أثر جائحة کوفيد-19 على تحويلات العاملين بدول افريقيا جنوب الصحراء وسبل المواجهة

مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 5، المجلد 8، العدد (7) یولیو 2020، الصيف 2020، الصفحة 31-79 

nahla aboelezz – جامعة القاهرة – کلية الدراسات الافريقية العليا

المستخلص

ادت اجراءات الاغلاق التى نفذت فى العديد من الدول المضيفة الى فقدان المهاجرين لوظائفهم ، ومن ثم تخفيض تدفقات تحويلات العاملين القادمة الى الدول النامية ، حيث قدر البنک الدولى الانخفاض فى حجم تلک التحويلات العالمية خلال عام 2020 بنحو 110 بليون دولار مع توقع بانخفاضها فى دول افريقيا جنوب الصحراء بنسبة 23%.

ولقد عانى الأفراد والأسر والشرکات والدول التي تعتمد بشکل کبير على تدفقات التحويلات بالفعل من ازمة مالية ضخمة. فالانخفاض الحاد المقدّر في التحويلات سيقوض قدرة البلدان الافريقية على التعامل مع جائحة کوفيد 19 ، ناهيک عن قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتؤکد هذه الورقة على أهمية سد فجوات تمويل التنمية التي اتسعت بتقليص التحويلات المالية وتقترح إجراء تعديلات وزيادات في المساعدات الإنمائية الرسمية کحل فوري لتخفيف بعض الآثار قصيرة المدى لوباء کوفيد – 19.

کما تسلط الورقة الضوء على التدابير القصيرة والمتوسطة الأجل التي ينبغي أن يتخذها صانعو السياسات والشرکاء الإنمائيون في البلدان المرسلة والمستقبلة على السواء للتخفيف من اثار انخفاض تدفقات التحويلات. ولقد اوصت الورقة صانعي السياسات في البلدان المرسلة للتحويلات المالية إما بإتاحة أو تخفيف متطلبات تحديد الهوية الصارمة المطلوبة من المهاجرين لتحويلها، وتحفيز استخدام المنصات الرقمية، وحماية المهاجرين من فقدان الوظائف.

مقدمة:

فی الوقت الذی تستجیب فیه الحکومات لتأثیر وباء “کوفید-19” على مواطنیها، وعلى نظم الصحة العامة، واقتصاداتها، نرى تغیرات فی تدفقات التمویل الإنمائیة، خاصة التحویلات المالیة إلى البلدان الإفریقیة. فباستثناء قطاعات الرعایة الصحیة والتجزئة والزراعة، هناک قطاعات مثل السیاحة والضیافة والبناء والتصنیع التی توظف معظم المهاجرین، تکافح من أجل التعایش مع الآثار الاقتصادیة لتدابیر الإغلاق التی اتخذتها الحکومات لمنع انتشار وباء کوفید 19، ولا شک أن القیود المفروضة على التنقل تؤثر على الأسر المعیشیة والشرکات فی البلدان المرسلة للتحویلات المالیة والبلدان المستقبلة لها على حدٍ سواء.

 بالفعل یشعر العمال المهاجرون بتأثیر جائحة کوفید 19 التی تسببت فی فقدان وظائفهم، مما کان له عواقب وخیمة حیث أثرت على دخل الأفراد والأسر والمجتمعات فی الأقالیم التی تمثل التحویلات المالیة فیها أهمیة کبیرة بالنسبة للبقاء الیومی. ولقد توقع البنک الدولى أن تنخفض التحویلات على الصعید العالمی بنحو 20%، وفی إفریقیا جنوب الصحراء الکبرى بنسبة 23.1% ، وتشیر التقدیرات أیضًا إلى أن وباء “کوفید-19” سیؤدی إلى إرسال نحو 35% من المهاجرین أقل من 5 % من حجم تحویلاتهم السابقة.

أهمیة الدراسة :

یتوقع صندوق النقد الدولی أن الجائحة الحالیة کوفید19 تتسبب فی إحداث أسوأ رکود عالمی منذ الکساد الکبیر، وأسوأ بکثیر من الأزمة المالیة عام 2008، ومن المرجح أن تشهد البلدان الإفریقیة – التی أصبحت الآن أکثر اندماجًا فی الاقتصاد العالمی من خلال سلاسل القیمة العالمیة والأسواق المالیة- آثارًا أکثر حدة من هذه الأزمة مقارنة بالأزمات السابقة، حیث تشیر التقدیرات إلى أن الآثار الاقتصادیة التی تترتب على تلک الجائحة فی إفریقیا قد تدفع فی أفضل الأحوال بنحو 27 ملیون شخصًا إلى الفقر المدقع.

ولقد أصبحت التحویلات مصدرًا مهمًا فی التمویل الأجنبی للبلدان الإفریقیة. وبلغت تلک التحویلات 46 ملیار دولار أمریکی فی عام 2018 (بزیادة قدرها 10 % تقریبًا عن عام 2017)، مدعومة بظروف اقتصادیة قویة فی الاقتصادات مرتفعة الدخل. وتشیر تقاریر المؤسسات الدولیة إلى تأثر العمالة الإفریقیة المهاجرة والمقیمة بالدول الثریة فی أوروبا وأمریکا الشمالیة والشرق الأوسط وآسیا التی تم إغلاقها بسبب فیروس کورونا؛ مما تسبب فی فقدان وظائفهم أو تخفیض رواتبهم بسبب التوسع فی تطبیق سیاسات الإغلاق والحظر لمکافحة تفشی الوباء.

وهنا تتضح أهمیة الدراسة، حیث تسهم التحویلات فی التخفیف من وطأة الفقر فی البلدان الإفریقیة منخفضة الدخل، وترتبط بارتفاع الإنفاق على التعلیم، وتحد من عمالة الأطفال فی الأسر المعیشیة المحرومة، ومن ثمَّ فإن انخفاض قیمة تلک التحویلات سیحد من قدرة تلک الدول على الإنفاق على تلک المجالات مما یسهم فى تراجع معدلات النمو والتنمیة بها، وبالتالى تحاول الدراسة تحدید أهم الآثار المتوقعة لانخفاض تدفقات التحویلات المالیة على اقتصادات الدول الافریقیة ، وکذلک وضع بعض الحلول لمجابهة تلک الآثار.

هدف الدراسة :

تهدف الورقة إلى تحلیل الآثار المتوقعة لتلک الجائحة على تحویلات العاملین بالقارة الإفریقیة، وتسلط الضوء على التدابیر القصیرة والمتوسطة الأجل التی ینبغی أن یتخذها صانعو السیاسات والشرکاء الإنمائیون فی البلدان المرسلة والمستقبلة على حدٍ سواء للتخفیف من آثار انخفاض تدفقات التحویلات.

إشکالیة الدراسة :

   أدت جائحة کوفید 19 إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبی المباشر، وزیادة فی هروب رؤوس الأموال، وتضییق الأسواق المالیة المحلیة، وتباطؤ الاستثمارات، وذلک على المستوى العالمی. أما فیما یتعلق بإفریقیا فتتوقع منظمات دولیة مختلفة حدوث خسارة فی الناتج المحلی الإجمالی- وإن کانت تتفاوت النسب المئویة فی ذلک – حیث توقعت اللجنة الاقتصادیة لإفریقیا أن ینخفض معدل نمو الناتج المحلی الإجمالی للقارة من 3.2% فی عام 2019 إلى 1.8% فی عام 2020. ویتوقع البنک الدولی أن ینخفض نمو الناتج المحلی الإجمالی الحقیقی فی إفریقیا جنوب الصحراء الکبرى بشکل حاد من 2.4% فی عام 2019 إلى -2.1% فی عام 2020، فی حین یتوقع صندوق النقد الدولی انخفاضًا من 3.1% فی عام 2019 إلى -1.6% فی عام 2020. وإذا أضفنا إلى ذلک عدم الیقین بشأن موعد انتهاء الوباء، فإن الخسارة الفعلیة فی نمو الناتج المحلی الإجمالی قد تکون فی الواقع أعلى من التقدیرات، ومع التوقعات بانخفاض تدفقات التحویلات المالیة التى تستقبلها الدول الإفریقیة، فإن ذلک سیسهم فی المزید من تراجع معدلات النمو الاقتصادی والتنمیة فی تلک الدول خلال فترة تفشى وباء کوفید 19، خاصة فی الدول التی تعتمد على التحویلات المالیة، حیث سیؤثر ذلک سلبًا على رفاهیة العدید من الأسر المعیشیة، ویدفعها إلى الفقر.

 منهج الدراسة :

اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفی لملاءمته لمثل هذا النوع من الدراسات، وذلک من خلال جمع البیانات والمعلومات والاعتماد على ما هو متاح من مصادر وبیانات ودراسات منشورة على قاعدة بیانات البنک الدولی وصندوق النقد الدولی عن تحویلات العاملین .

فرضیة الدراسة :

– الأثر السلبی لتفشی وباء کوفید 19 على تحویلات العاملین بدول إفریقیا جنوب الصحراء.

– سیؤدى انخفاض مستوى تحویلات العاملین بإفریقیا إلى تراجع معدلات النمو والتنمیة بالدول الإفریقیة جنوب الصحراء المعتمدة بشدة على هذه التحویلات .

تساؤلات الدراسة :

تنطلق الدراسة من التساؤلین الآتیین :

– ما أهم الآثار المتوقعة على تحویلات العاملین بدول إفریقیا جنوب الصحراء جراء تفشى وباء کوفید 19؟

– ما أهم السیاسات المتبعة للتخفیف من حدة تلک الآثار على تحویلات العاملین بدول إفریقیا جنوب الصحراء ؟

وتنقسم الورقة فی هذا الإطار إلى أربعة محاور تسبقها مقدمة وتلیها خاتمة، یتناول المحور الأول منها إطار نظرى حول الآثار المتوقعة لجائحة کورونا على تحویلات العاملین، ویرکز المحور الثانی من الورقة على حجم تحویلات العاملین بدول إفریقیا جنوب الصحراء، فی حین یعرض المحور الثالث مدى تأثر تحویلات العاملین بدول إفریقیا جنوب الصحراء بالأزمات السابقة مقارنة بأزمة وباء کورونا، أما المحور الرابع فیتناول سبل الحد من الآثار السلبیة الناجمة عن کورونا على تحویلات العاملین بالقارة.

أولاً : إطار نظری حول الآثار المتوقعة لجائحة کورونا على تحویلات العاملین

    لا شک أن وباء کوفید19 أربک اقتصادات البلدان الغنیة والفقیرة على حدٍ سواء، ومع ذلک فإن آثار الصدمة الاقتصادیة الناجمة عن تفشى هذا الوباء تکون أکبر فی العدید من الاقتصادات منخفضة الدخل والهشة؛ بسبب فقدان التحویلات المالیة التی یرسلها العمال المهاجرون العاملون فی بلدان أجنبیة إلى بلادهم. وتمثل تدفقات التحویلات المالیة إلى الدول ذات الدخل المنخفض والدول الهشة شریان الحیاة الذی یدعم الأسر المعیشیة، ویوفر أیضًا إیرادات ضریبیة لتلک الدول، ففی عام 2018 بلغت تدفقات التحویلات إلى هذه البلدان 350 ملیار دولار، متجاوزة الاستثمار الأجنبی المباشر، واستثمارات المحفظة والمساعدات الخارجیة، بوصفها أهم مصدر للدخل من الخارج (انظر الشکل1). ومن المرجح أن یؤدی انخفاض تدفقات التحویلات المالیة إلى زیادة الضغوط الاقتصادیة والمالیة والاجتماعیة على حکومات هذه البلدان التی تکافح بالفعل من أجل التکیف حتى فی الأوقات العادیة.

 فالتحویلات المالیة هی تدفقات من الدخل وتتزامن خلالها دورة الأعمال التجاریة للعدید من البلدان المتلقیة مع تلک التی تقوم بها البلدان المرسلة. وفی الأوقات العادیة تکون هذه العلاقة مکسبًا للجانبین، حیث توفر العمالة التى تحتاج إلیها اقتصادات البلدان المضیفة، وتوفر الدخل الذی تحتاج إلیه الأسر فی بلدان المهاجرین الأصلیة. غیر أن هذه الصلة الوثیقة بین دورة الأعمال التجاریة للبلدان المضیفة والبلدان المُستقبِلة تنطوی على بعض المخاطر، فالصدمات التی تتعرض لها اقتصادات البلدان المضیفة للمهاجرین –مثل تلک التی سببها وباء کوفید 19- یمکن أن تنتقل إلى البلدان المُستقبِلة للتحویلات. فعلى سبیل المثال، بالنسبة لبلد مُستقبِل لتحویلات تمثل 10% على الأقل من ناتجه المحلی الإجمالی السنوی، فإن انخفاض 1 % فی فجوة الناتج (أی الفرق بین النمو الفعلی والنمو المحتمل) فی البلد المضیف سوف یمیل إلى تقلیص فجوة الناتج فی البلد المُستقبِل بنسبة 1 % تقریبا.

وسیلقی هذا الوباء بآثاره السلبیة على تدفقات التحویلات المالیة التی قد تکون أسوأ مما کانت علیه خلال الأزمة المالیة فی عام 2008، وسیتزامن ذلک فى الوقت الذی تحاول فیه البلدان الفقیرة الحد من آثار ذلک الفیروس على اقتصاداتها. ومن المرجح أن یُخفض العمال المهاجرون الذین یفقدون وظائفهم التحویلات المالیة إلى أسرهم فی وطنهم الأصلی. وستفقد البلدان المتلقیة مصدرًا مهمًا للدخل القومی والإیرادات الضریبیة فی الوقت الذى تکون فی أشد الحاجة إلیها

 ووفقاً للبنک الدولی، فمن المتوقع أن تنخفض تدفقات التحویلات بنحو 100 ملیار دولار فی عام 2020، وهو ما یمثل انخفاضًا بنسبة 20 % تقریبًا عن مستواها فی عام 2019 (انظر الجدول 1). وستتأثر الموازین المالیة والتجاریة، وستنخفض قدرة البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل على تمویل دیونها وخدمتها.

Source: world bank, COVID-19 Crisis Through a Migration Lens, Migration and Development, Brief no. 32 , ( world bank: Washington D.C., April 2020), p.8

تعتمد المصارف فی البلدان المصدرة للمهاجرین على تدفقات التحویلات المالیة بوصفها مصدرًا رخیصًا لتمویل الودائع، ومن المرجح أن تشهد هذه المصارف زیادة فی تکالیف عملیاتها فى ظل جائحة کوفید 19، کما أن قدرتها على تقدیم الائتمان – سواء إلى القطاع الخاص أو لتمویل العجز الحکومی – ستنخفض إلى حدٍ کبیر. علاوة على ذلک فإن القطاع الخاص- الذی عادة ما یواجه قیودًا فی الحصول على الائتمان ویضم فی الغالب أشخاصًا یعملون لحسابهم الخاص ومشروعات صغیرة ومتوسطة الحجم – من المرجح أن یفقد تمویل التحویلات المالیة، بالإضافة إلى التعامل مع شروط ائتمان أکثر صرامة من البنوک، کل هذا یأتی تزامنًا مع انخفاض الطلب على خدمات ومنتجات تلک البنوک نتیجة للأزمة.

قد تؤدی الأزمة إلى تفاقم الضغط على أسواق العمل فی البلدان الغنیة، وقد یفقد المهاجرون غیر العاملین مرکزهم بوصفه مقیمًا فی البلدان المضیفة ویضطرون إلى العودة إلى دیارهم. ففی دول الخلیج على سبیل المثال لا الحصر نجد أن کلًا من المملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة – تعتمدان على العمالة الوافدة من الشرق الأوسط وشمال إفریقیا وجنوب شرق آسیا- ویمکن أن یترتب على انخفاض أسعار النفط والنشاط الاقتصادی عودة المهاجرین (وبعضهم مصابین بالفیروس بالفعل) إلى دیارهم. ومن المرجح أن ینضموا إلى العاطلین عن العمل فی بلدانهم الأصلیة فی أسواق العمل التی تعج بالفعل بالشباب العاطلین عن العمل، فضلاً عن ممارسة المزید من الضغوط على النظام الصحى الهش بالفعل.

بالمقارنة مع الأزمات الاقتصادیة السابقة، فإن هذا الوباء یشکل تهدیدًا أکبر للبلدان التی تعتمد اعتمادًا کبیرًا على إیرادات التحویلات المالیة. فالبلدان المُستقبِلة للتحویلات لن تشهد فقط انخفاضًا فی تدفقاتها ، بل ستشهد فی الوقت نفسه خروج تدفقات من رأس المال الخاص، وربما انخفاضًا فی حجم المعونة القادمة إلیها من الدول المانحة التى توجه مواردها لمکافحة آثار انتشار الفیروس على اقتصاداتها . وعادة ما یؤدی تدفق التحویلات المالیة – عندما یهرب رأس المال الخاص من بلد ما بسبب حدوث صدمة فى الاقتصاد الکلی- الى التخفیف من أثر هروب رأس المال. وعلى النقیض من ذلک، وفی ظل الأزمة الحالیة الناجمة عن فیروس کوفید 19، یتوقع ان تشهد البلدان الفقیرة کلتا الظاهرتین: هروب رؤوس الأموال، فضلًا عن انخفاض فی تدفقات التحویلات . ومع تراجع الطلب العالمی، سیکون من الصعب على البلدان المُستقبلة للتحویلات المالیة أن تخرج من هذه الأزمة. ولا یمکن توقع أن یؤدی انخفاض قیمة العملة إلى حفز الطلب على صادراتها أو جذب السیاحة ، ومن المرجح أن یؤدی ضعف العملة إلى تفاقم الوضع الاقتصادی فی العدید من الدول منخفضة الدخل والهشة التی تکون دیونها بالعملة الأجنبیة، مما یزید من انخفاض الطلب المحلی ویؤدی إلى مزید من الانکماش فی الاقتصادات المحلیة.

ثانیًا : حجم تحویلات العاملین فى إفریقیا جنوب الصحراء:

أصبحت التحویلات مصدرًا مهمًا فی التمویل الأجنبی للبلدان الإفریقیة جنوب الصحراء. وبلغت قیمة تلک التحویلات 46 ملیار دولار فی عام 2018 (بزیادة 10 % تقریبًا عن عام 2017)، مدعومة بظروف اقتصادیة قویة فی الاقتصادات مرتفعة الدخل، ولا تسهم تدفقات التحویلات المالیة بنسب ملموسة فی 18 بلدًا من بین 48 بلدًا فی إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء، أی أنها لم تتجاوز 1% من إجمالی الناتج المحلی فی عام 2019 فی تلک البلدان. وتعد جنوب إفریقیا وأنجولا وبوتسوانا وإثیوبیا وزامبیا من بین البلدان ذات النسب المنخفضة جدًا فی التحویلات إلى الناتج المحلی الإجمالی (الشکل 2). فی حین أن تلک النسبة تجاوزت المستوى السائد بالإقلیم (4 % من الناتج المحلی الإجمالی) فی 14 دولة من دول إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء، وهذه البلدان هی الأکثر عرضة للانخفاض الحاد فی التحویلات المالیة؛ نظرًا لتراجع مستوى النشاط الاقتصادی فی بلدان المصدر، إضافة إلى تسریح نسبة کبیرة من العمال المهاجرین. على سبیل المثال بلغت تحویلات العمال إلى نیجیریا- التی تعد من أکبر خمس دول مستفیدة فی العالم- 5.7 % من الناتج المحلی الإجمالی، معظمها تأتى من الولایات المتحدة وأوروبا والکامیرون والإمارات العربیة المتحدة والصین. أما البلدان الأخرى فی غرب إفریقیا التی تتلقى تحویلات کبیرة کنسبة من الناتج المحلی الإجمالی فهی السنغال (9.9 %) وتوجو (9.1 %). وقد أثر التراجع الملموس فی مستوى النشاط الاقتصادی فی جنوب إفریقیا على تدفق التحویلات إلى البلدان المعتمدة على التحویلات المالیة مثل لیسوتو (15.7 %) ، وزیمبابوی (8 %).

لا تزال نیجیریا أکبر متلقٍ للتحویلات فی إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء، وهی سادس أکبر متلقٍ للتحویلات المالیة بین البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حیث قُدِّر حجم تلک التحویلات بنحو 23.8 ملیار دولار فی عام 2019، بزیادة اکثر من نصف ملیار مقارنة بعام 2018 (الشکل 3). وتحتل غانا وکینیا المرتبة الثانیة والثالثة فی الإقلیم، حیث تلقتا 3.5 بلیون دولار، و 2.8 بلیون دولار على التوالی. وقد بدأ جنوب السودان مؤخرًا فی الإبلاغ عن التحویلات المالیة فی إحصاءات میزان المدفوعات لصندوق النقد الدولی. وفی عام 2019، بلغت نسبة التحویلات المالیة بها أعلى نسبة فی الإقلیم( أکثر من 34 %). ولقد توقع البنک الدولی حدوث انخفاض حاد فى تحویلات العاملین بالنسبة للبلدان الإفریقیة التی تمثل فیها تلک التحویلات حصة کبیرة من الناتج المحلی الإجمالی، وذلک خلال عام 2020 ، حیث شهد العدید من العمال المهاجرین انخفاضًا فی دخولهم، لا سیما فی البلدان الأعضاء فی منظمة التعاون الاقتصادی والتنمیة ((OECD.

شکل (3) أکبر الدول المستقبلة للتحویلات فى إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء خلال عام 2019

من إعداد الباحثة بالاعتماد على :

Source: World Bank, COVID-19 Crisis through a Migration Lens, Migration

 and Development Brief no.32, (World Bank: Washington D.C., April 2020)

ویعد إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء من أکثر الأقالیم تکلفة فی إرسال التحویلات، کما یتضح من الشکل (4). فوفقًا لقاعدة بیانات أسعار التحویلات فی جمیع أنحاء العالم، بلغ متوسط تکلفة إرسال 200 دولار إلى الدول متوسطة ومنخفضة الدخل 6.8% فی الربع الأول من عام 2020، وهو أقل بقلیل من التکلفة فى الربع الأول من عام 2019، ولقد انخفض متوسط تکلفة التحویلات العالمیة من 6.9 % فی الربع الأول من عام 2019 إلى 6.8 % فی الربع الأول من عام 2020. ولا یزال هذا الرقم أکثر من ضعف الحد المنصوص علیه ضمن أهداف التنمیة المستدامة والبالغ 3 % بحلول عام 2030 کما هو موضح بالشکل 4.

شکل (4) تکلفة إرسال التحویلات فی إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء مقارنة ببقیة الأقالیم

ظلت إفریقیا جنوب الصحراء الکبرى الأعلى تکلفة( 9%) مقارنة ببقیة الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، کما ظلت تکالیف التحویلات المالیة عبر العدید من الممرات والجزر الصغیرة الإفریقیة فی المحیط الهادئ أعلى من 10 %. فبالرغم من أن المهاجرین داخل إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء یشکلون أکثر من ثلثی إجمالی المهاجرین الدولیین من الإقلیم ، فإن تکالیف التحویلات داخل الإقلیم مرتفعة جدًا

ثالثًا: مدى تأثر تحویلات العاملین فی إفریقیا بالأزمات السابقة مقارنة بأزمة وباء کوفید 19

عادة ما تتأثر التحویلات المالیة -بوصفها عنصرًا من عناصر تمویل التنمیة- بالأزمات العالمیة. وذلک بغض النظر عما إذا کان مرکز الأزمة فی البلدان المتقدمة التی تستضیف حوالی 32٪ من إجمالى المهاجرین بالعالم الذین یحولون أعلى قیمة من التحویلات، أو فی البلدان النامیة التی تستضیف حوالی 34٪ من إجمالی المهاجرین بالعالم . وهناک أزمتان حدثتا مؤخرًا وکانتا لهما أهمیة نسبیة بالنسبة للتحویلات المالیة الإفریقیة، هما: الأزمة المالیة العالمیة لعام 2008 ووباء الإیبولا فی عام 2014.

1- الأزمة المالیة العالمیة لعام 2008

بدأت تلک الأزمة فی الولایات المتحدة ولکن ما لبثت أن انتقلت إلى الاقتصادات الأخرى بحکم تقلص الحواجز التى کانت تحول دون تسرب الصدمات الاقتصادیة أو التخفیف من حدتها، حیث انتقلت الأزمة المالیة العالمیة من الاقتصادات المتقدمة إلى الاقتصادات الإفریقیة خلال قناتین، الأولى: مباشره کنتیجة طبیعیة للتعرض للروابط المالیة فی أسواق الدیون والأسهم الدولیة.

الثانیة: غیر مباشرة من خلال الاقتصاد الحقیقی سواء فی مجال التجارة الخارجیة أو التحویلات أو تدفقات المساعدات.

ظلت التحویلات المالیة إلى البلدان النامیة خلال الأزمة المالیة لعام 2008 مرنة ومستقرة إلى حد ما. فعلى الرغم من أن معظم العمال المهاجرین فقدوا وظائفهم فی عامى 2008 و2009 ، إلا أن التحویلات المالیة العالمیة لم تظهر سوى انخفاض بنسبة 6%. وهى نسبة ضئیلة مقارنة بأنواع التمویل الخارجی الآخر، مثل الاستثمار الأجنبی المباشر، والدین الخاص وتدفقات الاستثمارات فى المحفظة التی شهدت انخفاضًا بنسبة 40 % و 80 % على التوالی . وبالنسبة لإقلیم إفریقیا جنوب الصحراء فقد شهد انخفاضًا مقداره 4% فى قیمة تدفقات التحویلات المالیة، على نحو ما هو مبین فی الشکل (5) أدناه

شکل (5) تدفقات التحویلات إلى إفریقیا جنوب الصحراء خلال الأزمة المالیة العالمیة 2008

Source: World Bank (WB).. Migration and Remittances Data2017

 ,https://www.worldbank.org/en/topic/migrationremittancesdiasporaissues/brief/migration-remittances-data

وفی خضم هذه الأزمة تمکن المهاجرون من الحفاظ على تدفق التحویلات بطرق مختلفة منها : أولاً، ضحى المهاجرون الذین فقدوا وظائفهم بمدخراتهم من أجل التحویلات المالیة إلى أن تمکنوا من إیجاد مصادر بدیلة للدخل ، وثانیا، عندما فقد المهاجرون عملهم فی القطاعات الأکثر تأثرًا بالأزمة، مثل قطاعات التشیید والبناء والتصنیع، تحولوا إلى العمل بدوام جزئی أو کامل فی تجارة التجزئة و/أو الزراعة؛ مما مکنهم من الحفاظ على مصدر رزقهم وإرسال التحویلات المالیة إلى أسرهم فی البلدان النامیة. ثالثا، فی أعقاب الأزمة المالیة التی شهدها عام 2008 وبعدها، خفض بعض المهاجرین نفقاتهم حتى یتمکنوا من الوفاء بالتزاماتهم بإرسال التحویلات. ولقد أسهمت قدرة حفاظ المهاجرین على تدفقات التحویلات المالیة إلى بلدانهم الأصلیة فی التخفیف من أثر الأزمة المالیة فی البلدان الأفریقیة، حیث لعبوا دورًا فی امتصاص الصدمات . ووفرت تدفقات التحویلات هذه دخلاً مکّن الأسر المعیشیة من التعافی من الانهیار الاقتصادی.

2- وباء الإیبولا خلال عام 2014

حدث وباء الإیبولا فی عام 2014 وترکز معظمه فى إقلیم غرب إفریقیا، وأسفرت التدابیر الحکومیة لحمایة الصحة والسلامة العامة عن فرض الحجر الصحی على المناطق المتضررة وإغلاق الحدود مع البلدان المتضررة. وقد أدت هذه التدابیر إلى تعطیل التنقل عبر الحدود إلى حد کبیر والأنشطة الاقتصادیة فی الإقلیم. کما أن تفشی المرض أثر سلبًا على اقتصادات الإقلیم؛ مما جعل للتحویلات المالیة دورًا ملموسًا، لا سیما فی دعم الأسر المعیشیة والشرکات الصغیرة. وخلال وباء الإیبولا، ظلت التحویلات المالیة ثابتة( انظر الشکل (6) أدناه). وقد استخدمت جماعات الشتات فی غرب إفریقیا والعمال المهاجرون فی أمریکا الشمالیة وأوروبا التحویلات المالیة لمساعدة الأسر على تخزین الأغذیة والإمدادات الضروریة خلال فترة الحجر الصحی.

شکل (6) تدفقات التحویلات إلى إفریقیا جنوب الصحراء خلال أزمة وباء الإیبولا

Source: World Bank (WB). 2019. Migration and Remittances Data

,https://www.worldbank.org/en/topic/migrationremittancesdiasporaissues/brief/migration-remittances-data

وقد أسهمت الأزمة أیضًا فی استخدام وقبول نظم الدفع الرقمیة فی جمیع أنحاء غرب إفریقیا، ولا سیما فی البلدان المتضررة. ونتیجة لذلک، کان على بلدان غرب إفریقیا أن تصمم سیاسات ولوائح رقمنة للقطاع المالی، شملت تنظیم استخدام منصات الدفع، وربطها بالمؤسسات المالیة وعملات الدفع، واستخدام المحافظ الإلکترونیة لدفع رواتب العاملین الصحیین وضمان تلقی أسر المهاجرین لتحویلاتهم. وفی أعقاب الأزمة، وفرت التحویلات الأساس لبدء الأنشطة الاقتصادیة فی الإقلیم، فعلى سبیل المثال تم استخدام التحویلات لتمویل المشروعات الصغیرة، ودفع الرسوم المدرسیة وفواتیر المستشفیات. واستخدمت التحویلات الجماعیة (المجمعة) فی مشاریع البنیة التحتیة الأکبر لمساعدة المجتمعات المحلیة التی دمرتها الأزمة.

3- الاثار المتوقعة لأزمة وباء کوفید 19 على تحویلات العاملین الإفریقیة:

 تشیر التقدیرات إلى أن الآثار الاقتصادیة التی تترتب على تلک الجائحة فی إفریقیا قد تدفع فی أفضل الأحوال بنحو 27 ملیون شخصًا إلى الفقر المدقع.

ویمکن رصد أهم التأثیرات المتوقعة لوباء کوفید 19 على التحویلات الإفریقیة فی النقاط التالیة : أ- التأثیرات قصیرة الأجل ب- التأثیرات متوسطة الأجل

أ – التأثیرات قصیرة الأجل :

1- انخفاض حجم التحویلات :

قدرت تدفقات التحویلات إلى إفریقیا جنوب الصحراء بـ 46 ملیار دولار أمریکی فی عام 2019، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 65 ملیار دولار أمریکی فی عام 2021 . وفى ضوء انتشار کوفید 19 بمعظم الاقتصادات المضیفة للمهاجرین من إفریقیا جنوب الصحراء، فمن المتوقع أن تبلغ التحویلات إلى إفریقیا جنوب الصحراء الکبرى أعلى انخفاض تاریخی بنسبة 23.1 % فی عام 2020 ( انظر الجدول 1). على عکس الأزمة المالیة التی شهدها عام 2008، التی خلالها قام المهاجرون الذین فقدوا وظائفهم بتکییف أوضاعهم من أجل الحفاظ على تدفق التحویلات المالیة، وقد أدى وباء “COVID-19” إلى إغلاق العدید من الشرکات التجاریة وحدّ من حرکة المهاجرین العاطلین عن العمل بموجب مبدأ “البقاء فی المنزل”. وقد جعل ذلک من الصعب على المهاجرین العثور على وظائف جدیدة (ولو مؤقتاً) فی أماکن اخرى . وقد أسهمت القیود الحالیة على السفر التی تطبقها جمیع البلدان تقریبًا فی عدم قدرة بعض المهاجرین على العودة إلى دیارهم. وبدلاً من تحویل مدخراتهم فإنهم یضطرون إما إلى التمسک بها من أجل المستقبل المجهول أو استنزافها لتمویل بقائهم الیومی.

2- الانتقال نحو استخدام التکنولوجیا الرقمیة لإرسال التحویلات بالنسبة للدول المرسلة والمستقبلة

حث مسئولو منظمة الصحة العالمیة الأفراد على الحد من استخدام المعاملات النقدیة من أجل الحد من انتشار الفیروس التاجی. ولذلک فإن البلدان- بما فیها البلدان الأفریقیة- تشجع بشکل متزاید على استخدام حل الدفع الرقمی. وینطبق الخیار الرقمی أیضًا على التحویلات؛ نظرًا لأن القیود المفروضة على التنقل وقواعد التباعد الاجتماعى فی البلدان المرسلة قد حدت من إمکانیة التحویل نقدًا. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء قد أدى إلى زیادة قصیرة الأجل فی الاستخدام العالمی لمنصات الدفع الرقمیة لإرسال التحویلات المالیة، إلا أنه یثیر مجموعتین من التحدیات؛ أحدهما: أن هناک بعض المهاجرین فی البلدان المرسلة قد لا یکون لدیهم حساب مصرفی أو هویة قانونیة أو متطلبات أساسیة أخرى لاستخدام منصات الدفع الرقمیة هذه، وثانیهما: قد تکون عملیة التسجیل وإنشاء حساب صعبة على الأشخاص الذین لا یستخدمون هذه المنصات بشکل متکرر.

وقد أدى ارتفاع تکالیف التحویل إلى ابتعاد بعض المهاجرین عن استخدام القنوات الرسمیة لإرسال التحویلات المالیة إلى أسرهم. وعلى الرغم من أن الحکومات والجهات الفاعلة فی القطاع الخاص قد التزمت بخفض هذه التکالیف على الصعید العالمی، فإنها ظلت مرتفعة وعاملًا کبیرًا من العوامل التی تحد من تحویلها إلى إفریقیا. وفی المتوسط، تبلغ تکالیف التحویل من المجتمعات المضیفة الرئیسة للمهاجرین مثل أوروبا وأمریکا وآسیا حوالی 6.5 % من تدفقات التحویلات البالغة 200 دولار أمریکی. وهذه القیمة ترتفع إلى 9 % عند التحویل داخل منطقة إفریقیا جنوب الصحراء، وذلک کما اتضح من الشکل (4)، ومع ذلک قد تختلف حالة إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء، حیث قد یحتاج المهاجرون إلى تغییر تحویلاتهم إلى عملة دولیة مهیمنة (الدولار الأمریکی أو الیورو) أولاً، ثم إلى العملة المحلیة لبلدهم الأصلی.

وفی بعض القنوات، یدفع مرسلو التحویلات المالیة ومتلقوها فی إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء الکبرى أقساطًا تأمینیة تصل إلى 30 % وهى قیمة مرتفعة للغایة عند مقارنتها بالحد الموجود ضمن أهداف التنمیة المستدامة الذى بلغ 3%. وتعد المؤسسات المالیة غیر المصرفیة أغلى قناة لتحویل الأموال، ولکنها أقل إسهامًا فی الأحجام المحولة، بینما تعد مکاتب البرید هی الأقل تکلفة ( 5.9٪) کما هو مبین منالشکل (8) .

شکل (8) متوسط تکلفة التحویلات من قبل مقدمی الخدمات

Source: World Bank (WB).. Remittance prices worldwide, 2020

,https://remittanceprices.worldbank.org/en

ویمکن حصر عدد من الآثار قصیرة الأجل لکوفید 19 على تحویلات العاملین فى عدد محدد من الدول الإفریقیة على النحو التالی:

– بالنسبة للبلدان الرئیسة المُستقبِلة للتحویلات المالیة مثل نیجیریا وغانا وکینیا (انظر الشکل 9أدناه)، فإن انخفاض حجم التحویلات سیکون له آثارًا ملموسة على الرفاه بالنسبة للأسر المعیشیة منخفضة الدخل، التی تعتمد على هذه التدفقات فی الاستهلاک والاستثمار فی المشروعات الصغیرة.

شکل (9) أکبر ثلاث دول مستقبلة للتحویلات المالیة فی إقلیم إفریقیا جنوب الصحراء خلال عامی 2018 و2019 ( بالبلیون دولار ):

من إعداد الباحثة بناءً على :

Source: world bank, COVID-19 Crisis Through a Migration Lens, Migration and Development Briefno.32 , ( world bank: Washington D.C., April 2020)

– وفى البلدان الإفریقیة التی تتسم بارتفاع نسبة التحویلات إلى الناتج المحلی الإجمالی

   مثل لیبیریا وغامبیا، حیث مثلت التحویلات أکثر من 31٪ و 22٪ على التوالی من الناتج المحلی الإجمالی فی عام 2019، کما هو موضح فی الشکل 10 أدناه. ویتوقع أن تشهد هذه البلدان حدوث انکماش حاد فی اقتصاداتها نتیجة لانخفاض حجم تلک التحویلات. وقد بدأ هذا بالفعل فی بلدان مثل غامبیا، حیث تأثر الاقتصاد بتراجع إیرادات قطاع السیاحة. وبالتالی، فإن انخفاض التحویلات سیؤثر تأثیرًا مباشرًا على أکثر من 60 % من الأسر المعیشیة التی تعتمد على التحویلات .

شکل (10) أعلى البلدان الإفریقیة المعتمدة على التحویلات کنسبة من الناتج المحلی الإجمالی (متوسط 2015-2018)

من اعداد الباحثة بناء على :

Source: United Nations Economic Commission for Africa (UNECA)., COVID-19 in Africa – Protecting Lives and Economies. April 2020, p.21.

– وفی الدول الإفریقیة الهشة والمتأثرة بالصراعات، مثل الصومال، یطرح وباء کوفید 19 صعوبات إضافیة لأکثر من 40% من الأسر التی تعتمد على التحویلات المالیة.

– وقد تتأثر البلدان الإفریقیة التی لا توجد بها قاعدة متنوعة للشتات بشکل أکبر مثل السنغال، لا سیما وأن اقتصادات البلدان الأوروبیة التی یقیم بها معظم هؤلاء العمال المهاجرین قد تأثرت سلبًا بالوباء.

– ومن بین الاقتصادات الإفریقیة التی تتدفق منها کمیة کبیرة من التحویلات المالیة داخل إفریقیا، تستضیف جنوب إفریقیا عمالاً مهاجرین من بلدان الجماعة الإنمائیة للجنوب الإفریقی(السادک)، بما فی ذلک زیمبابوی وموزمبیق ولیسوتو وملاوی ونامیبیا وزامبیا، ولقد فقد معظم المهاجرین العاملین فی القطاع غیر الرسمی وظائفهم وعادوا إلى دیارهم بعد تدابیر الإغلاق، بالإضافة إلى ذلک من المتوقع أن ینخفض الناتج الاقتصادی لجنوب إفریقیا من 0.2% فی عام 2019 إلى -5.8% فی عام 2020 ، ومن شأن الرکود المتوقع أن یضعف قدرة المهاجرین على العمل، ویحد من توافر فرص العمل، وقدرتهم على إرسال التحویلات إلى بلدانهم الأصلیة. علاوة على ذلک فقد انخفضت قیمة الراند فی جنوب إفریقیا؛ مما أضعف حجم التحویلات التی یرسلها المهاجرون. کما أسهم انخفاض مستویات التحویلات المالیة من جنوب إفریقیا فی تراجع معدلات النمو الاقتصادی والتنمیة، ولا سیما فی بلدان لیسوتو و زیمبابوى الذین یعتمدون على التحویلات القادمة إلیهم من جنوب إفریقیا.

ب-الآثار متوسطة الأجل

فی حین أن السیناریوهات المذکورة أعلاه تصف الآثار قصیرة الأجل التی یمکن أن یحدثها وباء “کونفید-19” على التحویلات المالیة بدول إفریقیا جنوب الصحراء، وفی حین أنه من الصعوبة بمکان التنبؤ بما سیحدث للتحویلات على المدیین المتوسط والطویل، هناک عدة عوامل یجب أخذها فی الاعتبار:

– أن التحویلات المالیة کانت ولا تزال جزءً لا یتجزأ من تمویل التنمیة فی البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وقد أشارت الأمم المتحدة بأن تسهیل تدفقات التحویلات المالیة بتکلفة منخفضة لن یدعم فقط أجندة عمل أدیس أبابا 2063، بل أیضًا خطة الأمم المتحدة للتنمیة المستدامة لعام 2030 و”أهداف التنمیة المستدامة”، فلقد أسهمت التحویلات فی التخفیف من حدة الفقر والحصول على المیاه والغذاء والدواء والإسکان والطاقة النظیفة، وتعزیز ریادة الأعمال، وتمکین المرأة، ومن ثم أسهمت التحویلات فی التقدم فی العدید من أهداف التنمیة المستدامة.

– بالإضافة إلى ذلک، فإن المناخ السائد لا یجتذب المستثمرین المباشرین الأجانب إلى الاقتصادات النامیة. ووفقًا للبنک الدولی، فقد خفض COVID-19 تدفقات التمویل الأجنبی وشجع على زیادة هروب رؤوس الاموال من البلدان النامیة، تارکًا الصناعات والمصانع والمشاریع الصغیرة والمتوسطة الحجم إما تعانی من نقص التمویل أو متوقفة، وهذا من شأنه أن یؤدی فی الأجل المتوسط إلى خفض القدرة الإنتاجیة المحلیة للبلدان النامیة، کما سیهدد خلق المزید من فرص العمل. کما یؤدی انخفاض التحویلات إلى خفض الدخول القابلة للتصرف فی الأسر المعیشیة، حیث تشیر التقدیرات إلى انخفاض رفاه الأسرة بنحو 10% إلى 14% فی حالة إغلاق الحدود التجاریة.

وتختلف الآثار الاقتصادیة الکلیة على الاقتصادات الإفریقیة التی تعتمد على التحویلات المالیة، حیث یستطیع البعض امتصاص الصدمات بشکل أفضل من غیره. وقد یتعرض البعض لضربة إضافیة فی الناتج المحلی الإجمالی تتجاوز الأثر الاقتصادی لتدابیر الإغلاق. ونظرًا لما یترتب على ذلک من تأثیر على الأسر المعیشیة، سیتعین على الحکومات أن تنظر فی شبکات الأمان الاجتماعی وإعادة تخصیص الموارد الشحیحة. وستتوقف قدرة التحویلات على الانتعاش مرة أخرى على إمکانیات تنقل العمال المهاجرین بعد کوفید 19. ولقد أدت التدابیر الحالیة للغلق فی البلدان المرتفعة والمتوسطة والمنخفضة الدخل ، وعودة العدید من العمال إلى بلدانهم الأصلیة إلى نفاذ النقدیة التى کانت تحتفظ بها تلک الدول لأوقات الطوارئ. ومن المرجح أن تظل القیود المفروضة على التنقل والهجرة قائمة لبعض الوقت، مما قد یؤدی إلى انخفاض تدفقات الهجرة فی الأجلین المتوسط والطویل، ومن ثم ستتراجع مساهمة التحویلات المالیة کآلیة للتکیف ورفع معدلات النمو الاقتصادى. ویشیر بعض المحللین إلى أن انتقال التحویلات فیما بعد وباء کوفید 19 بین البلدان النامیة قد یصبح أکبر من انتقال تدفقات التحویلات بین العالمین النامی والمتقدم مع احتمالیة انخفاض التدفقات الإجمالیة للتحویلات المالیة على المدى الطویل. وسیصبح الوضع الاجتماعى والاقتصادى أکثر أو أقل خطورة تبعًا لمدة استمرار الوباء وما یتصل به من تدابیر فی مجال السیاسة العامة.

  لذا یناقش القسم التالی من الدراسة التدابیر الممکنة على المدیین القصیر والمتوسط التی یمکن للحکومات والشرکاء الدولیین اتخاذها لدعم المهاجرین وأسرهم لمواجهة الاضطرابات الحالیة ومساعدة الأسر التی تعتمد على التحویلات المالیة على أن تتمکن من الحصول على تدفقات التحویلات المالیة أثناء الأزمة.

رابعاً: سبل الحد من الآثار السلبیة لوباء کوفید-19 على تحویلات العاملین بالقارة

تبرز أزمة وباء کوفید 19 الحاجة إلى اتخاذ تدابیر عاجلة ومنسقة فى الأجلین القصیر والمتوسط بین مختلف أصحاب المصالح لضمان أن تحصل الأسر المعیشیة التی تعتمد على التحویلات المالیة على تلک التحویلات خلال الأزمة ، کما تتیح الأزمة فرصة لخفض تکالیف التحویلات المالیة إلى البلدان الإفریقیة (الهدف العاشر من أهداف التنمیة المستدامة) التی تعد حالیًا الأعلى مقارنة بباقی أقالیم العالم، وکذلک تحسین تدابیر الشمول المالی بالدول الإفریقیة .

1- دور صانعى السیاسات فی البلدان المرسلة للتحویلات

أ‌- قد یتبنى صانعو السیاسات فی البلدان المرسلة للتحویلات سیاسات مؤقتة مثل تحفیز استخدام المنصات الرقمیة، وبالإضافة إلى ذلک، یمکن أن تُجرى مع الحکومات والجهات التنظیمیة تدابیر لمحو الأمیة المالیة والتوعیة بشأن البدائل المتاحة للتحویلات النقدیة، وذلک من خلال قنوات المعلومات الحکومیة الرسمیة.

ب‌- کما یمکن للحکومات أن تنفذ سیاسات تحمی بها العمال المهاجرین من انخفاض الدخل وفقدان الوظائف. وقد تشتمل تلک السیاسات على إجراءات تضمن حصول العمال على عمل مضمون بعد رفع تدابیر الإغلاق. وینبغی أن تستهدف هذه التدابیر العمال المهاجرین والعمال المنزلیین على السواء.

ج- یمکن للحکومات أن تقدم إلى أرباب العمل مبادئ توجیهیة بشأن اتخاذ تدابیر محددة لمساعدة العمال الأجانب أثناء هذه الأزمة. فعلى سبیل المثال، أصدرت المنظمة الدولیة للهجرة مؤخرًا مذکرة توجیهیة لأصحاب العمل والشرکات لتعزیز دعم العمال المهاجرین خلال هذه الأزمة، وقد قدمت الحکومة فی سنغافورة مبادئ توجیهیة لأرباب العمل لمساعدة العمال الأجانب على تحویل رواتبهم إلى بلدانهم الأصلیة، لا سیما عندما تکون تحرکات العمال مقیدة بسبب اجراءات التباعد الاجتماعى والعزلة. کما ینبغی على السلطات العامة تصنیف مقدمی خدمات التحویلات على أنها خدمة أساسیة، مع إمکانیة الحصول على تلک الخدمات خلال فترة الإغلاق

2- دور صانعى السیاسات فی البلدان المستقبلة للتحویلات

أ‌- ینبغی اعتبار مقدمی الخدمات الذین یتم تلقى التحویلات المالیة من خلالهم بمثابة خدمات أساسیة وضروریة فی وقت الأزمة، وتشمل شرکات تحویل الأموال، ووکلاء الأموال المتنقلة، والمؤسسات المالیة والخدمات البریدیة، کما ینبغى التأکد من قدرة الأفراد على الحصول على هذه الخدمات، مع الامتثال لتوجیهات الصحة العامة .

ب‌- ینبغى العمل على تعزیز الشمول المالی، وتوسیع شبکة شرکات النقل المتعدد الوسائط، ولا سیما تلک التی تستخدم المنصات الرقمیة. وفی حین أن منصات الأموال المتنقلة موجودة فی معظم البلدان الإفریقیة کبدیل لتعزیز الشمول المالی، فإن بعض متطلبات نظام التحویلات المالیة قد تشکل تحدیًا لاستخدامها فی المناطق الریفیة من جانب بعض السکان الذین یعتمدون على المعاملات النقدیة، فربط الأموال المتنقلة بوجود “هویّات” قانونیة- وهو ما قد لا یملکه معظم الأفارقة- قد یسهم فی عدم قدرة الأفراد على الحصول على التحویلات المالیة.

ج- ویمکن للحکومات والجهات التنظیمیة أیضًا تخفیض أو تعلیق رسوم المعاملات المتعلقة بتحویل التحویلات، کما یمکن التنازل عن رسوم تحویل الحساب المصرفی إلى محفظة نقالة وذلک بشکل مؤقت لمساعدة أولئک المقیمین فی المناطق الریفیة. ففی کینیا، زادت خدمة M-Pesa الحد الیومی للمعاملات النقدیة التی تتم من خلال الهواتف المحمولة، وخفضت رسوم المعاملات المدفوعة على کل معاملة من المعاملات الصغیرة، مما یسر نقل الأموال بین الأفراد.

د- والأهم من ذلک، ینبغی للحکومات أن تتدخل على نطاق أوسع لتنفیذ السیاسات التی تدعم الصالح العام، وذلک من خلال توفیر الدعم فی مجال الرعایة الاجتماعیة، بما فی ذلک المواد الغذائیة، والخدمات الصحیة، وخدمات المیاه والطاقة المدعومة، ولا سیما خلال فترات الإغلاق، فعلى سبیل المثال عرضت حکومة غانا دفع فواتیر المیاه لمواطنیها. فمثل هذه التدابیر تسد الفجوة المالیة المحلیة التی نجمت عن انخفاض التحویلات المالیة. وقد تصمم البلدان الإفریقیة أیضًا حزمًا للرعایة الاجتماعیة لضمان توفیر أجور لغیر القادرین على العمل فی الأعمال التجاریة الممولة من التحویلات. وتقوم الدول الإفریقیة حالیًا بتصمیم عدة حزم إنقاذ لمساعدة المحتاجین .

ه- یمکن للحکومات أن تسعى لتشجیع المؤسسات المالیة على وضع برامج تفضیلیة مثل تقدیم أسعار صرف تفضیلیة، أو خفض رسوم المعاملات على التحویلات، أو برامج تخفیف عبء الدیون، مما یسهم فی سد الفجوة الناشئة عن انخفاض التحویلات المالیة. ففی کینیا على سبیل المثال، تقدم المصارف فترات سماح لسداد القروض تصل إلى ثلاثة أشهر للمشاریع الصغیرة والمتوسطة الحجم والأفراد، کما وضعت بلدان أخرى مثل غانا وجنوب إفریقیا برامج من هذا القبیل .

3- دور الجهات الفاعلة فی القطاع الخاص

أ‌- توفر هذه الأزمة فرصة للجهات الفاعلة فی القطاع الخاص مثل شرکات النقل متعددة الوسائط والبنوک ومنصات العملة الرقمیة والمحافظ الإلکترونیة لتوسیع استخدام خدمات الاقتصاد الرقمی الإفریقی. ویمکن للجهات الفاعلة فی القطاع الخاص أن توسع نطاق خدماتها لتشمل الأسر المعیشیة فی المناطق الریفیة من خلال الشراکة مع شرکات الاتصالات، کما یمکن أن تطرح منصات جدیدة سهلة الاستخدام من قبل المستخدمین غیر المصرفیین وغیر البارعین فی التکنولوجیا. کذلک یمکن أن یقوم مقدمو خدمات التحویلات بإعادة هیکلة خدماتهم لتتناسب مع واقع القیود المفروضة على التنقل فی کل من الدول المرسلة والمستقبلة للتحویلات، فعلى سبیل المثال تقوم “ویسترن یونیون” الآن بتعزیز خیارات إرسال التحویلات المالیة من خلال موقعها أو تطبیقها.

ب‌- ویمکن أیضًا أن تستغل الجهات الفاعلة فی القطاع الخاص هذه الفترة کمیزة لتوسیع قاعدة المستهلکین وتقدیم خدمات شاملة لتعزیز تجربتها فی استخدام هذه المنصات. على سبیل المثال یمکن إنشاء روابط لمنصات الدفع المحلیة القائمة أو تقدیم خدمات مثل توفیر معلومات حول کیفیة الوصول إلى الخدمات المالیة المحلیة أو استخدامها. کما یمکن أن تقدم خدمات التأمین الصحی أو معلومات عنCOVID-19 وکیفیة تجنب انتشاره.

ج- یمکن للجهات الفاعلة الخاصة أیضًا أن تعمل مع الجهات الفاعلة العامة لتوعیة الجمهور بمنصات التحویلات الرقمیة المتاحة. علاوة على ذلک یمکن أن تساعد فی بناء الثقة فی قاعدة العملاء عن طریق إجراء معاملاتهم بطریقة أکثر شفافیة، وإظهار التکالیف المترتبة على تلک المعاملات.

4- دور الشرکاء الإنمائیین:

قد یتلقى بعض الشرکاء الإنمائیین تحویلات المعونات عن طریق متعهدی تحویل الأموال (کما هو الحال فى الصومال)، وقد تؤثر القیود المفروضة على التنقلات على عملیاتهم. ومع ذلک یعمل الشرکاء الإنمائیون (مثل الصندوق الدولی للتنمیة الزراعیةInternational Fund for Agricultural Development (IFAD وصندوق (الأمم المتحدة للمشاریع الإنتاجیة UN Capital Development Fund (UNCDF على تحسین الشمول المالی فی المناطق الریفیة، وتتیح أزمة وباء کوفید 19الفرصة لزیادة أنشطتهم فى هذا الصدد .

  ویمکن للشرکاء الإنمائیین أن یدعموا توسیع نطاق تطبیق الشمول المالى لیشمل المشاریع الأصغر وخفض تکالیف تحویل التحویلات المالیة لتلک المشروعات. فعلى سبیل المثال، یمکن أن تشترک هذه الجهات فی الدعوة إلى وضع لوائح مرنة لنظم الدفع التی تعتمدها الجهات الفاعلة فی القطاع العام فی البلدان المرسلة والمستقبلة. کما یمکن لشرکاء التنمیة أیضًا تصمیم خدمات مبتکرة من أجل التصدی لبعض التحدیات التی یواجهها المهاجرون وأسرهم فی استقبال التحویلات المالیة. على سبیل المثال، کما ینظم بنک التنمیة الإفریقی حالیًا تحدیًا رقمیًا لتحدید ودعم الحلول الرقمیة المبتکرة للبلدان الإفریقیة خلال الجائحة .

5- المساعدات الإنمائیة الرسمیة کبدیل لتدفقات التحویلات:

أسهمت جائحة “کوفید-19” فی تراجع قیم تدفقات التحویلات المالیة ووسعت الفجوات فی التمویل المحلی. وبناءً على ذلک ینبغی تبنی مصادر بدیلة للتمویل الخارجی إذا ما أرید للبلدان الأکثر فقرًا – ومنها الدول الإفریقیة- أن تحمی أسرها المعیشیة والمشروعات الأکثر عرضة للتضرر. وبما أن تدفقات الاستثمار الأجنبی المباشر تتناقص أیضًا کما هو مصوّر فی الرسم البیانی أدناه، فإن ذلک یجعل من المساعدات الإنمائیة الرسمیة خیارًا مهمًا یمکن من خلاله أن یقوم شرکاء التنمیة بسد جزء من الفجوات المالیة القائمة بین الأسر المعیشیة منخفضة الدخل والمؤسسات الصغیرة والمتوسطة الحجم.

شکل (11)التحویلات المالیة المتوقعة وتدفقات الاستثمار الأجنبی المباشر ومساعدات التنمیة الرسمیة خلال جائحة کوفید19

Source: world bank, COVID-19 Crisis Through a Migration Lens, Migration and Development Briefno.32 , ( world bank: Washington D.C., April 2020)

وتقوم الجهات المانحة بحشد مساعدات إنمائیة لمساعدة البلدان النامیة على التعامل مع وباء “کوفید-19” وعواقبه. وقد عرض صندوق النقد الدولی تخفیف عبء الدیون على 25 بلدًا مثقلاً بالدیون فی إفریقیا حتى تتمکن من توجیه أموال سداد الدیون نحو مکافحة الوباء . کما أطلق البنک الدولی أیضًا الدعم الصحی الطارئ لکوفید-19 وبرنامج اقتصادی أوسع نطاقاً لتعزیز القدرات الصحیة والاقتصادیة للبلدان النامیة ، وبالإضافة إلى ذلک، وافقت مجموعة العشرین على تعلیق مدفوعات خدمة الدین حتى عام 2022 لأفقر بلدان العالم. .

وعلى الرغم من ذلک فإن المساعدات الإنمائیة الرسمیة وحدها لا تزال غیر کافیة لحمایة البلدان الإفریقیة أو دعمها لتحقیق الانتعاش الاقتصادی الکامل أثناء وبعد الوباء. وتقدر الأمم المتحدة أن البلدان النامیة تحتاج إلى حوالی 2.5 تریلیون دولار أمریکی لکى تستطیع تخطى الآثار السلبیة الناجمة عن کوفید 19 . کما أن المساعدات التى تأتى للدول النامیة – مثلها مثل التحویلات -تتعرض للتأخر بسبب وباء “کوفید- 19، وأدت إجراءات الإغلاق إلى إضعاف دور المعونة الإنسانیة التی تهدف إلى مساعدة البلدان النامیة فى التصدی للأمراض المعدیة، مما ترک نحو 13.5 ملیون شخص عرضة لهذه الأمراض. کما أن مساعدات التنمیة الرسمیة لا یمکن أن تکون بدیلاً عن التحویلات، ولکن توافرها یجعل الحکومات قادرة على دعم الأسر المعیشیة والشرکات التی استفادت من التحویلات المالیة فی السابق. وفیما یتعلق بوباء “کوفید-19″، یمکن لحکومات إفریقیا جنوب الصحراء أن تستخدم مساعدات التنمیة الرسمیة وغیرها من مصادر التمویل الخارجی لتوفیر اختبارات وعلاجات مجانیة للمصابین بهذا الوباء، کما یمکن استخدام تلک المساعدات فى توفیر الغذاء للجماعات الأکثر تضررًا وتوفیر رؤوس الأموال اللازمة للحفاظ على بقاء المشروعات المتوسطة والصغیرة، وقد اتخذت بعض البلدان، مثل تشاد وأوغندا وجمهوریة الکونغو الدیمقراطیة وإثیوبیا، تدابیر لتوفیر الغذاء للأسر المعیشیة الأکثر ضعفًا، التی ربما کان بعضها یعتمد فی السابق على التحویلات المالیة .

خاتمة وتوصیات:

یعد فیروس کورونا من أخطر الصدمات التى یتعرض لها الاقتصاد العالمی فی الوقت الراهن، حیث أن غالبیة الأزمات المالیة السابقة واجهتها الحکومات من خلال حزمة من السیاسات الاقتصادیة والمالیة، أما أزمة کورونا فهی تهدد المورد البشری مباشرة، ومن ثم فإن تداعیاتها تعد الأخطر على الاقتصاد العالمی وتتطلب سیاسات مختلفة لمواجهتها .

وتمثل تحویلات العمال الأفارقة فی الخارج أحد أهم مصادر النقد الأجنبی التی یعتمد علیها فی تمویل النمو الشامل والتنمیة المستدامة، کما أنها إحدى قنوات انتقال تداعیات أزمة فیروس کرورنا الى الاقتصادات الإفریقیة، فمن المتوقع أن یؤدی الانخفاض فی تدفقات التحویلات المالیة إلى إضعاف الجهود المبذولة حالیا لتحقیق العدید من أهداف التنمیة المستدامة، بما فی تلک المتعلقة بإنهاء الفقر والجوع وأوجه عدم المساواة . کما سیسهم انخفاض التحویلات فى تراجع قدرة البلدان الإفریقیة على تمویل بعض العجز فى میزان المدفوعات، کذلک فإن الانخفاض فى تدفقات التحویلات قد یعنى المزید من الدیون للاقتصادات الإفریقیة ولجوءها إلى الاقتراض لتمویل العجز .

  حاولت الورقة حصر أهم الآثار المتوقعة لوباء کوفید 19 على تحویلات العاملین فى دول إفریقیا جنوب الصحراء، حیث اتضح أن هذا الوباء سیلقى بآثاره السلبیة على تدفقات التحویلات المالیة وبشکل أسوء مما کانت علیه خلال الأزمة المالیة فی عام 2008، فى الوقت الذی تحاول فیه البلدان الإفریقیة الحد من آثار ذلک الفیروس على اقتصاداتها. ومن المرجح أن یخفض العمال المهاجرون الذین یفقدون وظائفهم التحویلات المالیة إلى أسرهم فی وطنهم الأصلی. وستفقد البلدان الإفریقیة المُستقبِلة للتحویلات مصدرًا مهمًا للدخل القومی والإیرادات الضریبیة فی الوقت الذی تکون فی أشد الحاجة إلیها. وفى ضوء ما سبق، أوصى البنک الدولی ببعض الإجراءات الداعمة لنمو تحویلات العاملین خلال أزمة کورونا منها ما یلی:

– ینبغی للسلطات العامة والحکومیة أن تعامل شرکات ومکاتب تقدیم خدمات التحویلات بوصفها خدمات أساسیة وضروریة .

– یوصی البنک الدولی بضرورة خفض أسعار التحویلات لمواجهة تحدیات انتشار البطالة والمحنة التی تواجه الجالیات المهاجرة فی البلدان المضیفة

– ینبغی على السلطات العامة والحکومیة مساندة التحویلات المالیة بالأدوات المناسبة لإدارة مخاطر الائتمان والسیولة على نحو فعال.

– اعتماد نماذج التحویلات الجدیدة الآخذة فی التطور، التی تساعد فی إرسال وصرف التحویلات من خلال الوسائل الرقمیة.

– مساندة الشمول المالی للجمیع فی البلدان المستقبلة للتحویلات .

  وفى الختام ، توصی الدراسة ببعض الإجراءات للتخفیف من آثار انخفاض حجم التحویلات المالیة التی تستقبلها دول إفریقیا جنوب الصحراء خلال جائحة کوفید 19 منها :

1- دعم المصدرین والمشروعات التجاریة المتضررة من تداعیات الفیروس للحد من تسریح العاملین، وتوسیع نطاق الإعفاءات الضریبیة، ووقف سداد القروض مؤقتًا، وتقدیم تسهیلات ائتمانیة خلال الأزمة .

2- تکثیف جهود دعم العمالة غیر المنتظمة بهدف خفض التدهور فی المستوى المعیشی للعمالة بالقطاع غیر الرسمى .

3- یتطلب انخفاض موارد العملة الأجنبیة بدول إفریقیا جنوب الصحراء – الذی یتزامن مع تراجع مستوى تحویلات العاملین والصادرات والإیرادات السیاحیة _ عدم لجوء البنوک المرکزیة بتلک الدول لاستنزاف الاحتیاطیات الأجنبیة لدیها للحفاظ على سعر صرف الدولار ثابت .

4- ضرروة قیام الدائنین الرسمیین بوقف مؤقت لخدمة الدیون السیادیة؛ وذلک لتوفیر احتیاطیات العملات الأجنبیة التی تحرم الدول الإفریقیة منها نتیجة استخدامها فى خدمة الدیون واستیراد معدات الرعایة الصحیة واللوازم الطبیة.

5- توجیه المزید من الاستثمارات نحو المشروعات المتوسطة والصغیرة ، وتقدیم قروض بتسهیلات میسرة لهم، وصرف بدلات إعالة لمن فقدوا وظائفهم .

6- التزام الحکومات الإفریقیة بتمکین المهاجرین فی البلد المضیف من تحویل أموالهم إلى أسرهم بطرق منخفضة التکالیف .

7- یمکن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى فی تحسین البنیة التحتیة لمدفوعات التجزئة ، والعمل على إنشاء شبکة فروع من البنوک أو مکاتب التحویلات فی المناطق الریفیة والنائیة بالدول الإفریقیة من أجل توسیع انشطة التعامل مع محدودی الدخل، کما یمکن الاستفادة من تجربة کینیا فی نقل الأموال من خلال تطبیقات الهاتف المحمول .

8- ستحتاج البلدان الإفریقیة التی تستقبل المهاجرین العائدین إلى المساعدة فى احتواء حالات تفشی المرض والتخفیف من حدتها والحد من تصاعدها. ویجب على البلدان المانحة أن تساعد فی تکالیف تخفیف حدة الفیروس، فمن المرجح أن یمارس المهاجرون العائدون مزیدًا من الضغط على نظم الرعایة الصحیة فی بلدانهم الأصلیة التی تکافح من أجل احتواء الإصابات المحلیة وتجنب إغلاق الاقتصاد المحلی. وستحتاج السلطات فی هذه البلدان إلى إجراء اختبارات ، فضلاً عن دعمها فی تنفیذ تدابیر الحجر الصحی للمهاجرین العائدین الذین قد یصابون بالعدوى. فإذا تم التعامل مع عودة المهاجرین بهذه الطریقة، یمکن أن تکون هناک على المدى الطویل فوائد لبلدانهم الأم، حیث یمکن للمهاجرین الذین یتوقع أن یعودوا إلى الوطن بشکل دائم أن یجلبوا مدخراتهم معهم، مما ینعکس إیجابًا على التنمیة الاقتصادیة فى دولهم .

9- سوف تحتاج الدول الإفریقیة إلى مساعدة المؤسسات المالیة الدولیة ومجتمع المانحین، حیث یتعین على المؤسسات المالیة الدولیة أن تمد هذه البلدان بالمساعدات المالیة التی تمکنها من تمویل العجز فى موازین مدفوعاتها . مع ضمان وصول تلک المساعدات إلى مقدمة:

فی الوقت الذی تستجیب فیه الحکومات لتأثیر وباء “کوفید-19” على مواطنیها، وعلى نظم الصحة العامة، واقتصاداتها، نرى تغیرات فی تدفقات التمویل الإنمائیة، خاصة التحویلات المالیة إلى البلدان الإفریقیة. فباستثناء قطاعات الرعایة الصحیة والتجزئة والزراعة، هناک قطاعات مثل السیاحة والضیافة والبناء والتصنیع التی توظف معظم المهاجرین، تکافح من أجل التعایش مع الآثار الاقتصادیة لتدابیر الإغلاق التی اتخذتها الحکومات لمنع انتشار وباء کوفید 19، ولا شک أن القیود المفروضة على التنقل تؤثر على الأسر المعیشیة والشرکات فی البلدان المرسلة للتحویلات المالیة والبلدان المستقبلة لها على حدٍ سواء.  

 بالفعل یشعر العمال المهاجرون بتأثیر جائحة کوفید 19 التی تسببت فی فقدان وظائفهم، مما کان له عواقب وخیمة حیث أثرت على دخل الأفراد والأسر والمجتمعات فی الأقالیم التی تمثل التحویلات المالیة فیها أهمیة کبیرة بالنسبة للبقاء الیومی. ولقد توقع البنک الدولى أن تنخفض التحویلات على الصعید العالمی بنحو 20%، وفی إفریقیا جنوب الصحراء الکبرى بنسبة 23.1% ، وتشیر التقدیرات أیضًا إلى أن وباء “کوفید-19” سیؤدی إلى إرسال نحو 35% من المهاجرین أقل من 5 % من حجم تحویلاتهم السابقة.

تحميل الدراسة كاملة

Please subscribe to our page on Google News
SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

I hold a Bachelor's degree in Political Science and International Relations in addition to a Master's degree in International Security Studies. Alongside this, I have a passion for web development. During my studies, I acquired a strong understanding of fundamental political concepts and theories in international relations, security studies, and strategic studies.

Articles: 15156

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *