لم يواجه تنظيم “القاعدة” عام 2011، أزمة في تسمية زعيم التنظيم عقب مقتل أسامة بن لادن في عملية إنزال جوي للقوات الأمريكية؛ إذ كان يُتوقع حينها تولي نائبه أيمن الظواهري زعامة التنظيم؛ هذا على الرغم من تعدد أسماء المرشحين لتولي قيادة “القاعدة” نسبياً، مقارنةً بوضع التنظيم الحالي، عقب مقتل الظواهري في عملية قصف أمريكية استهدفت منزله الذي كان يقطنه في العاصمة الأفغانية كابول، وفقاً لما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن صباح يوم 2 أغسطس 2022. وبعيداً عن ملابسات واقعة استهداف الظواهري وأبعادها وتداعياتها على مختلف الأطراف، وتحديداً حركة طالبان التي تقع عليها المسؤولية المباشرة في توفير ملاذات آمنة لقيادات تنظيم “القاعدة”، وتحديداً أيمن الظواهري؛ فإن تنظيم “القاعدة” قد يواجه أزمة في اختيار زعيمه الجديد.
محددات رئيسية
قبل التطرق إلى أبرز الأسماء المرشحة لخلافة أيمن الظواهري في قيادة تنظيم “القاعدة”، يمكن الوقوف على عدد من المحددات المرتبطة باختيار الزعيم الجديد للتنظيم، وهي كالآتي:
1– خلل متعمد في التسلسل القيادي: لم تعتمد استراتيجية واشنطن فيما يتعلق بتكتيك “قطع رأس القيادة” المتبع لملاحقة قيادات التنظيمات الإرهابية، على استهداف زعماء تلك التنظيمات فقط، بل ضمت إليهم القيادات البارزة والمؤثرة من حيث الدور، بالإضافة إلى قيادات وكوادر يُحتمل تصعيدها داخل التسلسل القيادي، ضمن “بنك أهداف” يخضع لعمليات تحديث وتقييم لأولوية الاستهداف؛ ففي عام 2011، عقب مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” السابق أسامة بن لادن ببضعة أشهر، نجحت الولايات المتحدة في استهداف أحد القادة البارزين في التنظيم، وهو عطية الله الليبي، وحينها أشار مقال في ” Foreign Affairs” إلى تقييم أحد مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لاستهداف الليبي باعتباره أكثر أهميةً من الظواهري الذي تولى حينها زعامة تنظيم القاعدة.
ونفَّذت الولايات المتحدة عدداً من الاستهدافات لقيادات بارزة يُحتمل أن تخلف الظواهري، ومنهم أبو الخير المصري الذي تم استهدافه في سوريا، وأبو محمد المصري الذي تم استهدافه في إيران، وأبو بصير الوحيشي الذي تم استهدافه في اليمن، والأخير كان يُنظر إليه في الأوساط الجهادية على أنه خليفة “بن لادن” رغم صغر سنه مقارنةً بقيادات أخرى؛ لتأثيره وشعبيته في الأوساط الجهادية.
2– الأزمة الجيلية في داخل التنظيم: خلَّفت عمليات الاستهداف الأمريكية التي كانت تسير في اتجاهين بالتوازي – وهما ملاحقة قيادات تنظيم “القاعدة” في أفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى قادة الأفرع الرئيسية – أزمة جيلية داخل التنظيم، على مستوى القيادات العليا، سواء على مستوى القيادة المركزية، أو بالنسبة إلى بعض الأفرع، ولكن أبرز التأثيرات كانت على مستوى القيادة المركزية التي تعرضت لضغوط شديدة منذ إعلان الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب، وتنفيذ عمليات عسكرية في أفغانستان، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001؛ ما أسفر عن عمليات استهداف قيادات بارزة في التنظيم، واعتقال آخرين خلال محاولة التسلل عبر الحدود إلى إيران، وبفعل تراجع النشاط العملياتي لتنظيم “القاعدة” في أفغانستان.
وبدا أن القيادة المركزية أكثر عزلة عن أفرعها المختلفة، ولم تُقدم قيادات يمكن تصعيدها للقيادة؛ فرغم أن التنظيم لجأ إلى محاولة تسويق حمزة بن لادن في الأوساط الجهادية، فإن الولايات المتحدة أعلنت مقتله في سبتمبر 2019، في حين لم يؤكد أو ينفِ تنظيم “القاعدة” مقتله. وبخلاف حمزة، فان الرهان في أوساط تنظيم القاعدة على أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة آنذاك بعد مبايعة الظواهري لإعداده للقيادة مستقبلاً، لكنه اتبع نهجاً مغايراً لتوجهات مشروع “الجهاد العالمي”، وفك ارتباطه بتنظيم القاعدة.
3– تعدد آليات اختيار زعيم “القاعدة”: يمكن أن تسهم السمات الشخصية أو “الكاريزما” في تحديد زعيم تنظيم “القاعدة” الجديد عقب مقتل الظواهري، إلا أنها ليست حاسمة وحدها في عملية الاختيار التي تتحدد وفقاً لعدد من العوامل، منها: أولاً– التوافق داخل مجلس شورى “القاعدة”. وبالنظر إلى محدودية المعلومات المتاحة حول تشكيل هذا المجلس أو عدد الأعضاء، ودرجة التجانس الداخلي، فإنه يمثل حلقة مهمة في اختيار الزعيم الجديد لمنحه مشروعية. وهنا يمكن الإشارة إلى أن التقديرات الغربية أشارت إلى خلاف حول تولي الظواهري زعامة “القاعدة” عقب مقتل بن لادن، وعدم حسم الأمر سريعاً. وثانياً– موافقة قادة الأفرع الرئيسية؛ حيث تمثل موافقة قادة أفرع تنظيم “القاعدة” على الزعيم الجديد، عاملاً مؤثراً في عملية التماسك الداخلي، خاصةً في ظل تمتع تلك الأفرع بقدر من اللامركزية، منعاً للتأثير على جسد التنظيم، في ظل تحديات متعددة، منها تنظيم “داعش” الذي يمكن أن يستفيد من أي تخبط داخل “القاعدة” لصالحه.
أما العامل الثالث فهو التمتع بالثقل في الأوساط الجهادية؛ إذ تتمثل أحد محددات اختيار الزعيم الجديد للقاعدة، في مدى تمتعه بثقل في الأوساط التابعة لتنظيم “القاعدة” في الأفرع ولدى الجماعات القريبة من التنظيم. وهذا يرتبط بخبرات الزعيم الجديد وطول مدة انخراطه في جبهات القتال، والنجاحات التي حققها. وربما يجد تنظيم “القاعدة” نفسه محصوراً بين خيارات محدودة، في ظل وجود رغبة في تصعيد شخصية تنتمي إلى فترة ما يُعرف بـ”الجهاد الأفغاني” أو تصاعد دورها عقب مقتل بن لادن، وقيادات أخرى بارزة في التسلسل التنظيمي. وفي سياق موازٍ، من الملاحظ أن تنظيم “داعش” رغم إخفاء الهوية الحقيقية لزعيمه الجديد، أشار إلى أنه من القيادات القديمة التي شاركت في مواجهة القوات الأمريكية عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
4– الترتيبات المحتملة لوفاة الظواهري: رغم اتجاه زعماء التنظيمات الإرهابية إلى تزكية عدد من القيادات لخلافتهم عقب الوفاة، في ضوء احتمالية الاستهداف من قبل الولايات المتحدة، فإن الحالة الصحية لزعيم القاعدة السابق أيمن الظواهري، ربما عززت رسمه سيناريو تولي القيادة الجديدة للتنظيم، في ظل ترقب وفاة الظواهري بصورة طبيعية، بفعل معاناته من المرض، بصورة دفعت إلى تكرار الأنباء التي تشير إلى وفاته طبيعياً دون استهدافه من قبل الولايات المتحدة، في الأوقات التي لم تصدر خلالها مقاطع صوتية أو مرئية لفترات طويلة.
خيارات محدودة
في ضوء تحديد بعض المحددات لاختيار زعيم تنظيم القاعدة الجديد، يمكن الإشارة إلى بعض القيادات الأبرز التي يمكن أن تخلف الظواهري، في ضوء اتجاهين رئيسيين، كالآتي:
1– اختيار شخصية من نطاق القيادة المركزية: يرتكز هذا الاتجاه على اختيار إحدى الشخصيات داخل مجلس شورى التنظيم في نطاق أفغانستان، أو أخرى كانت تقوم بمعاونة الظواهري قبل مقتله، ولديها معرفة بشؤون التنظيم والأفرع المختلفة، بغض النظر عن استمرار القيادة المركزية لتنظيم “القاعدة” في أفغانستان أم لا مستقبلاً، في ضوء الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها حركة “طالبان” عقب استهداف الظواهري في كابول، من الولايات المتحدة، أو تداعيات ذلك داخل أفغانستان، نتيجة رعاية الحركة للإرهاب. وبوجه عام، يبرز في هذا الاتجاه إمكانية تولى شخصين قيادة التنظيم، وهما:
أ– “سيف العدل”: أُحيطت شخصية “سيف العدل” بحالة من الغموض منذ 2001، وهو الشخصية الأكثر جدلاً في القاعدة؛ وذلك من حيث هويته الحقيقية ومكان إقامته، منذ مقتل أسامة بن لادن، وترصد الولايات المتحدة 10 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عنه. ووفقاً لبرنامج مكافآت من أجل العدالة الأمريكي، فإن “سيف العدل” يرأس اللجنة العسكرية للتنظيم، كما أنه عضو في مجلس الشورى. ولا يُعرف على وجه دقيق مكان إقامة “سيف العدل”، ويعتقد أن اسمه الحقيقي “صلاح الدين زيدان”، مصري الجنسية، وكان أحد المشاركين الأوائل فيما يُعرف بـ”الجهاد الأفغاني”. ولكن تشير بعض التقديرات الغربية إلى أنه عبر الحدود من أفغانستان إلى إيران بين عامي 2002 و2003، قبل احتجازه مع عدد من قيادات التنظيم وأسرهم في أحد السجون أو المقرات المُؤمَّنة دون محاكمات، أو الإعلان عن وجوده في إيران.
وتردد عن “سيف العدل” أنه تمكن من الانتقال إلى أفغانستان بحلول نهاية عام 2010، وكان له دور في مبايعة الظواهري زعيماً للقاعدة عقب مقتل بن لادن، قبل العودة إلى إيران مجدداً، وفقاً لعلي صوفان الضابط السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، لكن لا توجد مؤشرات ملموسة على هذا الدور الذي لعبه سيف العدل في تلك الفترة. وقد تردد اسم “سيف العدل” مجدداً عام 2015، في إطار صفقة تبادل أسرى بين فرع “القاعدة” في اليمن وإيران، يسلم الطرف الأول بموجبها دبلوماسياً إيرانياً كان محتجزاً لدى فرع التنظيم في اليمن، مقابل إطلاق سراح 5 من كبار قيادات القاعدة المحتجزين لديها، وكان من الأسماء “سيف العدل” إضافة إلى “أبو محمد المصري” و”أبو الخير المصري”، وكلاهما قُتلا: الأول في إيران – وفقاً لتقديرات غربية – والثاني في سوريا، فيما لم يتم الكشف عن إطلاق سراح “سيف العدل” والانتقال خارج إيران، في حين تشير الولايات المتحدة إلى أن “سيف العدل” يُعتقد أنه قيد الإقامة الجبرية في إيران، إلا أن تنظيم “القاعدة” لا يتطرق إلى أي معلومات حيال “سيف العدل”.
وكان لافتاً إقدام جماعة “أنصار المسلمين في بلاد السودان” المعروفة بـ”أنصارو”، التابعة لتنظيم “القاعدة”، في عددها الثاني لدورية “صوت القارة السمراء”، على الإشارة إلى حالة الجدل حول “سيف العدل”، بالإشارة إلى أنه القيادي في “القاعدة” الذي كان مشمولاً بصفقة التبادل بين فرع التنظيم في اليمن وإيران، ولكن مسألة تحديد مكان إقامته، أمر متروك لقيادة التنظيم، في محاولة لنقض اتهامات تحكُّم إيران في “سيف العدل”، نظراً إلى أنه قيد الإقامة الجبرية، بما قد يؤثر على إمكانية قيادته للتنظيم مستقبلاً.
ب– “عبد الرحمن المغربي”: يُعد “المغربي” منالأسماء التي كانت قريبة من الظواهري قبل مقتله، وكان مستشاراً له وصهره أيضاً. ووفقاً لبرنامج “مكافآت من أجل العدالة” الأمريكية، فإن “المغربي” كان عضواً بارزاً في التنظيم لسنوات طويلة، وكان “المدير العام لتنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان منذ عام 2012، ولكنه انتقل إلى إيران، واضطلع بمهمة الإشراف على أنشطة تنظيم القاعدة في جميع أنحاء العالم، بصفته رئيساً لمكتب الاتصالات الخارجية لتنظيم القاعدة”؛ لذلك صنفته الولايات المتحدة عام 2021، إرهابياً عالمياً، ورصدت 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
2– اختيار أحد قادة أفرع التنظيم الإقليمية: رغم عدم اتجاه التنظيمات الإرهابية إلى تصعيد أحد قادة الأفرع الرئيسية في منصب زعيم التنظيم، إلا أنه خيار يظل مطروحاً، وإن كان ضعيفاً، إذ أن اللجوء لهذا الخيار، يعني نقل مقر القيادة المركزية خارج أفغانستان، ويبرز في هذا السياق، ثلاث قيادات، وهي:
أ– “أبو عبيدة يوسف العنابي”: هو زعيم الفرع الإقليمي لتنظيم “القاعدة” المسمى “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ويُعرف باسم “يزيد مبارك”، وهو جزائري الجنسية، وتولى منصبه خلفاً للزعيم السابق عبد المالك دروكدال. ووفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، ترأس “العنابي” مجلس الأعيان بفرع القاعدة بالمغرب الإسلامي، وكان عضواً في مجلس الشورى، وكان المسؤول الإعلامي لفرع التنظيم.
ب– “خالد باطرفي”: هو زعيم فرع تنظيم القاعدة في اليمن المسمى “أنصار الشريعة” أو “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة”، وقد تولى زعامة فرع التنظيم عام 2020، عقب مقتل الزعيم السابق قاسم الريمي في غارة جوية أمريكية، ويُعَد من القيادات البارزة في فرع القاعدة باليمن، وكان له دور في سيطرة التنظيم على أجزاء من محافظة حضر موت عام 2015 بعد تحريره من السجن.
ج– “إياد أغ غالي”: يقود جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي تركز نشاطها في منطقة الساحل، وتحديداً في مالي، وتمكن من توحيد عدد من الفصائل المسلحة في الساحل تحت قيادته عام 2017، قبل أن يُعلن مبايعة أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، ويعلن التبعية لفرع التنظيم الإقليمي “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. وصحيح أن “غالي” أقلُّ في ترتيب التسلسل القيادي عن “العنابي” و”باطرفي”، إلا أن النشاط العملياتي للجماعة في منطقة الساحل كان لافتاً خلال الأعوام القليلة الماضية؛ ما يجعل نشاط “القاعدة” في تلك المنطقة متفوقاً على الأفرع الأخرى، بصورة تعزز صورة “غالي” في أوساط القاعدة.
معضلة صعبة
وأخيراً.. يمكن القول إن “سيف العدل” هو المرشح الأبرز في ضوء تاريخه مع تنظيم القاعدة، لتولي زعامة التنظيم خلفاً لأيمن الظواهري، إلا أن التنظيم يواجه أزمة في هذا السياق، تتعلق باحتمالين؛ أولهما إقامته الجبرية في إيران. وهنا فإن إطلاق سراحه من إيران، لن يكون إلا بتفاهمات معينة بين تنظيم القاعدة وطهران، وقد تكون قيادته محل تشكيك كبير لدى أفرع التنظيم، وتحديداً فرعي سوريا واليمن؛ إذ إنهما يخوضان مواجهات ضد أطراف مدعومة من إيران، ومن ثم تتحسب لإمكانية إصدار توجيهات بعدم خوض مواجهات مع حلفاء وميليشيات إيران في المنطقة، وثانيهما حرية حركة “سيف العدل”؛ فقد يكون عدم الكشف عن مكان إقامة “سيف العدل” أو الملفات التي يتولاها جزءاً من محاولة توفير حماية له؛ لعدم استهدافه من قبل الولايات المتحدة، في ضوء فرضية إطلاق سراحه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين فرع القاعدة في اليمن وإيران. ولكن هنا فإن التنظيم قد يواجه أزمة في إثبات ذلك لمواجهة أي حالة غضب في الأوساط الجهادية بسبب اختياره زعيماً للتنظيم.
ومن غير المُستبعَد أن يتولى قيادة التنظيم شخصية ليست بارزة مقارنةً بالأسماء المطروحة، ولكن مع مراعاة أن تحظى بقبول لدى الأفرع الرئيسية والأوساط الجهادية. وبوجه عام، ستكون حركة “طالبان” طرفاً في معادلة ترتيبات المشهد بالنسبة إلى تنظيم “القاعدة”، من خلال شكل وطبيعة التفاهمات؛ إما ببقاء إقامة قيادات التنظيم على مستوى “القيادة المركزية” في أفغانستان بصورة دائمة، أو الإقامة بصورة مؤقتة مرحلية لحين تجهيز التنظيم والاستعداد للرحيل، في ضوء الضغوط التي قد تواجهها الحركة بفعل الاتهامات التي تلاحقها برعاية الإرهاب؛ ما يزيد التحديات الداخلية والخارجية على السواء، في ضوء رغبة الحركة في الحصول على الاعتراف الدولي، والانخراط في المجتمع الدولي.
إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية