تُعتبر فرنسا من أهم الفواعل الدولية في المشهد الليبي منذ ثورة 16 فبراير/ شباط 2011، ضد نظام حكم العقيد معمر القذافي، لما لها من نفوذ، وهي التي قادت عمليات التدخل التي شنها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإسقاط القذافي في مارس/ آذار 2011، وبعد أقل من شهر تقريباً على قيام الثورة الليبية، ومع تمدّد الدور الفرنسي خلال السنوات التسع الماضية، إلى درجة تعارض هذا الدور مع دول أعضاء في حلف الناتو، مثل إيطاليا وتالياً تركيا، تأتي أهمية الوقوف على خريطة الأهداف الاستراتيجية للسياسة الفرنسية في القضية الليبية. وهنا يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات أساسية، لتوضيح أركان هذه الخريطة:
المستوى الأول: الأهداف والمصالح الاقتصادية
يمكن في إطار هذه الأهداف وتلك المصالح التمييز بين:
أولاً، النفط والغاز الليبي: ليبيا هي الدولة الخامسة عربياً من حيث احتياطيات النفط، وفق التقارير الدورية الصادرة عن منظمة أوبك، ويصل حجم احتياطيها إلى حوالي 50 مليار برميل، كما كشفت التقديرات عن وجود نحو 1.5 تريليون متر مكعب احتياطي من الغاز الطبيعي.
ولا تقف الأهداف الفرنسية في النفط والغاز الليبي عند الحصول على النسبة الأعظم من صادرات النفط الليبي، حيث كانت تحصل قبل الثورة على 17% من هذه الصادرات، ارتفعت بعدها إلى نحو 33% منها، وتستهلك المحروقات في فرنسا نحو 99% من واراداتها من النفط الليبي.
ولكن أيضاً، يبرز هدف آخر، وهو الاستثمارات الضخمة للشركات الفرنسية في قطاعي النفط والغاز في ليبيا، فعلى سبيل المثال تستحوذ شركة توتال من حقوق التنقيب عن النفط على 75% من حقل الجرف، 30% من حقل الشرارة، 24% من حقل قاع مرزوق، 16% من حقل الواحة. كما حصلت “توتال” على 16.33% من شركة الواحة، وهي أهم شركة نفطية في ليبيا.
ثانياً، سعي فرنسا نحو أن تكون لها حصة من عمليات إعادة الإعمار التي يمكن أن تشهدها ليبيا بعد استقرار الأوضاع الأمنية فيها، والتي قدّرت الحكومة الفرنسية في عام 2011 أن ليبيا تحتاج نحو 200 مليار دولار لإعادة الإعمار، بينما قدّرتها الحكومة البريطانية بنحو 320 مليار دولار، وهي أرقام تضاعفت بعد عمليات التخريب والتدمير الشامل التي تعرّضت لها الدولة الليبية خلال السنوات التسع الماضية. ويزيد من أهمية هذا الهدف التنافس الفرنسي مع تركيا في مشروعات إعادة الإعمار، وخصوصا أن تركيا لها نحو 18 مليار دولار عالقة في ليبيا، فقد كانت قد وقعت مع نظام القذافي استثمارات مشتركة في البنية التحتية بنحو 24 ملياراً. ومع توتر العلاقات الفرنسية التركية على المسرح الليبي، ستكون فرنسا أكثر حرصاً على تعظيم حصتها في عمليات إعادة الإعمار.
ثالثاً، سعي فرنسا نحو تأمين مصالحها الاقتصادية في دول الساحل والصحراء، والتي تقع على الحدود الجغرافية الليبية، مثل تشاد والنيجر ومالي والجزائر، ففرنسا تسيطر على النسبة الأعظم من عمليات التبادل التجاري مع هذه الدول، كما تهيمن على ثرواتها الطبيعية، مثل اليورانيوم في النيجر والذهب في مالي، بجانب استثماراتها الضخمة في قطاعي النفط والغاز في جنوب الجزائر على الحدود المشتركة بين ليبيا والجزائر.
رابعاً، كذلك كان من أهداف التدخل العسكري المباشر لقوات حلف الناتو في ليبيا في 2011، بقيادة فرنسا، وقف التمدّد الاقتصادي الصيني في منطقة شمال أفريقيا، والساحل والصحراء، وخاصة في قطاع الإنشاءات والصادرات الرخيصة، وكذلك البنى التحتية، والنفط، حيث كانت الصين من أهم الشركاء الاستراتيجيين لنظام القذافي.
المستوى الثاني: الأهداف والمصالح العسكرية والأمنية
يمكن في إطار هذه الأهداف وتلك المصالح التمييز بين:
أولاً، التوسع في إنشاء القواعد العسكرية الفرنسية على الأراضي الليبية، لحماية الثروات النفطية وتأمينها، وتعزيز الأبعاد الأمنية في دولة تتمتع بأطول شواطئ جنوب المتوسط (1850 كم)، وخصوصا أن لفرنسا خبرة تاريخية سابقة في ذلك، من خلال وجودها العسكري في ولاية فزان الليبية من عام 1943 إلى عام 1951، وترى أن لها حقاً تاريخياً، بجانب إيطاليا التي كانت تستعمر ليبيا من 1911 حتى الاستقلال.
ويرتبط بهذا الهدف تأمين فرنسا قواعدها العسكرية في منطقة الساحل والصحراء، حيث توجد لها في دول جوار ليبيا: ثلاث قواعد عسكرية في تشاد، من بينها إنجامينا، وقاعدتان في النيجر، ماداما ونيامي، وقاعدتان في مالي، غاو في الشمال، وتيساليت في الجنوب، بجانب قاعدة للقوات الخاصة الفرنسية في بوركينا فاسو، تضم نحو أربعة آلاف جندي فرنسي، وعشرات الطائرات والمدرعات. وتأتي أهمية هذه القواعد في الحفاظ على الدور والنفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية، على خلفية استعمارها التاريخي لمعظم دول القارة، وعملها على استمرار استغلال ثروات هذه الدول ومقدّراتها، والتحكم في نظمها السياسية.
ثانياً، السعي الفرنسي نحو استمرار تدفق سلاحها إلى دول المنطقة، وخصوصا ليبيا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد تعدّدت التقارير الرسمية التي تفيد بأن فرنسا وقعت في عام 2018، على سبيل المثال، صفقات سلاح إلى مصر بقيمة 14.1 مليار يورو، وبقيمة 9.5 مليارات للإمارات، كان الجزء الأعظم منها يتجه إلى مليشيات اللواء المتقاعد المتمرد خليفة حفتر وقواته، عبر بوابة نظام عبد الفتاح السيسي والقواعد العسكرية المصرية في الصحراء الغربية، كما أن فرنسا صدّرت سلاحاً إلى حفتر بشكل مباشر بما قيمته 295 مليون يورو.
ثالثاً: من بين الأهداف الأمنية والعسكرية أيضاً للسياسة الفرنسية في ليبيا، دعم التدخل العسكري الفرنسي المباشر في مالي، كما حدث في العام 2013، وكذلك عملية برخان لما تسميه فرنسا مواجهة التمرّد، وانطلقت في أغسطس/ آب 2014، ومقرّها مدينة إنجامينا، عاصمة تشاد، وتشمل خمس دول تعرف باسم (جي 5 الساحل)، تشاد، النيجر، مالي، بوركينا فاسو، وموريتانيا، ومن أهدافها المعلنة مقاومة الجماعات الجهادية، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية.
المستوى الثالث: الأهداف والمصالح السياسية
يمكن في إطار هذه الأهداف وتلك المصالح التمييز بين:
أولا، ما تعتبره فرنسا حقاً لها في دور فاعل في ليبيا، استناداً إلى قيادتها لعمليات حلف الناتو في العام 2011، وتريد الحصول على ثمن دورها في إسقاط القذافي. وقد ذكر وزير الدفاع الفرنسي، جيرار لونجيه، آنذاك، أن بلاده تكلفت 450 مليون دولار، بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول 2011، وفي يونيو 2020 يتحدث الرئيس ماكرون عن أضعاف هذا الرقم.
ثانيا، العمل على تولي دور قيادي في السياسة الخارجية الأوروبية، استناداً إلى خبرتها الاستعمارية في شمال أفريقيا. ومن هنا، جاءت المبادرة الفرنسية بشأن ليبيا، والتي جمعت بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وحفتر في مايو/ أيار 2018، ورؤساء مجلس النواب والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ولكن إيطاليا رفضت، وهي التي تنافس فرنسا على هذا الدور، مخرجات تلك المبادرة، ونظمت مؤتمر باليرمو حول ليبيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
ثالثا، الموقف الفرنسي من تيارات الإسلام السياسي، والعمل على منع بروز دورها في دول شمال أفريقيا وغربها، حتى لو كان صعودها وفق آليات توافقية سلمية، أو وفق أدوات ديمقراطية، كالانتخابات أو غيرها، لأن فرنسا ترى في صعود هذه التيارات واستقرار أوضاعها تهديداً لمصالحها ونفوذها، ولا تنفصل عن هذا الهدف الرغبة الفرنسية في تحجيم النفوذ التركي في المنطقة، والتي ترى فيه داعماً لمثل هذه التيارات.
رابعاً: من بين الأهداف السياسية كذلك ما يمكن تسميته تصدير الأزمات إلى الخارج، فالرئيس ماكرون يواجه تحديات وانتقادات عديدة لسياسته الداخلية التي انعكست على نتائج الانتخابات البلدية التي شهدتها فرنسا على جولتين في مارس/ آذار، ويونيو/ حزيران 2020، وكشفت عن نجاحات كبيرة لحزب الخضر الفرنسي وحلفائه من اليسار على حساب حزب “الجمهورية إلى الأمام” الذي يقوده ماكرون. ولذا يسعى ماكرون إلى تشتيت انتباه المواطنين الفرنسيين عن التحدّيات الداخلية، عبر التصعيد مع تركيا على المسرح الليبي.
في إطار هذه الخريطة من المصالح الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية والاستراتيجية، يمكن القول إن من الصعوبة بمكان أن تتراجع فرنسا في ليبيا، حتى لو دفعها ذلك إلى التنسيق مع روسيا الاتحادية، على حساب علاقتها بحلفائها في حلف الناتو، إلا إذا كان للولايات المتحدة رأي آخر من شأنه إعادة الأمور إلى نصابها داخل منظومة “الناتو” في مواجهة التهديد الروسي المتنامي في شرق المتوسط وجنوبه.
إلا أن الدور الفرنسي في الملف الليبي محكومٌ باعتبارات أساسية، يمكن أن تشكل عائقاً كبيراً للطموحات الفرنسية، حال عدم التعاطي مع هذه الاعتبارات بكفاءة وفاعلية، ومن ذلك:
1ـ الصورة الذهنية السلبية لفرنسا في ليبيا ودول المغرب العربي، وكذلك في الغرب الأفريقي ودول الساحل والصحراء، نتيجة خلفيتها الاستعمارية وسياساتها التخريبية في هذه الدول. ويمكن أن تفرز هذه الصورة أعمالا انتقامية عديدة ضد المصالح الفرنسية، ليس فقط في هذه الدول، ولكنها قد تمتد إلى الداخل الفرنسي في شكل عمليات إرهابية أو عنفية، وفرنسا لديها سوابق في ذلك.
2ـ المتغير الأميركي ليس فقط في حلف الناتو، أو التأثير على دول الاتحاد الأوروبي، ومنها فرنسا، ولكن أيضاً من خلال القوات الأميركية والقواعد الأميركية في المنطقة، والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، والتي تتعارض، في أحيان كثيرة، مع المصالح الفرنسية، ودليل ذلك الدور المتنامي لقوات الأفريكوم، في شمال أفريقيا وحوض المتوسط، بعيداً عن مظلة “الناتو”.
3ـ وجود وقوى أوروبية متحفظة، بل ورافضة للتوجهات الفرنسية في ليبيا، وفي مقدمتها إيطاليا التي لا تقل أهدافها في ليبيا أهمية عن الأهداف الفرنسية، بل ترى أنها صاحبة حقوق تاريخية في الأراضي الليبية، على خلفية استعمارها لليبيا من العام 1911 وحتى العام 1943، وترتبط مع ليبيا بمصالح استراتيجية عديدة، بل وشعبية أيضا، وهو ما يمكن أن يشكل عائقاً للطموحات الفرنسية في الانفراد بالملف الليبي والهيمنة عليه.
يأمل الليبيون أن تشكل المعارك التي دارت في مدينة ترهونة وبني الوليد نهاية للحرب الليبية ، وأن يسود منطق العقل بعد سنوات على الحرب وأن تحل الأزمة على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وعلى الرغم من هذه الأمال المشروعة إلا أن الواقع يوحي بغير ذلك لا سيما مع اعلان طرفي الصراع عن إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى القرب من سرت والجفرة.
الواقع أن المشهد الليبي أصبح أكثر تعقيدا من ذي قبل، ولم يعد خافياً أن ساحة الصراع الليبية في العام 2020 صارت متداخلة ما بين صراع داخلي مرير قائم على عوامل كالجهوية والقبلية والسياسية، وأخر خارجي له علاقة بالصراعات الكبرى بين القوى الإقليمية والدولية حيث العالم يكاد أن يتواجد في الصراع الليبي بصورة مباشرة أو غير مباشرة للحفاظ على ما يعتقد بأنها مصالح استراتيجية في ليبيا، والملاحظ أنه ما أن تسود التهدئة في المواجهات العسكرية هنا أو هناك إلا ويعقبها حسابات الربح والخسارة، ويسعى من يعتقد أن مصالحه اصبحت مهددة إلى إشعال المعارك مجددا مستفيدا من حالة الانقسام الداخلي القائم في ليبيا، ومع مرور سنوات الحرب أصبح لدينا صراع داخلي بأجندات خارجية.
فيما يخص المواجهات العسكرية، كان من الواضح أن تسارع المعارك في ليبيا خلال الأشهر القليلة الماضية وانقلاب المعادلة بطريقة غير متوقعة ولتتحول معه القوات المدافعة على العاصمة طرابلس ومحيطها إلى الهجوم المعاكس، حيث لم يكن في حسابات أشد المتفائلين بقوات حكومة الوفاق ولا أشد المتشائمين بقوات اللواء خليفة حفتر أن تتبدل مواقع السيطرة، ويصبح كامل امتداد الغرب الليبي وصولاً إلى سرت والجفرة تحت سيطرة حكومة الوفاق بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج.
ورغم كل تلك المتغيرات التي شهدها الليبيون والعالم، إلا أنه من الصعب القول أن الحرب قاربت على النهاية خاصة وأن حالة الكر والفر في ليبيا “هي السائدة بعد تسع سنوات من ثورة 17 فبراير 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي” ليست مرتبطة بالجغرافيا الليبية فقط، ولكنها مرتبطة بصراعات ذات أطراف متعددة من بينها الصراع التركي الفرنسي.
المواجهة التركية الفرنسية:
شهد التنافس التركي الفرنسي في ليبيا خلال المرحلة الماضية مزيد من التوتر بعد أن تغيرت خارطة السيطرة العسكرية في الغرب الليبي، لا سيما بعد إعلان قوات الجيش التابع لحكومة الوفاق الليبية السيطرة على أخر معاقل اللواء خليفة حفتر في الغرب الليبي “قاعدة الوطية الجوية ومدينة ترهونة الاستراتيجية وبني الوليد”، وسبق ذلك، السيطرة على كافة مناطق غرب العاصمة طرابلس في الساحل الغربي” صبراته، زلطن، صرمان، العجيلات رقدالين، الجميل” حتى الحدود التونسية، ومثلت سيطرة الوفاق على تلك المدن مجتمعة ضربة قوية لحفتر وداعميه، خاصة وأن بعض تلك المناطق كانت تمثل عمقاً وخزاناً بشرياً لقوات حفتر وكانت بمثابة شوكة في خاصرة قوات الوفاق، وشكل الدعم التركي النوعي خلال تلك المعارك نقطة فارقة خاصة وأنه تطور وانتقل من الدعم اللوجستي بالعتاد والسلاح إلى الدعم العسكري المباشر، ولتبدأ المعادلة مع التدخل التركي في التغير على الأرض ومثل وصول قوات الوفاق إلى مشارف مدينة سرت “القريبة من الهلال النفطي” وقاعدة الجفرة الجوية ذروة ذلك التغير.
ينطلق التدخل الفرنسي في الشأن الليبي من رؤية استراتيجية تشمل المنطقة عموما مفادها أن هناك مصالح سياسية واقتصادية لا يمكن المساومة بشأنها، وانطلاقاً من هذه المصالح كان التدخل الفرنسي حاضرا ومنذ اللحظات الأولى لثورة فبراير 2011، بعد أن تصدرت المشهد في عمليات التدخل من قبل حلف شمال الاطلسي “الناتو” لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي وللاستحواذ على ما أمكن من مكاسب استراتيجية مستقبلاً.
وللحيلولة دون تمدد بعض الفواعل الدوليين ولا سيما الصين وروسيا وتركيا، كان البحث الفرنسي في مختلف مراحل الصراع الليبي في بعده الداخلي، عن طرف ليبي يمكن الرهان عليه لتحقيق المصالح الاستراتيجية الفرنسية، وفي هذا السياق يرى العديد من المراقبين للشأن الليبي أن ظهور اللواء حفتر كطرف رئيسي في الأزمة الليبية، ما كان له أن يكون دون تبني لمشروعه والوقوف خلفه ودعمه من قبل تحالف إقليمي ودولي ممثلاً في الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا وفي فترة لاحقة روسيا.
وبناء على ما سبق، ساهم ذلك الدعم ما بعد 2014 في تحقيق الانتصارات الكبيرة لقوات اللواء خليفة حفتر في كامل الشرق الليبي بما فيه المناطق النفطية، وتوسعت مناطق السيطرة على اغلب مناطق الجنوب وصولاً إلى تطويق العاصمة طرابلس مع نهاية العام 2019، وكان من الواضح أنه مع استمرار الانتصارات العسكرية على حساب مختلف الأطراف في ليبيا بما فيها حكومة الوفاق “المعترف بها دولياً” ضاعف الحلفاء وفي مقدمتهم فرنسا رهانهم ودعمهم للواء حفتر على اعتباره البيدق الرابح على ساحة الصراع الليبي.
ولكن ذلك الوضع لم يستمر طويلاً بعد انقلاب المعادلة وتغير قواعد الصراع مع دخول الأتراك كطرف إقليمي مساند وداعم لحكومة الوفاق مع نهاية 2019، ومما لا شك فيه أن التدخل التركي ساهم في تعزيز موقف فايز السراج وحكومته سياسياً وعسكرياً، بعد أن كان الخذلان هو العنوان الرئيسي من قبل المجتمع الدولي لشرعية حكومة الوفاق الليبية.
أحدث التدخل التركي أبعاداً جديدة في تفاصيل الصراع مع حلفاء حفتر ولا سيما فرنسا ولم يعد هناك ما يمكن إخفائه لا سيما مع تزايد المخاوف من خروج فرنسا خالية الوفاض من الملف الليبي، وصار من الواضح أن الصدام التركي الفرنسي في ليبيا لا مفر منه “وإن كان من خلال الأطراف الليبية”، ليتجدد بذلك مسار طويل من الصراع بين الدولتين (بدايته في منتصف القرن التاسع عشر) في العديد من الملفات الشائكة منها اعتراف فرنسا أن تركيا تقف وراء ما حدث من إبادة جماعية للأرمن في العام 1915، بالإضافة إلى الاعتراض الفرنسي الصريح على انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي بحجة أنها دولة غير أوروبية، وفيما يخص الملف السوري كان الرفض الفرنسي واضحاً للعمليات العسكرية التركية في الشمال السوري على اعتبارها تهديدا للقوات الكردية الموالية للتحالف الدولي في الحرب ضد الإرهاب.
ويكفي القول أن هذا المسار الطويل من الصراع سوف يتمدد في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط عموماً، لا سيما أن هناك مؤشرات قوية على مضي الولايات المتحدة الأمريكية في سياسة الانعزال خارجياً، وتقليص تدخلاتها المباشرة في أزمات المنطقة والعالم، وبالتالي لا مفر من المواجهة التركية الفرنسية في سبيل ملء الفراغ الذي سوف تتركه واشنطن في المنطقة ومنها ليبيا.
تصادم المصالح:
سنوات طويلة وفرنسا تبحث عن تحقيق جملة من المصالح الاستراتيجية في القارة الافريقية وفي شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وكما ذكرنا سابقاً أن الحماس الفرنسي المنقطع النظير في دعم الثوار في ليبيا في العام 2011 لم يكن أن يتحقق دون وجود نوايا سابقة مرتكزة على رؤية استراتيجية، وفي هذا السياق تتمسك فرنسا بمصالحها في التواجد العسكري الدائم في ليبيا على اعتبارها إحدى البوابات الرئيسية إلى دول الساحل والصحراء ” تشاد والنيجر ومالي” التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع فرنسا بحكم الماضي الاستعماري، كما لا يخفى على أحد الرغبة الفرنسية في مزيد من الاستحواذ على نصيب أكبر(استثمار- صادرات) من النفط والغاز الليبي واحتياطاته الكبيرة على حساب المنافسين من كبريات الشركات الدولية ولا سيما الإيطالية، حيث يقدر حجم احتياطيات النفط الليبي بحوالي 50 مليار برميل وما يقارب تريليون ونص متر مكعب من احتياط الغاز الطبيعي، وما يعزز من هذه التوجهات هو الرغبة في إيجاد البدائل الامنة لمصادر النفط والغاز القادمة من منطقة الخليج العربي وروسيا، يضاف إلى ما سبق أن فرنسا لا يمكن تفويت فرصة أن ليبيا قادمة لا محالة على استقرار سياسي وأمني، سوف يعقبه وضع الخطط لإعادة الإعمار والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات وبالتالي لا بد أن يكون للشركات الفرنسية نصيب وافر من تلك المشاريع الكبرى.
وفيما يخص تركيا، تحدثنا سابقاً أن أبعاد ذلك التدخل في الأزمة الليبية يتعدى الجغرافيا الليبية، هذه الحقيقية لا يمكن أن تلغي أن لدى أنقره مصالح سياسية واقتصادية تسعى إلى تحقيقها بصورة مباشرة في ليبيا التي تطل على البحر الأبيض المتوسط بساحل طويل وتستحكم على ثروات هائلة من النفط والغاز، ولن يكون مستغرباً في هذا السياق أن تسعى تركيا إلى ضمان تحقيق مجموعة من المصالح والأهداف منها:
- تثبيت الاتفاقية الموقعة في 27نوفمبر 2019 بأن المنطقة الممتدة من الساحل التركي وإلى الساحل الليبي مناطق لا يمكن أن يتم تجاوزها من قبل أي مشاريع مستقبلية لنقل النفط والغاز من جنوب وشرق البحر المتوسط باتجاه أوروبا، فضلاً أن الاتفاقية ثبت الحق كما تعتقد أنقرة في التنقيب عن الثروات الطبيعية في المناطق الاقتصادية أمام سواحلها بعد أن كان الوضع “ما قبل الاتفاقية” لا يسمح لها بذلك وبالتالي فإن ضمان سريان الاتفاق البحري والأمني بحاجة إلى دعم حكومة الوفاق لضمان استمرار سريات الاتفاق البحري.
- – تسعى تركيا إلى الحصول على جزء من عقود التنقيب عن النفط والغاز الليبي والذي يشكل حسب بعض التقديرات أكبر الاحتياطيات في القارة الأفريقية.
- – التدخل التركي في الأزمة الليبية يأتي في إطار رؤية استراتيجية تسعى لتثبيت نفوذ تركيا كأحد أهم اللاعبين الاقليميين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
- – الحصول على شراكة استراتيجية مع الدولة الليبية لتنفيذ عقود تطوير البنى التحتية وإعادة الإعمار.
- – يمثل السوق الليبي بوابة رئيسية لعبور تركيا إلى الأسواق في القارة الأفريقية.
وما يشد الانتباه، وحسب بعض المصادر التركية أن تسعى أنقرة إلى إرسال رسائل تطمينية الى أهم الفواعل الإقليميين والدوليين، تريد من خلالها التأكيد أنه لا توجد نوايا تركية في الاستفراد بالحل في الملف الليبي، وأنه لا مطامع في الاستحواذ على المصالح الأوروبية في ليبيا ولا سيما شركات النفط والغاز، ويعتقد أن مثل هكذا رسائل قد تساعد باتجاه سحب البساط من فرنسا التي تسعى جاهدة إلى إيجاد موقف أوروبي مساند لها في صراعها مع تركيا.
وتشير المعطيات في الساحة الليبية أن المصالح الفرنسية تتعرض لزلزال تركي موجع، لكن من الصعب القول أن فرنسا سوف تقف مكتوفة الأيدي وتسلم بالهزيمة، وبالمقابل لن يكون من السهل أن تمضي أنقرة في تحقيق مصالحها الاستراتيجية في ليبيا دون أن تتعرض لهزات قوية،يبقى القول، أنه لا يمكن فصل الصراع الثنائي عن بقية الصراعات للأطراف كافة، فالواضح أن وجود تفاهمات “مسبقة” من عدمها بين بعض الاطراف في الأزمة الليبية مرتبط بالمصالح، فعلى سبيل المثال: هناك تفاهمات فرنسية روسية حتى الأن يقابلها عدم توافق فرنسي أمريكي تجاه الحل للأزمة الليبية.
وفي جانب آخر، من الملاحظ أن الموقف الأوروبي ليس واحدا لا سيما مع إصرار فرنسا أن تمضي في فرض حلولها الخاصة بعيدا عن أي توافق مع دول الاتحاد الأوروبي وتحديداً ألمانيا، التي سعت خلال هذا العام إلى إيجاد ارضية مناسبة للحل في الملف الليبي، فيما الموقف الايطالي المتردد تارة والمرتبك تارة أخرى يعزز من غموض توجهاتها وبالتالي فقدان مصالحها التاريخية في ليبيا، وفيما يخص الجانب الأمريكي، يبدو أن هناك تفاهمات محددة مع تركيا انعكست بشكل مباشر في سرعة التدخل والحسم لصالح طرف تعتقد واشنطن أن الحفاظ عليه سوف يحافظ على مصالحها الاستراتيجية ولو في حدها الأدنى.
المصادر/
– د. محمد عبد الكريم، ليبيا ما بعد القذافي .. اخوان ليبيا سيناريوهات محتملة، دار العربي للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، 2019.
– د. سمير فرج، المطامع التركية السته في ليبيا، الأهرام.
– خالد فؤاد، بعدما بات شرق المتوسط مسرحاً لمعارك الاقتصاد والغاز.. كيف تحافظ مصر على حقوقها بالانتقال للمعسكر التركي؟، عربي بوست.
– عبدالله الشريف، خارطة مصالح فرنسا في ليبيا من الهلال إلى الجنوب، موقع العربي الجديد.
– عصام عبدالشافي، خريطة الأهداف والمصالح .. ماذا تريد فرنسا من ليبيا؟ العربي الجديد.
– مدني قصري، ما هي عواقب التدخل التركي في ليبيا؟، موقع حفريات.
– بعدما بات شرق المتوسط مسرحاً لمعارك الاقتصاد والغاز.. كيف تحافظ مصر على حقوقها بالانتقال للمعسكر التركي؟، العرب.
– الجيش الليبي: تركيا تغامر إذا هاجمت سرت والجفرة، البيان.
مركز البحوث والمعلومات : خالد الحداء
خريطة القوى الدولية في ليبيا.. مصالح وأهداف كُل دولة في الصراع
توسع حضور القوى الدولية في المشهد الليبي، سواء عبر التدخل العسكري المباشر، أو من خلال دعم طرف على حساب طرف آخر، دبلوماسيًا أو عسكريًّا، ليصبح البلد العربي المُثقل بآثار الحرب الدائرة لخمس سنوات وقبلها 30 عامًا من حُكم الرئيس الراحل مُعمر القذافي، ميدانًا للنزاع بين الخصوم الدوليين.
الاهتمام غير المسبوق بليبيا من جانب كُل الفاعلين الدوليين تقف وراءه أهداف وأسباب متباينة، تُحدد موقف كل دولة من دعم أطراف الصراع في ليبيا، وهو ما يحاول التقرير التالي التعرف عليه عبر استكشاف أهداف ومكاسب أبرز الدول في هذا الصراع، والتي حددت بدورها طبيعة تدخلها.
تركيا.. 3 أهداف استراتيجية
أهداف عدة، تتنوع بين السياسة والاقتصاد، تسعى لتحقيقها تركيا التي دعمت – سياسيًا وعسكريًّا – حكومة الوفاق الليبية المُعترف بها دوليًا، لتقلب طاولة الصراع في الشهور الأخيرة.
يربط الكثيرون بين التدخل التركي في ليبيا ورغبة أنقرة في الاستحواذ على النفط، غير أن هذا الهدف يسبقه أهداف أخرى أكثر أهمية لأنقرة في سياستها الخارجية وحضورها النافذ في العديد من مناطق النزاع في الشرق الأوسط.
أولًا، تأتي الرغبة التركية في وجود موطأ قدم لها في شمال أفريقيا في ظل مواجهة نفوذ خصومها، فالهدف من توسعات أنقرة خارجيًا، ومنها التدخل في ليبيا والدول الأفريقية، ليس كما يروج خصوم أردوغان أو هو نفسه محليًا على أنه أجندة «عثمانية جديدة»؛ بقدر ما هي محاولة لمواجهة خصومه في صراع النفوذ داخل هذه المنطقة.
يتفق ذلك مع تحليل نشرته وكالة «الأناضول» التركية الحكومية، أشار لحرص أنقرة على الوجود في ليبيا لمواجهة الدول التي تهدف لمنع «أي محاولة تواجد تركية في جميع مناطق الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا».
ثانيًا، تسعى تركيا لتوظيف ملف المهاجرين في علاقتها مع أوروبا، وهو القضية ذاتها التي قد تنجح أنقرة في السيطرة عليها حال التحكم بشكل كامل في المشهد الليبي، وتوظيفها باعتبارها أحد أوراق التفوق التركي في العلاقة مع أوروبا.
يتقاطع ذلك مع أولوية سياسة تركيا الخارجية، وهي النجاح في تأسيس علاقة مستقرة مع أوروبا عبر أوراق نفوذ مختلفة.
تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن هذه النقطة في مقال منشور له بمجلة «بوليتيكو» الأمريكية، وقال: «أوروبا ستواجه مجموعة جديدة من المشاكل والتهديدات إذا سقطت الحكومة الشرعية في ليبيا». ووجه أردوغان في المقال رسالة لقادة أوروبا: «يمكن لأوروبا أن تعتمد على تركيا – باعتبارها صديقًا قديمًا وحليفًا مخلصًا – لوقف العنف وعودة الاستقرار في ليبيا».
ثالثًا، تحاول تركيا مواجهة التحالف القائم في شرق المتوسط بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، وهو ما يتضح من كون بداية التدخل التركي في الملف الليبي شمل توقيع مذكرة تفاهم مع فايز السراج ممثلًا عن حكومة الوفاق والدولة الليبية، في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي.
هذه المذكرة كانت معنية بالأساس بالسيادة على المناطق البحرية في البحر الأبيض المتوسط، وتقسيم الحدود المائية، لمواجهة الاتفاق القائم بين مصر وقبرص اللذين وقعتا اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية بينهما في عام 2013، وهو الاتفاق الذي بادرت في إثره الدولتان، إضافة إلى إسرائيل واليونان، بعمليات التنقيب عن الغاز والنفط على مساحات واسعة شرق المتوسط.
نجح أردوغان في توظيف شرعية وصلاحيات الحكومة المعترف بها دوليًا في عقد هذا الاتفاق، ليكون قائمًا لا يناله أي تغيير حال حدوث أي تحول سياسي؛ إذ تنص الفقرة (2ح) من المادة (8) من اتفاق الصخيرات المغربية لعام 2015، على أن من مهمات المجلس الرئاسي «عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية على أن تتم المصادقة عليها من مجلس النواب»، في حين تنص الفقرة (8) من المادة (9) على أن من مهمات مجلس وزراء حكومة الوفاق «التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية».
الإمارات.. دعم حفتر يفوق المكاسب الاقتصادية
يأتي الدعم الإماراتي للمشير خليفة حفتر، ضمن استراتيجية ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في بناء دولة تواجه حركات الإسلام السياسي في العالم العربي. لذلك، شرعت أبوظبي في تأسيس قاعدة جوية سرية في نهاية سنة 2016، في شرق ليبيا، تنطلق منها الطائرات لقصف أعداء حفتر في بنغازي، ودعمت قوات الجنرال العسكري بأسلحة حديثة وتمويل ضخم.
يؤكد ولي عهد أبوظبي دومًا في أحاديثه مع الدبلوماسيين الأمريكيين، أن مختلف ألوان الطيف الإسلامي تتشارك في نفس الهدف، وهو إرساء خلافة يقوم فيها القرآن مقام الدستور؛ ولهذا يرى أن لبلاده دورًا رئيسيًّا في دعم أي جماعة سياسية تعادي التيارات الإسلامية كحال خليفة حفتر في ليبيا. وبحسب دبلوماسية أمريكية مُقربة من ابن زايد، فالأخير يحاول من تدخله في ليبيا «تفرقة الأحزاب التي لا يحبها، لكن سيفهم في النهاية أنه لا يمكنهم التصرف هكذا».
رغم أن أبوظبي ترى أن استثمارها الأيديولوجي في حفتر يفوق أي اعتبارات اقتصادية مستقبلية، وأن الجانب الاقتصادي لا يُشكل هدفًا أولًا للتدخل الإماراتي، إلا أن الدعم الإماراتي لحفتر يأتي أيضًا ضمن استراتيجية إماراتية ترمي إلى بناء مجموعة من المواني، حتى تُصبح جزءًا من مشروع «الحزام والطريق» الذي ستنجزه الصين؛ إذ تسعى أبوظبي للعب دور محوري في المشروع الصيني، وأن تصبح شريكًا لا غنى عنه في إنجاح هذه المبادرة.
وبحسب تحليل صادر عن مركز بحثي إيطالي متخصص في العلاقات الدولية، فاهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالسيطرة على البنى التحتية للمواني في ليبيا (مثل بنغازي وطبرق)، يعد جزءًا أساسيًا من استراتيجية أبوظبي لتصبح الفاعل الإقليمي الرئيسي في التجارة البحرية، مع الاستفادة من الفرص المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
يدعم هذا الافتراض ما أعلنته أبوظبي، نهاية العام الماضي، عن افتتاح الصين أول مكتب إقليمي في منطقة الشرق الأوسط، بدبي، لمتابعة مشاريع مبادرة الحزام والطريق العملاقة. كما تروج وسائل الإعلام الإماراتية لدور أبوظبي في المشروع الصيني. وبحسب تصريح سابق لسلطان المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي، فبلاده هي «البوابة المثالية لانطلاق طريق الحرير بالاتجاه نحو الغرب وأفريقيا».
أخيرًا، تعمل أبوظبي على توظيف نفوذها داخل ليبيا لتعزز تواجدها في أفريقيا، التي أسست له من خلال قواعدها ومد نفوذها في القرن الأفريقي، حيث توجد العديد من المصالح الجيوسياسية الإماراتية، والتي توسع اهتمام أبوظبي بها في السنوات الأخيرة.
فرنسا.. نفط وإعادة إعمار وخطط عسكرية
بدأ الدعم العسكري الفرنسي لحفتر «سرًا» في بنغازي، في وقت مُبكر من عام 2015، بما اعتبره البعض مخالفًا لقيم باريس الديمقراطية الليبرالية، ضمن استراتيجة موسعة لها في تطوير تحالفات عسكرية في أجزاء أخرى من أفريقيا لتأمين الساحل والمصالح الفرنسية بالقارة الأفريقية.
وشمل الدعم الفرنسي السري لحفتر أسلحة وتدريب ومده بمعلومات استخباراتية وبعض من القوات الخاصة، والتي كان شاهدًا عليها وفاة ثلاثة جنود فرنسيين سريين في حادث طائرة هليكوبتر في ليبيا عام 2016 كانت مشاركة مع قوات حفتر.
يأتي التدخل الفرنسي أيضًا تجاوبًا مع دعوة الإمارات لها لدعم حفتر، عقب انسحاب واشنطن من الشرق الأوسط، فأبوظبي هي حليف سياسي وعسكري لباريس، حاولت توظيف المصالح المشتركة الاقتصادية والأمنية لها مع باريس، التي تُقدر بمليارات الدولارات، لدفعها لدعم حفتر، ونجحت في هذا الأمر.
كما يرتبط بالنقطة السابقة ميل فرنسا للتحالف القائم بين الإمارات والسعودية ومصر، على حساب التحالف القطري التركي، إذ تتعاظم مصالحه مع التحالف الأول.
كانت فرنسا قد أعلنت بعد سقوط القذافي أنه من «المنصف والمنطقي» أن تستفيد الشركات الفرنسية من كعكة النفط الليبية، بعد قيادتها للتحالف الذي أسقط الرئيس السابق.
ولطالما كان العامل الاقتصادي أحد دوافع الانخراط الفرنسي في الصراع الليبي منذ بدايته، وتطمع فرنسا بشكل أساسي في عقود النفط وإعادة الإعمار، وكان ذلك سبب تبنيها سياسة قائمة على الدعم العسكري والسياسي لقوات حفتر سرًا، والحرص في الوقت ذاته على التواصل مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط التي تقع في طرابلس، والتي تحمل الصفة الرسمية في عملية بيع النفط وإبرام الاتفاقيات.
تسيطر قوات الجنرال العسكري على معظم حقول ومنشآت النفط في ليبيا، بما فيها حوض سرت الذي يمثل نحو ثلثي الإنتاج الليبي من النفط. ويستقر إنتاج النفط الليبي عند نحو 1.25 مليون برميل يوميًا، فيما يمثل الإنتاج الليبي نحو 2.5 بالمئة أي 55 الف برميل من إجمالي إنتاج «توتال» الفرنسية.
وحصدت باريس ثمار تواصلها سياسيًا مع المؤسسة الليبية، في الشهور الأخيرة، إذ وافقت المؤسسة، في ديسمبر العام الماضي، على شراء «توتال» الفرنسية حصة «ماراثون أويل» في امتيازات الواحة بليبيا.
إيطاليا.. المستعمر السابق وأكبر مستثمر في قطاع الطاقة
ليبيا، بالنسبة لروما، هي المُستعمرة الإيطالية السابقة، التي تُعد محورًا مركزيًا لسياستها الخارجية منذ عقود طويلة في الشرق الأوسط، وأولوية قصوى لمصالحها الاستراتيجية؛ ولهذا كانت إيطاليا حاضرة منذ اندلاع الصراع سواء بإبرام اتفاقيات مع حكومة السراج، أو بقيادة العملية الأوروبية (إيريني) في البحر المتوسط لمراقبة إرسال الأسلحة إلى ليبيا.
كذلك تعد ليبيا المورد الرئيسي للغاز الطبيعي والنفط الخام بالنسبة لإيطاليا؛ كما تعد شركة «إيني» الإيطالية أكبر منتج أجنبي للمحروقات في ليبيا.
أمنيًّا، يأتي دعم إيطاليا للوفاق بناء على قناعة مسؤوليها بعجز حفتر عن كسب ولاء قيادات قبائل التبو والطوارق التي تهيمن على جنوب ليبيا أو الفصائل المحلية المتعددة في شمال غرب البلاد، حتى مع تقدم قواته عسكريًا، وذلك في ضوء دراسة وفهم إيطاليا للديناميكيات الاجتماعية المُعقدة في ليبيا.
يُشكل الملف الليبي أيضًا ورقة انتخابية مؤثرة في الداخل الإيطالي، إذ تحاول الحكومات المتعاقبة توظيفه سياسيًا، عبر الربط بين نفوذها في الداخل الليبي ومنع وصول مهاجرين لأراضيها، كما كان يكرر دومًا وزير الداخلية الإيطالي السابق المناهض للمهاجرين ماتيو سالفيني، في التجمعات وخطبه السياسية.
تعد ليبيا بوابة عبور المهاجرين لإيطاليا منذ عقود طويلة؛ إذ يسافر نحو 82 في المائة من المهاجرين إلى أوروبا عبر الممر البحري بين ليبيا وإيطاليا، بعدما أصبحت الأخيرة مقصدًا للكثير من المهاجرين من دول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى الراغبين في الهرب إلى أوروبا.
كانت هذه القضية دافعًا رئيسيًا لروما في تعزيز صلاتها مع حكومة الوفاق الليبية، التي أثمرت عن توقيع اتفاقية بين الجانبين، ساعدت إيطاليا بموجبها السلطات البحرية الليبية على إيقاف الزوارق وإعادة الأشخاص إلى مراكز الحجز. كما عملت إيطاليا على تدريب وتجهيز خفر السواحل الليبي وأجهزة أخرى لإبقاء المهاجرين داخل ليبيا.
وأثمر هذا التنسيق الدائم في نجاح حكومة الوفاق بالتنسيق مع القوات الإيطالية في ضبط نحو 40 ألف شخص وإعادتهم إلى ليبيا، منذ عام 2017.
مصر.. من وسيط محايد لدعم حفتر
كانت المحطات التي تنقلت خلالها مصر في تفاعلها مع الأزمة الليبية مرتبطة بأهداف مختلفة بنت عليها القاهرة سياستها.
المحطة الأولى للدور المصري، كانت الانخراط في الصراع من أجل الحفاظ على نفوذ القاهرة وتأمين حدود البلاد مستقبلًا في ظل أي سيناريو يحتمل حدوثه بجارتها الغربية، وكان تلك هي المهمة الرئيسية للقائمين على إدارة الملف برئاسة محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري آنذاك، دون سيطرة هاجس «الاستئصال الكامل للإسلاميين في ليبيا» على مصر في ذلك الوقت.
يتأكد ذلك من تأييد فصائل إسلامية في ليبيا أبرزها الإخوان المسلمون لجهود القاهرة في تسوية النزاع. ومضت القاهرة، من أجل هذه المهمة، في عقد مباحثات سياسية مع رؤساء دول كالجزائر وتونس، والتي أسفرت آنذاك عن عقد قمة ثلاثية بين الرؤساء الثلاثة.
بحسب دبلوماسي مصري تحدث لموقع «مدى مصر»، قبل ثلاث سنوات، كانت الغاية المصرية خلال تلك الفترة هي: «إعادة تثبيت القاهرة في موقع اللاعب العربي الأهم في ليبيا بعد طول غياب»، و«تغيير الصورة الذهنية المترسخة عن مصر بوصفها طرفًا غير محايد وعقبة أمام التسوية الليبية».
وفق هذه الاستراتيجية، دعت القاهرة السرّاج أكثر من مرة إلى زيارتها، رغم اعتراضات حفتر، وجرى التنسيق مع قادة دول الجزائر وتونس رغم الخلافات السياسية.
المحطة الثانية للدور المصري كانت إطلاق استراتيجية دعم مفتوح لحفتر، مدفوعًا برغبة إماراتية لتوحيد الدعم المادي والعسكري لقوات الجنرال العسكري، مقابل التخلي عن دور الوسيط الموثوق به من الجميع.
وبعد التدخل التركي في ليبيا عسكريًا، تبدلت أهداف مصر من اكتفائها بكونها محطة لدعم وتأييد حفتر، إلى محاولة بناء تحالف جديد على المستوى الإقليمي بشأن ليبيا، يواجه النفوذ التركي، من خلال تحالف سياسي جديد داخل ليبيا، يكون عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، أحد أركانه.
كان أبرز المؤشرات لهذا التحول المصري هو دعوة القاهرة، بداية العام الجاري، بعد يومٍ واحد من إرسال أردوغان معدات عسكرية لدعم قوات الوفاق، كلًا من إيطاليا، وفرنسا، وقبرص، واليونان، لبحث مسألة تشكيل تحالف دولي في الداخل الليبي.
لاهتمامات مصر في الداخل الليبي جانب اقتصادي أيضًا، يتمثل في إمكانية تصدير الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب يمتد من حقل ظهر إلى الحقول الليبية التي تديرها شركة إيني، وربط الحقول البحرية الليبية مع خط غاز بحري إلى إيطاليا، وهو ما يفسر تصعيد الخطاب المصري بعد اقتراب قوات حكومة الوفاق من مدينة سرت، المهمة في صناعة النفط الليبية.
روسيا.. الحنين لليبيا القذافي وتوسيع نفوذ موسكو
تدخل ليبيا ضمن دائرة اهتمام موسكو في سياق استراتيجية الكرملين لعودة النفوذ الروسي بشكل عام إلى الشرق الأوسط. وحظيت ليبيا بخصوصية كُبرى في الاستراتيجية الروسية، في ظل التحالف السابق لها مع الجنرال مُعمر القذافي، قبل أن ينحسر النفوذ الروسي عقب سقوطه بتدخل حلف شمال الأطلسي عسكريًا؛ لتفشل موسكو في حماية عقود بقيمة 10 مليارات دولار كانت قد وقّعتها مع نظام القذافي.
لهذا، تمسكت موسكو، عقب فشل المبادرات لتوحيد ليبيا، بالعودة من جديد بدور أكبر في الداخل الليبي؛ إذ رأت في الجنرال خليفة حفتر الشريك الذي يمكن التعويل عليه لتعزيز المصالح الروسية، لتدعمه بقوات وأسلحة رغم الحظر الدولي المفروض، وتعرض، في الوقت ذاته، نفسها وسيطًا يرعى المبادرات.
ويمثل الوجود العسكري في ليبيا فرصة لروسيا للحصول على قاعدة عسكرية قرب الساحل الليبي، مما يضمن تعزيز نفوذ روسيا في البحر الأبيض المتوسط، ويتيح للجيش الروسي التواجد على مسافة أقرب من أوروبا والقواعد الأمريكية في صقلية.
أمام الدعم الروسي السياسي والعسكري لخليفة حفتر، ورقة روسيا النافذة في ليبيا، نجحت موسكو في تعزيز حضورها فاعلًا مؤثرًا ودوليًّا، وتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية. إذ سهل حفتر لموسكو الدخول في سوق الطاقة الليبية واستخدام مواني البحر المتوسط في طبرق ودرنة.
الجزائر وتونس.. الجارتان الوسيطتان بلا أطماع
تلعب الدولتان المجاورتان لحدود ليبيا الجنوبية، دور الوسيط في الأزمة الليبية، دون انخراط عبر الدعم العسكري لأي فصيل من أطراف الصراع، لكنهما يدعمان حكومة الوفاق الليبية سياسيًا. ونجحا مؤخرًا في فرض وجودهم باعتبارهما وسطاء، في ظل انتخاب رئيسين جديدين للبلدين، وتوطد صلاتهما سياسيًا.
وتتضائل المكاسب الاقتصادية لكلتا الدولتين من وراء الانخراط باعتبارهما وسطاء، إذ تنحصر الفائدة فقط في امتلاك شركة «سوناطراك» الجزائرية عقد امتياز ملء النفط قرب الحدود الجزائرية الليبية، لكن المكسب الأهم من وراء هذا الانخراط بالنسبة للرئيسين الجزائري والتونسي، هو تعزيز حضورهما، وتنشيط دبلوماسية بلديهما بعيدًا عن الركود الذي أصابهما في السنوات الماضية.
توجت هذه الجهود سريعًا، إذ تسابق وزراء خارجية دول مؤثرة في الداخل الليبي على زيارة الجزائر، والالتقاء بتبون أو مسؤوليه بحثًا عن تنسيق معهم، لتصبح الجزائر وتونس محطة مهمة ونافذة على الشأن الليبي، ورقمًا يصعب القفز عليه لتمرير مبادرة لتسوية النزاع دون حضورهما فيها بوصفهما رعاةً لها.
سيناريوهات معقدة:
لاشك أن الحديث عن مستقبل الأزمة الليبية في ظل هذه التشابكات والصراعات وتباين المصالح يصبح أمراً في غاية الصعوبة. فالحديث عن سيناريوهات التسوية والصراع تبدو متساوية، بالنظر إلى تداخل المسارين السياسي والعسكري في الأزمة الليبية، وهذا ما أثبتته تطورات العامين الأخيرين، وخصوصاً مستجدات الأشهر القليلة الماضية، فالعلاقة بين المسارين أقرب إلى علاقة الفعل ورد الفعل، ولذا تأتي النتائج على أحد المسارين “تالية” زمنياً على مسبباتها في المسار الآخر.
ومن اللافت أنه كلما طال الوقت الفاصل بين التطورات التي يعرفها المسارين، كان التأثر أعمق وأشد وضوحاً. ولعل الأطراف المنخرطة في الملف الليبي بدأت تدرك هذه الآلية أو المنهج المميز للعلاقة بين الميداني والسياسي، وهو ما يفسر تصاعد النشاط الدبلوماسي والمساعي الحثيثة التي بدأت تجري مؤخراً (منذ أسابيع) لاحتواء تداعيات التحول الميداني الجذري الذي نجم عن التدخل العسكري التركي، والذي بدأ قبل أكثر من ستة أشهر.
وما يزيد من تعقيد المشهد الليبي هو تعدد الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة وتعارض مصالحها بشكل كبير للغاية بشكل يجعل أي حديث عن تسوية محتملة أمراً في غاية الصعوبة، وكذلك الحال بالنسبة للحسم العسكري، إضافة إلى تبدُلات مواقف هذه الأطراف بين فترة وأخرى. فمن ناحية، لاشك أن كلاً من روسيا وتركيا قد أصبحا فاعلين رئيسيين وشريكين أساسيين في مجريات الأزمة وإدارتها، سواء على المستوى الميداني أو السياسي، ولكن الصراع بينهما محتدم على الأرض. كما أن أي توافق بينهما لن يحظى بقبول الأطراف الأخرى العربية والأوروبية التي لا تريد “مسار سوتشي” أخر في ليبيا يخضع لهيمنة تركيا وروسيا فقط.
من ناحية أخرى، يبدو الموقف الأمريكي غامضاً وغير واضح ولا سيما في ظل تعارض مصالح حلفاء واشنطن في الساحة الليبية وتصارعهم، ورغم أنها بدأت تميل قليلا إلى موقف حكومة السراج وتركيا بسبب التدخل الروسي الداعم للطرف المقابل، فإن مواقفها ما تزال متوازنة وغير حاسمة، وهو ما أدى إلى تراجع وزنها النسبي في إدارة هذه الأزمة.
وزاد من هذا التراجع، انشغال الإدارة الأمريكية الحالية بالأوضاع الداخلية، في ظل أزمات وملفات متلاحقة تشمل أزمة “كوفيد-19″، والتظاهرات المضادة للعنصرية، فضلاً عن قيود ومقتضيات أجواء عام الانتخابات الرئاسية التي تجري في نوفمبر المقبل، وغلبة التوجه الانعزالي بصفة عامة على السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، وإن كانت بعض الدراسات الأمريكية، بدأت تنصح إدارة ترامب بتنشيط دورها في ليبيا مجدداً، وتبني مواقف أكثر قوة وإيجابية في مواجهة المستجدات التي تضع ليبيا أمام تحدي الفوضى، وتمثل تحدياً أمام واشنطن والغرب عموماً[22].
ومن ناحية ثالثة، ما يزال الموقف الأوروبي يعاني من الانقسام والتعارض الواضح بين مصالح دوله، ولا سيما بين إيطاليا وفرنسا، وهو الانقسام الذي أضعف هذا الموقف وجعله هامشياً. كما أثيرت تساؤلات عديد مؤخراً حول عدم قدرة أوروبا على وقف تدفق الأسلحة والمسلحين من تركياً إلى ليبيا عبر البحر بالرغم من مهمة “إيريني” التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في مايو 2020 لمراقبة تنفيذ حظر الأسلحة على ليبيا. رغم أن هناك مؤشرات وتقارير عدة بدأت تشير إلى تقارب وتنسيق أوروبي في مواجهة هذه الأزمة بعد التدخل العسكري التركي والتدخل الروسي وما يفرضانه من تحديات وتهديدات لمصالح أوروبا في ليبيا والمنطقة.
أما على المستوى الإقليمي العربي، فإن الأمر أصبح أكثر خطورة ولا سيما مع تنامي مخاطر التغلغل التركي الذي عزز حالة الاستنفار في دول المنطقة، وخاصة الدول المحورية فيها، التي تدرك خطورة الأزمة في ليبيا، سواء من جهة تأثير عدم الاستقرار الداخلي والفوضى الأمنية والسياسية على محيط ليبيا الإقليمي وجوارها الجيواستراتيجي أو من زاوية النموذج الذي تطرحه أو تروجه تطورات الوضع الداخلي الليبي في المنطقة العربية؛ وهو نموذج شديد السلبية والخطورة في أكثر من اتجاه، خاصة بالنسبة للملفات والصراعات القائمة في بلدان أخرى في المنطقة، تحديداً سوريا واليمن.
كما أن النموذج الليبي من شأنه أن يشجع الجماعات المسلحة والفصائل الإرهابية، فضلاً عن جماعات الإسلام السياسي بمختلف تنويعاتها، على التمسك بالعنف والفوضى وسيلة للبقاء ولعب أدوار وتأمين مكاسب لنفسها أو لحساب أطراف وقوى خارجية، هذا ما يستدعي إليه جانب آخر لا يقل خطورة في ذلك النموذج، حال استمراره، وهو المتعلق بالاستقواء بأطراف خارجية واستدعاء دول أو قوى خارجية للتدخل المباشر لترجيح كفة داخلية على أخرى. ولا يتوقع، في هذا السياق، أن يستمر الصمت العربي في مواجهة التدخلات التركية أو أن يتم السماح لأنقرة وميليشياتها بالسيطرة على ليبيا. وهنا تبرز بصورة خاصة تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يوم 20 يونيو 2020 وتهديده بالتدخل المباشر في ليبيا والدعم العربي الواسع الذي لقيته هذه التصريحات.
إن كل هذه العوامل تجعل الأزمة الليبية مفتوحة على كل الاحتمالات من خلال:
- سيناريو “سورنة ليبيا”، الذي يجري على قدم وساق، من خلال التدخل المتزايد من قبل تركيا وروسيا في الصراع، ومن خلال قيام أنقرة بنقل آلاف المسلحين والإرهابيين من سوريا إلى ليبيا.
- سيناريو التقسيم طويل الأمد الذي يبدو محتملا أيضاً مع استمرار دعم القوى الخارجية لطرفي الصراع والتدخل المباشر لمنع أي طرف من تحقيق الحسم العسكري على الطرف الآخر.
- سيناريو التسوية السلمية الذي يظل مطروحاً في جميع الأحوال، وهو أفضل السيناريوهات لأنه يجنب ليبيا مزيد من الفوضى والدماء، ولكن هذا السيناريو يحتاج أولاً إلى توافقات واسعة بين مختلف القوى الإقليمية والدولية التي لا يهم بعضها دماء الليبيين أو مصالحهم.
- السيناريو العسكري المفتوح الذي تزداد احتمالاته مع استمرار الغطرسة التركية وتدخلاتها الفجة في ليبيا.
خاتمة
لقد وصلت الأزمة الليبية إلى مستويات خطيرة من التعقيد وأصبحت تنذر بصراع إقليمي ودولي جديد ومفتوح على الأراضي العربية. وما لم يتم تدخل الأطراف الدولية الفاعلة ولا سيما الولايات المتحدة، والأمم المتحدة لوضع حد لهذا الصراع، فإن عواقبه ستكون خطيرة على جميع القوى ومدمرة على أبناء الشعب الليبي.
وملامح هذه التسوية معروفة، وهي ترك الأمور للشعب الليبي لاختيار من يريد أن يحكمه بعملية انتخابية شفافة وذات مصداقية، وإخراج جميع القوات والميليشيات المرتزقة من ليبيا، وكذلك الجماعات المتطرفة التي لا تشكل خطر على الشرق الأوسط فقط، بل وكذلك على أوروبا.
الهوامش
[1] علي نوار (مترجم)، “كيف يمكن حل الأزمة الليبية؟”، موقع حفريات، 8 يناير 2020.
[2] “الازمة الليبية بين الصراعات الداخلية والاقليمية والدولية”، الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، 15 فبراير 2020.