النظام الدولي الجديد وتأثيراته على مجلس الأمن الدولي
رغم أن الأمم المتحدة مازالت تمثل عماد التنظيم الدولي وأداة من الأدوات الدولية لتحقيق العدل والمساواة وتصفية الإرث الاستعماري وإعادة بناء مجتمع جديد يقوم على التعدد والتنوع ويرفض الهيمنة والتمركز، إلا أن التحولات الهائلة التي عرفتها العلاقات الدولية والمتمثلة في سقوط الهياكل التي تشكلت بعد الحرب الباردة وقيام نظام دولي جديد أحدثت تغيرات في دور ومسؤوليات الأمم المتحدة بلغت حد الابتعاد عن ميثاقها في بعض الأحيان لأن من شأن اختلاف طبيعة النزاعات والصراعات والمطالب المتزايدة أن يصبح مقبولا من وجهة نظر القوى الكبرى تعميم استخدام واستحداث مفاهيم جديدة تتماشى مع الحقائق المتغيرة في العالم، وليس من العسير إدراك الدوافع السياسية لذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية تريد جعل مجلس الأمن أحد أدوات النظام الدولي الجديد التي تسعى لصياغته.
“النظام العالمي الجديد” هو مفهوم تم ترويجه أثناء أزمة الخليج التي اندلعت على إثر قيام العراق بارتكاب جريمة غزو دولة الكويت وإعلان ضمها لها، فقد أكدت التفاعلات الدولية التي تمت خلال هذه الأزمة أن الحرب الباردة بين القوتين العظيمتين قد وصلت إلى نهايتها بالفعل في أعقاب مرحلة تحول كبرى طرأت على سياسة الاتحاد السوفييتي منذ وصول جورباتشوف إلى السلطة سنة 1985
تحاول هذه الورقة دراسة أثر التطورات الدولية الحاصلة بعد الحرب الباردة على التطبيقات الحديثة لنظام الأمن الجماعي من خلال مسؤوليات مجلس الأمن في ظل النظام العالمي الجديد انطلاقا من الفصل السابع من الميثاق، و يظهر ذلك جليا في دور المجلس من خلال مجموعة من الأزمات كأزمة الخليج الثانية، وفي الصومال و مشكلة البوسنة، و في حالة ليبيا و القرار 1973 وكذا في سوريا، وهو ما يعبر على امتداد اختصاصاته فيما يخص تحقيق السلم والأمن الدوليين استجابة للمتغيرات الجديدة وعلى النشاط الموسع للمجلس في استخدام تدابير الفصل السابع، وعليه تحاول هذه الورقة النظر في مدى مشروعية هذه الممارسات على ضوء أحكام ميثاق الأمم المتحدة ؟ وما إذا كانت تنطوي على تطوير عرفي لها يستجيب لقواعد النظام العالمي الجديد؟