تواصل روسيا إعادة نشر وتمركز قواتها من مناطق روسيا الوسطى والشرقية إلى حدودها الغربية وإلى بيلاروسيا، وللاحتفاظ بقوات بالقرب من حدود أوكرانيا للضغط على أوكرانيا والغرب لاستعادة السيطرة الكاملة على أوكرانيا وتقسيم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
في الوقت الحالي، وصل حجم القوات الروسية إلى عدد (67) كتيبة تكتيكية في حالة استعداد قتالي بالقرب من الحدود الأوكرانية، بزيادة عدد (9) كتائب عن الأسبوع السابق، منها عدد (34) كتيبة تم إعادة تمركزها على الحدود كتواجد دائم، وجميعها من التجميع الاستراتيجي للجيش الثامن وأسطول البحر الأسود بالمنطقة العسكرية الجنوبية. فضلاً عن عدد (33) كتيبة إضافية من الجيش العشرين المتمركز بالمنطقة العسكرية الغربية.
يبلغ الحجم الإجمالي للقوات الروسية المحتشدة تجاه الجبهة الأوكرانية حوالي عدد (136) ألف جندي مقاتل وفني وإداري، ويقومون بتنفيذ أنشطة التدريب القتالي بالقرب من الحدود الأوكرانية.
من تلك القدرات ومعها أسلحة الدعم يرى العسكريون الأوكرانيون أن مجموعات القتال الروسية المحتشدة بالقرب من الحدود الأوكرانية تعتبر غير كافية لتنفيذ هجوم عسكري شامل (واسع النطاق) ضد أوكرانيا. في المقابل، فإن القوات المسلحة الأوكرانية تعتبر نفسها في حالة تأهب قصوى ومستعدة لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أراضيها وشعبها ضد أي عملية عسكرية محدودة من جانب القوات الروسية، وكما وضحت في تحليلي السابق بتاريخ 29 يناير 2022، https://igsda.org/?p=8248.
على الصعيد السياسي، وإدراكاً لصعوبة تنفيذ عملية عسكرية شاملة ناجحة ضد أوكرانيا، تركز روسيا أيضاً على زعزعة استقرار الوضع الداخلي لأوكرانيا. في الوقت نفسه، تظل الدعاية والمعلومات المضللة في وسائل الإعلام الروسية (سبوتنيك وروسيا اليوم) أدوات رئيسية لروسيا تستخدمها ضد أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وكذا في إطار العمليات النفسية الداعمة للحرب السياسية والعمل العسكري المحتمل رغم محدوديته. وفي نفس السياق، تكثف روسيا هجماتها الإلكترونية على الوكالات الحكومية والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا.
في المقابل، تتخذ القيادة الأوكرانية الإجراءات اللازمة للحفاظ على الاستقرار داخل البلاد وإعداد قوات الأمن والدفاع لصد أي هجوم روسي محتمل.
الرأي:
تعتبر أوكرانيا نفسها على استعداد للمواجهة، إلا أنني أرى أنه منذ ربيع عام 2021، حافظت روسيا على حشد كبير للقوات بالقرب من حدود أوكرانيا، والتي تستخدمها بشكل أساسي للضغط على الغرب، واستهداف الداخل الأوكراني في محاولة للنيل من الأوضاع الاقتصادية وإثارة الانقسامات والمخاوف الداخلية بين الأوكرانيين.
وبناءً على كل ما سبق، تشير التقديرات الحالية إلى أن افتراض سيناريو لغزو روسي شامل أصبح أمراً مستحيلاً. ويمكن للمساعي الدبلوماسية أن تنجح في الحد من درجة التصعيد، حيث تجري حالياً مفاوضات بشكل مكثف للغاية في هذا الشأن بواسطة رئيس فرنسا. فالقوات الروسية المحتشدة تجاه أوكرانيا تُعد كافية لممارسة الضغط السياسي والإعلامي على كييف، ولكنه لا تكفي شن هجوم كامل.
وطبقاً لما تعلنه أوكرانيا، فقد تغيرت القوات المسلحة الأوكرانية بشكل جذري منذ عام 2014. وستواجه أي محاولة من جانب روسيا لاجتياج جارتها أوكرانيا قوة أكبر مما كانت عليه منذ أكثر من سبع سنوات، حيث ترى أوكرانيا أن روسيا ستتكبد خسائر أكبر مقارنة بخسائر الحرب عام 2104/ 2015. من جانب آخر فإن المجتمع الأوكراني مشكل من مئات الآلاف من المحاربين القدامى من ذوي الخبرة القتالية، والملايين من الوطنيين الذين سيتصدوا لمحاولة الاحتلال الروسي للبلاد، من منطلق أن أوكرانيا دولة مستقلة ذات دوافع واضحة، وأزعم أن السلطات الروسية على علم بذلك بجانب علمها بحجم التحديات السياسية والاقتصادية التي ستواجهها عقب غزوها لأوكرانيا، ولهذا تشارك روسيا في المفاوضات.
ورغم أن أوكرانيا تعتبر نفسها على استعداد للمواجهة، إلا أنني أرى أن مواجهتها للقوات الروسية منفردة، ولو في إطار عملية محدودة، ستكون صعبة على أوكرانيا للغاية، في المقابل، فإن شن هجوماً روسياً على أوكرانيا سيؤدي حتماً، أولاً وقبل كل شيء، إلى خسائر بشرية واقتصادية وعزلة دولية لروسيا. مع الوضع في الاعتبار أن موقف الصين، ورغم إعلانها تأييدها لموقف روسيا (شريكها الاستراتيجي) ضد الغرب، إلا أن الصين تعلم جيداً أن الولايات المتحدة والناتو ستنفذ تصريحاتها بعدم التدخل العسكرياً لمواجهة روسيا حالة اجتياحها أوكرانيا، وفي المقابل نجد روسيا والغرب يعلمون جيداً أن الصين لن تتدخل عسكرياً لدعم روسيا بقوات حالة مخالفة الولايات المتحدة والغرب لتصريحاتهم وقيامهم بالتدخل ضد روسيا.
د. سيد غنيم، دكتوراه العلوم السياسية، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا (مصر) – أستاذ زائر بالناتو
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع (IGSDA)، الإمارات العربية المتحدة