تعد عمليات حفظ السلام من صور الإبتكار التي لجأت اليها منظمة الأمم المتحدة، فهي اجهزة متفرعة عن مجلس الأمن، وتأسيسها لا يقوم على نص صريح في ميثاقها (1) وترجع بدايات نشأتها الى مرحلة الحرب الباردة. ولقد ساعدت تلك العمليات وفي حالات معينة في إنهاء النزاعات كما في الكونغو ويوغسلافيا السابقة، وهي اداة اساسية التحقيق هدف منظمة الأمم المتحدة الأسمى والمتمثل بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين (2) حفظ السلام، المفهوم وبدايات التاسيس وترجع فكرة تأسيس قوات حفظ السلام الى إقتراح قدمه وزير الخارجية الكندي الأسبق (ليستر بيرسون) في اثناء ازمة السويس عام 1901، وذلك بقصد تأمين وقف إطلاق النار وتسوية النزاع سلمية، وعليه فقد تم نشر اعداد قليلة من أفراد القوات الدولية.
والتي عرفت بإسم (قوات حفظ السلام) (۳)، ومن أجل مواجهة العجز الذي شل حركة المنظمة الدولية في إصدار قرارات لحفظ السلم والأمن الدوليين بسبب الانقسام السياسي الذي شهده العالم بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي وهو ما القی بظلاله على فاعلية مجلس الأمن وبالنتيجة ادى الى إحتكار القرار السياسي بين الطرفين الأقوى آنذاك وهما الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي السابق، إذ اصبحت ظاهرة اللجوء الى إستخدام حق النقض (الفيتو) شائعة جدا وهو ما عطل دور منظمة الأمم المتحدة في كل وتسوية النزاعات (ع). لقد فرضت الأزمات بعد قيام منظمة الأمم المتحدة عام 1980 اسلوبة مغايرة لما كانت عليه الأوضاع قبل تأسيسها، وبالخصوص الحاجة الى حماية السلام العالمي من التهديدات التي تحدث داخل حدود الدول أو فيما بينها ومن ثم إمتداد تداعياتها السلبية ليشمل المجتمع الدولي، ومن أجل مواجهة تلك التهديدات والأخطار، كان لابد من وجود جهة مختصة بالحفاظ على حالة السلم والأمن الدوليين، ومن له الحق في الفصل بالنزاعات الدولية ونقصد به مجلس الأمن الذي وافقت جميع الدول الأعضاء في ان تضع تحت تصرفه أي قوات مسلحة أو تسهيلات عسكرية يطلبها او يتفق عليها(0).
وينطوي تحت مفهوم حفظ السلام التدابير المؤقتة التي يمتلك مجلس الأمن إتخاذها دون حسم النزاع بين الأطراف المتنازعة او يخل بحقوقهم او يؤثر على مطالبهم، وفقالما تم تضمينه في المادة (۰) من ميثاق الأمم المتحدة(1)، وهي بذلك تعد محاولة من منظمة الأمم المتحدة للإيفاء بمتطلبات المجتمع الدولي في مدة معينة، فقد ظهرت الى الوجود كممارسة عملية تطبيقية للأمم المتحدة، ومن ثم أدى ذلك إلى تكريسها كفكرة وصياغتها كمفهومأ جوهريأمن مفاهيم السلم والأمن الدوليين (V) ويرتبط مفهوم حفظ السلام بمجموعة من الآليات البديلة بقصد التعامل مع النزاعات والصراعات التي تنشب وتبني وسائل من شأنها وقف او إحتواء النزاعات التي تحولت بمرور الزمن الى صراعات مسلحة، ويشير الى الجهود التي يتم إتخاذها اثناء النزاع من أجل تخفيضها وإزالة مظاهر النزاع، فالغرض الأساس من حفظ السلام لا يكمن في حل النزاع جذرية، بل في إستعادة اللاعنف (۸) وذهب بعض الباحثين الى تعريف مفهوم حفظ السلام بإنه وسيلة لمساعدة الدول التي يمزقها الصراع والعمل على خلق أوضاع ملائمة لتحقيق السلام المستدام (۹)، بينما يذهب آخرون إلى تعريف حفظ السلام بمرحلة تثبيت السلام ودعمه عبر جهود الأمم المتحدة عبر نشر القوات التابعة لها في مناطق الصراع وبموافقة اطرافه، إذ تضم تلك القوات ثلاث فئات وهم العسكريون والشرطة والمدنيون (۱۰).
وهناك من يرى في حفظ السلام بشراكة فريدة من نوعها تجمع كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والأمانة العامة، والمساهمين من قوات وأفراد في جهد مشترك لصون الأمن والسلم الدوليين، وتكمن قوتها في الشرعية المنبثقة من ميثاق الأمم المتحدة (II)، فعمليات حفظ السلام تضم عناصر عسكرية الى جانب الشرطة والمدنيين والذين يتم تكليفهم بمهام متعددة ومتنوعة فقد تكون ذات طبيعة عسكرية أو غيرها (IT)، ويشير مفهوم حفظ السلام الى مجمل عمليات الأمم المتحدة في الميدان، وذلك من خلال إرسال قوات عسكرية تابعة للأمم المتحدة أو أفراد مدنيين بقصد حفظ السلم والأمن الدوليين وبموافقة أطراف النزاع ومن ثم التوسع في تلك العمليات من خلال مراقبة الانتخابات ونزع السلاح (۱۳)، وعليه فإن منظمة الأمم المتحدة عملت على تطبيق مفهوم حفظ السلام على أرض الواقع كأسلوب الإدارة الأزمات والعمل على توفير الحلول المناسبة لها، وذلك للحيلولة لمنع خروجها عن نطاق السيطرة، فكان المفهوم بمثابة إختراعا منها لملأ حاجة ماسة وفراغ واضح في اثناء مرحلة الحرب الباردة (I).