عنوان المقال: الخلل الايدولوجي للهوية الثقافية في ظل كورونا
علي الداوي
تعتبر قضية الهوية الثقافية من القضايا الهامة والمحورية خاصة في ظل المجتمع الرقمي مجتمع القرن الحادي والعشرين الذي يتسم بالتغيرات والتحولات المجتمعية الكبرى في جميع المجالات وشتى النواحي وبالأخص التغيرات التكنولوجية والرقمية والمعرفية والفكرية، وما نتج عن هذه التغيرات من هجوم علي الثوابت والرموز، بل وزيادة الفكر المتطرف في كل العالم، ولقد أثرت هذ التغيرات علي الهوية الثقافية لأفراد المجتمع وأثرت علي وعي الأفراد واتجاهاتهم وقيمهم وسلوكياتهم بل وايدولوجيتهم، هذا وتعد قضية الهوية الثقافية من أكثر القضايا إثارة للقلق والجدل في معظم مجتمعات العالم نظرا لما تتعرض له الثقافات المختلفة من عوامل التأثير والتغيير والتبديل، بل ومسخ الملامح الأساسية المميزة لها([1])، وربما يرجع ذلك إلي عدة اعتبارات، أولها انفراد الولايات المتحدة بالنظام العالمي، حيث إنه بعد انهيار الكتلة الشيوعية في أواخر الثمانينيات، وفي ظل عمليات أمركة العالم تسعي الشعوب والأمم جاهدة للإجابة عن تسؤل محوري :من نحن؟ لمن ننتمى ؟ ومن هو الآخر؟([2])، وثانيها :محاولات الصين السيطرة علي توجهات الشعوب كمنتج لاحتياجات الشعوب وداعمة للشعوب الفقير ومؤثر في السوق الأهم سوق الطاقة، وثالثها: تأثير العولمة علي الهوية، وقد تفاوتت الآراء بين التهوين من شأن العولمة أو الغلو في وصف تأثيرها ومخاطرها، فهناك من يرى أنه بفعل تداعيات العولمة تتعرض ثوابت هويتنا للزعزعة والتفكيك، وتحاول القوي المهيمنة الحفاظ علي هويتها، وتذويب الهويات الأخرى وطمسها وصهرها في دائرة العالمية وازالتها من الوجود([3]). أصبحت القوة العالمية الآن لا تبحث عن كيفية الحفاظ علي التنوع والتعدد الذي يحفظ البقاء الآمن للجميع، بل أصبحت الايدولوجية المسيطرة الآن علي مستوى العالم أو حتي الدول هي القضاء علي أي تنوع أو اختلاف حتي في وجهات النظر، خاصة فيما يعانيه المجتمع العالم الآن من تداعيات كورونا، والذي فرض تغيرات جديدة وتحولات في ظاهرها مجابة هذا الخطر وفي باطنها الإسراع في هدم الهويات والقضاء علي ثوابت المجتمعات تحت مسميات التطور وركوب موجة التحول الرقمي.
ولقد فرض التحول نحو المجتمع الرقمي تحديا أمام الهويات الثقافية في المجتمعات المختلفة باعتباره تعميم للاتجاه الواحد للثقافة ويسلب التنوع الثقافي والتعددية، حيث أن المجتمع الرقمي موضوع فتح قضايا الهوية الثقافية علي نطاق عالمي واسع، بل هوية المجتمعات ذاتها سواء الثقافية أو الدينية أو التاريخية …إلخ. وارتبطت فيه عدة مفاهيم ببعضها مثل المجتمع الرقمي والهوية، والمواطنة الرقمية والهوية، والعولمة والهوية والاصطدام بينها، مما زاد التهديدات سواء بالإلغاء أو الإقصاء، أو الذوبان والانصهار، حيث أن المجتمع الرقمي له تأثيرات علي هوية المجتمع الثقافية خاصة علي فئة المراهقين والشباب الذين هم في مرحلة التكوين التكيف والتوافق مع هوية مجتمعهم، لقد رأينا انتشار المدارس الدولية المختلفة في كثير من المجتمعات العربية بل ومدارس اللغات، واستحضار مناهج معينة وطرق تدريس معينة وتجارب كما هي مع عدم مراعاة البيئة وطبيعتها والاختلاف بين طبيعة المجتمعات, ولا اجزم أن هدفها القضاء علي اللغة الاصلية للمجتمع( اللغة العربية) كحافظة للهوية وأحد ثوابتها، فالكثيرين يلاحظ مستوي خريجي المدارس الدولية والجامعات الدولية وحالة الانفصام بينهم وبين مجتمعهم الاصلي بل وتكوين جيل لا يحمل أي مقوم يثبت هويته وما ينتمي إليه، بل وزادت الفجوة بين الطبقات من الناحية الثقافية و الانغلاق من قبل هذه الفئة عن باقي المجتمع الأصلي ، وظهور عادات وتقاليد جديدة لا تتناسب مع عادات وتقاليد وثقافة المجتمع الأصلي ناهيك عن ما يترتب علي ذلك من شبة احتلال للعقل الجمعي والاتساق الفكري في المجتمع.
في ظل هيمنة كورونا علي مجريات الأحداث وسيطرتها علي جميع ما يجري في العالم منذ عام تقريبا، والصراع من أجل انتاج مصل لها، ودخل تحت هذا الستار ايدولوجيه جديدة وهي السيطرة علي الدول من خلال اثبات الولاءات السياسية والثقافية والاقتصادية من أجل الحصول علي الأمصال، ونتج أيضا بعض التوجهات من الدول المانحة في ظل احتياج الكثير من الدول للقروض لمحاول العبور من هذه الظروف الصعبة باشتراط القروض مقابل إدخال ثقافات جديدة تحت مسمي مواكبة الأحداث والتطورات العالمية، وهو أمر اشب بالاحتلال الحقيقي ولكن الخفي المستتر تحت مسميات أخري.
أن السيطرة الحقيقة الآن هي السيطرة الفكرية والعقلية والأيدولوجية وليس العسكرية فقط، وإن المجتمعات التي حافظت علي تقليدها وهويتها وسعت للتقدم والرقي باتت متماسكة وصلبة أمام الهزات العالمية والأحداث المختلفة مثل كورونا والأزمات الاقتصادية المتعددة، وخرجت منها بأقل خسائر.
حقا إن موضوع الهوية الثقافية من الموضوعات المهمة التي أصبحت من الموضوعات المطروحة للنقاش منذ أن صاغ صمويل هنتيجون نظريته عن صراع الحضارات عام1993، والتي كان أحد تنبؤاتها أن ثقافة الأمم سوف تذوب في نهاية الأمر في ثقافة عالمية يسيطر عليها الغرب ، ولكنه عام 1996في دراسة له بعنوان ” الغرب متفرد وليس عالميا ” ذكر فيها أن شعوب العالم غير الغربية لا يمكن أن تدخل داخل النسيج الحضاري للغرب لأن روح أي حضارة هي : اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد، لذلك فإن الوقت قد حان لكي يتخلى عن وهم العولمة وأن ينمي قوة حضارته في مواجهة حضارة العالم ([4])، ومن هنا وجب علي المجتمعات أن تحافظ علي هويتها لضمان بقائها ومجابة الخطر الذي لا يتوقف.
[1])) أحمد أبوزيد: هوية الثقافة العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012، ص5.
([2]) هاني الجزار: أزمة الهوية والتعصب دراسة سيكولوجية الشباب، الجيزة، هلا للنشر والتوزيع ، 2011، ص23.
[3])) مصطفي حلمي: حضارة العصر… الوجه الآخر مع مقال كيف نصون الهوية الإسلامية في عصر العولمة، الإسكندرية، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، 2001، ص80.
[4])) عبد العزيز بن عثمان التويجري: الهوية والعولمة من منظور حق التنوع الثقافي – في العولمة والهوية، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الرباط، مطبوعات أكاديمية، 1997، ص167.
