أصدرت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان دراسة جديد بعنوان “دور الذكاء الاصطناعي في نشر وتعزيز ثقافة السلام في مناطق النزاعات” والتي تناولت الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في وقف الحروب ونشر ثقافة السلام، حيث أشارت الدراسة أنه على الرغم من المخاطر والأضرار التي يمكن أن يسببه الذكاء الاصطناعي بالبشر، كانتشار المعلومات المضللة على نطاق واسع، والتوسع في استخدام الأسلحة ذاتية التحكم، والتي تستخدم في الحروب لاسيما في مناطق النزاعات المسلحة وهو ما يعد انتهاكاً للحق في الحياة والأمان الشخصي المنصوص عليه في كافة الاتفاقيات الدولية، أو استخدامه بدرجة أكبر في تقويض الحريات المدنية، عن طريق انتهاك الحق في حرية التعبير وحرية التجمع عن طريق استهداف آراء بعينها على مواقع التواصل الاجتماعي وحذفها بدعوى مخالفة سياسات هذه المواقع. بالإضافة إلى استخدامه في قرصنة البيانات الشخصية لمستخدمي مواقع الأنترنت، وانتهاك خصوصية الأفراد في الفضاء الإليكتروني، وغيرها من الانتهاكات التي يمكن أن يُسببها الذكاء الاصطناعي ناحية البشر.
إلا أن الدراسة رصدت الأدوار الإيجابية التي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في نشر ثقافة السلام خاصة في دول النزاع، حيث ظهر في الآونة الأخيرة توجه آخر يدعو لاستخدام هذه التقنيات في محاولة نشر وتعزيز السلام في مناطق النزاعات المسلحة وتخفيف حدة التوتر في بؤر الصراع وفي المناطق التي تشهد أزمات إنسانية، واستبدال الطريقة التقليدية التي كان يستخدمها مكتب شئون بناء السلام التابع للأمم المتحدة من أجل هذه الغاية، والتي كانت تستغرق شهورا لإكمالها وتكلف عدة الآلاف من الدولارات لتنفيذها.
وتتطلب مدي زمني طويل، بطريقة أخري من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للمساهمة في تعزيز السلام في مناطق النزاعات وإدراك الواقع الحقيقي على الأرض من خلال المعلومات التي تتوفر من المواطنين أنفسهم بدون وسيط، ومن خلال تحليل هذه المعلومات يمُكن للأمم المتحدة أن تتدخل للوساطة أو إيقاف إطلاق النار في المناطق المتضررة من النزاعات من خلال اتفاقيات سلام، كما تعمل على تحديد الفئات الأكثر تضرراً في هذه المناطق المٌلتهبة، وعليه يمكن اختصاص هذه الفئات بالمساعدات الإنسانية ما قد يخفف من وطأة المعاناة التي يتعرضون لها.
وقال أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت أن للذكاء الاصطناعي استخدام مزدوج، وهو يحمل الوجهين الإيجابي والسلبي، حيث يمكن أن تستخدمه الشركات والحكومات لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية كالحق في حرية الرأي والتعبير والحق في حرية التجمع السلمي، أو يمكن استخدامه بشكل إيجابي من أجل تخفيف حدة التوتر في مناطق النزاع المسلح، وحماية المدنيين وغير المشاركين في الأعمال العدائية، عن طريق محاولة التنبؤ بأماكن الغارات الجوية وتنبيه المدنيين في المناطق المستهدفة، كما يمكن أن تستخدم هذه التقنيات في الحصول على معلومات من قبل السكان المتضررين في مناطق النزاع المسلح وإمكانية توصيل المساعدات الإنسانية إليهم، كما يمكن أن تساهم هذه التقنيات أيضا في الوصول إلى عقد اتفاقيات سلام بين الأطراف المتنازعة كما حدث في ليبيا مؤخراً.
من جانبه قال شريف عبد الحميد مدير وحدة الأبحاث والدراسات بمؤسسة ماعت إن التوسع في استخدام هذه التكنولوجيا في نشر ثقافة السلام وفي محاولة تخفيف التوتر في مناطق النزاعات المسلحة، قد يكون له مردود إيجابي على المدى البعيد في إنهاء هذه النزاعات والحروب الأهلية، كما يمكن تطوير هذه التقنيات للوصول لأكبر عدد ممكن من المتضررين في مناطق النزاع المسلح، لكن في الوقت نفسه فإن التمادي في استخدام هذه التقنيات على نحو مٌضر سوف يشكل انتهاكاً رئيسية لحقوق الإنسان الأساسية بما في ذلك الحق في الحياة والحق في حرية الرأي والتعبير ، وطالب عبد الحميد بضرورة وجود اتفاقية دولية تقنن استخدام الذكاء الاصطناعي على نحو يُرسخ من الجوانب الإيجابية التي يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحققها، وبما يتفق مع ما ذهبت إليه اليونسكو في توصيتها بشأن تأسيس الذكاء الاصطناعي على قاعدة أخلاقية راسخة تحمي وتعزز حقوق الإنسان. وبضرورة فرض عقوبات على الدول أو الشركات التي تستخدم هذه التقنيات على نحو ينتهك حقوق الإنسان.