عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
اشتباكاً مع حالة الجدل الأكاديمي الحاصل بين إيان بريمر، وستيفن والت، بشأن ما يمكن وصفه بصراعات السيادة بين الدول القومية وشركات التكنولوجيا الرائدة، حول من له اليد الطولى في رسم معالم النظام العالمي مستقبلاً؛ بين من يرى أننا أصبحنا بالفعل أسرى لحقبة المطورين الرواد التكنولوجيين الذين باتت تحركاتهم ترسم معالم التفاعلات الدولية بشكل أو بآخر، ومن يعارض ذلك الزعم باعتبار أن الدول القومية لا تزال المؤطر والمؤثر الأكبر في عمل وفاعلية تلك المؤسسات التكنولوجية– يبرز اتجاه ثالث يتزعمه باراج خانا الخبير الاستراتيجي الأمريكي، يضع السيادة في قبضة “الإنترنت” نفسه، كفاعل له بروتوكولاته المهيمنة وقواعده الخاصة، عبر عنه من خلال مقال نشره موقع “فورين بوليسي”، في 11 ديسمبر 2021، بعنوان “سياسات البروتوكول العظمى: التحول من عصر الجغرافيا السياسية إلى عصر السياسة التقنية”.
هيمنة الإنترنت
يجادل مقال باراخ خانا هنا كلاً من إيان بريمر الذي انتصر لسيادة الشركات التكنولوجية، وستيفن والت الذي انتصر للدولة القومية، ليطرح رؤية ثالثة تمنح “شبكة الإنترنت” نفسها، السيادة على كل من شركات التكنولوجيا والدولة القومية، بما تمتلكه تلك الشبكة من بروتوكولات حاكمة وقواعد مهيمنة تفرض شروطها على جميع الفاعلين، معززاً رؤيته على النحو التالي:
1– “الإنترنت” عصب شركات التكنولوجيا والدولة القومية: أكد عالم السياسة الأمريكي “إيان بريمر” أن شركات التكنولوجيا الكبرى ستعيد تشكيل النظام العالمي، في حين رأى نظيره، “ستيفن والت”، أن الدول ستظل هي المهيمنة. ولكن في هذا المقال، أخذ الخبير الاستراتيجي الأمريكي المتخصص في الجغرافيا السياسية والعولمة، والشريك الإداري لشركة “فيوتشر ماب– Future Map” لتقديم الاستشارات الاستراتيجية، “باراج خانا”، بوجهة نظر ثالثة، مفادها أن التكنولوجيا بالفعل لم تغير النظام العالمي فحسب، بل إنها تغير أيضاً طبيعة الشركات والدول نفسها.
2– تشكيل “بروتوكولات” الإنترنت للعالم المادي المعاصر: تعتبر وجهة نظر “باراج خانا” صحيحة لعدة أسباب؛ ربما يكون أهمها ظهور بروتوكولات العملات الرقمية المشفرة اللامركزية –مثل “بتكوين– Bitcoin” و”إيثريوم – Ethereum”– التي لا تخضع لسيطرة الدول أو الشركات. صحيح أنه يُحسب لـ”بريمر” ذكر تلك البروتوكولات اللامركزية بالفعل، لكنه لا يزال يقلل من أهميتها. فهناك العديد من نقاط الضعف التكنولوجية العالمية التي ناقشها “بريمر” و”والت”، تمت معالجتها من خلال إدخال بروتوكولات التشفير، التي يمكنها حماية الممتلكات وتنفيذ العقود خارج حدود الدول القومية التقليدية. ومع ذلك، يتجاوز تحدي التكنولوجيا للجغرافيا السياسية التقليدية، بروتوكولات التشفير وشركات التكنولوجيا وحتى الفضاء الرقمي نفسه؛ حيث بدأ في إعادة تشكيل العالم المادي.
3– مساس “الإنترنت” بنظريات الجغرافيا التقليدية السائدة: تهتم الجغرافيا السياسية التقليدية لمدرسة “ماكيندر” البريطانية للفكر الجيوبوليتيكي؛ بالموقع الأبدي للقوى الإقليمية؛ حيث قد يكون لروسيا واليابان –على سبيل المثال– أيديولوجيات مختلفة بمرور الوقت، لكن جغرافيتهما تظل ثابتة. ولكن، يضيف الإنترنت بُعداً جديداً لذلك؛ فالمسألة ليست مجرد مجموعة من البيانات تسمح بالتمكين والمنافسة، بل هي نوع جديد من الجغرافيا قابلة للمقارنة في نطاقها مع العالم المادي.
ولتوضيح الأمر أكثر، يمكننا التفكير في الأمر على أنه قارة افتراضية رقمية جديدة للحوسبة السحابية، تتنافس فيها القوى القديمة، وتنشأ قوى جديدة، داخل هذه القارة السحابية، لا تحسب وحدة المسافة بين شخصين بوقت السفر بين موقعهما على الكرة الأرضية، بل بمدى الانفصال في شبكاتهما الاجتماعية. وهذا يعني أنه يمكن لأي شخص الاقتراب من أي شخص آخر بمجرد متابعته على الشبكات الاجتماعية، أو إبعاد الآخرين بحظر حساباتهم على تلك الشبكات نفسها، أي أن الأمر لا يتطلب الحصول على تذكرة سفر.
وعلى نحو مماثل، يمكن لأي كيان متداول داخل هذه القارة السحابية، محاولة التفاعل مع أي جهة أخرى، عن طريق الاتصال بعناوين الـ(IP) الصحيحة، لأغراض المعاملات أو حتى الاختراق الإلكتروني، دون الحاجة إلى تقارب موجود مسبقاً.
وبذلك، يعمل التشفير كمعادل للتعزيزات المادية في السحابة؛ ما يسمح لأي مستخدم بالدفاع عن ممتلكاته الرقمية، دون اللجوء إلى قوة مادية. وبعبارة أخرى، فإن الافتراضات الجيوسياسية الأساسية حول المواطنة والهجرة وفرض القوة واستخدامها، بحاجة إلى إعادة تفكير في العالم الرقمي.
4– تعزيز “الإنترنت” موقع العملات المشفرة إزاء العملات الوطنية: بالنظر إلى الصحف، في البداية، فقد أصبحت جميعها متاحة عبر الإنترنت. وبعد ذلك، وجدت الصحف المحلية أن احتكاراتها الجغرافية، قد تلاشت الآن؛ إذ لم يعد من الضروري توزيع الصحف الورقية عبر الشاحنات. وسيلحق مصير مماثل بالعملات الوطنية التي تنافسها بالفعل العملات المشفرة؛ إذ صار الأفراد والمؤسسات يمتلكون محافظَ رقميةً مليئةً بأصول مختلفة يمكن تداولها بعضها مقابل بعض. وسيتسارع ذلك بمجرد إدخال العملات الرقمية في البنك المركزي (CBDC)؛ حيث سيتم تداول كل أصل مقابل الآخر، في جدول كبير يُمكن تسميته “المصفوفة المالية اللامركزية”، بما في ذلك العملات الرقمية للبنوك المركزية نفسها. وستنخرط النسخة الرقمية من الين الياباني في منافسة عالمية مباشرة مع الفرنك السويسري والريال البرازيلي، وأي أصول أخرى بما في ذلك البيتكوين. وسيحتفظ الأشخاص بأفضل العملات الوطنية أو العملات المشفرة. وبدلاً من البيئة الحالية التي تتسم بالتخفيض التنافسي لقيمة العملة؛ تفرض المصفوفة اللامركزية نوعاً جديداً من الانضباط على العملات الوطنية؛ حيث يتخذ مليارات الأشخاص خيارات فردية بشأن العملات التي يجب الاحتفاظ بها أو عدم الاحتفاظ بها.
5– تقوية “الإنترنت” للأفراد ضد هيمنة قيود الحكومات: يؤكد “والت” أنه نظراً إلى أن مؤيدي اليوتوبيا التقنية الرقمية العديمة الجنسية وغير الخاضعة لسلطة الدولة؛ لا يزالون بحاجة إلى العيش في مكان ما؛ فإن الدولة تتمتع في نهاية المطاف بالسيطرة عليهم. ولكن في ظل التنافس بين الدول المختلفة، لا توجد حكومة واحدة لديها السلطة التي يعتقدها الأفراد. وتتنافس دول متنوعة مثل إستونيا ونيوزيلندا وسنغافورا وتايوان والبرتغال والإمارات وتشيلي، للحصول على مواهب متنقلة جديدة من خلال “تأشيرات البدو الرُحل الرقميين”، وغيرها من البرامج المماثلة. ولقد أطلق الخبير الاقتصادي “مانكور أولسون”، على الحكومة اسم “قاطع الطريق الثابت أو المقيم”، يحصل على الأجرة مقابل تقديم الفوائد. وهو أفضل من “قاطع الطريق المتنقل”؛ لأن الأخير ليست لديه مصلحة في تطوير الاقتصاد. أما الأول فلديه هذه المصلحة. ولكن ما دام بإمكان الأفراد القدرة على المغادرة أو يُسمح لهم بها، فستكون لديهم خيارات أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى دولة مضيفة أكثر كرماً وملاءمةً. فلا تزال عمليات الهجرة الكبرى جارية، وقد تضاعفت خلال العقد الماضي، بدليل وجود نحو 9 ملايين مغترب أمريكي منتشرين في جميع أنحاء العالم.
6– مواكبة الدول والشركات لطفرات تكنولوجيا الإنترنت: قدم رجل الأعمال الأمريكي بيتر ثيل، والمهندس المتخصص بمجال تكنولوجيا النانو الجزيئية جون ستورز هول، والخبير الاقتصادي تايلر كوين، على مدى العقد الماضي؛ عدة قضايا مقنعة مفادها أن التكنولوجيا الرقمية قد تقدمت، بينما ظلت التكنولوجيا المادية راكدة. ولكن بالنظر إلى الطائرات بدون طيار، والروبوتات، والسيارات الذاتية القيادة، بالإضافة إلى عودة الطاقة النووية، وسباق الفضاء، والطائرات الفائقة لسرعة الصوت؛ نشهد في النهاية، تجديداً للابتكار في العالم المادي.
هذا هو السبب في أن حجة “والت” القائلة بأن الدول تتحكم بالضرورة في “البيئة المادية” –وهو مفهوم يُعرف باسم “الإقليمية”، أي الشعور المشترك بالهوية مقترناً بإنشاء مؤسسات ووضعها حد التطبيق لتشكل أساس العمل المشترك ضمن منطقة جغرافية– قد لا تكون حجة صحيحة في الواقع؛ حيث من الممكن ألا تكون الحكومة التي لم تستوعب التكنولوجيا الرقمية، قادرة على التحكم في البيئة المادية. وسوف تحاول الدول الأقل قدرةً، المحافظة على سيطرتها من خلال بذل محاولات رجعية عقيمة لتنظيم التكنولوجيات المادية الناشئة، بينما ستستوعبها دول أخرى أكثر قدرةً؛ لذلك ستحتاج الدول إلى إعادة اكتشاف نفسها، كمتخصصة بالتقنيات الجديدة، الرقمية والمادية، على حد سواء، وإلا تتخلف عن الركب وتشهد خروج أفضل مواطنيها إلى الدول التي تفعل ذلك.
7– تفوق نظم الإنترنت على الهيئات التنظيمية التقليدية: قد يقوم منظمو سيارات الأجرة التقليديون بعمليات تفتيش سريعة، لكنهم لا يمتلكون خاصية أكثر تطوراً لتنظيم السائقين، كالتي تمتلكها تطبيقات مثل “Uber” و”Lyft” و”Gojek” و”DiDi”. فلا يستطيع المنظمون التقليديون تعقُّب كل رحلة عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وضمان إتمام كلٍّ من السائق والراكب للرحلة، وتسجيل التقييمات من كلا الطرفين. على هذا النحو، عانت تلك الشركات من رد فعل عنيف كبير من قِبل الجهات التنظيمية التقليدية، التي ترغب في الحفاظ على سيطرتها على النظام. ولكن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تلك الشركات، في حالات مهمة، تحقق بالفعل أهداف الدولة بقدر أسرع من الدولة. على سبيل المثال، تحقق شركة Go To Group القابضة لتقديم خدمة Gojek للركاب، الآن، أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا، الذي يزيد عن تريليون دولار؛ ما يخلق ملايين الوظائف، ويجلب ما يقرب من مليارَي معاملة سنوية إلى الاقتصاد الرسمي الخاضع للضريبة. ومن شأن هذا أن يمنح تطبيق Gojek، بالطبع، قاعدة ضخمة من الدعم العام. كذلك، لن تظل هذه الشركات شركات إلى الأبد، بل سيتم التخلص منها تدريجياً من خلال بروتوكولات الانقسام مع مستخدميها.
فمن وجهة نظر سياسية، لم يتمكن النشطاء المناهضون للتكنولوجيا، إلا من حشد هوامش ضئيلة ومثيرة للجدل من الدعم للوائح التنظيمية الجديدة؛ لأن العاملين في التطبيقات لم يستفيدوا من صعود الاقتصاد التشاركي بقدر استفادة مطوري التطبيقات. ومع ذلك، فإن الخطوة التالية هي اللامركزية الكاملة القائمة على “شبكة الويب العالمية Web3” للأسواق عبر الإنترنت وخدمات الاقتصاد التشاركي، التي تجري بالفعل بشكل جيد عبر تداول العملات المشفرة من نظير إلى نظير، فيما تسمى التبادلات اللامركزية. فعادةً ما يتمتع الذين يديرون هذه المؤسسات بمدة وظيفية؛ فهم لم يتم انتخابهم ديمقراطياً، وليس من السهل إقالتهم. وعلى النقيض من ذلك، تسمح بروتوكولات التشفير لملايين المشاركين النشطين (العملاء والمنتجين على حد سواء) في السوق، بتطوير آليات تنظيمية لامركزية تتجنب كلاً من مخاطر الهيئات التنظيمية الحكومية والهيئات التنظيمية الذاتية للشركات. إنها مسألة وقت فقط، قبل ظهور الكيانات القائمة على الحوسبة السحابية للتنظيم اللامركزي للصناعات خارج العملات المشفرة. والأهم من ذلك، أن هذه الهيئات ستكون عالمية حقاً، وستمتد عبر الحدود، على عكس الهيئات التنظيمية الوطنية المقيدة جغرافياً اليوم.
8– إنهاء العملات المشفرة لوصاية الدول على الملكية: يعود مفهوم الدولة كوصي شرعي للملكية الخاصة، إلى الفيلسوفين توماس هوبز وجون لوك على الأقل. لكن العملات المشفرة تتحدى هذا الرأي؛ لأنها تؤسس نظرية كاملة لحقوق الملكية الرقمية خارج الدولة؛ فعندما تصبح الملكية كلمة مرور، يتغير كل شيء. ولقد تساءل رئيس الوزراء السوفييتي جوزيف ستالين، مستهزئاً بفكرة أن الكاهن الروماني يمكن أن يكون له أي تأثير حقيقي على العالم، قائلاً: “كم فرقة للبابا؟!”. لكن في عصر التشفير، لا يتعلق الأمر بعدد الفرق أو التقسيمات لدى الدولة للدفاع عن ملكيتها، بل يرتبط بمدة ذلك التقسيم للاستيلاء على ملكيتك.
9– تطبيق “قاعدة الكود” لتحقيق سيادة القانون الدولي: بعد ثلاثة عقود من التفجيرات والاجتياحات والعقوبات والمراقبة، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تدعي بمصداقية أنها الحكَم المحايد لنظام دولي قائم على القواعد. من الواضح أن أي قواعد من هذا القبيل، لا تنطبق بوضوح على نفسها. وبالطبع، لا يمكن للصين أن تدَّعي أنها مدافعة عن نظام قائم على القواعد أيضاً. ومع ذلك، يبقى الهدف في حد ذاته مرغوباً فيه؛ فالدول الصغيرة تُفضل نوعاً من النظام، بدلاً من أن تكون تحت رحمة قوة كالولايات المتحدة لا تمنح سيادة القانون الدولية إلا بالكلام اللفظي، أو قوة أخرى كالصين لا تفعل ذلك حتى.
لهذا السبب، على الأقل في المجال التجاري، سيتم التحول بدرجة متزايدة إلى ما يمكن تسميتها “قاعدة الكود – rule of code”؛ فسواء أكان ديمقراطياً أو جمهورياً، صينياً أم أمريكياً، فإن عُملتَي “بتكوين” و”إثريوم” المشفرتين، متساويتان للجميع، وتتعامل مع الجميع بطريقة واحدة. ويتم بالفعل ترميز الملكية الفكرية في دفاتر الحسابات المالية للعملات المشفرة، بدءاً من الرموز المميزة غير القابلة للتغير؛ ما يوفر الشفافية لما كان عملية قانونية مجزأة. ويمكن رقمنة حقوق الملكية نفسها من خلال رسم خرائط نظام المعلومات الجغرافية (GIS) وتقسيم الأراضي؛ ما يؤدي إلى تآكل الغموض البيروقراطي للحكومات.
فبدلاً من تعريض أنفسهم لمخاطر نزع الملكية، يمكن للمستثمرين مطالبة الحكومات بوضع ضمانات مشفرة في عقود ذكية تتم مصادرتها في حالة التخلف عن السداد. وبذلك، قد يصبح القانون الدولي القابل للتنفيذ مرادفاً للعقود الذكية اللامركزية، على الأقل في سياق التجارة الدولية. وبالإضافة إلى التجارة، توفر بروتوكولات التشفير حماية عبر وطنية للحريات المدنية، مثل حرية التعبير والخصوصية. وبالطبع، هذا ليس مجمل ما يرمي النظام القائم على القواعد إلى حمايته، لكن القدرة على ضمان حرية التعبير والأسواق الحرة لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت، تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام.
10– إمكانية معالجة عدم المساواة العالمية عبر بروتوكولات “Web3“: في حين وثَّق الطبيب والأستاذ السويدي هانز روسلينج، وآخرون، كيف أن التفاوت العالمي ينخفض فعلياً؛ تظل هذه القضية موضع نقاش بالنسبة إلى الدول الغربية، التي شهدت ركوداً في صافي ثرواتها، بينما ارتفع في دول أخرى خاصة في آسيا. وقد تكون الطريقة الواعدة لحل هذا الأمر، عبر بروتوكولات Web3 التي يمكن اعتبارها متغيراً من الدخل الأساسي العالمي الذي يقسم المكاسب والمخاطر لبناء خدمة تقنية عملاقة عبر الملايين من أصحاب الأصول المتطوعين.
بعبارة أخرى، إذا تم تقسيم إجمالي القيمة السوقية البالغ 5 تريليونات دولار تقريباً لكل من شركات التكنولوجيا مثل “ألفابت Alphabet” و”ميتا– Meta” و”أبل –Apple” و”أمازون– Amazon” و”مايكروسوفت– Microsoft”، على مليار مستخدم، لمنحهم نحو 5000 دولار لكل منهم، فسيكونون بالطبع، أكثر دعماً.
جدير بالذكر أن معظم التمويل لبروتوكولات “Web3” لم يأتِ من شركات التكنولوجيا الراسخة؛ فلقد تم ترميز “بتكوين” على سبيل المثال، من قبل مؤسس باسم مستعار لم يجازف في رأس المال الاستثماري. كذلك، بدأت إثريوم من قبل شخص عادي موَّل رأسمال الشركة الناشئة عبر الإنترنت. ومع ظهور التمويل اللامركزي، توجد الآن مجموعة مذهلة من آليات التمويل للسماح للأذكياء الذين لا يملكون المال بالعثور على نظرائهم المالكين للمال، لبناء الأدوات التي تتيح لجميع الأشخاص جني الأموال. وهذه هي الطريقة التي قد ينجز بها “Web3” ما لا يستطيع أي إجراء لمكافحة الاحتكار أو الاستيلاء التعسفي، أن يفعله.
11– اتجاه الحكومات للتكامل مع الشبكات الرقمية: تختلف الأسهم والسندات والذهب والقروض، اليوم، ولكن يتم تمثيلها جميعاً كديون وائتمانات على خدمات “بلوكتشين –Blockchain” للعملات المشفرة. فينبغي النظر إلى مجموعات من الناس، سواء كانوا مجتمعات أو مدناً أو شركات أو دولاً، كوكلاء متماسكين، أقل تقييداً بسبب الإقليمية، ويتماهى بعضهم مع بعض في مجموعات متغيرة. ويمكن للحكومات المادية، على سبيل المثال، أن تتكامل مع الشبكات الرقمية. وتستطيع الشركات أن تعمل كتطبيقات على أنظمة “Blockchain” المخصصة لولاية المدينة.
وهناك أمثلة أولية على ذلك المستقبل؛ حيث وضع رئيس السلفادور نجيب بوكيلي، بلاده على الخريطة من خلال جعل عملة البتكوين عملة وطنية، وجذب الاستثمار العالمي لمنطقة اقتصادية خاصة أطلق عليها اسم “مدينة بتكوين”. وكذلك، يوفر قانون المنظمة اللامركزية المستقلة (DAO) الجديد في مدينة وايومنج الأمريكية، قواعد لشكل من أشكال العقد، يتم فيه إدراج عمليات وقوانين المنظمة اللامركزية كرمز دائم للعقد الذكي، تسمح للناس بمشاركة ممتلكاتهم في نسخة لا مركزية، بما يُمَكِّن العديد من إجراءات الشركات من أن تكون آلية. ففي تلك الأمثلة، تندمج المدن والولايات مع شبكات العملات المشفرة، لتزويد مواطنيها بخدمات جديدة.
12– تحويل الإنترنت النظامَ الدولي من القطبية إلى اللامركزية: إن نحو 75% من سكان العالم، وأكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونحو 50% من جميع المليارديرات في العالم، ليسوا من الصينيين ولا من الأمريكيين. صحيح أنه قد تنجح هاتان القوتان العظميان، لكن ليس من الواضح ما إذا كان بقية العالم سيرغبون في التحالف مع أي منهما. في الواقع. ومع ظهور البروتوكولات اللامركزية، فمن المتوقع أن تقرر العديد من الدول في الوسط، استخدام العملات المشفرة “Bitcoin” و”Ethereum” ومعاملات أخرى مقاوِمة للصين والولايات المتحدة، أي أن تستخدم بروتوكولات محايدة للمعاملات والاتصالات الدولية.
يمنح هذا الأمر كل الدول خياراً؛ فبدلاً من إجبارها على الانحياز إلى أحد الطرفين في حرب باردة جديدة، يمكنها تحديث “حركة عدم الانحياز” لتشكيل “حركة منحازة”، بحيث تلتف حول حصصها السيادية المشتركة في بروتوكولات “Web3″، لتسهيل التجارة عبر الحدود. وليس من قبيل المصادفة أن مثل هذه البروتوكولات، ستحظى أيضاً باحترام واستثمار ملايين المواطنين الصينيين والأمريكيين. وبناءً عليه، فبدلاً من انتشار القطبية الأحادية بعد الحرب العالمية الثانية، أو القطبية الثنائية في الحرب الباردة الجديدة؛ سيكون المستقبل سباقاً لامركزياً إلى القمة؛ حيث تتنافس الدول والشركات والمجتمعات المادية والافتراضية، لاجتذاب المواهب ورأس المال.
الطريق الثالث
وختاماً، لفت التقرير إلى أنه لا يمكننا الزعم بأن الدول غير ذات صلة بالموضوع؛ بل ستكون أكثر أهمية إذا عملت مع الشبكات، وأقل أهمية إذا حاولت اتخاذ إجراءات حمائية ضدها. وفي هذا الصدد، فإن لدى واشنطن أسباباً كثيرة لدعم النظام اللامركزي؛ إذ تختار المجتمعات والأفراد بحرية، التحالف مع بروتوكولات عالية الجودة أمريكية الصُنع. وبوسع الولايات المتحدة أيضاً الاستمرار في مسارها الحالي ومحاولة منافسة الصين وبتكوين والإنترنت في وقت واحد. ولكن إذا اختارت هذا الطريق، على حد تعبير “بريمر”، فلن يكون الطوباويون المثاليون هم علماء التكنولوجيا، بل السياسيين.
المصدر:
–Parag Khanna and Balaji S. Srinivasan, Great Protocol Politics, Foreign Policy, December 11, 2021, accessible at: https://foreignpolicy.com/2021/12/11/bitcoin–ethereum–cryptocurrency–web3–great–protocol–politics/