تحاول هذه الأطروحة دراسة وتحليل موضوع إعادة بناء الدولة الوطنية في العالم العربي مابعد الثورات العربية، بالتركيز على حالة سوريا، حيث تكمن القيمة العلمية لهذه الدراسة في كونها تسلط الضوء على مختلف الجهود الإقليمية والدولية لإعادة بناء الدولة السورية بعد أزمة 2011 ، كما تزود الباحثين المهتمين بالشأن السوري وصناع القرار في سوريا بمعطيات علمية جديدة عن الآليات الواقعية الكفيلة بإعادة هندسة وتقوية المؤسسات الأمنية والسياسية السورية بعد الأزمة، حيث تطرح الدراسة مجموعة من المبادئ التوجيهية لترشيد عمليات الإنتقال من معضلة الفوضى العارمة الموجهة من طرف بعض القوى الإقليمية والدولية التي شنت حربا كونية على الدولة السورية، إلى حالة الإستقرار المستدام، في إطار مقاربة شاملة متعددة الأبعاد من شأنها أن توفر بدائل فكرية غير غربية، تتجاوز مخاطر النقل الجاهز للمقاربات الأنجلوسكسونية المنمطة والمتجاهلة للواقع السوري، لذلك تتمسك الأطروحة بهدفها الأسمى وهو إقحام البعد المحلي في تصميم المقاربة الواقعية لعمليات إعادة بناء الدولة السورية وفق نهج مرحلي وفي سياق حوكماتي، حيث تمحورت إشكالية البحث حول مدى إمكانية إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية المنهارة في ظل التحديات الداخلية .
والتهديدات الإقليمية والدولية التي فرضتها تداعيات الأزمة السورية بعد 2011 وسعيا منا للاجابة على هذه الإشكالية والإحاطة بمختلف جوانب الموضوع، فقد أكدت الدراسة على أن عملية إعادة بناء الدولة السورية تقتضي إعتماد مقاربات إبتكارية شاملة تتضمن آليات مرحلية تتناغم مع واقع الدولة وخصوصيات المجتمع السوري، كما أثبتت الدراسة أن جهود إعادة تشييد مؤسسات الدولة السورية المنهارة، إرتبطت بعدة مبادرات إقليمية ودولية، أهمها الجهود الأممية في إطار مسار جنيف الذي يعكس الإستقطاب الأمريكي في الهيمنة على تسوية الأزمة السورية في إطار تكريس النمط القسري لإعادة بناء الدولة، في حين إرتبطت الجهود الروسية بمباردة أستانا التي تعكس نوع من الطموح الواقعي للنهوض من الأزمة بأقل التكاليف الممكنة، مما أعطاها زخما ومفعول قوي يعتمد على إلتزام الدول الضامنة بالضغط على فواعل الصراع لإنهاء الأزمة.
وتوصلت الدراسة إلى جملة من النتائج المتعلقة بآليات إعاد بناء الدولة السورية، والمتمثلة في مجموعة من المتطلبات السياسية المرحلية التي تبدأ بالحوار السوري – السوري وتوطيد العلاقة بين المجتمع والقيادة السورية مرورا بالدستور التوافقي، وصولا لمرحلة حوكمة عمليات إعادة بناء الدولة، علاوة عن طرح مجموعة من المتطلبات الأمنية التي تشمل إصلاح القطاع الأمني وانهاء نفوذ الكيانات المسلحة غير النظامية، فضلا عن شروط إرساء الحوكمة الأمنية الرشيدة، لتفضي الدراسة في الأخير لتقديم رؤية إستشرافية لمسار إعادة بناء الدولة السورية بعد الأزمة.
