دعا وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، في 23 فبراير 2022، شركاء بلاده إلى فرض مزيد من العقوبات على روسيا من أجل منع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من استمرار عدوانه ضد كييف، ومطالباً بتصعيد الضغط عبر استهداف الاقتصاد الروسي والمقربين من النظام، وهو ما جاء عقب تلويح الرئيس الأمريكي جو بايدن بحزمة واسعة من العقوبات، إذ سارعت الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين إلى الإعلان عن عقوبات ضد روسيا؛ وذلك عقب اعتراف الرئيس الروسي بوتين بمنطقتَيْن انفصاليتَيْن شرق أوكرانيا باعتبارهما دولتَيْن مستقلتَيْن، كما أمر بوتين بنشر القوات الروسية فيهما. ومن جانبها، وصفت الخارجية الأمريكية في 22 فبراير 2022 ما يحدث من روسيا باعتباره بداية عزو جديد، وهو ما يطرح تساؤلات حول طبيعة العقوبات الغربية ضد روسيا ومدى جدواها في ثَنْي موسكو عن مخططاتها في الأراضي الأوكرانية.
فرض عقوبات
يمكن تناول أبرز ملامح ردود الأفعال الأمريكية والغربية المتمثلة على نحو أساسي في فرض حُزَم عقوبات، كرد فعل على إعلان روسيا استقلال منطقتَيْن شرق أوكرانيا؛ وذلك على النحو التالي:
1– تمرير عقوبات ضد الجمهوريتين الانفصاليتين: وقَّع الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 21 فبراير 2022، أمرًا تنفيذيًّا بفرض عقوبات تستهدف الجمهوريتَيْن اللتَيْن تمَّ إعلانهما مستقلتَيْن من جانب الرئيس بوتين. وتضمَّن الأمر التنفيذي حظر الاستثمار والتجارة والتمويل من قبل أشخاص أمريكيين مع الجمهوريتين، بجانب فرض عقوبات على أي شخصية تعمل في تلك المناطق. وفي السياق ذاته، فإن إدارة بايدن تُعِد حُزمة عقوبات جديدة ضد روسيا سيتم تفعيلها إذا غزت الأراضي الأوكرانية.
2– استهداف المؤسسات المالية الروسية: أعلنت المملكة المتحدة في 22 فبراير 2022، فرض عقوبات مالية ضد روسيا؛ حيث استهدفت نحو خمسة بنوك وثلاثة من رجال الأعمال الروس، وأنه سيتم تجميد أصول المَعنيين بالعقوبات في المملكة المتحدة، كما سيتم تطبيق منعهم من السفر إلى البلاد، بجانب منع جميع الأفراد والكيانات في المملكة المتحدة من التعامل معهم. وكذلك فرض الاتحاد الأوروبي في 22 فبراير 2022 حُزمة عقوبات تشمل 27 فرداً وكياناً روسيّاً يُقوِّضون وحدة أوكرانيا، منهم 351 نائباً في البرلمان الروسي (وهم مَن صوَّتوا لصالح استقلال الجمهوريتَيْن). وتستهدف تلك العقوبات الحد من قدرة روسيا على الوصول إلى رأس المال والخِدْمات المالية الأوروبية.
3– إيقاف ألمانيا خط “نورد ستريم2”: أعلنت ألمانيا عن وقف عملية التصديق على خط أنابيب “نورد ستريم 2″، ردّاً على قرار بوتين الاعتراف بجمهوريتين انفصاليتين شرق أوكرانيا. وكان خط الأنابيب الواصل بين روسيا وألمانيا قد اكتمل بالفعل، لكن لم يبدأ تشغيله بعدُ في انتظار موافقة الهيئات التنظيمية، سواء في ألمانيا أو في الاتحاد الأوروبي. وقد أعلنت الرئاسة الروسية، في 22 فبراير 2022، أنها تأسف للقرار الألماني، فيما توقع نائب رئيس مجلس الأمن الروسي “ديميتري مدفيديف” أن يؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار الغاز في الأسواق الأوروبية إلى مستوى 2000 يورو لكل ألف متر مكعب من الغاز، وهو ما يعكس تداعيات اقتصادية سلبية محتملة على الجانب الأوروبي.
4– التلويح بعقوبات ضد الدول المتواطئة: قال مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن بيلاروسيا سوف تواجه العقوبات الهائلة التي ستواجهها موسكو في حال حدوث غزو لأوكرانيا من أراضيها. ووصف بوريل بيلاروسيا بأنها تفتقر إلى الشفافية بشأن نشر قوات روسية على أراضيها، كما أنها تفقد حيادها النووي بتماهيها التام مع الأجندة الروسية، وأنه سيكون هناك رد قوي من الاتحاد الأوروبي على البلدين، فيما قال وزير خارجية ليتوانيا جابريليوس لاندسبيرجيس إن “القوات المسلحة البيلاروسية لم تعد تعمل بناءً على أوامر مينسك فقط، بل بناءً على أوامر صُنَّاع القرار الروس أيضًا”.
تباين الفاعلية
يمكن القول بأن العقوبات التي تم فرضها حتى اللحظة ليست رادعة لروسيا بدرجة كبيرة، خاصةً أن هناك حُزمة عقوبات أكبر إذا غزت روسيا أوكرانيا. ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:
1– توقُّع موسكو لجوء الغرب إلى تطبيق “أم العقوبات”: أعلن وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” في 22 فبراير 2022، أن الغرب كان سيفرض عقوبات ضد موسكو بغض النظر عن تطورات الأحداث المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، ووصف ردود الأفعال على الاعتراف الروسي بالجمهوريتين الانفصاليتين بأنه “متوقع”، وأشار إلى أن بلاده معتادة العقوبات الغربية، سواء بسبب أو من دون سبب. وقال لافروف: “لن يتوقف زملاؤنا الأوروبيون والبريطانيون والأمريكيون، ولن يهدؤوا حتى يستنفدوا كل ما في وسعهم لفرض ما يسمونه عقاب روسيا. هم بالفعل يهددونا بكل أشكال العقوبات، أو ما يسمونه الآن بأم العقوبات”، على حد وصفه نصّاً.
2– خبرة روسية واسعة بالتكيُّف مع العقوبات الغربية: نجحت موسكو في التكيُّف مع عقوبات سابقة فُرضت عليها من جانب الغرب، لا سيما عقب احتلال شبه جزيرة القرم في عام 2014، وقد شملت العقوبات أفراداً وأعمالاً تجارية ومسؤولين روسيين. وبرغم ما تسببت فيه تلك العقوبات من خسائر مالية واقتصادية لروسيا فإن موسكو قد تكيَّفت بنسبة كبيرة مع تلك العقوبات، ونجحت في تقليل عواقبها مع الوقت على مدار السنوات الماضية. وبرغم أن النمو الاقتصادي أبطأ فإنه أكثر استقراراً، حسب العديد من التقديرات.
3– ابتكار أدوات محلية لتحجيم الارتدادات السلبية: لجأت روسيا إلى عدة خطوات في السابق من أجل تقليل العواقب المرتبطة بالعقوبات الغربية؛ إذ خفَّضت الإنفاق العام كثيراً، كما أنفقت مبالغ ضخمة على برامج تهدف إلى خلق بدائل محلية للسلع المستوردة، وتحفيز الإنتاج المحلي، علاوةً على حوكمة الإنفاق المرتبطة بالعائدات الهائلة لبيع النفط والغاز؛ إذ تم تحويل جزء من هذا الإنفاق إلى صندوق ثروة سيادي وطني بقيمة 124 مليار دولار، وكانت النتيجة تحقيق الحكومة الروسية فائضاً في الميزانية في عامي 2018 و2019، وارتفعت الاحتياطيات الروسية من العملات الأجنبية منذ عام 2015 إلى نحو 542 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وهو أعلى مستوى لها خلال نحو عقد.
4– مخاوف روسية من العقوبات النوعية المحتملة: تهدد الولايات المتحدة وحلفاؤها بفرض عقوبات غير مسبوقة إذا غزت روسيا الأراضي الأوكرانية. ومن أبرز العقوبات النوعية التي قد تسبب قلقاً لموسكو، الاستبعاد من نظام “SWIFT” العالمي؛ إذ لن تصبح روسيا قادرة على الانخراط في معظم التعاملات المالية الدولية حتى جني الأرباح الدولية من إنتاج النفط والغاز، علاوةً على منع روسيا من الوصول إلى النظام المصرفي الأمريكي. ومن جانب آخر، قد تُعزِّز واشنطن عقوباتها على أسواق السندات الروسية، وقد تمنع موسكو تمامًا من الوصول إلى الدولار الأمريكي وما يرتبط بذلك من خروج روسيا من المعاملات المالية العالمية.
وختاماً، فإن فاعلية العقوبات التي تم إعلانها بالفعل خلال اليومين الماضيين، قد تبدو محدودة في ظل قدرة الاقتصاد الروسي على التكيف مع مثل تلك العقوبات، وهو ما يعزز استمرار موسكو في نهجها التصعيدي. ومع ذلك فإن هناك مخاوف روسية من تطبيق الحُزمة الكبرى من العقوبات خلال المرحلة المقبلة، بيد أن الرغبة الروسية في إعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي وإبعاد شبح الخطر العسكري الوجودي من الناتو انطلاقاً من الأراضي الأوكرانية؛ قد يدفع موسكو نحو المُضي قدماً في خططها وتنفيذ الغزو الكامل للأراضي الأوكرانية في المدى المنظور.