وأصحاب رؤوس المال فهم المسئولون في نظر العاطلين عن مشكلة البطالة، وتؤكد الإحصاءات أنّ هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب، وبالتالي يعانون من الفقر والحاجة والحرمان، وتخلف أوضاعهم الصحية، و عجزهم عن تحمل مسؤولية أسرهم، كما تفيد الدراسات العلمية أنّ للبطالة آثارها السيّئة على الصحة النفسية، فنسبة العاطلين في أي مجتمع تعتبر مقياس هام لمستوى الصحة النفسية التي يعيشها السكان ،كما لها آثارها أيضا على الصحة الجسدية والاجتماعية.. فالبطالة من المظاهر العالمية غير أن حجمها يتفاوت من بلد لآخر كما تتفاوت درجة المعاملة الإنسانية التي يتلقاها الفرد العاطل من مجتمعه.
وسنحاول في هذه المداخلة توضيح بعض النقاط العالقة والمتمثلة في ما يلي:
أولا :
– مفهوم البطالة واقعها وكيفية قياسها؟
– ما هية الأبعاد السوسيواقتصادية للبطالة وأساليب التعامل معها ؟
-ما هي أسبابها واهم آثارها على الفرد والمجتمع؟
ثانيا :
– واقع البطالة في الدول النامية
-البطالة في الفكر الاقتصادي وسبل علاجها
– أسباب البطالة في الجزائر وطرق معالجتها
وفي الأخير وضع أهم الإجراءات والاقتراحات الواجب إتباعها لمعالجة المشكلة.
مقدمة
تعتبر البطالة من المظاهر العالمية غير أن حجمها يتفاوت من بلد لآخر كما تتفاوت درجة المعاملة الانسانية التي يتلقاها الفرد العاطل من مجتمعه، و نسبة العاطلين في أي مجتمع تعتبر مقياس هام لمستوى الصحة النفسية التي يعيشها السكان .
من المعلوم إن البطالة مشكلة عويصة تعاني منها كل الشعوب على اختلاف مشاربهم وأجناسهم لكن هذا لا يعنى انه ليس هناك حل ناجع للحد من آثارها على المجتمع.
الجدير بالذكر ان البطالة أصبحت تعد من اخطر المشكلات التي تواجه المجتمع الجزائري لكونها تشكل إهدار لعنصر العامل البشرى مع ما يتبع ذلك من آثار اقتصادية و اجتماعية وخيمة كما تشكل بيئة خصبة لنمو الجريمة و التطرف و أعمال العنف وسببا رئيسيا في انخفاض مستوى معيشة الغالبية العظمى من المواطنين وفي تزايد أعداد من يقعون تحت خطر الفقر المطلق، فالبطالة مشكلة اقتصادية، كما هي مشكلة نفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية. وجيل الشباب هو جيل العمل والانتاج، لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة. و إن تعطيل تلك الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، لاسيما بين الشباب، يؤدي الى أن ترتد عليه تلك الطاقة لتهدمه نفسياً مسببة له مشاكل كثيرة. وتتحول البطالة في كثير من بلدان العالم الى مشاكل أساسية معقّدة، ربما أطاحت ببعض الحكومات، فحالات التظاهر والعنف والانتقام توجه ضد الحكام وأصحاب رؤوس المال فهم المسؤولون في نظر العاطلين عن مشكلة البطالة، وتؤكد الاحصاءات أنّ هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب، وبالتالي يعانون من الفقر والحاجة والحرمان، وتخلف أوضاعهم الصحية، و عجزهم عن تحمل مسؤولية اُسرهم. كما تفيد نفس الاحصاءات العلمية أنّ للبطالة آثارها السيّئة على الصحة النفسية، كما لها آثارها على الصحة الجسدية.
اذن ما المقصود بمصطلح البطالة وما انواعها ؟ ما هي اهم الاثار الناجمة عن هذه الظاهرة ؟
هل هناك اليات لعلاج مشكلة البطالة ؟
ما هي التحدبات التي تواجهها المنطقة العريبة والجزائر بالخصوص من جراء هذه الظاهرة ؟
كيف يمكن تفسير وتحليل واقع البطالة في الدول النامية والوطن العربي من وجهة نظر السوسيواقتصاديين؟
تعريف البطالة
قد يبدو للوهلة الأولي أن تعريف العاطل بأنه من لا يعمل هو التعريف الصحيح والكافي ولكن الحقيقة هو أن التعريف غير كاف وغير دقيق، فليس كل من لا يعمل يعتبر عاطلاً، كما أنه ليس كل من يبحث عن عمل يعتبر أيضاً عاطلاً، فدائرة من لا يعملون تعتبر أكبر بكثير من دائرة العاطلين.
فعند إعداد الإحصاءات الرسمية عن البطالة لابد أن يجتمع شرطان أساسيان:
– أن يكون قادراً على العمل و بالتالي يخرج عن دائرة العاطلين كل من العجائز والمرضي.
-أن يبحث عن فرصة للعمل و بالتالي يخرج بذلك من دائرة العاطلين كل من الطلبة في المدارس والمعاهد والجامعات ممن هم في سن العمل، ولكنهم لا يبحثون عنه.
كما يخرج أيضاً بمقتضى هذا الشرط الأفراد القادرين على العمل ولكنهم لا يبحثون عنه لأنهم أحبطوا تماماً نتيجة لفشلهم السابق في الحصول على عمل.
وكذلك يخرج من دائرة العاطلين أولئك الذين لا يبحثون عن عمل نتيجة لكونهم على درجة عالية من الثراء تجعلهم في غني عن العمل.[1]
مفهوم البطالة في الشريعة الإسلامية
فطنت الشريعة الإسلامية الغراء إلى مشكلة البطالة ، وبينت مفهومها وطرق الوقاية منها ومنهج الحد منها في إطار دقيق عز أن نجد له فلقد حث الإسلام أهله على العمل والكسب ونهى عن البطالة بقوله*صلى الله عليه وسلم* فيما رواه أبو هريرة ( لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره ، فيتصدق منه ، فيستغني به عن الناس خير من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ) [2].
طبقا لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل عن العمل هو كل شخص قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد ولكن دون جدوى.
و قد عرفت البطالة بأنها ” حالة خلو العامل من العمل مع قدرته عليه بسبب خارج عن ارادته ، أما منظمة العمل الدولية فقدعرفت المتعطلين عن العمل بأنهم ” الأشخاص الدين هم في سن العمل و الراغبون فيه و الباحثون عنه لكنهم لا يجدونه في فترة الاسناد[3] “
التعريف الاجرائي
البطالة هي كل إنسان قادرا على العمل ، راغبا فيه باحثا عنه، يقع في دائرة القوى المنتجة أي يكون عمره ما بين 15 و60 سنة مدربا على العمل أي له حرفة أو خبرة ما، و لا تتوفر لديه فرصة للعمل ولا يملك رأس مال نقدا كان أو عينا.
أسباب مشكلة البطالة
ترجع أسباب مشكلة البطالة في الجزء الأكبر منها إلى أسباب هيكلية تعود إلى طبيعة نمو الاقتصاد كاقتصاد نامي يعاني من اختلالات هيكلية داخلية وخارجية تتمثل في الاختلال في ميزان المدفوعات والاختلال في الموازنة العامة للدولة، إلى جانب وجود فجوة كبيرة بين كل من الادخار والاستثمار وبالتالي الإنتاج والاستهلاك
أسباب البطالة
ترجع الدول الحديثة أسباب البطالة إلى :
– التخلف الاقتصادي في الدول النامية وهو اجتماعي المنشأ ،فكلما زاد التضخم السكاني زادت نسبة البطالة ارتفاعا[4]، ذلك ان الزيادة السريعة في النمو السكاني وما ينشأ عن ذلك من خلل في التوازن بين قوى العرض والطلب وسوق العمل ،فالنمو السكاني يؤدي الى زيادة نمو القوى العاملة
– ندرة الموارد الاقتصادية أدت ندرة الموارد الاقتصادية إلى عدم وجود فرص وظيفية للعاطلين خاصة مع التحويلات الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد العالمي وانعكاساته على الاقتصاد الوطني ، وهو الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً على الدولة في تمويل عمليات التنمية .
– عجز سوق العمل عن استيعاب الخريجين فهناك أعداد هائلة من الخريجين الحاصلين على مؤهلات بأنواعها المختلفة ومع ذلك يعجز سوق العمل عن استيعابهم .
– عدم تحديث وتطوير اساليب وطرق العمل ،وعدم التوسع في اماكن الانتاج أو تنفيذ مشروعات جديدة .
– انتشار الأمية أو تدني المستوى التعليمي، الشيء الذي يحول دون وضع برامج للتدريب والتكوين طبقا لما يتطلبه سوق العمل المتجدد والمتغير باستمرار في ظل الطفرة التكنولوجية.
– توظيف وعمل بعض الشباب في اعمال واشغال مؤقتة ولا تحتاج لخبرات وباجور متدنية وبدون عقد وبدون تامينات مما يزيد في تفاقم مشكلة البطالة .
– انتشار ثقافة احتقار العمل اليدوي العضلي والحط من شأنه وفي مقابل ذلك تمجيد العمل الذهني المرتبط بالوظيفة العمومية .
– الرد على طالبي العمل بان التوظيف قد توقف أو عدم وجود مناصب مالية أو قلة مناصب الشغل أو عدم توفر المنصب في الاختصاص المطلوب أو قلة الخبرة أو اشتراط الاعفاء من الخدمة العسكرية .[5]
– رغم ما تتمتع به الدول العربية من موارد بشرية فهي لم تصل الى تشغيل كامل للقوى العاملةة المتاحة بها حتى بالنسبة للدول خفيفة السكان مثل الكويت ،حيث يصل حجم البطالة بها الى 8886عاطل عام 1980 .[6]
– عدم قدرة القوانين المنظمة للشغل على التحفيز على الاستثمار لأن المستثمر يرى فيها إجحافا خصوصا عندما يقع اختلاف بين العامل ورب العمل ولذلك نجد بعض المستثمرين يكتفون بتشغيل أفراد عائلاتهم ويرفضون توسيع مشاريعهم.لأن ذلك يتطلب المزيد من العمال وهذا يعني مزيدا من المشاكل القضائية
أنــواع البـطالـة
هناك عدة أنواع للبطالة خاصة تلك التي عرفتها البلدان الرأسمالية و التي نذكر منها :
البطالة الدورية
تنتاب النشاط الاقتصادي بجميع متغيراته في الاقتصاديات الرأسمالية فترات صعود و هبوط و التي يتراوح مداها الزمني بين ثلاث و عشر سنين و التي يطلق عليها مصطلح الدورة الاقتصادية ،و التي لها خاصية التكرار و الدورية، و تنقسم الدورة الاقتصادية بصورة عامة على مرحلتين : مرحلة الرواج أو التوسع ، و التي من مميزاتها الأساسية اتجاه التوظف نحو التزايد، إلى أن تصل إلى نقطة الذروة أو قمة الرواج، و التي تعتبر نقطة تحول ثم يتجه بعد ذلك النشاط الاقتصادي نحو الهبوط بما في ذلك التوظف، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة الانكماش ، و تبعا لدورية النشاط الاقتصادي، فإن البطالة المصاحبة لذلك تسمى بالبطالة الدورية [7].
البطالة الاحتكاكية
تعرف البطالة الاحتكاكية ، على أنها تلك البطالة التي تحدث بسبب التنقلات المستمرة للعاملين بين المناطق و المهن المختلفة، و التي تنشأ بسبب نقص المعلومات لدى الباحثين عن العمل، و لدى أصحاب الأعمال الذين تتوافر لديهم فرص العمل. و بالتالي فإن إنشاء مركز للمعلومات الخاصة بفرص التوظف من شأنه أن يقلل من مدة البحث عن العمل، و يتيح للأفراد الباحثين عن العمل فرصة الاختيار بين الامكانيات المتاحة بسرعة و كفاءة أكثر[8].
البطالة الهيكلية
يقصد بالبطالة الهيكلية ، ذلك النوع من التعطل الذي يصيب جانبا من قوة العمل بسبب تغيرات هيكلية تحدث في الاقتصاد الوطني، و التي تؤدي إلى إيجاد حالة من عدم التوافق بين فرص التوظف المتاحة و مؤهلات و خبرات العمال المتعطلين الراغبين في العمل و الباحثين عنه. فهذا النوع من البطالة يمكن أن يحدث نتيجة لانخفاض الطلب عن نوعيات معينة من العمالة، بسبب الكساد الذي لحق بالصناعات التي كانوا يعملون بها، وظهور طلب على نوعيات معينة من المهارات التي تلزم لانتاج سلع معينة لصناعات تزدهر. فالبطالة التي تنجم في هذه الحالة تكون بسبب تغيرات هيكلية طرأت على الطلب.
كما يمكن للتكنولوجيا أن تؤدي إلى بطالة هيكلية. حيث من النتائج المباشرة للتطور التكنولوجي تسريح العمال و بأعداد كبيرة مما يظطرهم للسفر إلى أماكن أخرى بعيدة بحثا عن العمل أو إعادة التدريب لكسب مهارات جديدة، بالاضافة للأسباب السابقة يمكن أن تحدث بطالة بسبب تغير محسوس في قوة العمل و الناتج أساسا عن النمو الديمغرافي و ما ينجم عنه من دخول الشباب و بأعداد كبيرة إلى سوق العمل و ما يترتب عنه من عدم توافق بين مؤهلاتهم و خبراتهم من ناحية، و ما تتطلبه الوظائف المتاحة في السوق من ناحية أخرى[9].
وإلى جانب هذا النوع أو مقارب له هو نوع البطالة الفنية التي تشير إلى إن التقدم العلمي_ التكنيكي لابد وان يترك آثارا جانبية على المجتمع وبالتالي فان التطور التكنولوجي له تأثير في نشوء البطالة.
بالاضافة إلى الأنواع السالفة الذكر للبطالة، هناك تصنيفات أخرى للبطالة مثل :
البطالة السافرة و البطالة المقنعة
يقصد بالبطالة السافرة، حالة التعطل الظاهر التي يعاني منها جزء من قوة العمل المتاحة و التي يمكن أن تكون احتكاكية أو هيكلية أو دورية. و مدتها الزمنية قد تطول أو تقصر بحسب طبيعة نوع البطالة و ظروف الاقتصاد الوطني. و آثارها تكون أقل حدة في الدول المتقدمة منها في الدول النامية. حيث العاطل عن العمل في الدول المتقدمة يحصل على إعانة بطالة و إعانات حكومية أخرى ، في حين تنعدم كل هذه المساعدات بالنسبة للعاطل في الدول النامية[10].
أما البطالة المقنعة، فهي تمثل تلك الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العمال بشكل يفوق الحاجة الفعلية للعمل، أي وجود عمالة زائدة و التي لا يؤثر سحبها من دائرة الانتاج على حجم الانتاج، و بالتالي فهي عبارة عن عمالة غير منتجة[11].
البطالة الاختيارية و البطالة الاجبارية
تشير البطالة الاختيارية إلى الحالة التي يتعطل فيها العامل بمحض إرادته و ذلك عن طريق تقديم استقالته عن العمل الذي كان يعمل به. إما لعزوفه عن العمل أو لأنه يبحث عن عمل أفضل يوفر له أجرا أعلى و ظروف عمل أحسن، إلى غير ذلك من الأسباب، في كل هذه الحالات قرار التعطل اختياري.
أما في حالة إرغام العامل على التعطل رغم أنه راغب في العمل و قادر عليه و قابل لمستوى الأجر السائد، فهذه الحالة نكون أمام بطالة اجبارية و مثال على ذلك تسريح العمال كالطرد بشكل قسري… و هذا النوع من البطالة يسود بشكل واضح في مراحل الكساد، كما أن البطالة الاجبارية يمكن تأخذ شكل البطالة الاحتكاكية أو الهيكلية.
البطالة الموسميةوهذه البطالة غالباً ما تظهر في الأنشطة الاقتصادية الموسمية التي يقتصر الإنتاج فيها خلال فصل معين من السنة كما هو الحال في القطاع الزراعي وكذلك في بعض الصناعات ففي فصل الشتاء مثلاً غالباً ما يتعطل الفلاحين وعمال الصناعات الاستهلاكية الموسمية[12].
الآثار الناجمة عن البطالة
تشكل البطالة سبباً رئيسياً لمعظم الأمراض الاجتماعية في أي مجتمع ، كما أنها تمثل تهديداً واضحاً للاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، فالبطالة بمعناها الواسع لا تعني فقط حرمان الشخص من مصدر معيشته ، وإنما تعني أيضاً حرمانه من الشعور بجدوى وجوده .
وفي إجمال للآثار الناجمة عن البطالة يذكر أن معظم المشكلات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية التي انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض الدول العربية والإسلامية التي تعاني من مشكلة البطالة كانت البطالة هي العامل المشترك في خلقها واستفحال خطرها .
و يمكن تلخيص هذه الآثار في النقاط التالية:
الآثار الاجتماعية الناجمة عن البطالة
تبرز لنا ظاهرة البطالة كتعبير عن سوء العلاقات الاجتماعية وإجحافها، كوجه آخر لسوء توزيع أو تقسيم العمل الاجتماعي، وسوء توزيع الدخل والثروة، على المستويين المحلي والوطني، وعلى المستوى العالمي بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وبالتالي يتضح لنا أيضاً، أن البطالة والقهر والحرمان التي تشكل آفات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية معاً، ليست نتيجة طبيعية للتقدم التاريخي، وبخاصة ليست نتيجة حتمية للتقدم العلمي والتقني، كما يزعم الفكر المحافظ المدافع عن المصالح والامتيازات المكتسبة ضد منطق العلم والتاريخ، وإنما هي ناجمة عن فساد وجور وخلل أساسي في النظام الاجتماعي السائد، في العملية الاقتصادية-الاجتماعية كلها الجارية اليوم في ظل العولمة وعلى جميع الأصعدة، الدولية والإقليمية والمحلية[13].
إذ يترتب على البطالة مجموعة من الآثار الاجتماعية والنفسية حيث يشعر العاطلون بالإحباط واليأس وعدم الانتماء للدولة، فتنتشر الجريمة بأنواعها، وخاصة في صفوف العاطلين الذين لا يتلقون إعانة بطالة خلال فترة تعطله، ويكون واقع البطالة وما ينجم عنها نتيجة لفقدان مصدر العيش (الكسب) أشد على القطاعات الأضعف في المجتمع، وهم الفقراء والنساء، أضف لذلك الانحرافات الفكرية وانتشار الشعور بالحقد والبغضاء نحو الطبقات التي تحيا في بحبوحة من العيش، ومما هو جدير بالذكر انه كلما طالت فترة التعطل كلما صار ضررها جسيماً حيث تؤثر تأثيراً سلبياً على المواهب الفنية والعقلية للعامل فتضمحل مهاراته بل يفقد الإنسان ميزة التعود على العمل وإتقانه وينحط مستواه.
وتساعد البطالة على زيادة حالة ما يسمى بالتشرذم الاجتماعي، وتؤدي حالة التعطل الدائم والمؤقت عن العمل وما يصاحبها من مشكلات اجتماعية وضغوطات اقتصادية على إصابة غالبية الشباب المتعطل عن العمل بحالة من الإحباط الشديد المزمن وحالة من عدم الثقة بالنفس وخاصة لدى الشباب من حملة الشهادات المتوسطة والجامعية، مما يدفعهم هذا الشعور إلى التفكير جدياً بالانتقام من المجتمع الذي يرفض منحهم فرصة العيش الكريم، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وتحقيق ذواتهم وتجسيد طموحاتهم من خلال تحصنهم بالعمل وأيضاً يدفعهم هذا الشعور إلى التفكير جدياً بالهجرة إلى مجتمعات أخرى.
جانب الصحة النفسية
تؤدي حالة البطالة عند الفرد إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي ، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية فمثلاً ، يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية كما ثبت أن العاطلين عن العمل تركوا مقاعد الدراسة بهدف الحصول على عمل ثم لم يتمكنوا من ذلك يغلب عليهم الاتصاف بحالة من البؤس والعجز .
ويعد من أهم مظاهر الاعتلال النفسي التي قد يصاب بها العاطلون عن العمل
– الاكتئاب : تظهر حالة الاكتئاب بنسبة أكبر لدى العاطلين عن العمل مقارنة لولئك ممن يلتزمون أداء أعمال ثابتة ، وتتفاقم حالة الاكتئاب باستمرار وجود حالة البطالة عند الفرد ، مما يؤدي إلى الانعزالية والانسحاب نحو الذات ، وتؤدي حالة الانعزال هذه إلى قيام الفرد العاطل بالبحث عن وسائل بديلة تعينه على الخروج من معايشة واقعه المؤلم وكثيراً ما تتمثل هذه الوسائل في تعاطي المخدرات أو الانتحار .
– تدني اعتبار الذات : يؤصد العمل لدى الإنسان روابط الانتماء الاجتماعي مما يبعث نوعاً من الإحساس والشعور بالمسؤولية ، ويرتبط هذا الإحساس بسعي الفرد نحو تحقيق ذاته من خلال العمل ، وعلى عكس ذلك فإن البطالة تؤدي بالفرد إلى حالة من العجز والضجر وعدم الرضا مما ينتج عنه حالة من الشعور بتدني الذات وعدم احترامها .
جانب الصحة الجسمية والبدنية
إن الحالة النفسية والعزلة التي يعانيها كثير من العاطلين عن العمل تكون سبباً للإصابة بكثير من الأمراض وحالة الإعياء البدني كارتفاع ضغط الدم ، وارتفاع الكولسترول والذي من الممكن يؤدي إلى أمراض القلب أو الإصابة بالذبحة الصدرية إضافة إلى معاناة سوء التغذية أو الاكتساب عادات تغذية سيئة وغير صحية .[14]
الآثار الأمنية و السياسية
نلاحظ أحيانا بعض الفئات العاطلة و التي يكون قد نفذ صبرها ولم تعد تؤمن بالوعود والآمال المعطاة لها و هي ترفع شعار التململ والتمرد، و مع ذلك لا يمكن لومها ولكن لا يعني ذلك تشجيعها على المس بممتلكات الوطن وأمنه، ولكن لابد أن نلتمس لهم العذر، فمقابل مرارة ظروفهم هناك شواهد لفئات منغمسة في ترف المادة، ومن الطبيعي أن ينطق لسان حالهم متسائلا أين العدالة الاجتماعية والإنصاف؟ كما أن سياسة العنف المفرط في مقابل حركة العاطلين لا تخلق إلا المزيد من العنف والاضطراب وتفاقم الأزمة ، فهناك حاجة إلى التعقل وضبط الموقف والنظر إلى القضايا من منظور واسع وبعين تقصي الأسباب في محاولة لتفهم موقف الآخرين ، حيث أن مبدأ إرساء العدالة الاجتماعية تملي على الجميع تكريس حق إبداء الرأي ورفع راية المطالبات بالوسائل السلمية المشروعة، كما أنها تلزم الأطراف المعنية متمثلة بالحكومة باحترام هذه الحقوق واتساع الصدر للآراء المختلفة، لأن المواطن في نهاية المطاف لا يطالب إلا بحق العيش الكريم والحفاظ على كرامته وإنسانيته في وطنه، وهي من جوهر حقوق المواطن والتي يجب على الحكومة أن تكفلها وتحرص عليها، لا أن تتكالب عليها فتكون هي والقدر مجتمعان على المواطن المستضعف.
الآثـار الاقتصـاديـة
إحدى نتائج ظاهرة البطالة زيادة حجم الفقر، الذي يعتبر ـ أيضًا ـ من العوامل المشجعة على الهجرة، ويقول الخبراء بأن مشكلة الهجرة إلى أوروبا تكاد تكون مشكلة اقتصادية بالأساس، فبالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، إلا أن االدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة هذه الأسباب، ويتضح ذلك من التباين الكبير في المستوى الاقتصادي بين البلدان المصدرة للمهاجرين، والتى تشهد ـ غالبًا ـ افتقارًا إلى عمليات التنمية، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين، حيث تقدر منظمة العمل الدولية حجم الهجرة السرية بما بين 10 – 15% من عدد المهاجرين في العالم.. البالغ عددهم ـ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة ـ حوالي 180 مليون شخص.
أما فيما يتعلق بالآثار الاقتصادية للبطالة على المستوى الكلي فالكل يعرف أن أهم مؤشر في اتجاهات الطلب على العمل هو نموّ الانتاج، و بالتالي فإن تباطؤ النموّ الاقتصادي يعني ارتفاعا في معدّلات البطالة، و هكذا فإن الوضع في المنطقة العربية بصورة عامة و منذ التسعينات تلخص في ضعف أداء الانتاج مقارنة بنمو سريع في القوة العاملة، كما تبين الاحصائيات أن النمو في القوة العاملة قد فاق الزيادة التي طرأت على فرص التوظيف في المنطقة العربية[15].
البطالة في الدول النامية
تعتبر مشكلة البطالة في الدول النامية من المشكلات المستعصية ، ولذلك نجد ان معدلات نسبة البطالة فيها اكثر ارتفاعا من الدول المتقدمة والدول الصناعية ،ذلك ان البطالة في الدول النامية تعد انعكاسا لمشكلة اكبر هي مشكلة التخلف في حين ان البطالة في حالة البلدان الصناعية تعبر عن احد تناقضات التقدم الراسمالي بالاضافة الى ان البلاد تضع نظما للحماية الاجتماعية للعاطلين .
مثل اعانات ومشروعات الضمان الاجتماعي وهي توفر حدودا دنيا انسانية لمعيشة العاطلين اما في حالة الدول النامية فلايوجد مثل هذه الانظمة الجبائية ومن هنا تكون البطالة معناها الجوع والحرمان والمعاناة والتسول .[16]
الملامح الاقتصادية المميزة لاقتصاديات الدول النامية
-ان أهم ما يميز الدول النامية عموما هو ازدواج الهيكل الاقتصادي أي وجود قطاعين أساسيين كل منهما بجوار الآخر و لكنهما يختلفان تماما في التنظيم و في وسائل الانتاج .
– الاعتماد الكبير على التجارة الخارجية فكل أو معظم السلع الصناعية سواء الاستثمارية أو الاستهلاكية دات مرجع خارجي .
– انخفاض الدخل القومي للفرد ، حيث أن الدخل القومي يمثل الناتج الناشىء من تفاعل و نشاط جميع القوى الاقتصادية في المجتمع مع ملاحظة الحرص التام في استخدام هدا المؤثر عند عمل المقارنات الدولية .
البطالة في الوطن العربي
تعتبر البطالة إحدى أخطر المشكلات التي تواجه الدول العربية، حيث توجد بها أعلى معدلات البطالة في العالم. وحسب تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية التابع لجامعة الدول العربية، صدر عام 2004، قدّرت نسبة البطالة في الدول العربية ما بين 15 و 20%. وكان تقرير منظمة العمل الدولية قد ذكر في عام 2003، أن متوسط نسبة البطالة في العالم وصل إلى 6.2% ، بينما بلغت النسبة في العالم العربي في العام نفسه 12.2%. وتتزايد سنويا بمعدل 3%. وما يجعل هذه القضية من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية، هو أن 60% تقريبا من سكانها هم دون سن الخامسة والعشرين.
معدلات البطالة في البلدان العربية خلال الفترة 1984-1993
ان متابعة معدلات البطالة في البلدان العربية تعطي نسبا تقريبية ولا تمثل الحقيقة الكاملة ، وقد تتضارب الارقام في بعض الاحيان بحسب التصريحات الحكومية أو تلك التي تجريها المنظمات المختلفة التي من شانها متابعة احوال البطالة في العالم العربي ، وتاتي فترات ترتفع فيها نسبة البطالة للظروف التي يمر بهاكل بلد ، كما ان هناك ايضا فترات انقطاع المتابعة ، وسوف نحاول رصد ما تيسر لنا من الفترة 1981 وحتى كتابة هذه المداخلة ،و سوف يتضح لنا كيفية تفاقمت البطالة في بعض البلاد على مرور الزمن .
ففي الاردن وصل معدل البطالة الى 8.18 %من قوة العمل في عام 1991 ، وفي الجزائر ارتفع المعدل الى 24.3% عام 1993 وفي المغرب ارتفع الى 16%عام 1992 ، اما تونس 15% عام 1991 وفي جمهورية مصر وصل معدل البطالة الى 17.5% طبقا للنتائج الاولية لبحث العمالة بالعينة للفترة 1989/1992 .[18]
الجدول يوضح معدلات البطالة في بعض البلاد العربية[19]
السنوات | الاردن | الجزائر | تونس | المغرب |
1984 | 0.4 | ………….. | 12.9 | ………….. |
1985 | 6.0 | 9.8 | ………….. | ………….. |
1986 | 8.0 | ………….. | ………….. | ………….. |
1987 | 8.3 | 21.4 | ………….. | 14.3 |
1988 | 8.3 | 12.6 | ………….. | 13.9 |
1989 | 10.3 | 18.1 | 13.4 | 19.3 |
1990 | 19.8 | 19.8 | ………….. | 15.4 |
1991 | 18.8 | 20.7 | 10.0 | 17.3 |
1992 | ………….. | 23.8 | ………….. | 16.0 |
1993 | ………….. | 24.3 | ………….. | ………….. |
من خلال الجدول نرى بشكل عام زبادة معدلات الطالة من سنة الى اخرى، مما يشير الى خطورة المشكلة .
وتذكر الاحصاءات للسنوات الاخيرة ان معدلات البطالة بين الشباب بلغت مستويات غير مسبوقة فد وصلت الى 54.1% عام 2000 في الجزائر وفي لبنان ترتفع نسبة للشباب اليافع (15-19)سنة الى 28.6% لكنها تنخفض عند الفئة (20-24)سنة الى 17.8% وترتفع في المغرب الى 38% وتبلغ نسبة 65%في البحرين وتقارب 40%في فلسطين [20].
و الواقع أن ظاهرة البطالة باتت تؤرق أغلب البلدان العربية، وتوضح إحصاءات منظمة العمل العربية مدى خطورة هذه الظاهرة على النحو التالي:
ا – تصل نسبة البطالة حاليًا إلى15% من إجمالي القوى العاملة العربية، أي ما يعادل حوالي 18 مليون عاطل يبحثون عن العمل و قادرون عليه و لا يجدونه، ويتوقع ارتفاع هذا العدد بالنظر إلى أن حجم القـوى العاملة العربية في ازدياد مطرد. ففي الدول العربية فرادى يتراوح معدل البـطالة في الفترة 2000-2003 ما بين 1.1 % و 3.9 % من اجمالي القوى العاملة في الكويت، و الامارات و البحرين و قطر، و ما بين 26 % و 28 % في في الجزائر و العراق و فلسطين. و تعاني فئة خرجي التعليم العالي من أعلى معدل للبطالة مقارنة بالفئات التعليمية الأخرى، واستفحلت هذه الظاهرة في العديد من الدول العربية؛ حيث تبلغ معدلاتها الضعفين في الأردن، وثلاثة أضعاف البطالة بين الأميين في الجزائر، وخمسة أضعاف في المغرب، وعشرة أضعاف في مصر. مما دفع بأعداد متزايدة من هذه الفئة للعمل خارج تخصصهم. ويتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل إلى 25 مليونًا في العام 2010، فيما يقدر حجم الداخلين الجدد في سوق العمل العربية بنحو 3 ملايين عامل سنويًا، وتقدر حجم الأموال اللازمة لتوفير فرص عمل لهم 15 مليار دولار سنويًا.
ب – غالبية العاطلين عن العمل من الداخلين الجدد في سوق العمل، أي من الشباب، ويمثل هؤلاء تقريبًا ثلاثة أرباع العاطلين عن العمل في دولة البحرين و84% في الكويت، وما يزيد على الثلثين في مصر والجزائر. أما معدلات البطالة بين الشباب نسبة إلى القوى العاملة الشابة فقد تجاوزت 60% في مصر والأردن وسورية وفلسطين و40% في تونس والمغرب والجزائر.
جـ – تستحوذ دول اتحاد المغرب العربي على الجانب الأكبر من قوة العمل العربية بنسبة 37.8%؛ حيث يوجد بها حاليًا 33.5 مليون عامل، من المتوقع زيادتها إلى 47 مليونًا عام 2010، ثم دول مصر والأردن واليمن والعراق، وبها 25.2 مليونًا تصل إلى 35 مليونًا عام 2010 بنسبة 27.7 %، ودول مجلس التعاون الخليجي، وبها 8.3 ملايين تصل عام 2010 إلى 11.4 مليونًا بنسبة 9.3 % من قوة العمل، فيما يتوزع الباقي، وهم 22.6 مليونًا، على بقية الدول العربية، ومن المنتظر زيادتهم إلى 30 مليونًا عام 2010.
وتتفاوت معدلات البطالة من دولة عربية لأخرى؛ ففي الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ترتفع حدة الظاهرة؛ حيث تبلغ 20% في اليمن، و21% في الجزائر، و17% في السودان، و9% في مصر، و8% في سورية. وفي المقابل تنخفض في دول الخليج العربي ذات الكثافة السكانية المنخفضة؛ ففي سلطنة عمان يوجد نحو 330 ألف عاطل عن العمل، وفي السعودية نحو 700 ألف، وفي الكويت يصل العدد إلى 3 آلاف فقط.
و كذلك ترتفع معدلات البطالة المقنعة في جميع الدول العربية، وتختلف دول مجلس التعاون الخليجي بالمقارنة مع بقية الدول العربية في كون أن معدلات البطالة المقنعة تتجاوز كثيرا معدلات البطالة السافرة بين المواطنين.
تحديات التشغيل والبطالة في الدول العربية
برغم أن المنطقة العربية من أسبق مناطق العالم النامي في استحداث وظائف جديدة، فقد استطاعت أن توجد سنويًا ما يزيد عن ثلاثة ملايين وظيفة جديدة، وهو إنجاز كبير، إلا أنه غير كاف، وغير متوازن في البلدان العربية، وتبقى المنطقة في عمومها محتفظة بأعلى معدلات البطالة بين مناطق العالم، إذ تجاوزَ معدلُ البطالة العامة فيها 14%، كما تبقى المنطقة ذات أعلى المعدلات في البطالة بين الشباب خاصة،إذ تجاوز معدلها 25%.
تحليل البطالة في الجزائر و الدول العربية
لعل الشيء المميز للاقتصاديات الدول العربية هو الارتفاع الغير العادي لنسب البطالة عن المعدلات العالمية حيث جاء في تقرير منظمة العمل العربية، لشهر مارس 2005، تم تقديم تصور متشائم لتطور معدلات البطالة في البلدان العربية. و يرى التقرير أن الوضع الحالي للبطالة هو الأخطر بين جميع مناطق العالم، وأنه يجب على الاقتصاديات العربية استثمار حوالي 70 مليار دولار، ورفع معدل نموها الاقتصادي من 3% إلى 7%، وخلق خمسة ملايين منصب عمل، حتى يتم تخفيض نسب البطالة إلى معدلات مقبولة أو طبيعية .
و إذا استثنينا فلسطين و العراق أين تسود ظروف غير عادية، فإن كل الدول العربية تعرف نسب بطالة مرتفعة عن المعدلات العالمية، و هو أمر محير بالنسبة لبعض البلدان التي تتوفر على موارد معتبرة، حيث ترتفع نسبة البطالة في السعودية إلى حوالي 15%، وفي عمان 17.2%، وفي قطر 11.6% و كذلك بالنسبة للجزائر 23.7% في سنة 2003.
و إذا ربطنا معدل النمو بانخفاض نسبة البطالة في الدول العربية فإننا نجد أن العلاقة تكاد تكون ضعيفة بين النسب العالية للنمو ما بين 4% و 6% و انخفاض معدلات البطالة ما بين 2% إلى 3% في غالبية الدول العربية.
اماالجزائر فهي تعاني كبقية البلدان العربية من ارتفاع غير عادي في نسبة البطالة، و هو أمر يؤثر مباشرة على جهود التنمية و الانفتاح في الاقتصاد الجزائري، و لعل التعامل مع نسب بطالة مرتفعة يختلف كلية عن ما هو سائد في البلدان المتطورة أين تسود معدلات بطالة نوعا ما منخفضة[21].
و تحليل نسب النمو و البطالة بالنسبة للجزائر يبين اتجاهين رئيسيين:
– ارتفاع معدل النمو و ارتفاع نسبة البطالة في الفترة ما بين 1995 و 2000
– ارتفاع معدل النمو و انخفاض نسبي في معدل البطالة في الفترة ما بين 2002 و 2005
الاقتراحات
كيفية نواجه ظاهرة البطالة ؟
باعتبار كون البطالة تعد بمثابة قنابل موقوتة تهدد الاستقرار في العالم العربي، فإن المطلوب وضع إستراتيجية عربية شاملة في هذا الشأن منها آخذة في الاعتبار عدة أمور منها:
– تأهيل الشباب حديثي التخرج من أهم التحديات التي تواجه المؤسسات وأنظمة التعليم والتدريب في الدول العربية، حيث يفتقر كثير منها إلى العمالة المتخصصة في المجالات التي يحتاجها سوق العمل، مما يساعد في سد الفجوة بين العرض والطلب على العمالة.
– خلق قاعدة معلوماتية قومية للوظائف المطروحة والباحثين عنها، و هنا يمكن الاستفادة من تجربة بعض الدول الغربية في إنشاء بنوك قومية للتوظيف توفر قواعد معلومات ضخمة للوظائف الشاغرة في القطاعين العام والخاص، يتم تحديثها يوميا، وتكون متاحة من خلال مواقع إنترنت متخصّصة أو دليل شهري يوزع بمقابل مادي رمزي على الباحثين عن العمل.
– تنظيم عملية استقدام العمالة الأجنبية وتقنينها، بحيث تقتصر صلاحيتها حصراً على الأجهزة المختصة فقط، وعدم تعدد الجهات والمصادر التي تقوم بذلك.
– ترشيد عملية استقدام العمالة الأجنبية وذلك من خلال حصرها في مهن محددة.
– تحسين الأداء الاقتصادي العربي، وتحسين مناخ الاستثمار في الدول العربية، وإزالة القيود التنظيمية والقانونية التي تحول دون اجتذاب الأموال العربية في الخارج، والتي يقدرها بعض الخبراء بنحو 800 مليار دولار، ولا شك أن عودة هذه الأموال للاستثمار في الدول العربية سوف يساهم في كبح جماح مشكلة البطالة، ويساعد على توفير فرص عمل لا حصر لها للشباب العربي.
-إن تحقيق النمو الاقتصادي أمر لا غنى عنه من أجل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على البطالة والفقر في الوطن العربي والنمو الحالي يبين ضعف المستوى، ولن يتسنى تحقيق ذلك دون أن يكون هناك نمو في القطاع الخاص كأداة أساسية ورئيسية للنمو الاقتصادي ولتوليد فرص العمل، وإزالة كل ما يعترضه من عقبات وضرورة التركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي من شانها تشغيل اكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل.
-أن زيادة الاستثمارات تدفع إلى حل مشكلة البطالة التي يمكن أن تزيد من فرص العمل ولاشك إن وجود عمالة متعلمة يعد مفتاحا للمساهمة في عالم يتسم بالعولمة، فخلق وظائف هي أولوية لا تسبقها أولوية ومن اجل توسيع الفرص لابد من خلق المناخ الذي يتمكن فيه القطاع الخاص و الاستثمارات الأجنبية في الإسهام للقضاء على هذه الظاهرة وتامين فرض عمل ولابد من وضع شرطا للقبول في قانون الاستثمار الجديد، وذلك بمنع الشركات الأجنبية من استخدام الأيدي العاملة الأجنبية والاقتصار على العمالة الأجنبية المتخصصة و التي يحتاجها سوق العمل في الوقت الحاضر لحين إعداد وتدريب كوادر وطنية، وعلى أن تعتمد على استخدام كثافة الأيدي العاملة في المشاريع.
– إنشاء هيئة أو مركز متخصص بالسكان النشطين اقتصاديا وإيجاد قاعدة معلومات متكاملة تقوم توفر كافة البيانات عن سوق العمل وإجراء بحوث مسحية و إعداد الدراسات الخاصة بالظاهرة حالياً و بناء التصورات المستقبلية والتي تساعد على وضع سياسات خاصة بالعمالة ولمجابهة المشكلة والإسراع في وضع الإستراتيجية لضمان توفر فرص العمل مستقبلاً وتحليل الآثار المختلفة للظاهرة وبرامج الحد منها.
-ضرورة مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي وعقد ندوات فكرية وثقافية لتعريف المواطن بالآثار السلبية لتزايد حجم البطالة على مختلف جوانب الحياة، وكذلك أهمية دور وسائل الإعلام المختلفة.
– تمكين المرأة وتوظيف قدراتها ومشاركتها في الحياة العامة لتصبح عضوا فاعلا في المجتمع وزيادة مجالات فرص عمل المرأة باعتبارها طاقة كامنة مهدورة.
-تشجيع التعليم الفني المهني لكلا الجنسين وبيان أهمية التعليم المهني في تنمية المهارات والقدرات البشرية المعرفية والتقنية للعمالة وسيكون له دور هام في تجهيز العمالة لمواجهة التغيرات الهيكلية والتحولات التي طرأت على طلب اليد العاملة في سوق العمل،كما يتطلب فتح مراكز تدريب لتمكين الاقتصادي للفرد وخصوصا فيما يخص الحاسوب واللغة والذي يساعدهم في الحصول على عمل.
– نظراً لاختلاف التركيبة الحالية للسكان في الوطن العربي من حيث العدد، النوع، الجنسية، والتوزيع في المناطق.. فإن الواقع يتطلب أن تقوم الجهات المختصة بالعمل على إجراء دراسة مسحية شاملة للسكان، وذلك لما تقتضيه الظروف والدوافع الراهنة سواء ما يتعلق منها بالجانب الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي والعلمي.
-دعم عملية التدريب المستمر، وبخاصة التدريب التأهيلي والاستثمار فيه.
-دعم عملية التعليم المستمر للقوى العاملة، وبخاصة لمن هم دون الشهادة الثانوية.
خاتمة
يمكن القول بان البطالة هي بقاء الفرد بلا عمل وعجزه عن الكسب بغض النظر عن اسباب ذلك ،كما ان البطالةتاريخيا تحكمت فيها ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، وبالنظر الى الى ما ذكر من ارقام فلا مجال للشك في ان البطالة قد تجاوزت الخطوط الحمراء خاصة في الوطن العربي ،فللبطالة انعكاساتها على المجتمعات ماديا ومعنويا وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، مما يتوجب على الجميع افرادا وجكومات الاسراع الى تدارك المشكلة واحتوائها عن طريق ايجاد علاج مناسب لها للنهوض بالمجتمع ومؤسساته المختلفة .
المراجع
– عاطف عجوة : البطالة في العالم العربي وعلاقتها بالجريمة، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ،الرياض، 1406هـ،1985.
– أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي :الجامع الصحيح– تحقيق أحمد شاكر- باب ما جاء في النهي عن المسألة، حديث رقم 679 ، دار الكتب العلمية، بيروت.
– عباس صالح : العولمة واثارها في البطالة والفقر التكنولوجي في العالم الثالث ، الاسكندرية ،مصر ،مؤسسة شباب الجامعة ،دط ،2004 .
– قاسيمي ناصر : خريجو الجامعة وسوق العمل ،رسالة ماجستير ،معهد علم الاجتماع ،جامعة الجزائر 1991 -1992 .
– الخضري سعيد : ازمة البطالة وسوء استغلال الموارد العربية ، لبقلعرة ،مصر ،دار النهضة العربية ،د ط ، 1989 .
– عبد القادر محمد علاء الدين : البطالة ، الاسكندرية ، مصر ، منشأة المعارف ،د ط ، 2003 .
– حسين عمر : موسوعة المصطلحات الاقتصادية جدة ،المملكة العربية السعودية ،دار الشروق ،د ط ، دت.
– الاشوح زينب صالح ، الاطراد والبيئة ومداواة البطالة ، القاهرة ، مصر ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، د ط ، 2003 .
– ماهر احمد : تقليل العمالة ، الاسكندرية ،مصر ، الدار الجامعية ، دط ، 2000 ، ص353 .
– فكري احمد نعمان : النظرية الاقتصادية في الاسلام ، دبي ، الامارات العربية المتحدة ، دار القلم ، ط1، 1985 .
– مرسي كمال الدين عبد الغني : الحل الاسلامي لمشكلة البطالة ،الاسكندرية ، مصر ،دار الوفاء،ط1،2004، ص21.
– التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1996 ،نقلا عن كتاب الحل الاسلامي لمشكلة البطالة لمرسي كمال الدين عبد الغني ، ص23.
– محمد دمان ذبيح : الآليات الشرعية لعلاج مشكلة البطالة ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير ، اشراف الدكتور حسن رمضان فحلة ، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الاسلامية،جامعة باتنة ،2007-2008 ، غير منشورة .
الهوامش
[1] – عاطف عجوة : البطالة في العالم العربي وعلاقتها بالجريمة، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ،الرياض ، 1406هـ،1985، ص 20.
[2]- أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي :الجامع الصحيح– تحقيق أحمد شاكر- باب ما جاء في النهي عن المسألة ، حديث رقم 679 ، دار الكتب العلمية، بيروت . ص 226.
[3] – عاطف عجوة : المرجع السابق ،ص22.
[4] – عباس صالح : العولمة واثارها في البطالة والفقر التكنولوجي في العالم الثالث ، الاسكندرية ،مصر ،مؤسسة شباب الجامعة ،دط ،2004 ،ص90.
[5] – قاسيمي ناصر : خريجو الجامعة وسوق العمل ،رسالة ماجستير ،معهد علم الاجتماع ،جامعة الجزائر 1991 -1992 ، ص180 .
[6] – الخضري سعيد : ازمة البطالة وسوء استغلال الموارد العربية ، لبقلعرة ،مصر ،دار النهضة العربية ،د ط ، 1989 ، ص 7 .
[7] – عبد القادر محمد علاء الدين : البطالة ، الاسكندرية ، مصر ، منشأة المعارف ،د ط ، 2003 ، ص 3 .
[8] – حسين عمر : موسوعة المصطلحات الاقتصادية جدة ،المملكة العربية السعودية ،دار الشروق ،د ط ، دت ، ص53 .
[9] – حسين عمر : المرجع نفسه ، ص 53 .
[10] – الاشوح زينب صالح ، الاطراد والبيئة ومداواة البطالة ، القاهرة ، مصر ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ، د ط ، 2003 ، ص 77 .
[11] – ماهر احمد : تقليل العمالة ، الاسكندرية ،مصر ، الدار الجامعية ، دط ، 2000 ، ص353 .
[12] – فكري احمد نعمان : النظرية الاقتصادية في الاسلام ، دبي ، الامارات العربية المتحدة ، دار القلم ، ط1، 1985 ، ص 114 .
[13]- ماهر احمد : المرجع السابق ،ص 81 .
[14] – ماهر احمد : المرجع نفسه ،ص 81 .
[15] – ماهر احمد : المرجع نفسه ،ص 83 .
[16] – مرسي كمال الدين عبد الغني : الحل الاسلامي لمشكلة البطالة ،الاسكندرية ، مصر ،دار الوفاء ،ط1،2004، ص21.
[17] – مرسي كمال الدين عبد الغني : نفس المرجع ، ص 21.
[18] – المرسي كمال الدين عبد الغني : نفس المرجع ، ص23.
[19] – التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1996 ،نقلا عن كتاب الحل الاسلامي لمشكلة البطالة لمرسي كمال الدين عبد الغني ، ص23.
….. غير متاحة
[20] – المرسي كمال الدين عبد الغني : المرجع السابق ، ص29.
[21] – محمد دمان ذبيح : الآليات الشرعية لعلاج مشكلة البطالة ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير ، اشراف الدكتور حسن رمضان فحلة ، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الاسلامية،جامعة باتنة ،2007-2008 ، غير منشورة ، ص 47 .