يحتل مفهوم الهوية مكاناً بارزاً في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد سعى الباحثون الذين يستخدمون الهويات الاجتماعية؛ بوصفها لبنات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلى تفسير عدد من النتائج المستقلة من خلال التعامل مع الهويات كعوامل سببية. ويتمثل الانطباع السائد للأدبيات حول الهوية في أن الهويات الاجتماعية تقع ضمن أكثر الحقائق الاجتماعية أهمية في العالم الذي نعيش فيه؛ فللهوية تأثير شديد في تفسير الحاضـر والماضي وفهمهما، لأن إدراك جيل ما وفهمه لماضي مجتمعه يعد عنصراً مهماً في تحديد مفهوم الهوية الثقافية. وعلى الرغم من اتساع نطاق بحوث الهوية في السنوات الأخيرة، فإن مجتمع العلوم الاجتماعية لم يتوصل بعد إلى تعريف موحد لمفهوم الهوية يصلح للقياس على نطاق واسع عبر مختلف التخصصات الإنسانية والاجتماعية.
يستعرض هذا الكتاب مجموعة متنوعة من التعريفات والمناهج المتعلقة بدراسة الهوية الاجتماعية في مجموعة مختلفة من السياقات ضمن السياسة الأمريكية، والسياسة المقارنة، والعلاقات الدولية. ونأمل بذلك أن يمثل الكتاب مرجعاً أولياً لتحليل الدراسات المتعلقة بالهوية ومناهجها، بحيث يخدم مجموعة كبيرة من الباحثين المعنيين. فبوسع علماء السياسة منذ وقت طويل الرجوع إلى الكثير من الأدلة الإرشادية الخاصة بالنظريات والمناهج السائدة، لكن مَن يود إجراء بحث حول الهوية الاجتماعية، فعليه أن يطلع بنفسه على قدر كبير من الكتابات من دون أن يكون لديه دليل عملي للبدائل التي يمكنه اللجوء إليها في سياق البحث. ومن ثمّ، فإن هذا الكتاب يهدف إلى تقديم خريطة الطريق المرجوة على المستويين التحليلي والمنهجي؛ إذ تشتمل فصوله على مجموعة كبيرة من التعريفات والخيارات المنهجية المتاحة للبحث العلمي حول الهوية، بما في ذلك المناهج المستخدمة حالياً، وكذلك بعض المناهج الجديدة الواعدة.
وتبين فصول الكتاب بطريقة ملموسة كيف تجرى البحوث حول الهوية باستخدام العديد من الخيارات المنهجية المختلفة. ويوضح كل فصل كيفية تطبيق الأفكار الكامنة وراء الهوية في سياق البحوث الفردية، وأنواع الرؤى التي يمكن أن تحققها تلك المشـروعات البحثية. وبهذه الطريقة، فإن وضع الفصول مجتمعة أكبر فائدة من وجود كل أجزائها فرادى؛ فمن خلال جمع مختلف المقاربات المنهجية المحددة، يوفِّر نص الكتاب أساساً متماسكاً للفحص العام للهوية في دراسة العلوم السياسية