بقلم عمَار حبابه
أضحت الحرب الإعلامية في زمننا الحاضر من أخطر أنواع الحروب وأشدها فتكاً وأكثرها تأثيراً حيث يجند لأجلها خبراء في اللغات والتعبير وخبراء في تاريخ وثقافة وأديان وطوائف الشعوب كي ينفذوا إلى عقول هذه الشعوب وقلوبها ويسيّروها وفقاً لمصالحهم، عدا عن خبراء في علم النفس وخبراء في الترويج وخبراء في الأصوات والموسيقى والتأثير، إذ أن الدارس لساحة الصراعات والحروب التي تشنها القوى الغربية لنهب ثروات الشعوب وعلى الأخص الولايات المتحدة التي تشن الحروب اليوم مع أتباعها على دول عديدة يكاد يصاب بالدهشة من المفارقات الجمّة بين الواقع على الأرض وبين الادعاءات التي يتم الترويج لها في إعلام الكون حتى تصبح حقيقة لا يتجرّأ أحد على تحدّيها، وحتى إن تجرأ لن يتمكن من قلب المعادلة وإعادة الاعتبار للوقائع التي تشير إلى عكس توجه العاصفة الإعلامية.
والحرب الإعلامية ضد روسيا أكثر الحروب الإعلامية تعقيدًا وعدوانية ، و سخرية ، والتي تخفي وراءها أهدافًا جيوسياسية بعيدة المدى وأهدافًا أخرى موجهة ضد حقيقة التاريخ وتهدف إلى تدمير الأساس الروحي للحياة. حيث إنه لا تتم قيادتها ضد الماضي ، بل ضد حاضر ومستقبل روسيا ، من أجل تشكيل موقف سلبي تجاهها في مختلف البلدان وحرمان الشعب الروسي من هويته الوطنية وقيمه الروحية التقليدية تجاه وطنه .
ها نحن الآن على مشارف أهم ذكرى في تاريخ البلاد ذكرى انتهاء أقبح مجزرة عرفها التاريخ الذكرى 76 لانتهاء الحرب العالمية الثانية أفظع مأساة دموية للبشرية وأكثرها قسوة حيث راح ضحيتها أكثر من 70 مليون شخص على هذا الكوكب هذه الحرب التي تسببت بألم داخل كل منزل و كل عائلة ومازال الكثير يعانون من معاناتها , هذا ما دعى إلى اعتبار هذا اليوم عطلة رسمية يستذكر فيها الشعب السوفييتي آلامهم العظيمة وتضحياتهم الجسام التي أدت إلى نصر عظيم بكلفة باهظة من خسائر بشرية لا تعوض و التي كانت من أوقف التقدم الواثق لقوات هتلر النازية وتوجيه ضربة ساحقة لها ووضع حد للفاشية بشكل نهائي.
وبالرغم من كل ذلك يسود النهج المعاكس في بعض البلدان التي هيأت الظروف لعدوان هتلر وشاركت فيه ، فمنذ بداية الحرب الباردة وحتى يومنا هذا ، كان الغرب يحاول بإصرار إثبات أن الاتحاد السوفيتي ، والآن روسيا هي الخليفة القانوني لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، من خلال التوقيع على ميثاق عدم الاعتداء لعام 1939 بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا ( ميثاق مولوتوف – ريبنتروب) ، بتحمل مسؤولية متساوية عن إطلاق العنان للحرب العالمية الثانية , وهذا ما أدى إلى اشتعال الخلافات السياسية حول من هو المسؤول عن شن الحرب الأكثر دموية وأطولها ولكن مما لا شك فيه هو ما أثبتته المحكمة الدولية في نورمبرغ عن ذنب ألمانيا الفاشية بافتعال الحرب.
حيث لايمكن محو الإبادة الجماعية الفاشية الصامتة من التاريخ التي تجلت في الخطة الرئيسية الهتلرية “أوست” ، وما نصت عليه من إعادة توطين وتدمير أكثر من 75 في المائة من سكان الاتحاد السوفياتي وخطة بربروسا وأوامر القيادة الفيرماختية اللتان وجهتا لهزيمة الجيش الأحمر ، وتدمير الاتحاد السوفيتي كدولة واستعباد شعوبها.
بالإضافة إلى وثائق أخرى للرايخ الثالث تتضمن أن القيادة النازية قررت حرمان العرقية السلافية الشرقية وعدد من الشعوب الأخرى “الأقل شأناً من الناحية العرقية” من الحق في الوجود. وكل ما خطط له لم تكن ألمانيا النازية وحدها من يقف وراءه بل أيضا متواطئون آخرون من مختلف الدول الأوربية الذين قاتلوا إلى جانب الرايخ الثالث وعملوا من أجله ، ووفروا الأسلحة ، المعدات وكل شيء آخر للحرب العدوانية.
ومن خلال المقارنة بين خسائر الأطراف وحجم المواجهة على جبهات مختلفة نجد أن العبء الرئيسي للنضال ضد الرايخ الثالث وحلفائه كان على عاتق الشعب الروسي فقد تم تحديد مسار ونتائج الكفاح المسلح ضد الفاشية من خلال المواجهة على الجبهة السوفيتية الألمانية حيث لعب الاتحاد السوفياتي وقواته المسلحة دورًا حاسمًا في هزيمة الفاشية ، متجاوزًا بشكل كبير مساهمة جميع الأعضاء الآخرين في التحالف المناهض لهتلر.
إن تزييف تاريخ الحرب العالمية الثانية هو عبارة عن محاولات لا أساس لها من الصحة لإلقاء اللوم على روسيا ،والاستخفاف بمساهمة الاتحاد الروسي في الانتصار على الفاشية بغطاء من قادة وأباطرة تلك البلدان ، الذين خلقوا الظروف لعدوان هتلر وتغاضوا عنه ، كما وسخروا الصناعة والموارد والاقتصاد في بلدانهم بشكل عام في خدمة الرايخ الثالث للحرب ضد الاتحاد السوفيتي.
وما مورس ويمارس على روسيا من كذب وتزييف وتشويه يمارس أيضا على سوريا حيث أنشأ الغرب غرفاً ومنظمات كان قد موّلها بسخاء لتشويه ما يحدث على الأرض السورية (وقد كشفت تسريبات الوثائق البريطانية عن حرب إعلامية منظمة وممولة منذ اليوم الأول منذ بداية الحرب الإرهابية على سوريا) بعد ذلك بدأوا بإخراج أفلام لأكاذيب صمموها واخترعوها وروّجوا لها وأصبحت بالنسبة لهم واقعاً بديلاً يدحض سيرة الواقع المعاش وبالنسبة لهم فإن هذه الأفلام هي القناة الأساسية التي تنبؤهم بما جرى في سورية. رغم أن هذه الأفلام هي عبارة عن أكاذيب ملفقة لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة.
بالإضافة إلى الاتهامات المزعومة عن استخدام الحكومة السورية للغازات السامة في دوما و سراقب، على الرغم من أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والتي أكدت في تقرير لها أن سوريا قد تخلت عن كلّ أسلحتها الكيماوية منذ سنوات، ففي 16/4/2021 عقد السفير الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا جلسة استماع لخبراء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وخبراء آخرين في الملف والموضوع أكدوا خلالها وبما لا يدع مجالاً للشك تلاعب بعض العناصر في المنظمة بالتقرير الذي كتبه الفريق الذي زار سوريا واستبدلوه بأكاذيب من قبل أطراف لم تطأ أقدامها أرض سورية وأن ما تمّ الترويج له على شاشات التلفزة هو مسرحية إعلامية هزلية لأن هؤلاء الناس لو تعرضوا للغازات السامة لكانوا أمواتاً ولما كانوا موجودين والقائمة تطول بالكثير من القصص المشابهة …
مما سبق نجد أن هذه الحرب المخابراتية الإعلامية التي تسبق وترافق وتستمر إلى ما بعد الحرب العسكرية بحاجة إلى اهتمام شديد وإلى تكريس الميزانيات والعقول والأقلام لتفنيد كل الادعاءات والردّ عليها من على منصات إعلامية نافذة للغرب وتصل إلى أسماع البشر في كل أنحاء الدنيا لأن الدفاع بالكلمة والترويج للحقائق النابعة من الأرض في وجه الأكاذيب والافتراءات قد يوفّر على الجيوش معارك عسكرية مكلفة وقد يساهم في تثقيف الرأي العام العالمي حول حقيقة السياسات الغربية والكلفة الباهظة التي يدفعها البشر في كل أنحاء الأرض نتيجة هذه السياسات، وبالتالي نستطيع مواجهة سياسة القطب الواحد وضمان ولادة عالم متعدد الأقطاب خال من الهيمنة والتدخل والإسفاف والتزوير وبالتالي ضمان الدماء والحياة والاستقرار والأمن لشعوبنا جمعاء.
المراجع :
1 – من خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الذكرى الخامسة والسبعون للحرب الوطنية العظمى .
2- تاريخ الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ت 2 م: النشر العسكري ، 1974 ص 118.
3- Reutov G.N. Pravda i vymysel o Vtoroi mirovoi voine (Аngliyskaya burzhuaznaya istoriografiya o proiskhozhdenii Vtoroi mirovoi voiny, vneshnei politike Аnglii i mezhdunarodnykh otnosheniyakh 1939–1945 gg.) [The Truth and fiction about the Second World War (English Bourgeois Historiography on the Origins of the Second World War, the Foreign Policy of England and International Relations in 1939–1945)]. Moscow, Mezhdunarodnye otnosheniya Publ., 1967, p 217.
4- Mertsalov A.N. Zapadnogermanskaya burzhuaznaya istoriografiya Vtoroi mirovoi voiny [West German Bourgeois Historiography of the Second World War]. Moscow, Nauka Publ., 1978, p 273..
5- Velikaya Otechestvennaya Voina. Istoriografiya: Sbornik Obzorov [The Great Patriotic War. Historiography: collection of reviews]. Moscow, Institute of Scientific Information on Social Sciences, 1995, p 199..
6- جلسة مجلس الامن المنعقدة في الامم المتحدة 16/4/2021 بدعوة من السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا للاستماع لخبراء منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية بعد قدومهم إلى سوريا.