بقلم نهلة عبد المنعم
تشغل الجماعات الإسلاموية ذات البعد الدولي حيزًا من الدراسات الغربية، في محاولة لفهم الظاهرة التي باتت تهدد أماكن النشوء والتطور بالشرق الأوسط وتمتد حتى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فعبر كتاب «مستقبل الإرهاب.. داعش والقاعدة واليمين» أو « The Future of Terrorism: ISIS, Al-Qaeda, and the Alt-Right» حاول الباحثان كريستوفر وول، ووالتر لاكوريل تقديم رؤية حول أسباب انتشار الإرهاب كمقدمات ونتائج ومستقبل هذا الانتشار.
يعلق الباحثان على الأطروحات التي صاغها البعض حول انتهاء الإرهاب دوليًّا بمجرد قتل أسامة بن لادن الزعيم المؤسس لتنظيم القاعدة باعتباره ملهمًا عقائديًّا وتنظيميًّا للإرهابيين، ولكن التجربة أوضحت أن هذه الأطروحات لم تكن سوى تسويق سياسي للإدارات الأمريكية، لا سيما إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي قتل في عهده بن لادن.
فمن وجهة نظر المطبوعة فإن ظاهرة الإرهاب تتجاوز الأشخاص بل هي مجموعة من المتغيرات المجتمعة لتأطير الظاهرة سواء سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو فكريًّا واجتماعيًّا أيضًا، فضلا عن أن الإرهاب اتخذ منحى يمينيًّا في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ يدعو لتفوق العرق الأبيض، ويبدو أن هناك تخوفًا في المجتمع الغربي من تدويل المجموعات لتصبح مشابهة للقاعدة وداعش وتنفذ هجمات عابرة للقارات.
الأخطاء السياسية وتبلور ظاهرة الإرهاب
يتحدث الكتاب عن الأخطاء التي وقع فيها زعماء الدول الكبرى، وأسهمت في ظهور المجموعات الإرهابية، بما يعني من وجهة نظر الباحثين أن محرك الظهور المتطرف على الساحة يبدأ بالسياسة، ويظهر ذلك في التدخل الروسي في أفغانستان، وهو ما أدى إلى تجمع للإرهابيين بالمنطقة تحت منظور الحرب من أجل الإسلام، ولكنها في الحقيقة كانت لعبة سياسية.
وبالتالي فإن غزو الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان والعراق من أجل محاربة الإرهاب عزز نمو التطرف، وخلق أسبابًا من أجل حشد الشباب للانضمام للتنظيمات الإرهابية أكثر من أي وقت قبلها، وهو ما ساهم في ظهور تنظيم داعش وبداية التأسيس لوجوده في العراق وسوريا إبان الاجتماعات التي كانت تحدث بين المتطرفين في سجن بوكا الذي كانت تشرف عليه القوات الأمريكية في العراق، وهناك التقى رجل القاعدة أبو مصعب الزرقاوي بمؤسس داعش أبو بكر البغدادي.
مستقبل مواجهة الإرهاب
على اعتبار أن نشأة التطرف في منطقة الشرق الأوسط وتبلوره حتى بات يهدد العالم اعتمدت على مدخلات سياسية، فإن المواجهة أيضًا ستحتاج لإرادة سياسية حقيقية نحو التحرر من الأفكار الظلامية، والاستخدامات السيئة من بعض الكيانات للتنظيمات الإرهابية من أجل تحقيق أجندات خاصة.
إذ يسلط الكتاب الضوء على أن قتل زعماء التنظيمات الإرهابية لا يقضي عليها، وهو ما حدث مع تنظيم القاعدة الذي استمر بعد موت أسامة بن لادن وتولي أيمن الظواهري على الرغم من بعض الفروق الشخصية في القيادة بين الاثنين، كما أن قتل بن لادن لم ينه الفكرة بل نتج بعدها تنظيم داعش، وهو ما يعضد ضرورة المواجهة الشاملة للعنف الفكري المتطرف.
اليمين المتطرف
تلفت المطبوعة إلى الآراء المتداولة نحو اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، باعتباره الوجه الآخر للقاعدة و داعش أو رد على وجودهما بأن هذا قد لا يعبر عن الأبعاد الحقيقية لنمو هذا الفكر، وكيفية مواجهته.
فاليمين في واشنطن ينادي بتفوق العرق الأبيض على غيره من الأجناس البشرية، ولا يعادي فقط المسلمين، ولكن اليهود والأفارقة والمهاجرين وغيرهم، وبالتالي فإن مواجهة هذا التيار يلزم معالجة فكرية ونفسية وسياسية لأبعاد الإرهاب المتمدد في عدد من بقاع العالم.